اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
سمى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وليده المبارك بـ«العباس» وقد استشف من وراء الغيب أنه سيكون بطلا من أبطال الإسلام، وسيكون عبوسا في وجه المنكر والباطل، ومنطلق البسمات في وجه الخير، وكان كما تنبأ فقد كان عبوسا في ميادين الحروب التي أثارتها القوى المعادية لأهل البيت عليهم السلام، فقد دمر كتائبها وجندل أبطالها، وخيم الموت على جميع قطعات الجيش في يوم كربلاء، ويقول الشاعر فيه:
عبست وجوه القوم خوف الموت
والعبـــاس فيهم ضاحك متبسم
كنيته ـ عليه السلام ـ
وكني سيدنا العباس عليه السلام بما يلي:
1 ــ أبو الفضل: قيل بان العباس عليه السلام كني بذلك لأن له ولدا اسمه الفضل، فطابقت هذه الكنية حقيقة ذاته العظيمة، وحتى لو لم يكن له ولد يسمى بهذا الاسم، فهو بحق أبو الفضل، ومصدره الفياض، فقد أفاض في حياته البر على القاصدين لوجوده، وبعد شهادته كان العباس ملجأ لكل ملهوف، فما استجار به أحد بنية صادقة إلا كشف الله ما ألم به من المحن والبلوى.
2 ــ أبو القاسم: قيل انه عليه السلام إنما كني بذلك لأن له ولدا اسمه القاسم، وذكر بعض المؤرخين أنه استشهد معه يوم الطف(1)، وقدمه قربانا لدين الله، وفداء لريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ألقابه ـ عليه السلام ـ
أضفيت على أبي الفضل عليه السلام عدة ألقاب رفيعة تنم عن نفسه الطيبة، وما اتصف به من مكارم الأخلاق وهي:
1 ــ قمر بني هاشم: كان العباس عليه السلام في روعة بهائه، وجميل صورته آية من آيات الجمال، ولذلك لقب بقمر بني هاشم، وكما كان قمرا لأسرته العلوية الكريمة، فقد كان قمرا في دنيا الإسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شهداء أهل البيت عليهم السلام قمر بني هاشم للحاج حسين الشاكري: ص18.2 ــ
السّقاء:
وهو من أجلّ ألقابه، وأحبها إليه، أما السبب في إمضاء هذا اللقب الكريم عليه فهو لقيامه بسقاية عطاشى أهل البيت عليهم السلام حينما فرض الإرهابي المجرم ابن مرجانة الحصار على الماء، وأقام جيوشه على الفرات لتموت عطشا ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
3 ــ بطل العلقمي: أما العلقمي فهو اسم للنهر الذي استشهد على ضفته أبو الفضل العباس عليه السلام، وكان محاطا بقوى مكثفة من قبل ابن مرجانة لمنع ريحانة رسول الله عليه السلام وسيد شباب أهل الجنة، ومن كان معه من نساء وأطفال من شرب الماء، وقد استطاع أبو الفضل بعزمه الجبار، وبطولته النادرة أن يجندل الأبطال، ويهزم أقزام ذلك الجيش المنحط، ويحتل ذلك النهر، وقد قام بذلك عدة مرات، وفي المرة الأخيرة استشهد على ضفته ومن ثم لقب ببطل العلقمي.
4 ــ حامل اللواء: وهو من أشرف الألوية لأنه لواء أبي الأحرار الإمام الحسين عليه السلام، وقد خصه به دون أهل بيته وأصحابه، وذلك لما تتوفر فيه من القابليات العسكرية، ويعدّ منح اللواء في ذلك العصر من أهم المناصب الحساسة في الجيش.
5 ــ كبش الكتيبة:
وهو من الألقاب الكريمة التي تمنح للقائد الأعلى في الجيش، الذي يقوم بحماية كتائب جيشه بحسن تدبيره، وقوة بأسه، وقد لقب سيدنا العباس عليه السلام بهذا اللقب لما أبداه يوم الطف من الشجاعة والبسالة في الذب والدفاع عن معسكر الإمام الحسين عليه السلام، فقد كان قوة ضاربة في معسكر أخيه، وصاعقة مرعبة ومدمرة لجيوش الباطل.
6 ــ العميد: وهو من الألقاب الجليلة في الجيش والتي تمنح لأبرز الأعضاء في القيادة العسكرية، وقد قلد أبو الفضل عليه السلام بهذا الوسام لأنه كان عميد جيش أخيه أبي عبد الله عليه السلام، وقائد قواته يوم الطف.
7 ــ حامي الظعينة: ولقب بهذا اللقب الكريم لقيامه بدور مشرف في رعاية مخدرات النبوة وعقائل الوحي، فقد بذل قصارى جهده في حمايتهن وحراستهن وخدمتهن، فكان هو الذي يقوم بترحيلهن، وإنزالهن من المحامل طيلة انتقالهن من المدينة إلى كربلاء.
يقول السيد جعفر الحلي في قصيدته العصماء التي رثاه بها:
حامي الظعينة أين منه ربيعة أم أيــــن من عليــا أبيه مكرم
8 ــ باب الحوائج:
وهذا من أكثر ألقابه شيوعا، وانتشارا بين الناس، فقد آمنوا وأيقنوا أنه ما قصده ذو حاجة بنية خالصة إلا قضى الله حاجته، وما قصده مكروب إلا كشف الله ما ألم به من محن الأيام، وكوارث الزمان.
صفاته ـ عليه السلام ـ 1
ــ قوة الإيمان بالله: وهي من أبرز العناصر في شخصية أبي الفضل عليه السلام، ومن أوليات صفاته، وكيف لا تكون كذلك وهو من تربى في حجر الإيمان ومراكز التقوى، ومعاهد الطاعة والعبادة لله تعالى، فقد غذاه أبوه زعيم الموحدين، وسيد المتقين بجوهر الإيمان، وواقع التوحيد.
2 ــ الإباء: وهي عزة النفس فقد أبى أن يعيش ذليلا في ظل الحكم الأموي الذي اتخذ مال الله دولا، وعباد الله خولا، فاندفع إلى ساحات الجهاد كما اندفع أخوه أبو الأحرار الذي رفع شعار العزة والكرامة، وأعلن أن الموت تحت ظلال الأسنة سعادة، والحياة مع الظالمين برما.
3 ــ الصبر: ومن خصائص أبي الفضل ومميزاته الصبر على محن الزمان، ونوائب الدهر، فقد ألمت به يوم الطف من المصائب والمحن التي تذوب من هولها الجبال، فلم يجزع، ولم يفه بأي كلمة تدل على سخطه، وعدم رضاه بما جرى عليه وعلى أهل بيته، وإنما سلم أمره إلى الخالق العظيم، مقتديا بأخيه سيد الشهداء عليه السلام الذي لو وزن صبره بالجبال الرواسي لرجح عليها.
4 ــ الوفاء: وهي من أنبل الصفات وأميزها، فقد ضرب الرقم القياسي في هذه الصفة الكريمة وبلغ أسمى حد لها، فكان من أوفى الناس لدينه، ومن أشدهم دفاعا عنه.
ولم ير الناس على امتداد التاريخ وفاءً مثل وفاء أبي الفضل لأخيه الإمام الحسين عليه السلام، ومن المقطوع به أنه ليس في سجل الوفاء الإنساني أجمل ولا أنظر من ذلك الوفاء الذي أصبح قطبا جاذبا لكل إنسان حر شريف.
5 ــ قوة الإرادة: أما قوة الإرادة فإنها من أميز صفات العظماء الخالدين الذين كتب لهم النجاح في أعمالهم إذ يستحيل أن يحقق من كان خائر الإرادة، وضعيف الهمة أي هدف اجتماعي، أو يقوم بأي عمل سياسي. ولقد كان من الطراز الأول في قوة بأسه، وصلابة إرادته، فانضم إلى معسكر الحق، ولم يهن، ولم ينكل، وبرز على مسرح التاريخ كأعظم قائد فذ، ولو لم يتصف بهذه الظاهرة لما كتب له الفخر والخلود على امتداد الأيام.
6 ــ الرأفة والرحمة والإيثار: وأترعت نفس أبي الفضل بالرأفة والرحمة على المحرومين، والمضطهدين وقد تجلت هذه الظاهرة بأروع صورها في كربلاء حينما احتلت جيوش الأمويين حوض الفرات لحرمان أهل البيت من الماء حتى يموتوا أو يستسلموا لهم، ولما رأى العباس عليه السلام أطفال أخيه، وسائر الصبية من أبناء أخوته، وقد ذبلت شفاههم، وتغيرت ألوانهم من شدة الظمأ ذاب قلبه حنانا وعطفا عليهم، فاقتحم الفرات، مع ثلة من أصحابه وحمل الماء إليهم، وسقاهم، وكان ذلك في اليوم السابع من المحرم، وفي اليوم العاشر من المحرم، سمع الأطفال ينادون العطش العطش، فتفتت كبده رحمة ورأفة عليهم، فأخذ القربة، والتحم مع أعداء الله حتى كشفهم عن نهر الفرات، فغرف منه غرفة ليروي ظمأه فأبت نفسه أن يشرب قبل أخيه وأطفاله، فرمى الماء من يده. ولو بحث أهل السير والتاريخ في الأمم السالفة فإنهم لن يجدوا مثل هذه الفضائل التي تحلى بها قمر بني هاشم وفخر عدنان. هذه بعض عناصر أبي الفضل وصفاته، وقد ارتقى بها إلى قمة المجد.
أقوال الأئمة فيه
عن الشيخ الجليل أبي نصر البخاري النسّاب، عن المفضّل ابن عمر أنه قال: «قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: كان عمّنا العباس بن علي نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبدالله وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً» (1).
وقد أثبت له الإمام السجاد عليه السلام منزلة كبرى لم ينلها غيره من الشهداء ساوى بها عمّه الطيار، فقال عليه السلام:
«رحم الله عمّي العباس بن علي، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتى قُطعت يداه، فأبدله الله عز وجل جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، إنّ للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة(2).
وقد خرج من الناحية المقدسة للإمام المهدي عليه السلام قوله: «السلام على أبي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين المواسي أخاه بنفسه الآخذ لغده من أمسه الفادي له الوافي الساعي إليه بمائه المقطوعة يداه، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد الجهنى وحكيم بن الطفيل الطائي»(3).
فقرات من زيارته عليه السلام:
«أشهد أنك قد بالغت في النصيحة وأعطيت غاية المجهود فبعثك الله في الشهداء وجعل روحك مع أرواح السعداء وأعطاك من جنانه أفسحها منزلاً وأفضلها غرفاً ورفع ذكرك في علّيّين وحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقا أشهد أنك لم تهن ولم تنكل وأنك مضيت على بصيرة من أمرك مقتدياً بالصالحين ومتّبعاً للنبيّين فجمع الله بيننا وبينك وبين رسوله وأوليائه في منازل المخبتين فإنّه أرحم الراحمين».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عمدة الطالب لابن عنبة: ص 356. مقتل الحسين لأبي مخنف: ص 176. الأنوار العلوية للنقدي: ص 442.
(2) الأمالي للشيخ الصدوق: ص 548. الخصال: ص 68.
(3) شفاء الصدور في شرح زيارة العاشوراء للحاج ميرزا أبي الفضل الطهراني: ج 1، ص 244.