بسم الله الرحمن الرحيمJ
سماحة السيد محمود الحسني(دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك بعض العامة من المذهب الشيعي غير ملتزمين بالأحكام الشرعية ولا يأتمرون بما أمر الله به من واجبات كالصوم والصلاة وإذا أمرتهم لا يأتمرون بذلك وعذرهم بأن الشيعة لا تمسهم النار وإذا دخل الشيعي النار فإنه سوف ينال العقاب فترة من الزمن ولا يكون مخلداً في النار .
فما هو رأي الشريعة الإسلامية بذلك نرجو توضيح ذلك إلى هذا القسم من الناس . أدامكم الله ذخراً للحوزة والإسلام والمسلمين .
بسمه تعالى :-
والجواب على هذه القضية يتمثل بعدة مستويات نذكر بعضها وباختصار :-
إن هذه الدعوى صدرت سابقاً من اليهود والنصارى وغيرهم ، ولا زالت تصدر منهم ومن غيرهم ، ومثل هذه الدعوى تدل على أن صاحبها لا يملك الحجة العقلية والعلمية لكي يُقنع بها الآخرين للانضمام إلى خطه ومذهبه ، وقد ورد في القرآن الكريم ما يشير إلى أولئك كما في قوله تعالى: { وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ }(البقرة / 80).
وقوله تعالى{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ*ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ }(آل عمران / 23-24).
مما لا ينكر عند الخاصة والعامة ، السنة والشيعة ورود روايات وصلت إلى حد التواتر تشير بدورها إلى ظاهر المعنى الذي تمسك به أولئك الناس العوام ، ويكفي في المقام أن أذكر رواية عن طريق إخواننا السنة من الروايات الكثيرة التي تشير إلى ذلك المعنى كما عن ، أحمد بن حنبل ، والترمذي ، والثعلبي ، في تفسيره ، وابن حجر في صواعقه ، والحافظ الطبري ، والطبراني في الأواسط ، والسيوطي في إحياء الميت ، وفي مستدرك الصحيحين ، وغيرها الكثير نجد المزيد والكثير منها كتب الفصول المهمة ، وفضائل الخمسة من الصحاح السنة ، والغدير ، والمراجعات .
فمثلاً أورد بن حجر في صواعقه حديثاً إليك نصه(أن النبي خرج على أصحابه ذات يوم ووجهه مُشرق كدائرة القمر ، فسأله عبد الرحمن بن عوف عن ذلك :
فقال(صلى الله عليه وآله وسلم):بشارتي من ربي في أخي وابن عمي وابنتي ، بأن زوج علياً من فاطمة ، وأمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى ، فحملت رقاقاً (يعني صكاكاً) بعدد محبي أهل بيتي ، وأنشأ تحتها ملائكة من نور ، دفع إلى كل ملك صكاً ، فإذا استوت القيامة بأهلها ، نادت الملائكة في الخلائق ، فلا يبقى محب لأهل البيت إلا دفعت إليه صكاً فيه فكاكه من النار، فصار أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي من النار).
ومثل هذه الرواية وغيرها ممكن أن يحتج بها الخصم علينا ويعتبرها دليلاً لصالحه ، وفي هذا المقام وبعد التسليم بصحة الرواية هذه أو غيرها التي تشير إلى نفس المعنى وخاصة إذا قلنا بتحقيق التواتر فإننا نتعرض لإبطال هذا الدليل من عدة جهات نذكر بعضها وعلى نحو الاختصار في المستويات اللاحقة .
يمكن الادعاء بأنها (أي الظهورات المستفادة من الروايات في المستوى السابق) مخالفة لكتاب الله وعليه نحكم بأنها زخرف وأن الذي جاء بها أولى وأن الذي خالف كتاب الله يترك وللتوضيح أقول :
أما كونها مخالفة لكتاب الله الكريم فلورود الآيات الكثيرة التي تحث وتوجب الصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها من الواجبات وتمنع وتحرّم شرب الخمر والزنا والغيبة والنميمة والكذب وغيرها من المحرمات .
منها قوله تعالى:{ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَْبْصارُ }(النور /37 ).
وقوله تعالى:{ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ }(البقرة /43) .
وقوله تعالى:{حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ }البقرة / 238 .
وقوله تعالى:{...لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }(البقرة /177) .
أما كونها زخرف فلما ورد عن الإمام الصادق(u) أنه قال:(( ما لم يوافق من القرآن الحديث فهو زخرف)).
أما كون الذي جاء بها أولى ، فلما ورد عن الإمام الصادق(u) أنه قال: ((... إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ... ، وإلا فالذي جاء به أولى به)).
أما كونها تترك فلما ورد عن الإمام الصادق(u) أنه قال: ((الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، أن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه)).
يمكن القول أنها متعارضة مع الروايات الكثيرة المتواترة عن أهل البيت(عليهم السلام) والتي تدل على وجوب الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من الواجبات ، ومتعارضة مع الروايات التي تنهى عن ترك الصلاة أو الزكاة أو الحج أو الصيام ، والتي تنهى عن ارتكاب المحرمات ونتيجة هذا التعارض يمكن أن تكون :
1-التساقط والرجوع إلى العموم الفوقاني من السنة الشريفة الدالة على وجوب الصلاة والصيام وغيرها والدالة علىأن الإسلام بُني على الصلاة والصيام وغيرها من الواجبات .
2-التساقط والرجوع إلى العموم الفوقاني من القرآن الكريم والتمسك بالآيات الدالة بإطلاقها وبعضها بالنص على وجوب الصلاة والزكاة والحج وغيرها من الواجبات .
3-يمكن معالجة مشكلة التعارض طبقاً لما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام):{ إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه ......}وبما أن الظهور المستفاد من الروايات التي تمسك بها الخصم مخالفة لكتاب الله تعالى كما أثبتنا ذلك في المستوى الثالث ولذلك علينا أن نورد هذه الروايات ونأخذ بالروايات المعارضة التي يتمسك بها .
4-يمكن تطبيق قاعدة الجمع العرفي حيث تحرز البناء العرفي على إعداد نوع من التعبير للكشف عن المراد وتحديده وتفصيل الكلام في علم الأصول ، والنتيجة هي تقديم القرينة وهو الرواية والدليل الذي نتمسك به على ذي القرينة وهو الدليل والرواية التي يتمسك بها الخصم .
ولمزيد من التوضيح لهذه النقطة لاحظ المستوى السادس والسابع .
ومما ورد عنهم(u) بالحث والأمر بأداء الواجبات وترك المحرمات .
منها ما ورد في الصلاة : (عمود الدين إذا قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها)، وهي (أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم فإن صحت نظر في عمله وأن لم تصح لم ينظر في بقية عمله)، (ليس ما بين المسلم وبين أن يكفر إلا أن يترك الصلاة)، و (إذا كان يوم القيامة يُدعى بالعبد فأول شيء يُسأل عنه الصلاة فإذا جاء بها تامة وإلا زج في النار).
أما في الزكاة فقد ورد عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم):{ أن الله عز وجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلا بأدائها وهي الزكاة ، بها حقنوا دمائهم وبها سموا مسلمين}، وعن الإمام الصادق (u):{ما من ذي مال يمنع زكاة ماله إلا حسبه الله عز وجل يوم القيامة بقاع قرقر وسلط عليه شجاعاً (نوع من الحيات الذكور) أقرع يريده وهو يحيد عنه ، فإذا رأى أنه لا مخلص له منه أمكنه من يده فقضمها ، ثم يصير طوقاً في عنقه ، وذلك قول الله عز وجل {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} }.
وأما الحج فقد ورد عن أمير المؤمنين(u):{ وفرض عليكم حج بيته الحرام الذي جعله قبلة للأنام ........ } .
وقال(u):{...... جعله سبحانه وتعالى للإسلام وتعالى علماً وللعائذين حرماً وفرض حجه وأوجب حقه وكتب عليكم وفادته فقال سبحانه وتعالى (ولله على الناس حج البيت من إستطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)} .
وأما الصيام فقد ورد عن الإمامالصادق(u):{ إنما فرض الله صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم ففضل به هذه الأمة وجعل صيامه فرضاً على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى أمته }، وهكذا بقية الواجبات ، وكذلك الكلام في النهي عن المحرمات .
بعد ملاحظة الروايات في المستوى السابق يمكن الادعاء بأن الروايات التي نتمسك بها نص في المطلوب بينما الروايات التي يتمسك بها الخصم فهي ظاهر في المطلوب لأن استفادة المطلوب منها بالإطلاق ، ونتيجة هذا الكلام تقديم النص أو الظاهر على الأظهر فتتقدم الروايات التي نتمسك بها ويثبت المطلوب الذي نقول به .
لتطبيق قاعدة الجمع العرفي بالاستفادة من القرائن الداخلية في بعض الروايات والاستفادة من القرائن الخارجية أيضاً، أقول أن روايات الخصم مطلقة بمعنى أن شفاعة أهل البيت وحب أهل البيت التي تمنع من دخول النار تشمل المؤمن الملتزم بأداء الواجبات الشرعية والملتزم بترك المحرمات وكذلك تشمل الفاسق الذي ترك كل الواجبات أو بعضها والذي لم يلتزم بكل المحرمات بل فعلها كلها أو أكثرها أو بعضها ولم تصدر منه التوبة .
أما الروايات التي نتمسك بها فهي مقيدة بالمؤمن الملتزم بأداء الواجبات وترك المحرمات ، فيتقدم المقيد (وهو القرينة) على المطلق (وهو ذو القرينة) ، ونتيجة هذا الجمع يكون ظاهر معنى الروايات المطلقة التي يتمسك بها الخصم وهو أن الإمام(u) في مقام بيان أن المحك والقياس لدخول الجنة وعدم دخولها هو حب علي بن أبي طالب(u) ، وأهل بيته(u) ، أما الجهات الأخرى فليس الإمام في مقام بيانها فالإمام ليس في مقام بيان صفة الذي يدخل الجنة وكونه من المصلين أولاً ، وليس في مقام صفته وكونه من اللذين يؤدون الزكاة ثانياً وهكذا باقي الجهات . وفي هذا المقام نكتفي بهذا البيان ونترك التفصيل لكفاية ما ذكرناه في إثبات المطلوب وإبطال دليل الخصم ، وأذكر بعض الروايات التي تدل أو تؤيد ما طرح في هذا المستوى السادس ، وكذلك بعضها يفيد البرهان بكل مستوياته المذكورة أو بعضها :-
1-ورد الكثير من الروايات بخصوص هذا المستوى السادس عن طريق إخواننا السنة وفي نفس المصادر التي ذكرناها سابقاً ، منها ما أخرجه الثعلبي في تفسيره الكثير ، قال :(قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : ألا من مات على حب آل محمد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر و نكير ، ألا ومن مات على حب آل محمد زف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله).
2-في مستدرك الصحيحين ، الجزء الثالث ، صفحة 127 ، (عن ابن عباس قال:نظر النبي(صلى الله عليه وآله)إلىعلي(u) فقال :يا علي أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة ، حبيبكحبيبي ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوك عدوي ، وعدوي عدوا الله ، والويل لمن أبغضك بعدي).
3-أخرك الحافظ الطبري في كتاب الولاية، بإسناد عن علي(عليه السلام) أنه قال: (لا يحبني ثلاثة : ولد زنا ، ومنافق ، ورجل حملت به أمه في بعض حيضها).
4-أخرج ابن حجر في صواعقه في باب الحَث على حبهم ، والطبراني في الأوسط والسيوطي في إحياء الدين ، (قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله
وسلم) ) :ألزموا مودتنا أهل البيت ، فانه من لقي الله وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا ، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقنا).
5-وقد ورد الكثير من الروايات بخصوص هذا المستوى ، عن طريق أهل البيت (عليهمالسلام) ، منها ورد عن الإمام الرضا (u) عن آبائه عن علي (u)(قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم):أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة : المكرم لذريتي من بعدي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعيلهم في أمورهم عند اضطرارهم ، والمحب لهم بقلبه ولسانه).
6-ومنها ما ورد عن النبي ((صلى الله عليه وآله وسلم) ) :{ من أحب أن يحيا حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل الجنة التي وعدني ربي وهي جنة الخلد . فليتول علياً وذريته من بعده ، فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى ولن يدخلوكم باب الضلالة } .
7-ومنها ما ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام):(بُنيَ الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والولاية) .
ويوجد الكثير من الروايات غير ما ذكرنا ، وتكون ظاهرة لبيان جهة رئيسية وهي القدر المتيقن في كون حب علي وأهل البيت هو المحك والمقياس .
نذكر في هذا المستوى بعض الروايات التي تكون نصاً في المطلوب من الجمع في المستوى السابق بل تصلح دليلاً ومؤيداً لكل المستويات المذكورة :
1-ما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام):(نحن أصل كل خير ومن فروعنا كل بر ، ومن البر ، التوحيد ، والصلاة ، والصيام ، وكظم الغيض ، والعفو عن المسيء ، ورحمة الفقير ، وتعاهد الجار، والإقرار بالفضل لأهله ، وعدونا أصل كل شر ، ومن فروعهم كل قبيح وفاحشة فمنهم ، الكذب ، والنميمة ، والبخل ، والقطيعة، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم بغير حقه ، وتعدي الحدود التي أمر الله عز وجل ، و ركوب الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، من الزنا ، والسرقة ، وكل ما وافق ذلك من القبيح ، وكذب من قال أنه معنا وهو متعلق بفرع غيرنا) .
2-وعن الإمام الصادق(عليه السلام)عن جده رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم):(من أحب علياً تقبل الله صلاته وصيامه وقيامه واستجاب الله له دعاءه ...... ).
3-عن الإمام الصادق(عليه السلام):(إياك والسفلة فإنما شيعة علي (u) من عف بطنه وفرجه ، واشتد جهاده ، وعمل لخالقه ورجاه ثوابه ، وخاف عقابه ، فأن رأيت أولئك فأولئك شيعة علي (u) ).
4-عن جابر عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)قال جابر:(قال لي(u): يا جابر أيكفي من أنتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت ، فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله ، بالبر بالوالدين ، والتعهد بالجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث ، وتلاوة القرآن ، وكف الألسن عن الناس إلا من خير ، وكانوا أمناء الناس عشائرهم في الأشياء) .
قال جابر : فقلت يا بن رسول الله ما نعرف اليوم أحد بهذه الصفة .
فقال(u) :يا جابر لا تذهبن بك المذاهب : أحسب الرجل أن يقول أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالاً ، فلو قال بعد ذلك أحب رسول الله ورسول الله خير من علي ثم لا يتبع سيرته ، ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئاً فاتقوا الله وأعلموا بما عند الله ، ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحب العباد إلى الله تعالى وأكرمهم عليه اتقاهم عليه وأعلمهم بطاعته ، يا جابر ما يتقرب إلى الله تعالى إلا بالطاعة ، ما معنا براءة من النار ولا لله من لأحد من حجة ، من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو ، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع) .
ويتحصل من ذلك كله أنه لا يصدق على الإنسان أنه شيعي وأنه يحب علياً وأهل البيت(عليهم السلام) إلا إذا كان عنصراً متكاملاً في ذاته وشخصه وعنصراً صالحاً وفعالاً في مجتمعه للوصول إلى تكامل المجتمع المسلم بعد تكامل الفرد المسلم فمثلاً على المستوى الشخصي تتناول إرشادات أهل البيت(عليهم السلام) ثلاث جوانب :-
الأول :الجانب العبادي: فعلى الفرد أن يتمسك ويتعلق بفروع أهل البيت(عليهم السلام) منها التوحيد ، ومنها الجوانب العبادية في فروع الصلاة والصيام ومنها فروع ، رجاء الثواب ، وخوف العقاب ، وتلاوة القرآن ، والدعاء ، وعف البطن والفرج .
الثاني :الجانب الصحي والحيوي: فقد حث أهل البيت على التمسك بالفروع التي فيها صحة الأبدان ، كفروع الصوم ، والصلاة ، وعف الفرج .
الثالث :الجانب النفسي والأخلاقي: فقد حث أهل البيت على التمسك بالفروع التي فيها التوازن النفسي والذي يساهم بصورة رئيسية في التكامل الأخلاقي ، ومن هذه الفروع ، التوحيد حيث انقياد النفس للواحد الأحد دون التعلق بالآلهة الدنيوية المتعددة التي تسبب اضطراب النفس وضعفها ، ومنها الفروع الملازمة لترك الكذب والنميمة والبخل ، ومنها الدعاء وقراءة القرآن وغيرها مما فيه علاج للجانب النفسي والأخلاقي للشخصية المسلمة .
أما علىالمستوى الاجتماعيفنلاحظ أن أهل البيت قد ركزوا على هذا الجانب كثيراً ، فنرى الإرشاد والحث على التمسك بالفروع التي تؤدي بالمجتمع للوصول إلى الأمن والرقي والتعلم والإيثار وغيرها من الصفات التي تحقق التكامل الاجتماعي ومن تلك الفروع التي يجب على المؤمن التمسك بها ، كظم الغيظ ، والعفو عن المسيء ، ورحمة الفقير ، وتعاهد الجار ، والإقرار بالفضل لأهله ، وعف البطن والفرج ، والجهاد ، بر الوالدين ، والتعهد بالفقراء وأهل المسكنة ، والغارمين والأيتام ، صدق الحديث ، وكف الألسن عن الناس ، وأن يكون قوة وأميناً ونافعاً .
الكلام هنا يشمل كل من يترك الواجبات أو بعضها ويرتكب المعاصي أو بعضها وهو يعتذر بأن الشيعي إذا دخل النار فإنه يبقى فترة من الزمن في العذاب ولا يكون مُخلداً في النار ، ومن الواضح أن مثل هذا التفكير والتبرير للأعمال السيئة لا يصدر من إنسان عاقل بل يصدر من الغافل الجاهل المغرور الأحمق ، لأننا لو سلمنا معك بما تقول لورود الكثير من الروايات التي تشير إلى ذلك المعنى ، لكن السؤال المطروح ، ما هي الفترة الزمنية التي يبقى فيها بالنار وعذابها، ولتكن يوماً واحداً على الأقل من العذاب وعليك أن تفهم وتعقل أن ذلك اليوم من العذاب يُعادل ألف سنة أو خمسين ألف سنة مما تعدون منه ، فمن لم يصبر على الطاعات وترك المعاصي في هذه الدنيا القصيرة الفانية والتي لا يتعدى عمرك فيها على الثمانين عاماً أو المئة عام عادة فكيف ستصبر على الألف سنة من العذاب أو الخمسين ألف سنة من العذاب في نار جهنم .
قال تعالى:{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ }(الحج / 47) .
وقال تعالى:{ يُدَبِّرُ الأَْمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الأَْرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ }(السجدة / 5) .
وقال تعالى:{ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }(المعارج / 4) .
ولهذا المستوى من الكلام يكفي أن يكون حجة على كل من يفعل المعصية وعلى كل من يتصف بالأخلاق السيئة ، ويعتبر نفسه مؤمناً ومن أتباع أهل البيت(عليهم السلام) ، فمثل هذا الشخص كاذب بنص أهل البيت(عليهم السلام) (كذب من قال أنه معنا وهو متعلق بفرع غيرنا) . ويجب على كل مؤمن أن يتصف بأخلاق أهل البيت(عليهم السلام) وأن يكون زيناً لهم ولا يكون شيناً عليهم .
ولتعطير النفوس وتزكيتها وللإستلهام من ذلك النبع التضحوي الصافي المبارك نعرج على طف كربلاء ونأخذ العبرة والموعظة : أقول أن أبيتم الهدى والرشاد فاسلكوا خط يزيد لعنه الله وكونوا من أتباعه وأشياعه وليكن يزيد قرينكم وقدوتكم وإمامكم في الدنيا والآخرة ، ومما ورد في وصف يزيد وكشف حقيقته وحقيقتكم معه :-
1-عن الإمام الحسين(عليه السلام): (أن يزيد بن معاوية رجل فاسق شارب خمر وقاتل للنفس المحرمة معلن بالفسق والفجور ومثلي لا يُبايع مثله) .
2-في مروج الذهب للمسعودي (كان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود ومنادمة على الشراب ........ وأنه جلس ذات يوم على الشراب وعن يمينه ابن زياد بعد مقتل الحسين(عليه السلام)وأقبل على ساقيه وقال :
ثم أمر المغنين فغنوا في مجلسه ، وفي زمانه غلب على أصحابه وعلى الناس ما كان يفعله من المنكرات والفسق والفجور، ظهر الغناء في مكة والمدينة وشرب الشراب واستعملت فيها الملاهي بكل أنواعه ) .
3-في الإمامة والسياسة لابن قتيبة (أن عتبة بن مسعود قال لعبد الله بن عباس : أتبايع يزيد وهو يشرب الخمر ويلهو بالقيان ويستهتر بالفواحش ؟ فقال عبد الله بن عباس له : فأين ما قلت لكم وكم بعده من آت ممن يشرب الخمر أو هو شر من شاربها ) .
4-في طبقات ابن سعد (.... قال عبد الله بن حنظلة وهو يخاطب الغزاة : يا قوم اتقوا الله وحده لا شريك له ، فوالله ما خرجنا على يزيد بن معاوية حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، أن رجلاً ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويترك الصلاة والصيام .....) .
5-في الإمامة والسياسة لابن قتيبة (......... وكانت ولايته ..... ، ثلاث سنين وستة أشهر ، ففي السنة الأولى قتل الحسين بن علي(عليه السلام)، وفي السنة الثانية نهب المدينة وقتل أهلها وأباح نسائها ثلاثة أيام لجنده ، وفي الثالثة غزا الكعبة وسلط عليها المنجنيق وهدمها ....... ) .
أيها العاقل النبيه أيها المؤمن المطيع لله تعالى ولرسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأنت أيضاً أيها الفاسق المغرور أسألت نفسك وقد خرج الإمام الحسين(u) وقد ضحى بنفسه وعياله النساء والأطفال وبأصحابه المنتجبين من أجل أن تترك الصلاة ويترك الصيام وغيرها من الواجبات وقد أراد بهذه التضحية أن ينتشر الفساد والمعاصي ، أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا من مجنون أو فاسق معاند ، قال الإمام(u) قال أنه خرج للإصلاح في أمة جده أي لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان يعلم(u) أن ثمن الإصلاح ورفع راية الإسلام هو تلك القربان والتضحيات الغالية .
ففي خطبته(u) في مكة قبل خروجه قال فيها{ خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ........}.
وقال(u) لأخيه محمد بن الحنفية أتأني رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ما فارقتك وقال يا حسين أخرج فإن الله شاء أن يراك قتيلاً) ... وقد شاء أن يراهن (النسوة) سبايا ) .
وقال(u) لأبن عباس : ( أن رسول الله أمرني بأمر وأنا ماضٍ إليه ) .
وكتب(u) لمن تخلف عنه (أما بعد فإن من لحق بي أستشهد ومن تخلف عني لم يدرك الفتح ....... ) .
ألا تملكون الضمير ألا يوجد عندكم الإحساس بالإنسانية والكرامة فتتأثروا بتضحيات سيد الشهداء(u) ألا تخجلون على أنفسكم وأنتم ترتكبون المعاصي وفي المقابل فأن قضية الطف وما حصل فيها أثرت حتى في نفس القتلة وأبنائهم من بني أمية فهذا أمامكم الشاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين وهو معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، ويسمى بمعاوية الثاني ، وهو ثالث حكام بني أمية ، فلم يلبث في منصبه إلا بضعة أشهر حتى ضاق به ودعا المسلمين إلى مؤتمر ونهض يخطب ومما قال (أيها الناس :-
إن جدي معاوية نازع الأمر أهله ومن هو أحق به منه لقرابته من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وسابقته في الإسلام ، وهو علي بن أبي طالب(u) ......... ولقد ركب بكم (أي معاوية ركب بهم) ما تعلمون حتى أتته منيته ، فصار في قبره رهين أعماله ...
ثم تقلد أبي يزيد الأمر من بعده ، فكان غير أهل له .... ركب هواه وأخلفه الأمل .... وقصر به الأجل ، ثم صار في قبره رهين ذنبه وأسير جرمه . وأن من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء منقلبه ، وقد قتل عترة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأباح الحرم وخرب الكعبة ...... ) .
إن هذه الكلمات الصادرة من قلب بيت وكيان الأعداء لتشكل برهاناً ودليلاً قاطعاً على عدالة القضية وعلى عظم التضحية وعل صدق النية التي أثرت في الأعداء فاعترفوا بأحقيتها وعدالتها وترك بعضهم الملك وعقدت بعض نسائهم المجالس في بيوتهم فبالأولى أن تتأثر أنت أيها الشيعي المدعي لحب علي(u) وحب أهل بيته ، وعليك أن تلتزم بأوامر الشارع المقدس الصادرة عن أهل البيت(عليهم السلام) من الصلاة والصيام والحج والزكاة والخمس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعليك أن تترك المعاصي من الزنا وشرب الخمر والبهتان والغيبة والكذب وغيرها ولتكن زيناً لأهل البيت ولا تكن شيناً عليهم .
هدانا الله جميعاً سواء السبيل ورزقنا شفاعة الحسين(u) وأهل بيته في الدنيا والآخرة إنه سميع الدعاء وأن يسدد خطانا ويعيننا لنصرة الدين الحنيف وأن يختم لنا بحسن العاقبة والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين . والله القاهر والقادر والعالم .
سماحة السيد محمود الحسني(دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك بعض العامة من المذهب الشيعي غير ملتزمين بالأحكام الشرعية ولا يأتمرون بما أمر الله به من واجبات كالصوم والصلاة وإذا أمرتهم لا يأتمرون بذلك وعذرهم بأن الشيعة لا تمسهم النار وإذا دخل الشيعي النار فإنه سوف ينال العقاب فترة من الزمن ولا يكون مخلداً في النار .
فما هو رأي الشريعة الإسلامية بذلك نرجو توضيح ذلك إلى هذا القسم من الناس . أدامكم الله ذخراً للحوزة والإسلام والمسلمين .
بسمه تعالى :-
والجواب على هذه القضية يتمثل بعدة مستويات نذكر بعضها وباختصار :-
المستوى الأول:-
إن هذه الدعوى صدرت سابقاً من اليهود والنصارى وغيرهم ، ولا زالت تصدر منهم ومن غيرهم ، ومثل هذه الدعوى تدل على أن صاحبها لا يملك الحجة العقلية والعلمية لكي يُقنع بها الآخرين للانضمام إلى خطه ومذهبه ، وقد ورد في القرآن الكريم ما يشير إلى أولئك كما في قوله تعالى: { وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ }(البقرة / 80).
وقوله تعالى{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ*ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ }(آل عمران / 23-24).
المستوى الثاني :-
مما لا ينكر عند الخاصة والعامة ، السنة والشيعة ورود روايات وصلت إلى حد التواتر تشير بدورها إلى ظاهر المعنى الذي تمسك به أولئك الناس العوام ، ويكفي في المقام أن أذكر رواية عن طريق إخواننا السنة من الروايات الكثيرة التي تشير إلى ذلك المعنى كما عن ، أحمد بن حنبل ، والترمذي ، والثعلبي ، في تفسيره ، وابن حجر في صواعقه ، والحافظ الطبري ، والطبراني في الأواسط ، والسيوطي في إحياء الميت ، وفي مستدرك الصحيحين ، وغيرها الكثير نجد المزيد والكثير منها كتب الفصول المهمة ، وفضائل الخمسة من الصحاح السنة ، والغدير ، والمراجعات .
فمثلاً أورد بن حجر في صواعقه حديثاً إليك نصه(أن النبي خرج على أصحابه ذات يوم ووجهه مُشرق كدائرة القمر ، فسأله عبد الرحمن بن عوف عن ذلك :
فقال(صلى الله عليه وآله وسلم):بشارتي من ربي في أخي وابن عمي وابنتي ، بأن زوج علياً من فاطمة ، وأمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى ، فحملت رقاقاً (يعني صكاكاً) بعدد محبي أهل بيتي ، وأنشأ تحتها ملائكة من نور ، دفع إلى كل ملك صكاً ، فإذا استوت القيامة بأهلها ، نادت الملائكة في الخلائق ، فلا يبقى محب لأهل البيت إلا دفعت إليه صكاً فيه فكاكه من النار، فصار أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي من النار).
ومثل هذه الرواية وغيرها ممكن أن يحتج بها الخصم علينا ويعتبرها دليلاً لصالحه ، وفي هذا المقام وبعد التسليم بصحة الرواية هذه أو غيرها التي تشير إلى نفس المعنى وخاصة إذا قلنا بتحقيق التواتر فإننا نتعرض لإبطال هذا الدليل من عدة جهات نذكر بعضها وعلى نحو الاختصار في المستويات اللاحقة .
المستوى الثالث :-
يمكن الادعاء بأنها (أي الظهورات المستفادة من الروايات في المستوى السابق) مخالفة لكتاب الله وعليه نحكم بأنها زخرف وأن الذي جاء بها أولى وأن الذي خالف كتاب الله يترك وللتوضيح أقول :
أما كونها مخالفة لكتاب الله الكريم فلورود الآيات الكثيرة التي تحث وتوجب الصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها من الواجبات وتمنع وتحرّم شرب الخمر والزنا والغيبة والنميمة والكذب وغيرها من المحرمات .
منها قوله تعالى:{ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَْبْصارُ }(النور /37 ).
وقوله تعالى:{ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ }(البقرة /43) .
وقوله تعالى:{حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ }البقرة / 238 .
وقوله تعالى:{...لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }(البقرة /177) .
أما كونها زخرف فلما ورد عن الإمام الصادق(u) أنه قال:(( ما لم يوافق من القرآن الحديث فهو زخرف)).
أما كون الذي جاء بها أولى ، فلما ورد عن الإمام الصادق(u) أنه قال: ((... إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ... ، وإلا فالذي جاء به أولى به)).
أما كونها تترك فلما ورد عن الإمام الصادق(u) أنه قال: ((الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، أن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه)).
المستوى الرابع :-
يمكن القول أنها متعارضة مع الروايات الكثيرة المتواترة عن أهل البيت(عليهم السلام) والتي تدل على وجوب الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من الواجبات ، ومتعارضة مع الروايات التي تنهى عن ترك الصلاة أو الزكاة أو الحج أو الصيام ، والتي تنهى عن ارتكاب المحرمات ونتيجة هذا التعارض يمكن أن تكون :
1-التساقط والرجوع إلى العموم الفوقاني من السنة الشريفة الدالة على وجوب الصلاة والصيام وغيرها والدالة علىأن الإسلام بُني على الصلاة والصيام وغيرها من الواجبات .
2-التساقط والرجوع إلى العموم الفوقاني من القرآن الكريم والتمسك بالآيات الدالة بإطلاقها وبعضها بالنص على وجوب الصلاة والزكاة والحج وغيرها من الواجبات .
3-يمكن معالجة مشكلة التعارض طبقاً لما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام):{ إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه ......}وبما أن الظهور المستفاد من الروايات التي تمسك بها الخصم مخالفة لكتاب الله تعالى كما أثبتنا ذلك في المستوى الثالث ولذلك علينا أن نورد هذه الروايات ونأخذ بالروايات المعارضة التي يتمسك بها .
4-يمكن تطبيق قاعدة الجمع العرفي حيث تحرز البناء العرفي على إعداد نوع من التعبير للكشف عن المراد وتحديده وتفصيل الكلام في علم الأصول ، والنتيجة هي تقديم القرينة وهو الرواية والدليل الذي نتمسك به على ذي القرينة وهو الدليل والرواية التي يتمسك بها الخصم .
ولمزيد من التوضيح لهذه النقطة لاحظ المستوى السادس والسابع .
ومما ورد عنهم(u) بالحث والأمر بأداء الواجبات وترك المحرمات .
منها ما ورد في الصلاة : (عمود الدين إذا قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها)، وهي (أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم فإن صحت نظر في عمله وأن لم تصح لم ينظر في بقية عمله)، (ليس ما بين المسلم وبين أن يكفر إلا أن يترك الصلاة)، و (إذا كان يوم القيامة يُدعى بالعبد فأول شيء يُسأل عنه الصلاة فإذا جاء بها تامة وإلا زج في النار).
أما في الزكاة فقد ورد عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم):{ أن الله عز وجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلا بأدائها وهي الزكاة ، بها حقنوا دمائهم وبها سموا مسلمين}، وعن الإمام الصادق (u):{ما من ذي مال يمنع زكاة ماله إلا حسبه الله عز وجل يوم القيامة بقاع قرقر وسلط عليه شجاعاً (نوع من الحيات الذكور) أقرع يريده وهو يحيد عنه ، فإذا رأى أنه لا مخلص له منه أمكنه من يده فقضمها ، ثم يصير طوقاً في عنقه ، وذلك قول الله عز وجل {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} }.
وأما الحج فقد ورد عن أمير المؤمنين(u):{ وفرض عليكم حج بيته الحرام الذي جعله قبلة للأنام ........ } .
وقال(u):{...... جعله سبحانه وتعالى للإسلام وتعالى علماً وللعائذين حرماً وفرض حجه وأوجب حقه وكتب عليكم وفادته فقال سبحانه وتعالى (ولله على الناس حج البيت من إستطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)} .
وأما الصيام فقد ورد عن الإمامالصادق(u):{ إنما فرض الله صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم ففضل به هذه الأمة وجعل صيامه فرضاً على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى أمته }، وهكذا بقية الواجبات ، وكذلك الكلام في النهي عن المحرمات .
المستوى الخامس :-
بعد ملاحظة الروايات في المستوى السابق يمكن الادعاء بأن الروايات التي نتمسك بها نص في المطلوب بينما الروايات التي يتمسك بها الخصم فهي ظاهر في المطلوب لأن استفادة المطلوب منها بالإطلاق ، ونتيجة هذا الكلام تقديم النص أو الظاهر على الأظهر فتتقدم الروايات التي نتمسك بها ويثبت المطلوب الذي نقول به .
المستوى السادس :-
لتطبيق قاعدة الجمع العرفي بالاستفادة من القرائن الداخلية في بعض الروايات والاستفادة من القرائن الخارجية أيضاً، أقول أن روايات الخصم مطلقة بمعنى أن شفاعة أهل البيت وحب أهل البيت التي تمنع من دخول النار تشمل المؤمن الملتزم بأداء الواجبات الشرعية والملتزم بترك المحرمات وكذلك تشمل الفاسق الذي ترك كل الواجبات أو بعضها والذي لم يلتزم بكل المحرمات بل فعلها كلها أو أكثرها أو بعضها ولم تصدر منه التوبة .
أما الروايات التي نتمسك بها فهي مقيدة بالمؤمن الملتزم بأداء الواجبات وترك المحرمات ، فيتقدم المقيد (وهو القرينة) على المطلق (وهو ذو القرينة) ، ونتيجة هذا الجمع يكون ظاهر معنى الروايات المطلقة التي يتمسك بها الخصم وهو أن الإمام(u) في مقام بيان أن المحك والقياس لدخول الجنة وعدم دخولها هو حب علي بن أبي طالب(u) ، وأهل بيته(u) ، أما الجهات الأخرى فليس الإمام في مقام بيانها فالإمام ليس في مقام بيان صفة الذي يدخل الجنة وكونه من المصلين أولاً ، وليس في مقام صفته وكونه من اللذين يؤدون الزكاة ثانياً وهكذا باقي الجهات . وفي هذا المقام نكتفي بهذا البيان ونترك التفصيل لكفاية ما ذكرناه في إثبات المطلوب وإبطال دليل الخصم ، وأذكر بعض الروايات التي تدل أو تؤيد ما طرح في هذا المستوى السادس ، وكذلك بعضها يفيد البرهان بكل مستوياته المذكورة أو بعضها :-
1-ورد الكثير من الروايات بخصوص هذا المستوى السادس عن طريق إخواننا السنة وفي نفس المصادر التي ذكرناها سابقاً ، منها ما أخرجه الثعلبي في تفسيره الكثير ، قال :(قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : ألا من مات على حب آل محمد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر و نكير ، ألا ومن مات على حب آل محمد زف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله).
2-في مستدرك الصحيحين ، الجزء الثالث ، صفحة 127 ، (عن ابن عباس قال:نظر النبي(صلى الله عليه وآله)إلىعلي(u) فقال :يا علي أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة ، حبيبكحبيبي ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوك عدوي ، وعدوي عدوا الله ، والويل لمن أبغضك بعدي).
3-أخرك الحافظ الطبري في كتاب الولاية، بإسناد عن علي(عليه السلام) أنه قال: (لا يحبني ثلاثة : ولد زنا ، ومنافق ، ورجل حملت به أمه في بعض حيضها).
4-أخرج ابن حجر في صواعقه في باب الحَث على حبهم ، والطبراني في الأوسط والسيوطي في إحياء الدين ، (قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله
وسلم) ) :ألزموا مودتنا أهل البيت ، فانه من لقي الله وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا ، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقنا).
5-وقد ورد الكثير من الروايات بخصوص هذا المستوى ، عن طريق أهل البيت (عليهمالسلام) ، منها ورد عن الإمام الرضا (u) عن آبائه عن علي (u)(قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم):أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة : المكرم لذريتي من بعدي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعيلهم في أمورهم عند اضطرارهم ، والمحب لهم بقلبه ولسانه).
6-ومنها ما ورد عن النبي ((صلى الله عليه وآله وسلم) ) :{ من أحب أن يحيا حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل الجنة التي وعدني ربي وهي جنة الخلد . فليتول علياً وذريته من بعده ، فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى ولن يدخلوكم باب الضلالة } .
7-ومنها ما ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام):(بُنيَ الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والولاية) .
ويوجد الكثير من الروايات غير ما ذكرنا ، وتكون ظاهرة لبيان جهة رئيسية وهي القدر المتيقن في كون حب علي وأهل البيت هو المحك والمقياس .
المستوى السابع :-
نذكر في هذا المستوى بعض الروايات التي تكون نصاً في المطلوب من الجمع في المستوى السابق بل تصلح دليلاً ومؤيداً لكل المستويات المذكورة :
1-ما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام):(نحن أصل كل خير ومن فروعنا كل بر ، ومن البر ، التوحيد ، والصلاة ، والصيام ، وكظم الغيض ، والعفو عن المسيء ، ورحمة الفقير ، وتعاهد الجار، والإقرار بالفضل لأهله ، وعدونا أصل كل شر ، ومن فروعهم كل قبيح وفاحشة فمنهم ، الكذب ، والنميمة ، والبخل ، والقطيعة، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم بغير حقه ، وتعدي الحدود التي أمر الله عز وجل ، و ركوب الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، من الزنا ، والسرقة ، وكل ما وافق ذلك من القبيح ، وكذب من قال أنه معنا وهو متعلق بفرع غيرنا) .
2-وعن الإمام الصادق(عليه السلام)عن جده رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم):(من أحب علياً تقبل الله صلاته وصيامه وقيامه واستجاب الله له دعاءه ...... ).
3-عن الإمام الصادق(عليه السلام):(إياك والسفلة فإنما شيعة علي (u) من عف بطنه وفرجه ، واشتد جهاده ، وعمل لخالقه ورجاه ثوابه ، وخاف عقابه ، فأن رأيت أولئك فأولئك شيعة علي (u) ).
4-عن جابر عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)قال جابر:(قال لي(u): يا جابر أيكفي من أنتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت ، فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله ، بالبر بالوالدين ، والتعهد بالجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث ، وتلاوة القرآن ، وكف الألسن عن الناس إلا من خير ، وكانوا أمناء الناس عشائرهم في الأشياء) .
قال جابر : فقلت يا بن رسول الله ما نعرف اليوم أحد بهذه الصفة .
فقال(u) :يا جابر لا تذهبن بك المذاهب : أحسب الرجل أن يقول أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالاً ، فلو قال بعد ذلك أحب رسول الله ورسول الله خير من علي ثم لا يتبع سيرته ، ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئاً فاتقوا الله وأعلموا بما عند الله ، ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحب العباد إلى الله تعالى وأكرمهم عليه اتقاهم عليه وأعلمهم بطاعته ، يا جابر ما يتقرب إلى الله تعالى إلا بالطاعة ، ما معنا براءة من النار ولا لله من لأحد من حجة ، من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو ، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع) .
المستوى الثامن :-
ويتحصل من ذلك كله أنه لا يصدق على الإنسان أنه شيعي وأنه يحب علياً وأهل البيت(عليهم السلام) إلا إذا كان عنصراً متكاملاً في ذاته وشخصه وعنصراً صالحاً وفعالاً في مجتمعه للوصول إلى تكامل المجتمع المسلم بعد تكامل الفرد المسلم فمثلاً على المستوى الشخصي تتناول إرشادات أهل البيت(عليهم السلام) ثلاث جوانب :-
الأول :الجانب العبادي: فعلى الفرد أن يتمسك ويتعلق بفروع أهل البيت(عليهم السلام) منها التوحيد ، ومنها الجوانب العبادية في فروع الصلاة والصيام ومنها فروع ، رجاء الثواب ، وخوف العقاب ، وتلاوة القرآن ، والدعاء ، وعف البطن والفرج .
الثاني :الجانب الصحي والحيوي: فقد حث أهل البيت على التمسك بالفروع التي فيها صحة الأبدان ، كفروع الصوم ، والصلاة ، وعف الفرج .
الثالث :الجانب النفسي والأخلاقي: فقد حث أهل البيت على التمسك بالفروع التي فيها التوازن النفسي والذي يساهم بصورة رئيسية في التكامل الأخلاقي ، ومن هذه الفروع ، التوحيد حيث انقياد النفس للواحد الأحد دون التعلق بالآلهة الدنيوية المتعددة التي تسبب اضطراب النفس وضعفها ، ومنها الفروع الملازمة لترك الكذب والنميمة والبخل ، ومنها الدعاء وقراءة القرآن وغيرها مما فيه علاج للجانب النفسي والأخلاقي للشخصية المسلمة .
أما علىالمستوى الاجتماعيفنلاحظ أن أهل البيت قد ركزوا على هذا الجانب كثيراً ، فنرى الإرشاد والحث على التمسك بالفروع التي تؤدي بالمجتمع للوصول إلى الأمن والرقي والتعلم والإيثار وغيرها من الصفات التي تحقق التكامل الاجتماعي ومن تلك الفروع التي يجب على المؤمن التمسك بها ، كظم الغيظ ، والعفو عن المسيء ، ورحمة الفقير ، وتعاهد الجار ، والإقرار بالفضل لأهله ، وعف البطن والفرج ، والجهاد ، بر الوالدين ، والتعهد بالفقراء وأهل المسكنة ، والغارمين والأيتام ، صدق الحديث ، وكف الألسن عن الناس ، وأن يكون قوة وأميناً ونافعاً .
المستوى التاسع :-
الكلام هنا يشمل كل من يترك الواجبات أو بعضها ويرتكب المعاصي أو بعضها وهو يعتذر بأن الشيعي إذا دخل النار فإنه يبقى فترة من الزمن في العذاب ولا يكون مُخلداً في النار ، ومن الواضح أن مثل هذا التفكير والتبرير للأعمال السيئة لا يصدر من إنسان عاقل بل يصدر من الغافل الجاهل المغرور الأحمق ، لأننا لو سلمنا معك بما تقول لورود الكثير من الروايات التي تشير إلى ذلك المعنى ، لكن السؤال المطروح ، ما هي الفترة الزمنية التي يبقى فيها بالنار وعذابها، ولتكن يوماً واحداً على الأقل من العذاب وعليك أن تفهم وتعقل أن ذلك اليوم من العذاب يُعادل ألف سنة أو خمسين ألف سنة مما تعدون منه ، فمن لم يصبر على الطاعات وترك المعاصي في هذه الدنيا القصيرة الفانية والتي لا يتعدى عمرك فيها على الثمانين عاماً أو المئة عام عادة فكيف ستصبر على الألف سنة من العذاب أو الخمسين ألف سنة من العذاب في نار جهنم .
قال تعالى:{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ }(الحج / 47) .
وقال تعالى:{ يُدَبِّرُ الأَْمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الأَْرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ }(السجدة / 5) .
وقال تعالى:{ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }(المعارج / 4) .
ولهذا المستوى من الكلام يكفي أن يكون حجة على كل من يفعل المعصية وعلى كل من يتصف بالأخلاق السيئة ، ويعتبر نفسه مؤمناً ومن أتباع أهل البيت(عليهم السلام) ، فمثل هذا الشخص كاذب بنص أهل البيت(عليهم السلام) (كذب من قال أنه معنا وهو متعلق بفرع غيرنا) . ويجب على كل مؤمن أن يتصف بأخلاق أهل البيت(عليهم السلام) وأن يكون زيناً لهم ولا يكون شيناً عليهم .
المستوى العاشر :-
ولتعطير النفوس وتزكيتها وللإستلهام من ذلك النبع التضحوي الصافي المبارك نعرج على طف كربلاء ونأخذ العبرة والموعظة : أقول أن أبيتم الهدى والرشاد فاسلكوا خط يزيد لعنه الله وكونوا من أتباعه وأشياعه وليكن يزيد قرينكم وقدوتكم وإمامكم في الدنيا والآخرة ، ومما ورد في وصف يزيد وكشف حقيقته وحقيقتكم معه :-
1-عن الإمام الحسين(عليه السلام): (أن يزيد بن معاوية رجل فاسق شارب خمر وقاتل للنفس المحرمة معلن بالفسق والفجور ومثلي لا يُبايع مثله) .
2-في مروج الذهب للمسعودي (كان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود ومنادمة على الشراب ........ وأنه جلس ذات يوم على الشراب وعن يمينه ابن زياد بعد مقتل الحسين(عليه السلام)وأقبل على ساقيه وقال :
اسقني شربة ترويحشاشيثم مل واسق مثلها ابن زياد
صاحب السر والأمانة عنديولتسديد مغنمي وجهــادي
ثم أمر المغنين فغنوا في مجلسه ، وفي زمانه غلب على أصحابه وعلى الناس ما كان يفعله من المنكرات والفسق والفجور، ظهر الغناء في مكة والمدينة وشرب الشراب واستعملت فيها الملاهي بكل أنواعه ) .
3-في الإمامة والسياسة لابن قتيبة (أن عتبة بن مسعود قال لعبد الله بن عباس : أتبايع يزيد وهو يشرب الخمر ويلهو بالقيان ويستهتر بالفواحش ؟ فقال عبد الله بن عباس له : فأين ما قلت لكم وكم بعده من آت ممن يشرب الخمر أو هو شر من شاربها ) .
4-في طبقات ابن سعد (.... قال عبد الله بن حنظلة وهو يخاطب الغزاة : يا قوم اتقوا الله وحده لا شريك له ، فوالله ما خرجنا على يزيد بن معاوية حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، أن رجلاً ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويترك الصلاة والصيام .....) .
5-في الإمامة والسياسة لابن قتيبة (......... وكانت ولايته ..... ، ثلاث سنين وستة أشهر ، ففي السنة الأولى قتل الحسين بن علي(عليه السلام)، وفي السنة الثانية نهب المدينة وقتل أهلها وأباح نسائها ثلاثة أيام لجنده ، وفي الثالثة غزا الكعبة وسلط عليها المنجنيق وهدمها ....... ) .
المستوى الحادي عشر :-
أيها العاقل النبيه أيها المؤمن المطيع لله تعالى ولرسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأنت أيضاً أيها الفاسق المغرور أسألت نفسك وقد خرج الإمام الحسين(u) وقد ضحى بنفسه وعياله النساء والأطفال وبأصحابه المنتجبين من أجل أن تترك الصلاة ويترك الصيام وغيرها من الواجبات وقد أراد بهذه التضحية أن ينتشر الفساد والمعاصي ، أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا من مجنون أو فاسق معاند ، قال الإمام(u) قال أنه خرج للإصلاح في أمة جده أي لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان يعلم(u) أن ثمن الإصلاح ورفع راية الإسلام هو تلك القربان والتضحيات الغالية .
ففي خطبته(u) في مكة قبل خروجه قال فيها{ خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ........}.
وقال(u) لأخيه محمد بن الحنفية أتأني رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ما فارقتك وقال يا حسين أخرج فإن الله شاء أن يراك قتيلاً) ... وقد شاء أن يراهن (النسوة) سبايا ) .
وقال(u) لأبن عباس : ( أن رسول الله أمرني بأمر وأنا ماضٍ إليه ) .
وكتب(u) لمن تخلف عنه (أما بعد فإن من لحق بي أستشهد ومن تخلف عني لم يدرك الفتح ....... ) .
ألا تملكون الضمير ألا يوجد عندكم الإحساس بالإنسانية والكرامة فتتأثروا بتضحيات سيد الشهداء(u) ألا تخجلون على أنفسكم وأنتم ترتكبون المعاصي وفي المقابل فأن قضية الطف وما حصل فيها أثرت حتى في نفس القتلة وأبنائهم من بني أمية فهذا أمامكم الشاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين وهو معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، ويسمى بمعاوية الثاني ، وهو ثالث حكام بني أمية ، فلم يلبث في منصبه إلا بضعة أشهر حتى ضاق به ودعا المسلمين إلى مؤتمر ونهض يخطب ومما قال (أيها الناس :-
إن جدي معاوية نازع الأمر أهله ومن هو أحق به منه لقرابته من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وسابقته في الإسلام ، وهو علي بن أبي طالب(u) ......... ولقد ركب بكم (أي معاوية ركب بهم) ما تعلمون حتى أتته منيته ، فصار في قبره رهين أعماله ...
ثم تقلد أبي يزيد الأمر من بعده ، فكان غير أهل له .... ركب هواه وأخلفه الأمل .... وقصر به الأجل ، ثم صار في قبره رهين ذنبه وأسير جرمه . وأن من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء منقلبه ، وقد قتل عترة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأباح الحرم وخرب الكعبة ...... ) .
إن هذه الكلمات الصادرة من قلب بيت وكيان الأعداء لتشكل برهاناً ودليلاً قاطعاً على عدالة القضية وعلى عظم التضحية وعل صدق النية التي أثرت في الأعداء فاعترفوا بأحقيتها وعدالتها وترك بعضهم الملك وعقدت بعض نسائهم المجالس في بيوتهم فبالأولى أن تتأثر أنت أيها الشيعي المدعي لحب علي(u) وحب أهل بيته ، وعليك أن تلتزم بأوامر الشارع المقدس الصادرة عن أهل البيت(عليهم السلام) من الصلاة والصيام والحج والزكاة والخمس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعليك أن تترك المعاصي من الزنا وشرب الخمر والبهتان والغيبة والكذب وغيرها ولتكن زيناً لأهل البيت ولا تكن شيناً عليهم .
هدانا الله جميعاً سواء السبيل ورزقنا شفاعة الحسين(u) وأهل بيته في الدنيا والآخرة إنه سميع الدعاء وأن يسدد خطانا ويعيننا لنصرة الدين الحنيف وأن يختم لنا بحسن العاقبة والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين . والله القاهر والقادر والعالم .
محمـود الحســني
7 /8/ 1422 هـ