درس تفسير سورة الهمزة للامام موسى الصدر
بسم الله الرحمن الرحيم، ويلٌ لكل هُمَزة لُمَزة، الذي جمع مالاً وعدّده، يحسب أنّ ماله أخلده، كلا ليُنبَذَنّ في الحُطمة، وما أدراك ما الحُطمة، نار الله الموقَدة، التي تطّلع على الأفئدة، إنها عليهم موصَدة، في عَمَدٍ مُمَدَّدة. صدق الله العظيم.
هذه السورة مكّية، وفيها ردّ ورفض لتصرّفات كانت تصدر عن المشركين تجاه رسول الله وأصحابه..
مقدّمة: نحن نعلم أنّ رسول الله (ص) كان في مكّة، صحيح أنّ قومه أو عائلته كانوا يحمونه ويمنعون وقوع الأذى عليه، ولكن هذا ليس معناه أنه كان لرسول الله سلاح، ما كان له سلاح (بالمعنى المعروف)، يعني: هو ما كان أحد معه، لا رجال ولا جيش ولا سلاح حتى يتمكن من الهجوم على الآخرين، وبنو هاشم بقيادة أبي طالب كانوا يدافعون عنه، لكن ماذا يعني يدافعون؟ بين الحين والآخر إذا واحد أضرّه، أزعجه، آذاه، أدخل عليه ضرراً في بعض الأحيان.. عندها يدافعون عنه، لكنهم غالباً لم يكونوا مستعدين أنه في كل ساعة وكل وقت وكل ليل وكل نهار يقفون معه بالنسبة لمعركته ورسالته، وكثير منهم (من بني هاشم) ما كانوا مسلمين..
إذن: رسول الله في الحقيقة كان رجلاً أعزل (بالمعنى المعروف)، وسلاحه المعنوي كان دعوته وإيمانه وصدقه ونبوّته، وكان له سلاح مادي أيضاً، وهو سلاح القرآن.. فصاحة القرآن والتعبيرات القرآنية القاصمة للظهر، وطبعاً أنتم تعرفون أنّ العرب في أوائل أيام الرسول (وقبل الرسول) كانوا فصحاء، كانوا يهتمون بالمدح والقدح، يعني: كان يُعتبر الشِعر سلاحاً، وتذكرون في تفسير سورة تبّت يدا أبي لـهب وتبّ: ذكرنا أنّ هذه السورة حينما نزلت اشتهرت مثل القنبلة، دوّت في أوساط العرب، حتى في الحديث أنّ الخليفة أبا بكر كان واقفاً مع رسول الله، فجاءت "أم جميل" التي لقّبها القرآن بحمّالة الحطب، جاءت مثل المجنونة، وقالت: "أين صاحبك؟ سمعت أنه قد هجاني"، يعني: كان العرب يهتمون جداً بقضية الهجو وقضية المدح، ما كان شيئاً عادياً، يعني: قصيدة شعر في مدح أو ذمّ أحد كانت أمراً عظيماً وسلاحاً قارعاً، ولهذا نقدر أن نقول أنّ رسول الله (ص) في أول رسالته كان يستعمل الآيات القرآنية مثل السلاح، لأنه ما كان له سلاح آخر، بهذا السلاح كان يدافع عن نفسه، كان يردّ الكيد والتآمر والهزء والعند الذي يصوّره المشركون بالنسبة للنبي وأصحابه، كان يرد عليهم لكي يحذّر الرأي العام حتى لا يقولوا بأنه ضعيف أو جماعته ضعاف، يعني: أنتم تعرفون أنّ الدعاية لها أثر كبير في وضع المجتمع، هذه النقطة (نقطة القرع بالكلام) كانت سلاح الرسول الوحيد، وكان يستعمله بأقوى صورة، والعربي الفصيح كان يفهم كم لهذا القرع الكلامي من أثر، يعني: الذمّ كان السلاح الوحيد الذي كان الرسول (ص) يستعمله في معركة الرسالة التي كان يقودها، أما العدو فكان يستعمل جميع الأسلحة.. التهديد، التخويف.. حتى إثارة الأطفال لضرب النبي وإزعاجه..
وفي ذلك الوقت كان من السائد تعذيب العبيد الذين كانوا مملوكين للجماعة: فأولياؤهم وسادتهم كانوا يعذّبونهم (مثلما سمعتم حتماً بالنسبة لـ"بلال")..
وكان هناك أشخاص متحالفين مع قبائل، مثلاً: "عمّار بن ياسر" و"ياسر" (أبوه) و"سمية" (أمه) كانوا متحالفين مع قبيلة "بني مخزوم"، باعتبار أنّ الذي ليس له قبيلة لا يستطيع أن يعيش في المجتمع العربي السابق، لأنّ النظام القبَلي هو المسيطر، فكانوا يضطرون للتحالف، والذين أسلموا من هؤلاء كانت القبائل تعذّبهم أشد العذاب، ومن أساليب المشركين لإيجاد خلل يعارض سبيل الرسالة الإسلامية أسلوب الاستهزاء والتقريع، وهذا وارد في كثير من الروايات، والمفسّرون يذكرون جملة أشخاص من قريش، ومن هؤلاء "وليد" وأشخاص آخرون، لكن الروايات التي تتحدث عن الأشخاص الذين كانوا يهزأون بالنبي (ص) هي روايات غير معتبَرة، ثم أنّ الهزء ما كان اختصاص فئة دون فئة، فالمشركون كلّهم كانوا يستعملون أسلوب الهزء في جميع الأوقات، وبالجملة كانوا يستعملون أسلوب الهمز واللمز، طبعاً تعرفون أنّ همزة ولمزة هما مبالغة من همز ولمز، وفي اللغة اختلف اللغويون على تفسير كلمة الهمز وكلمة اللمز، فبعضهم يقول أنّ التعييب والقدح في الحضور هو لمز، وأنه في الغياب همز، وبعضهم يقول العكس، فبعضهم يقول أنّ الهمز هو الطعن بالكلام.. الشتم.. التعريض.. وأنّ اللمز هو التعريض بالحركات: كالتواء العنق، وعبوس الوجه، والبسمات الهازئة، والحركات الجسدية..
مهما كان.. ليس مهماً المعنى اللغوي من كلمة الهمز واللمز، المهم الغاية من الآية الكريمة: ويلٌ لكلّ هُمزة لُمزة، يعني: هؤلاء الغمّازون اللمّازون الهمّاسون المعايبون القدّاحون الذين يقومون بتعييب النبي (ص) وقدحه وإيجاد نوع من الاستياء في الرأي العام وتحقير النبي (ص) أمام الرأي العام.. ويلٌ لهم..
الذي جمع مالاً وعدّده، يحسب أنّ ماله أخلده: هؤلاء الذين يعيبون النبي (ص)، يعيبونه على ماذا؟ على أنه يرتكب انحرافاً خلقياً، والنبي (ص) معروف بالأمانة والصدق، وما صدف في تاريخ حياته أنه يرتكب عملاً منحرفاً أو أنه منحرف في الحياة..
لا أحد يقدر أن يأخذ عليه أي مأخذ، فإذن: الاحتقار بالأخلاق والأمانة غير وارد، إذن: كيف يعيبونه؟ يعيبونه بالفقر، وأنّ هؤلاء الفقراء يدّعون سيطرتهم على العالم ويدّعون أنهم حكّام الله في الأرض وخلفاء الله في الأرض، التعييب بالفقر، يعيبون لأنّ النبي (ص) وجماعته فقراء وليسوا من أصحاب الوجاهات، هم باصطلاحات اليوم من "الدراويش"، أما المعيبون فهم من الطبقات الممتازة (جمع مالاً وعدّده).
الطبقة الجاهلية كانت تملك المال، والمال أعم من النقود، فالمال يشمل أيضاً الغنم والعقار والعبيد والإماء التي كانوا يملكونها، الذي جمع مالاً وعدّده، يعني: يُكثر التعداد، والفرق بين عدّ وعدّد بالمبالغة طبعاً، يعني: كثرة التعداد.. يعدّد ثم يعدّد ثم يختزن هنا وهنا، ثم يعتدّ بأنه يملك مالاً: يحسب أنّ ماله أخلده، هو يحسب أنّ ماله يعمل له خلوداً، إمّا الخلود في الحياة أو في الذِكر أو في المجد أو في القبيلة.. يفكّرون أنهم يكسبون الخلود بمالهم، القرآن يرسم أولاً لوحة عن وضعهم: يعني، هؤلاء الهمّازون اللمّازون مالهم شيء غير المال، وهذا المال يفكّرون أنه سوف يُخلدهم، ثم يرسم القرآن لوحة مقابل هذه اللوحة: كلا ليُنبَذَنّ في الحُطمة، وما أدراك ما الحُطمة، نار الله الموقَدة، التي تطّلع على الأفئدة، إنها عليهم موصَدة، في عَمَدٍ مُمَدَّدة.. يعني: هؤلاء المستكبرون المتكبّرون المعتزّون بالمال والجاه والطامعون في الخلود، هؤلاء تصور ما هو مصيرهم؟ هنا أنقل رأي التفاسير، ثم أقول ما أفهمه من خلال هذه الآيات..
هؤلاء ليُنبَذَنّ في الحُطمة، إنتبهوا كيف يكون التقريع سلاح، لا يقول ليُطرحن في جهنم، لا يقول لنُلقينهم، لا يقول لنُدخلنهم، بل: ليُنبَذَنّ في الحُطمة، نبذ، وأنتم تعرفون النبذ، مقابل هذا المجد والاستكبار ليُنبَذَنّ، التعبير لا يقول النار، لا يقول جهنم، لا يقول الهاوية، يقول: الحُطمة، والحُطمة إسم لجهنّم أيضاً، استخدم لغة التحطيم، إنّ هؤلاء الكبار المعتزّين بمالهم والمعدِّدين له الذين يريدون الخلود ليُنبذَنّ في الحُطمة، تقريع.. وما أدراك ما الحُطمة، هل تعرف ما هي الحُطمة؟ نار الله الموقدة التي تطّلع على الأفئدة، يعني: تُحرق وتصل الى القلب الذي هو باطن وجود الإنسان، تُحرق الجلد واللحم والعظم.. وتدخل في القلب.. ثم: إنها عليهم مؤصدة، الباب مقفول.. لا يتمكنون من الاتصال والخروج، رسالة حول الخلود الذي كانوا يتصورونه، يحسب أنّ ماله أخلده، نعم: هو خالد، لكن أين؟ في الحُطمة.. في عمدٍ ممدَّدة.. جمع عميد أو عماد، هم في المكان الموصود الذي هو الحُطمة، تسيطر عليهم النار، النار العظيمة (لأنها نُسبت الى الله)، نار الله.. وليس نار جهنم.. نار الله.. يكبّر في اللفظ، وهو كبير في الواقع، في عمدٍ ممدَّدة: يعني هؤلاء (المستكبرون) في هذا المكان المؤصد مشدودين ومربوطين مثل الحمار.. تأمل التقريع.. يعني: مقابلة لوحة بلوحة، أعمدة ممدَّدة، مرتبطون بهذه الأعمدة الممدودة على النار: المستطالة والموزعة على النار، هذه طبعاً خلاصة ما وصل إليه المفسرون بالنسبة للحُطمة وبالنسبة للمؤصدة وبالنسبة للعمد الممدَّدة، هذه المقابلة اللطيفة هي في الحقيقة من تفسير "في ظلال القرآن" بأنّ اللوحتين المتقابلتين هما أسلوب استعمله النبي (ص) لأجل التقريع ودرء الخطر عن أصحابه وعن نفسه، ثم لأجل كسب الرأي العام العالمي، وكذلك قصد تخويف الآخرين من الهمز واللمز والهمس، ثم إبطال أساليبهم في الاعتماد على المال واعتبارهم أنّ المال يخلِّد وأنهم أرفع من العالم لأنهم يملكون..
هذه خلاصة التفاسير الواردة في هذا المكان، وهناك نقطتان، نقطة يشير إليها "تفسير الجواهري" للطنطاوي، وقد سمعت وقرأت في بعض المجلات وفي بعض الأبحاث الجديدة عن نار الله الموقدة التي تطّلع على الأفئدة أنّ أحدهم يقول أن ليس المراد بالنار فقط النار التي تُحرق الجسد وتصلب الى القلب، بل المراد أيضاً النار التي تتمكن أن تنفذ الى القلوب من وراء الأجساد، وهذا تماماً ما يكشف العلم الحديث عنه ويعطي مثلاً واضحاً لهذا النوع من النار، فأنتم تعلمون اليوم أنّ الأشعة "إكس" تُستعمل في التصوير، اليوم الإنسان أصبح عنده جهاز يسيطر عليه نوع من الأشعة، الأشعة تصوّر داخل جسدك، تكشف داخل جسدك، حتى أنّ أحد أصدقائنا المطّلعين على هذه الحقول قال أنهم اخترعوا بواسطة هذه الأشعة كاميرات تصوّر الجسد دون اللبس، تصوّر الكلية أو القلب من دون أن تصوّر اللحم والشحم وسائر العظام..
فإذن: هذه النار تسيطر على الأفئدة وتمر من الجسم رأساً وتصل الى القلب من دون أن يكون اللحم والشحم والجلد حائلاً عن إحراق هذه النار للقلب، ليس المراد الإخبار عن هذا الشيء، إنما المراد ذكر المثل لإمكانية هذا النوع من العذاب، هنا "الطنطاوي" لا يرضى بهذا التفسير، ولكنه يتخذ منه شيئاً آخر جديداً أيضاً وهو أنّ العذاب بالنار قد يكون عذاباً مادياً (احتراق الجسد بالنار المُحرقة)، وقد يكون عذاباً بالنار المعنوية التي تُحرق القلب، مثل الحسد مثلاً، مثل الشعور بالمهانة، مثل الذلّ، مثل الفشل والانكسار، نيران تُحرق القلب.. نكتفي بهذه النقطة من هذا الحديث، وقد ذكرته نقلاً، وإلا فالآية ظاهرة من دون هذا المعنى الذي أنقله لكم..
المعنى الذي أحب أن أقوله لكم هو أنّ المتعارف في تفسير القرآن كان دائماً مخصصاً في سابق الزمن، كانوا يفسّرون القرآن في حقل المجازاة، والجزاء خلّف شعوراً دائماً عن القيامة وعن الدار الآخرة، مثلاً: وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تُظلمون (البقرة-272)، أو: من ذا الذي يُقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له (البقرة-245)، هذه الآيات التي تعد بالجزاء على الإحسان ماذا كانوا يفسّرونها؟ كانوا يفسرونّ أنّ هذه الآيات ترمي الى سعادة الآخرة ودخول الإنسان في الجنّة، وجزاء الآخرة أوفى، كانوا يفسّرونها بالآخرة، ولكن ما المانع أن نفسّر المجازاة بشكل أوسع من الآخرة؟ ما المانع أن نفسّر ذلك بشكل يشمل الدنيا والآخرة معاً؟ من باب المثل: وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تُظلمون، إذا فسّرنا هذه الآية بالترتيب الآتي أنه زائداً على مجازاة الحسنات والثواب الذي هيأه الله لعباده تجاه حسناتهم.. زائداً على هذا يلاقي الإنسان المحسن جزاء عمله في هذه الدنيا بالذات، وتوضيح هذا المبدأ أننا نعيش في مجتمع، والمجتمع فيه مرحلة من الحضارة، مرحلة من المدنية، هذه المرحلة من الحضارة والمدنية جميع أبناء المجتمع يتمتعون بها: الماء، الكهرباء، الطرق، الصحة العامة، الأمن.. هذه الأشياء لجميع الناس، كل الناس يتمتعون بهذه الأشياء، مستوى المدنية أو الحضارة في مجتمع ما يتكون من أي شيء؟ تتكون الحضارة والمدنية في مجتمع ما من طريق أبنائها، يعني: المجتمع فيه العمّال، المهندسون، الأطباء، السياسيون، ورجال الدين، ورجال الإصلاح.. هؤلاء يتعاونون فيكوّنون مستوى من الحضارة، أليس كذلك؟ في هذا العصر وما سبق، طبعاً: الماضون أيضاً لهم دور في مستوى حضارتنا، فلنتصور مجتمعاً فيه ألف شخص من هؤلاء، نفترض مائة شخص فقير، إذا نحن ما أنفقنا على هؤلاء يعني هؤلاء الفقراء ما تمكّنوا أن يغذّوا أولادهم أو يكوّنوا عمّالاً صالحين أقوياء، ما تمكنوا أن يثقّفوا أبناءهم فيكوّنوا منهم مهندسين أو أطباء أو رجال دين أو صحفيين أو سياسيين مثلاً.. يعني: تسعمائة يد اشتغلت لتكوين الحضارة، أما لو افترضنا أنّ هؤلاء التسعمائة أنفقوا على أولئك المائة فمكّنوهم من أن يغذّوا أبناءهم وأن يثقّفوا أبناءهم ويعلمّوهم ويربّوهم.. ما النتيجة؟ النتيجة أنّ ألف يد تشترك في تكوين الحضارة، ومستوى الحضارة التي تشترك فيها تسعمائة يد شيء، والحضارة التي يشترك فيها ألف شيء آخر..
فإذن: إذا أنفقت على هؤلاء المئة في الحقيقة فقد كسبتَ بناةً جدداً لمستوى الحضارة، وتمتعتَ أنت بهذا المستوى، وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تُظلمون، أليس كذلك؟ وإلا فتركك لهؤلاء يعرّضهم معرض الفقر والجهل والمرض الجسدي الذي يُعدي أولادك، ويعرّضهم للمرض الخُلقي الذي يُعدي أبناءك، ويؤدي الى الشعور بالحرمان والحقد والعقَد النفسية التي تؤدي الى الانفجارات الداخلية في المجتمع، أليس كذلك؟ الانفجارات والثورات لماذا تحصل في المجتمعات؟ أليس نتيجة لحرمان طبقة من الناس؟..
نحن افترضنا مئة، لكن عادةً في المجتمعات أكثر من مئة، أكثرية الناس، فإذن: الإنفاق، وليس فقط بشكل المال، الإنفاق بشكل يرفع مستوى الطبقات الفقيرة، هذا يعود بالخير عليّ، وترك الإنفاق يعود بالشر عليّ، فإذن: على ضوء هذا التوضيح نقدر أن نفهم الآية الكريمة: وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تُظلمون، يعني: إذا أنفقت يعود الخير لك، وإذا لم تنفق تُبلى، أما الآية الكريمة المباركة الثانية: وأنفقوا في سبيل الله ولا تُلقوا بأيديكم الى التهلكة (البقرة-195) فمعناها أنكم إذا أنفقتم تدفعون عن أنفسكم..
على هذا المستوى ذكرتُ لكم مثالاً أنه ما هو الدليل على أنّ الكلمات الواردة في القرآن حول الجزاء والمجازاة كلها نحصرها بيوم القيامة والدار الآخرة، هنا جزاء أيضاً، الجزاء هنا وهناك، هذا باب، وعلى ضوء هذا الباب نرجع الى هذه الآية الكريمة، ونحن نعرف أنّ آيات القرآن عامةً هي لجميع الأزمان والأماكن والأشخاص..
ويلٌ لكل هُمزة لُمزة الذي جمع مالاً فعدّده يحسب أنّ ماله أخلده: كل إنسان يجمع مالاً ويعدّده ويحسب أنّ ماله فقط هو الذي يُخلده ثم يستكبر على الناس ويهمس ويهمز ويلمز ويعيب ويسخر من الآخرين ويتباهى أنه أرفع منهم، كل شخص يفعل ذلك ليُنبَذَنّ في الحُطمة، يعني في القيامة، وأيضاً في الحالات الاجتماعية التي هي مثل النار التي تحطّم، يعني: مصير هؤلاء الأشخاص المحتكرين للمال.. المعتزّين بالمال.. المترفعين بالمال على سائر الناس.. مصير هؤلاء أن يُنبذوا ويتحطّموا وتُسلَّط عليهم نار الله الموقدة عن طريق غضب الناس وهزء الناس وإعراض الناس عنهم.. يعني: المصائب تدخل عليهم كأخذ مالهم والابتعاد عنهم واحتقارهم في المجتمعات، النيران تُحرق قلوبهم، فإذن: كل إنسان يكون بهذا المستوى من التصرّف يبتلى بالحُطمة ويكون تحت سيطرة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، وتكون الأبواب عليه مؤصدة، وتكون (هذه الأبواب) مربوطة بالعمد الممدَّدة، هنا في هذه الدنيا أيضاً: الاستهتار والاحتكار والاعتزاز بالمال وتحقير الناس.. كل ذلك نتيجته غضب الناس عليه ونبذهم له وتحطيمه وسيطرة النار الإلهية المشتعلة عليه عن طريق الغضب والمصاعب والفتن والمشاكل والمحن.. تلك النيران تسيطر على قلب هذا الرجل وتُحرق قلبه وتحطّمه.. وتؤصَد عليه الأبواب، ثم تُربط الأبواب بالعمد الممدَّدة مثل البهيمة المربوطة، يعني: يُطرد ويُعزل كأنه في السجن في مجتمعه، ومصير الطغاة أمامنا، وما أكثر الطغاة الذين عاشوا معتزين مستكبرين ثم غضِب الله عليهم عن طريق الناس، فابتلوا وتحطّموا وأُحرقت قلوبهم بالنيران، ورُبطوا وسُجنوا، وهذا تماماً ما تشير إليه الآية الكريمة في مورد آخر: ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسّكم النار (هود-113)، فدخول الإنسان أحياناً في معصية أو انحراف يؤدي ذلك الى سيطرة الظالم عليه، يعني: هو الذي سلّط الظالم على نفسه.. لا أقول أنّ الآية الكريمة ينحصر معناها بما أقول، ولكن أقول: ما المانع أن تحمل السورة المباركة الجزاء في الآخرة والجزاء في الدنيا؟..
نقرأ السورة المباركة ختاماً: بسم الله الرحمن الرحيم، ويلٌ لكل هُمَزة لُمَزة، الذي جمع مالاً وعدّده، يحسب أنّ ماله أخلده: فإذن: أولاً الشعور بالخلود والاعتزاز بالمال وجمع المال واحتقار الناس، كلا ليُنبَذَنّ في الحُطمة، وما أدراك ما الحُطمة، نار الله الموقَدة، التي تطّلع على الأفئدة، إنها عليهم موصَدة، في عَمَدٍ مُمَدَّدة. صدق الله العظيم.
والسلام عليكم.
تفسير سورة الهمزه
- ...|زمردة|...
- مشاركات: 2487
- اشترك في: الاثنين ديسمبر 18, 2006 7:16 pm
تفسير سورة الهمزه
.....مخنوٍقة يمّـه، وٍ أحس الخنقة هدّتنـيْ . . !
....مكسوٍرٍقلبيْ . . وٍ ع'ـَينيّ مدرٍي وٍش فيهآ !
وٍ دموٍع'ـَيْ آلليْ غ'ـَصْب ع'ـَن ع'ـَينيْ بگتنيّ. .
....ملّيت أغ'ـَمّض جفوٍنيّ { . . لجل أدآرٍيهــآ !
....مكسوٍرٍقلبيْ . . وٍ ع'ـَينيّ مدرٍي وٍش فيهآ !
وٍ دموٍع'ـَيْ آلليْ غ'ـَصْب ع'ـَن ع'ـَينيْ بگتنيّ. .
....ملّيت أغ'ـَمّض جفوٍنيّ { . . لجل أدآرٍيهــآ !
- ...|زمردة|...
- مشاركات: 2487
- اشترك في: الاثنين ديسمبر 18, 2006 7:16 pm
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يعطيكم الف عافيه على مروركم الحلو ..
تحياتي الخاصه لكم..
نور الهدى[/align][/color]
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يعطيكم الف عافيه على مروركم الحلو ..
تحياتي الخاصه لكم..
نور الهدى[/align][/color]
.....مخنوٍقة يمّـه، وٍ أحس الخنقة هدّتنـيْ . . !
....مكسوٍرٍقلبيْ . . وٍ ع'ـَينيّ مدرٍي وٍش فيهآ !
وٍ دموٍع'ـَيْ آلليْ غ'ـَصْب ع'ـَن ع'ـَينيْ بگتنيّ. .
....ملّيت أغ'ـَمّض جفوٍنيّ { . . لجل أدآرٍيهــآ !
....مكسوٍرٍقلبيْ . . وٍ ع'ـَينيّ مدرٍي وٍش فيهآ !
وٍ دموٍع'ـَيْ آلليْ غ'ـَصْب ع'ـَن ع'ـَينيْ بگتنيّ. .
....ملّيت أغ'ـَمّض جفوٍنيّ { . . لجل أدآرٍيهــآ !
الموجودون الآن
المتصفحون للمنتدى الآن: Ahrefs [Bot] فقط