الولاء والبراءة في مرآة عاشوراء

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

الولاء والبراءة في مرآة عاشوراء

مشاركة بواسطة مراقب »

صورة
الولاء والبراءة في مرآة عاشوراء
* توحيد الولاء
* البراءة والمفاصلة
* التحدّي والصراع
* عاشوراء يوم الفرقان
* البراءة
* انتصار الثورة الإسلامية منطلق
ثوري ، وقِيمة حضارية


الولاء والبراءة في مرآة عاشوراء

لـ ( عاشوراء ) علاقة وثيقة بـ ( الولاء ) و ( البراءة ) .
فهي حركة سياسية كبرى في هذه الأُمّة في مواجهة الطاغوت نهض بها ابن بنت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) .
ولهذه الحركة عُمق وامتداد . عُمْقٌ في حركة الأنبياء ( عليهم السلام ) في مواجهة طُغاة عصرهم ، وامتداد في مواجهة الصالحين مِن هذه الأمّة ضدّ أئمّة الكفر .
وهذه الحركة بما لَها مِن عُمق وامتداد محفوفة بـ ( الولاء ) و ( البراءة ) .
وفيما يلي توضيح لعلاقة ( عاشوراء ) بـ ( الولاء والبراءة ) .
توحيد الولاء :
قبل أن ندخل في تفاصيل الكلام عن الولاء والبراءة ، نقول : إنّ الولاء مِن مقولة التوحيد دائماً ، فلا يقبل الولاء الشِرك مطلقاً ، وتوحيد الولاء من أهمّ مقولات التوحيد .
وليس من الممكن أن يجمع الإنسان إلى ولاء الله ولاءً آخَر ، مهما كان ذلك الولاء...
وأيّ ولاء آخَر غير ولاء الله ، فهو لا محالة يقع في مقابل ولاء الله .
وإنّ أكثر مصاديق الشِرك الذي كان يحاربه الأنبياء ( عليهم السلام ) ، وينقله
القرآن الكريم ، هو مِن شِرك الولاء ، وليس من الشِرك بالخالق .
فقليل من الناس الذين يُشركون بالخالق ، ويعتقدون بوجود إله خالق غير الله لهذا الكون... ولكن الكثير من الناس مَن يُشرك بالله في الولاء ، ويُشرك غير الله تعالى مع الله في ولائه ، ويوزّع ولاءه وطاعتهُ لله تعالى ولغير الله معاً ، ويعطي للطاغوت حظّاً من وَلائه . وصراع التوحيد والشِرك في حياة الأنبياء ، في هذا الأمر بالذات في أغلب الحالات .
وهذا الصراع في جوهره صراع عقائدي حضاري .
والبشرية تنشطر شطْرَين حَول هذه المسألة :
ـ شطْر يوحّد الله بالولاء والطاعة ، ولا يقبل لله تعالى شريكاً في الولاية و الحاكمية .
ـ وشطْر آخَر يتّخذ في الحياة محاور أخرى للولاية ، وينقاد لها...
وقد يكون الولاء للهوى ، وقد يكون الولاء للطاغوت... ولا يختلف الأمر كثيراً .
والصراع بين هذين الشطرَين في حياة البشرية يعتبر كبرى قضايا الإنسان ، وأهمّ الأحداث التي عاشتها البشرية على وجه الأرض في التاريخ .
عناصر الولاء :
الولاء : هو الارتباط بالله سبحانه وتعالى ، وأهمّ عناصر الولاء هو :
أوّلاً : في الطاعة والانقياد والتسليم .
( إِنّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنَا ) (1) .
ـــــــــــــــــ
(1) النور / 51 .

( وَإِن تُطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُم مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (1) .
( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) (2) .
( قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَالرّسُولَ )(3) .
( وَأَطِيعُوا اللّهَ وَالرّسُولَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ )(4) .
( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (5) .
( قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ )(6) .
وكما إنّ الولاء لله يتطلّب الطاعة لله وللرسول والانقياد والتسليم... كذلك يتطلّب رفْض الطاعة لغير الله .
( فَاتّقُوا اللّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ) (7) .
ثانياً : الحبّ والإخلاص لله سبحانه وتعالى .
( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبّ إِلَيْكُم مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبّصُوا حَتّى‏ يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) (8) .
( وَمِنَ النّاسِ مَن يَتّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْدَاداً يُحِبّونَهُمْ كَحُبّ اللّهِ وَالّذِينَ آمَنُوا
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) الحجرات / 14 .
(2) النساء / 13 .
(3) آل عمران / 32 .
(4) آل عمران / 132 .
(5) النساء / 59 .
(6) النور / 54 .
(7) الشعراء / 150 و151 .
(8) التوبة / 24 .

أَشَدّ حُبّاً للّهِ )‏ِ (1) .
ثالثاً : النُصرة لله ولرسوله وللمؤمنين .
( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ )(2) .
( وَلَيَنصُرَنّ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنّ اللّهَ لَقَوِيٌ عَزِيزٌ ) (3) .
قِيمة الولاية :
عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ( بُنيَ الإسلام على خمسٍ على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، ولم يناد بشيء ، كما نوديَ بالولاية ) (4) .
وعن عجلان أبي صالح قال : ( قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) أَوقِفْني على حدود الإيمان . فقال : بشهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمّداً رسول الله ، والإقرار بما جاء مِن عند الله ، وصلاة الخَمس ، وأداء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت ، وولاية وليّنا ، وعداوة عدوّنا ، والدخول مع الصادقين ) (5) .
وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ( بُنيَ الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ) .
قال زرارة ( راوي الحديث ) : فقلت : وأيّ شيء مِن ذلك أفضل ؟ قال : الولاية أفضل ؛ لأنّها مفتاحُهنَّ ، والوالي هو الدليل عليهنّ ... ثمّ قال : ذروَة الأمر ، وسنامه ومفتاحه ، وباب الأشياء ، ورضى الرحمن ، الطاعة للإمام بعد معرفته .
ــــــــــــــــــــــ
(1) البقرة / 165 .
(2) محمّد / 7 .
(3) الحج / 40 .
(4) أصول الكافي 2 / 18 .
(5) نفس المصدر السابق .

إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ( مَن يُطِعِ الرّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلّى‏ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً )(1) .
أما لو أنّ رجُلاً قام ليله ، وصام نهاره ، وتصدّق بجميع مالِه ، وحجّ بجميع دهره ، ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه ، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ما كان له على الله حقّ في ثوابه ولا كان مِن أهل الإيمان . ثمّ قال : ( أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنّة بفضل رحمته ) (2) .
وهذا الحديث يوقِف الإنسان للتأمّل طويلاً ، فمَن قام ليله وصام نهاره ... ولم يعرف وليّ الله لم يكن له على الله حقّ في ثواب ، ولا كان من أهل الإيمان .
الولاية ومسألة الحاكمية والسيادة :
ولا تتمّ الولاية ، من دون ممارسة فِعلية للحاكمية والسيادة في حياة الناس .
فإنّ الإسلام شريعة قائدة في حياة الإنسان يتولّى تنظيم وإدارة المجتمع ، وتوجيه المجتمع الإسلامي باتّجاه تحقيق أهداف الدعوة وغاياتها ، ولا يمكن أن يتحقّق شيء من ذلك دون وجود ممارسة فِعلية للقيادة والحاكمية في المجتمع الإسلامي .
وهذه القيادة و الحاكمية هي التي يسمّيها القرآن الكريم بـ ( الإمامة ) .
وهي شيء آخَر غير الجانب التشريعي من هذا الدِين ، فإنّ الطاعة فيما يبّلغ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) من أحكام وتشريعات ، إنّما هي طاعة لله تعالى ، وليس للأنبياء في ذلك دَور غير التبليغ والتوجيه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران : 79 .
(2) أصول الكافي : ج2 ص18 ، وبحار الأنوار 68 : 332 ـ 333 .
والقرآن يصرّح بوجوب طاعة الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) وطاعة أُولي الأمر من بعد الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) في امتداد طاعة الله ومِن بعد طاعة الله .
( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) .
وهذه الطاعة ليست هي طاعة الله في امتثال أحكامه ، والالتزام بالحلال والحرام ؛ وإلاّ لم يكن شيئاً آخَر غير طاعة الله .. ولم يكن معنى لطاعة الرسول وأُولي الأمر ، بعد طاعة الله تعالى وفي امتداده .
فهي طاعة أخرى إذن غير طاعة الله ، وإن كانت في امتدادها ... تأتي في مساحة الفراغ التي تتركها الشريعة لأولياء أمور المسلمين ، وتتطلّبه مصلحة الأمّة والإسلام ، ممّا لا يمكن ضبطها في الشريعة بأحكام ثابتة ؛ ولأجْل أن يمارس هذا الدِين دَوره في حياة الإنسان ، لابدّ مِن وجود ممارسة فِعلية لهذه القيادة و الحاكمية في حياة الناس .
البراءة والمفاصلة :
إنّ طبيعة هذا الدِين طبيعة حرَكية جهادية ؛ ذلك أنَّ مهمّة هذا الدِين إبلاغ رسالة التوحيد إلى البشرية جميعاً ، وتحرير الإنسان من الطاغوت ، وتعبيده لله تعالى . وتقرير إلوهية الله في حياة الناس . وهذا كلّه ممّا يغيظ الكفر ، ويصادر نفوذهم وسلطانهم ، ويدفعهم إلى عرقلة مسيرة هذا الدين وتطويقه وإعاقة حركته...
ولكي تستطيع هذه الأمّة أن تحتفظ بأصالتها في هذا الصراع الحضاري ، وبموقعها الحضاري على وجه الأرض في الدعوة إلى الله ، لابدّ لها من أن تقاوم كيد أئمّة الكفر ومكرهم ، وتدخل معهم في مواجهة حقيقية أوّلاً ، وتُعلن المفاصلة عنهم ثانياً . والأوّل ( الجهاد ) ، والثاني ( البراءة ) .
وهذه المفاصلة هي التي يقول تعالى عنها : ( بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الّذِينَ
عَاهَدْتُم مِنَ الْمُشْرِكِينَ... وَأَذَانٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجّ الأَكْبَرِ أَنّ اللّهَ بَرِي‏ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ )
(1) .
المواصلة والمفاصلة في المجتمع الإسلامي :
إنّ طبيعة هذا الدِين الحرَكية ورسالته تتطلّبان مِن الأمّة حالتين في الداخل والخارج :
التماسك والترابط في الداخل ، ( الّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (2) .
( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ ) (3) .
حتّى كأنَّ الأمّة جسم واحد متضامن الأعضاء والأطراف .
( مثَل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى ) (4) .
( المؤمن للمؤمن كالبنيان ، يشدُّ بعضه بعضاً ) (5) .
( تواصلوا وتبارّوا وتراحموا وكونوا إخْوة بَرَرة ، كما أمركم الله ) (6) .
هذا فيما يتعلّق بالعلاقة بين أطراف هذه الأمّة من الداخل ، وأمّا العلاقة مع الخارج ، مع أعداء الله ورسوله وأئمّة الكفر وقادة الاستكبار ، فهي المفاصلة
ـــــــــــــــــ
(1) التوبة / 1 و3 .
(2) الأنفال / 72 .
(3) التوبة / 71 .
(4) رواهما عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) مسلم في صحيحه 8 / 4 ، دار الفكر .
(5) رواهما عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) مسلم في صحيحه 8 / 4 ، دار الفكر .
(6) بحار الأنوار 74 / 399 .
والبراءة . وتحريم موالاتهم ومودّتهم والتحبّب إليهم .
( لاَ يَتّخِدِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) .
( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ )(2) .
( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنّصَارَى‏ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلّهُم مِنكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ )(3) .
( لاَ تَتّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ ) (4) .
وهاتان الحالتان : الترابط والتماسك من الداخل والمفاصلة من الخارج ، يتطلّبان وجود قيادة مركزية ، تربط هذه الأمّة بعضها ببعض في كُتلة متراصّة واحدة من الداخل ، وتفصلها عن أعدائها الذين يريدون بها سوءاً من الخارج (5) .
ثمّ تُوَجّه هذه الكُتلة المجتمعة باتّجاه تحقيق الأهداف الكبرى لهذه الدعوة على وجه الأرض .
وهذه القيادة المركزية التي تمتلك من الأمّة الطاعة والنصرة والحبّ ( العناصر الثلاثة للولاء ) ... هي التي يصطلح عليها القرآن الكريم باسْم ( الوليّ ) أو ( الإمام ) .
وولايته على الأمّة امتداد لولاية الله ورسوله ، وطاعته ونصرته وحبّه امتداد لِما يجب على المؤمنين مِن الطاعة والحبّ والنصرة لله تعالى ، وليس محوَراً آخَر في عرْض هذا المحوَر .
ــــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران / 28 .
(2) النساء / 144 .
(3) المائدة / 51 .
(4) التوبة / 23 .
(5) راجع البحث القيّم الذي كتَبه سماحة آية الله السيد عليّ الخامنئي وليّ أ مر المسلمين حفظه الله . بعنوان (الولاية) .
التوحيد والشِرك في الولاء :
ذلك أنّ الولاء من مقولة التوحيد ، ولا ولاية لأحد إلاّ في امتداد ولاية الله وبأمْرٍ وإذنٍ مِن الله .
والولاء لله إمّا أن يكون أو لا يكون... فإذا كان فلابدّ أن يكون بوجْهَيه الإيجابي والسلبي ، ولا تقلّ قِيمة الوجه السلبي عن الوجه الإيجابي... والوجه السلبي هنا رفْض الولاء لغير الله... ولا يتمّ الولاء لله تعالى إلاّ برفض أيّ ولاء آخَر من دون إذن الله .
وقبول أيّ ولاء بغير إذن الله يعني الشِرك بالله العظيم ، وأكثر مصاديق الشِرك في القرآن ليس هو الشِرك بالخالق ، وإنّما هو الشِرك في الولاء .
تأمّلوا في قوله تعالى :
( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مَتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً... ) (1) .
يضرب الله لنا مثلاً في التوحيد والشِرك برجُلين : رجُل يتنازعه شركاء متشاكسون ، كلٌّ له ولاية وسلطان عليه ، وهُم فيما بينهم متشاكسون مختلفون ، وهو موزّع بين هؤلاء الشركاء المشاكسين . ورجلٌ قد أسلَم أمره إلى رجُل واحد آخَر ( ورجُلاً سَلماً لرجُل ) يطيعه في كلّ شيء ، وينقاد له ، ويتقبّل ولايته و حاكميته .
كذلك التوحيد والشِرك ، فالموحّدون من الناس كالرجُل الذي أسلم أمره لرجُل آخَر في راحةٍ مِن أمْره . والمشركون مِن الناس كالذي يتنازعه شركاء
ــــــــــــــــــــ
(1) الزمر / 29 .
متشاكسون... وواضح مِن هذا المثال أنّ المقصود بالشِرك والتوحيد ، الشِرك في الولاء ، والتوحيد في الولاء .
يقول القرآن عن لسان يوسف ( عليه السلام ) :
( يَا صَاحِبَيِ السّجْنِ أَأَرْبَابٌ مّتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ ) (1) .
إنّ صاحبَي يوسف ( عليه السلام ) لم يكونوا يُنكرون الله الواحد القهّار ، وإنّما كانوا يُشركون أرباباً متفرّقين مع الله في الولاية و الحاكمية ، فيُنكر عليهم يوسف ( عليه السلام ) ذلك ؛ لأنّهم لم يُسلموا أمْرهم كلّه لله الواحد القهار .
يقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في أسباب البِعثة : ( بعَث الله محمّداً ( صلّى الله عليه وآله ) ؛ ليُخرج عباده من عبادة عِباده ، إلى عبادته ، ومِن عهود عِباده إلى عهده ، ومن طاعة عِباده إلى طاعته ، ومن ولاية عباده إلى ولايتـه ) (2) .
فالولاية إذن لله سبحانه وتعالى ، وتمتدُّ الولاية الإلهية إلى مَن يشاء ومَن يرتضي مِن عِباده ، فلن تكون ولاية في قِبال ولاية الله ، ولن تكون ولاية بغير إذن الله .
مصدر الحاكمية في حياة الإنسان هو الله :
ويجب أن نقف عند هذه النقطة قليلاً ، فإنّ الولاية المشروعة في حياة الأمّة لمّا كانت امتداداً لولاية الله ، لابدّ أن تكون الولاية بإذن الله وأمْره ، وما لم يأذن الله لأحد بأن يلي أمْر عباده ، لن يكون له الحقّ في أن يتولّى شيئاً مِن أمور الأُمّة .
وبمراجعة القرآن الكريم نجد هذه الحقيقة واضحة ، فيما يحكي الله تعالى لنا
ــــــــــــــــــــ
(1) يوسف / 39 .
(2) الوافي 3 / 22 .
مِن تنصيب عِبادٍ له ؛ ليكونوا أولياء وأئمّة على الناس ، ولا تتمّ لهم إمامة وولاية على الناس ، لولا أنّ الله تعالى قد خصّهم بذلك ، وأناط إليهم هذا الأمر . ففي قضية إبراهيم يقول تعالى :
( قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (1) .
والإمامة هنا بمعنى الولاية... وقد جعل الله تعالى إبراهيم ( عليه السلام ) إماماً بعد أن كان نبيّاً .
وفي قصّة داود ( عليه السلام ) يقول تعالى :
( يَا دَاوُدُ إِنّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقّ ) (2) .
والخلافة هنا بقرينة ( فاحكم بين الناس بالحقّ ) هي الولاية و الحاكمية .
ويقول تعالى في ذرّية إبراهيم لمّا نجّاه الله تعالى مِن القوم الظالمين :
( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (3) .
ولسنا نريد أن نُسْهب هنا في هذا القول ، فله مجاله الخاصّ به في البحث ، وإنّما نريد أن نشير إشارة سريعة فقط إلى أنّ مصدر الحاكمية والسلطان في حياة الإنسان هو الله تعالى ، وليست الأمّة كما تُفسّر ذلك النُظُم والاتّجاهات الديمقراطية... فليس لأحد من دون إرادة الله أن يتولّى أمراً من أمور المسلمين .
والله عزّ وجلّ هو مصدر السلطة و الحاكمية في حياة الناس ، ولا يقتصر أمر
ـــــــــــــــــــــ
(1) البقرة / 124 .
(2) ص / 26 .
(3) الأنبياء / 72 و73 .
ولاية الله في حياة الناس على نفوذ الأحكام الشرعية المحدّدة مِن قِبَل الله في عباده ، وإنّما تشمل الممارسة الفعلية للحاكميـة ، والأمر والنهي في حياة الإنسان من خلال الذين اتّخذهم الله أولياء وجعَلَهم أئمّة وخلفاء على الناس .
التحدّي والصراع :
وهذه الحقيقة تُقرِّر حتميّة الصراع بين محورَي الولاية والطاغوت بشكلٍ دائم في تاريخ الإنسان .
إنّ هذين المحورَين يعملان باتّجاهين متعاكسين في حياة الإنسان ، وكلّ منهما يعمل لاستقطاب ولاء الناس ، وقطع الإنسان من المحوَر الآخَر .
إنّ مهمّة هذا الدِين ورسالته هي استقطاب ولاء الناس لله تعالى ، وإنقاذ الناس من التشتّت والتَيْه والضياع والاختـلاف ، وتحرير الإنسان من عبودية الطاغوت والهوى ، وإزالة العقَبات من أمام طريق الإنسان إلى الله تعالى . وربط الإنسان بالله وتعبيده لله تعالى ، وإخراجه من الظلمات إلى النور .
وفي قِبال هذا المحور الربّاني ، يعمل الطاغوت على استقطاب ولاء الناس ، ووضع الحواجز والعقبات في طريق الناس إلى الله تعالى ، واستعباد الإنسان وإخراجه من النور إلى الظلمات .
وإلى هذا الصراع بين المحورَين ، تشير الآية الكريمة :
( اللّهُ وَلِيّ الّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ وَالّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النّورِ إِلَى الظّلُمَاتِ أُولئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (1) .
ــــــــــــــــــــ
المصدر في رحاب عاشوراء للمؤلف
الشيخ محمد مهدي الآصفي
صورةصورةصورة
صورة
أم سيد يوسف
عضو جديد
مشاركات: 937
اشترك في: الجمعة مارس 13, 2009 12:31 pm

مشاركة بواسطة أم سيد يوسف »

معلومات قيمة .. شكرا جزيلا لهذا المجهود
أضف رد جديد

العودة إلى ”منتدى شهري محرم وصفر 1433 هجرية“

الموجودون الآن

المتصفحون للمنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين فقط