التغيير والتبديل في قوله: ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾
مرسل: السبت أغسطس 09, 2008 10:01 pm
التغيير والتبديل في قوله: ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾
المسألة:
قوله تعالى: ﴿قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي﴾(1).
ما الفرق بين التغيير والتبديل في الآية المباركة، وإذا لم يكن فرق فلماذا الترديد بينهما المستفاد من العطف بأو، وإذا كان بينهما فرق فلماذا جاء الجواب عن التبديل دون التغيير؟
الجواب:
ثمة اتجاهان في تحديد المراد من التغيير والتبديل الواردَين في الآية الشريفة والتي هي بصدد بيان ما اقترحه المشركون على رسول الله (ص) فيما يتصل بالقرآن الكريم:
الاتجاه الأول: انَّ المراد من التغيير هو انْ يأتي النبي (ص) بقرآنٍ آخر يكون بإزاء هذا القرآن إلا انَّه يختلف عنه في نظْمه ومضامينه.
والمراد من التبديل هو إلغاء هذا القرآن والمجيء بقرآنٍ آخر مختلفٍ عن الأول في المضمون أو في المضمون والصياغة.
وبهذا يكون الفرق بين الطلبين هو ان الطلب الأول لا يتضمن إلغاء القرآن الأول وهو بخلاف الطلب الثاني حيث يتضمن إلغاء القرآن الأول والإتيان بقرآن آخر.
والمبرِّر لتبني هذا الاتجاه هو دعوى انَّ التغيير لا يستلزم الإلغاء فيصح انْ يُقال لكلٍّ من القرآنين انَّ الأول غير الثاني، فالغيريَّة تجتمع مع الإثنينية كما تجتمع مع الأكثر من الاثنين، وأما التبديل فمقتضاه قيام البدل مقام المبدل، أي انَّ البديل لا يكون إلا في ظرف انتفاء المُبدَل منه فلا يصحُّ ان يكونَ شيءٌ بدلاً عن آخر مع وجود المُبدَل منه، لذلك صح القول بأنَّ الطهارة الترابية بديل عن الطهارة المائية لأنها تقوم مقام الطهارة المائية في ظرف عدم القدرة عليها، فالبدلية لا تتحقق إلا حين افتراض انتفاء المُبدل منه وقيام البدل مقامه، وهذا بخلاف الغيرية فإنها تصدق في ظرف الاجتماع فيقال للأول انه غير الثاني.
الاتجاه الثاني: هو ان المراد من التغيير هو المجيء بقرآنٍ آخر غير هذا القرآن الذي لا تستهوي مضامينه أنفسُهم ولا تنسجم مع معتقداتهم وسلوكهم، وأما المراد من التبديل فهو استبدال الآيات المنافية لأهوائهم ومعتقداتهم بآياتٍ أخرى تتضمن ما تستهويه أنفسهم ولا تنافي معتقداتهم، فالفرق بين التغيير والتبديل هو انَّ التغيير بناء على الاتجاه الثاني يعني الإلغاء للقرآن الأول والمجيء بقرآنٍ آخر لا يتضمن المعاني المنافية لمعتقداتهم وسلوكهم، وأما التبديل فهو التصرُّف في مضامين بعض الآيات، فما كان منها متضمناً مثلاً لتحريم ما يكرهون تحريمه فعليه انْ يستبدله بالتحليل وما كان منها متضمناً للتوحيد مثلاً فعليه انْ يستبدله بما يُناسب اعتقادهم في الأصنام وهكذا.
وعلى كلا الاتجاهين يتضح منشأ الترديد المستفاد من العطف بأو في الآية الشريفة ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾ فهنا مطلوبان للمشركين أحدهما غير الآخر، والعطف بينهما بأو جاء للتعبير بأنهم يكتفون بالاستجابة إلى أحدهما.
وأما ما هو المستظهر من الآية الشريفة فهو الاتجاه الثاني دون الأول، إذ من الواضح انَّ المشركين الذين وصفهم القرآن بأنهم لا يرجون لقاء الله تعالى لم يكن ليفي بغرضهم ان يأتي الرسول (ص) بقرآنٍ آخر فيكون بإزاء القرآن الأول، أي انَّ القرآن الأول كان هو المنشأ لانزعاجهم لما يشتمل عليه من مضامين منافية لمعتقداتهم، فهو قرآن قد شتم بزعمهم آلهتهم ووصفها بالصم البكم وبأنها لا تُغني عنهم شيئاً وبأن مصيرهم وإياها إلى الجحيم وبأن المعتقدين بربوبيتها لا يعقلون، وقد تضمن هذا القرآن النهي عن الظلم والتفاضل بالأموال والجاه والنسب، ونهى عن الاستقسام بالأزلام والكسب بالقمار ووصفها بالرجس، وبأنها من عمل الشيطان، ونهى عن الكثير من سلوكياتهم وسفّه الكثير من مورثاتهم فلا يفي بغرضهم انْ يأتي الرسول (ص) بقرآنٍ غيرِ هذا القرآن ويبقى القرآن ماثلاً بينهم مقروءً في المحافل والصلوات.
وهذا ما يُشِّكل قرينةً على انَّ مرادهم من التغيير هو إلغاء هذا القرآن والمجيء بقرآنٍ غيرِ هذا القرآن يكون منسجماً أو غير منافٍ لما يعتقدونه ويسلكونه.
فهذا هو مطلبهم الأول فإن لم يكن فمطلبهم الآخر هو استبدال الآيات المشتملة على ما يكرهون بآيات أخرى تكون مضامينها منسجمة أو غير منافية لأهوائهم ومعتقداتهم.
وأما لماذا كان جواب الرسول (ص) عن التبديل دون التغيير؟ فلأنَّ مفاد جوابه عن التبديل يُغني عن الجواب على مطلبهم الأول فقوله تعالى: ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.
فإذا كان التبديل والذي هو التصرُّف في بعض الآيات واستبدال مضامينها بمضامين أخرى مع الاحتفاظ بأصل القرآن إذا كان ذلك غير متاحٍ للنبي الكريم (ص) ولم يكن بمقدوره القيام به من تلقاء نفسه فعدم قدرته على الاستجابة للمطلب الأول يكون حينئذٍ مستغنٍ عن البيان، أي ان الجواب عن طلب التبديل لبعض آيات القرآن أغنى عن الجواب على طلب التغيير لمجمل القرآن الكريم.
قوله تعالى: ﴿قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي﴾(1).
ما الفرق بين التغيير والتبديل في الآية المباركة، وإذا لم يكن فرق فلماذا الترديد بينهما المستفاد من العطف بأو، وإذا كان بينهما فرق فلماذا جاء الجواب عن التبديل دون التغيير؟
الجواب:
ثمة اتجاهان في تحديد المراد من التغيير والتبديل الواردَين في الآية الشريفة والتي هي بصدد بيان ما اقترحه المشركون على رسول الله (ص) فيما يتصل بالقرآن الكريم:
الاتجاه الأول: انَّ المراد من التغيير هو انْ يأتي النبي (ص) بقرآنٍ آخر يكون بإزاء هذا القرآن إلا انَّه يختلف عنه في نظْمه ومضامينه.
والمراد من التبديل هو إلغاء هذا القرآن والمجيء بقرآنٍ آخر مختلفٍ عن الأول في المضمون أو في المضمون والصياغة.
وبهذا يكون الفرق بين الطلبين هو ان الطلب الأول لا يتضمن إلغاء القرآن الأول وهو بخلاف الطلب الثاني حيث يتضمن إلغاء القرآن الأول والإتيان بقرآن آخر.
والمبرِّر لتبني هذا الاتجاه هو دعوى انَّ التغيير لا يستلزم الإلغاء فيصح انْ يُقال لكلٍّ من القرآنين انَّ الأول غير الثاني، فالغيريَّة تجتمع مع الإثنينية كما تجتمع مع الأكثر من الاثنين، وأما التبديل فمقتضاه قيام البدل مقام المبدل، أي انَّ البديل لا يكون إلا في ظرف انتفاء المُبدَل منه فلا يصحُّ ان يكونَ شيءٌ بدلاً عن آخر مع وجود المُبدَل منه، لذلك صح القول بأنَّ الطهارة الترابية بديل عن الطهارة المائية لأنها تقوم مقام الطهارة المائية في ظرف عدم القدرة عليها، فالبدلية لا تتحقق إلا حين افتراض انتفاء المُبدل منه وقيام البدل مقامه، وهذا بخلاف الغيرية فإنها تصدق في ظرف الاجتماع فيقال للأول انه غير الثاني.
الاتجاه الثاني: هو ان المراد من التغيير هو المجيء بقرآنٍ آخر غير هذا القرآن الذي لا تستهوي مضامينه أنفسُهم ولا تنسجم مع معتقداتهم وسلوكهم، وأما المراد من التبديل فهو استبدال الآيات المنافية لأهوائهم ومعتقداتهم بآياتٍ أخرى تتضمن ما تستهويه أنفسهم ولا تنافي معتقداتهم، فالفرق بين التغيير والتبديل هو انَّ التغيير بناء على الاتجاه الثاني يعني الإلغاء للقرآن الأول والمجيء بقرآنٍ آخر لا يتضمن المعاني المنافية لمعتقداتهم وسلوكهم، وأما التبديل فهو التصرُّف في مضامين بعض الآيات، فما كان منها متضمناً مثلاً لتحريم ما يكرهون تحريمه فعليه انْ يستبدله بالتحليل وما كان منها متضمناً للتوحيد مثلاً فعليه انْ يستبدله بما يُناسب اعتقادهم في الأصنام وهكذا.
وعلى كلا الاتجاهين يتضح منشأ الترديد المستفاد من العطف بأو في الآية الشريفة ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾ فهنا مطلوبان للمشركين أحدهما غير الآخر، والعطف بينهما بأو جاء للتعبير بأنهم يكتفون بالاستجابة إلى أحدهما.
وأما ما هو المستظهر من الآية الشريفة فهو الاتجاه الثاني دون الأول، إذ من الواضح انَّ المشركين الذين وصفهم القرآن بأنهم لا يرجون لقاء الله تعالى لم يكن ليفي بغرضهم ان يأتي الرسول (ص) بقرآنٍ آخر فيكون بإزاء القرآن الأول، أي انَّ القرآن الأول كان هو المنشأ لانزعاجهم لما يشتمل عليه من مضامين منافية لمعتقداتهم، فهو قرآن قد شتم بزعمهم آلهتهم ووصفها بالصم البكم وبأنها لا تُغني عنهم شيئاً وبأن مصيرهم وإياها إلى الجحيم وبأن المعتقدين بربوبيتها لا يعقلون، وقد تضمن هذا القرآن النهي عن الظلم والتفاضل بالأموال والجاه والنسب، ونهى عن الاستقسام بالأزلام والكسب بالقمار ووصفها بالرجس، وبأنها من عمل الشيطان، ونهى عن الكثير من سلوكياتهم وسفّه الكثير من مورثاتهم فلا يفي بغرضهم انْ يأتي الرسول (ص) بقرآنٍ غيرِ هذا القرآن ويبقى القرآن ماثلاً بينهم مقروءً في المحافل والصلوات.
وهذا ما يُشِّكل قرينةً على انَّ مرادهم من التغيير هو إلغاء هذا القرآن والمجيء بقرآنٍ غيرِ هذا القرآن يكون منسجماً أو غير منافٍ لما يعتقدونه ويسلكونه.
فهذا هو مطلبهم الأول فإن لم يكن فمطلبهم الآخر هو استبدال الآيات المشتملة على ما يكرهون بآيات أخرى تكون مضامينها منسجمة أو غير منافية لأهوائهم ومعتقداتهم.
وأما لماذا كان جواب الرسول (ص) عن التبديل دون التغيير؟ فلأنَّ مفاد جوابه عن التبديل يُغني عن الجواب على مطلبهم الأول فقوله تعالى: ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.
فإذا كان التبديل والذي هو التصرُّف في بعض الآيات واستبدال مضامينها بمضامين أخرى مع الاحتفاظ بأصل القرآن إذا كان ذلك غير متاحٍ للنبي الكريم (ص) ولم يكن بمقدوره القيام به من تلقاء نفسه فعدم قدرته على الاستجابة للمطلب الأول يكون حينئذٍ مستغنٍ عن البيان، أي ان الجواب عن طلب التبديل لبعض آيات القرآن أغنى عن الجواب على طلب التغيير لمجمل القرآن الكريم.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور