بسم الله الرحمن الرحيم
منذ الخلق الأول لأبينا آدم ، مرت العديد من الإنعطافات التاريخية التي كان لها الأثر الأكبر في صياغة الإنسان نحو الكمال والصلاح، وكان أبطال هذا الرحلة المضنية والشاقة هم الأنبياء والأئمة (عليهم الصلاة والسلام).
ونحن نعيش واقعة الطف كربلاء، لا بد من إلقاء الضوء على كربلاء. حيث طلّت في أرضها سحابة الدم الحر الشهيد فأنبتت أجيال الشهداء الثوار، وها هي أصداء الصوت الأبي الذي أطلقه الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) تتردد في وادي الطفوف، وتقرع مسامع الأجيال، وتطوف في ربوع التاريخ إعصاراً يعصف بالطغاة، وبركان دم يهز عروش الظالمين ويوقظ الضمائر الحرة، ها هو صوته يدوي ويملأ مسامع الزمنلا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد).
إن رجل التاريخ اللامع هذا وأسطورة الملاحم والكفاح وكلمة الإباء والشرف هو الحسين. فمن هو هذا الحسين ؟ وما هي معالم هذه الشخصية الفذة العملاقة؟.
هوالحسين السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، وأمه فاطمة الزهراء بنت محمد رسول الله . ولد الحسين الشهيد في المدينة المنورة في الخامس من شعبان السنة الرابعة من الهجرة وقيل الثالث من شعبان. ولد الحسين فاستقبلته الأسرة النبوية بروح الحب والحنان، فسماه رسول الله (حسيناً). نشأ وترعرع في أحضان رسول الله وبين أمير المؤمنين علي وفاطمة الزهراء ، فارتضع أخلاق النبوة وشب على مبادئ الرسالة الإسلامية العظيمة، مبادئ الحق والعدل والإباء. أحاطه رسول الله في طفولته بمشاعر الحب والحنان، وكان يحمله وأخاه الأكبر (الحسن) على صدره الشريف .هذا هو الحسين في قلب رسول الله وفي عرفه وشريعته، وقد نشأ في بيت من أكرم بيوتات الإسلام وأعزها وهو بيت رسول الله ، وتربى على خلقه ومبادئه فكان مثال الورع والتقوى وقدوة الإخلاص والزهد والعبادة. قوي الشخصية شجاعاً غيوراً على الإسلام والأمة. ذو شخصية قيادية عظيمة، شديد التمسك بالحق، قوي الإرادة، لا تأخذه في الله لومة لائم. فبهذه الصفات العظيمة وبهذه الشخصية العبقرية وبهذه المكانة الإجتماعية الفريدة، صار الحسين قوة فعالة في ضمير التاريخ الإسلامي وإرادة حية تؤثر عبر الأجيال. لقد نحت له هذا المجد العظيم تمثالاً في قلوب كل حر أبي يعرف للإنسانية حقها وللمبادئ والقيم قيمتها، فهو مثال الحر الأبي ومثال "الثائر المنتصر للمستضعف المظلوم".
هذا هو الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، فهو شعار مدرسة، وتيار كفاح، وجهاد رسالي وسياسي فريد في تاريخ الإسلام، ولم تزل نهضته وحركته ومبادئه تتفاعل وتؤثر في ضمير الأمة ووعيها.
السياسة الاموية المنحرفة:
إن السياسة الأموية وواقع الإنحراف الذي خطط له الطاغية معاوية، وتبناه بشكله المرعب فور موته بتولي إبنه يزيد الحكم الموروث، أن منح يزيد السلطة ليقود الأمة الإسلامية، ويخطط لمستقبلها ويحدد مسارها، فهذا معناه الإنهاء العملي للوجود الإسلامي على الإطلاق، وردة واقعية عن مبادئ السماء وعودة للجاهلية ولكن في ثوب جديد، فيزيد هذا كما تؤكد المصادر التاريخية يغلب عليه طابع الشذوذ في شتى أفكاره وممارساته ومشاعره، وأن يزيد لم يتوفر له أي انفتاح واع على الرسالة الإسلامية وأهدافها العليا التي تحقق أرقى صياغة للإنسان كفرد وكعضو في المجتمع، واشتهر بالمعازف والصيد واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب والدباب والقرود، وما من يوم يمر إلا يصبح فيه مخموراً.
قرر معاوية أن ينصب إبنه يزيد هذا الوزغ المنحط خلقياً خليفة على المسلمين، ويأخذ له البيعة بنفسه خلافاً للأعراف والأحكام الإسلامية المتبعة في تعين الخليفة. فأثار هذا القرار الرأي العام الإسلامي وخصوصاً الشخصيات الإسلامية البارزة كالحسين وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمر وشخصيات أخرى. ذلل معاوية الصعاب وأحكم القبضة بكل ما أوتي من وسائل المال والدهاء والإرهاب. ونقل السلطة ورئاسة الدولة إلى ولده يزيد الفاسق مما حفز الأمة للثورة وجعلها تتهيئ لخلع يزيد الحاكم المفروض عليها.
وطبيعي عندما تشتد المحن وتتوالى الشدائد، ويطوق الأمة طوق الإرهاب والتسلط السياسي الجائر تتجه الأنظار الى رجال المعارضة وقادة الرأى التي تحمل روح الثورة والتضحية وتعيش من أجل المبادئ والقيم، ولم يكن في الأمة يومها من رجل كالحسين بن علي (عليهما السلام)، فهو سيد قريش وسبط الرسول وابن أمير المؤمنين وخير رجال الأمة علماً وورعاً وكفاءةً وخلقاً، وليس في المسلمين من يجهل مقامه الشريف أو لا يعرف شخصيته. ويزيد يعرف تعلق الأمة بالحسين وشدة الحسين وروح الوثبة والثورة فيه، فكتب يزيد في الأيام الأولى من توليه السلطة وبعد هلاك الطاغية معاوية، رسالة الى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان والي المدينة آنذاك كتاباً جاء فيه:- أما بعد، فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليس فيه رخصة حتى يبايعوا. إستلم الوليد رسالة يزيد وقرأ فيها نعي معاوية وإعلان البيعة ليزيد وتكليفه بمهمة سياسية كبرى. إستدعى مستشاره مروان ليبلغه نبأ هلاك معاوية وإعلان البيعة ليزيد، وفي كيفية مواجهة الحسين وتنفيذ قرار يزيد فأشارعليه مروانأرى أن تدعوهم الساعة وتأمرهم بالبيعة فإن خلعوا قبلت منهم وإن أبو ضربت أعناقهم). فأرسل الوليد عبد الله بن عمر بن عثمان وهوغلام حدث إلى الحسين وابن الزبير يدعوهما للحضور فقالا انصرف الآن نأتيه. لم يكن هذا الإستدعاء إعتيادياً، ولم يكن الحسين ليغفل عنه، وماذا يريد الوليد في هذه الساعة، أحس الإمام الحسين وابن الزبير بخطورة الموقف وأدركا أن امراً جديداً قد حدث، وظن الحسين أن الطاغية معاوية قد هلك فبعث إلينا ليأخذ بالبيعة منا قبيل أن ينتشر في الناس خبر هلاك الطاغية معاوية.
وهكذا استقبل الحسين الخطة الأموية وتهيأ للمواجهة وأدرك المباغتة وعرف لغة التعامل مع هذا الحزب ثم قاللا آتيه إلا وأنا قادر على الإمتناع)، ثم بعث الحسين الشهيد إلى أهل بيته وحاشيته فاجتمع من حوله ثلاثون فارساً، فكانوا كوكبة أبطال ورجال ثورة، ثم سار إلى الوليد ومعه حرسه ورجاله مستعداً للدفاع متأهباً للمواجهة بهذه الروح وبتلك العزيمة وبالموقف الشجاع وبالتحدي والرفض، ومن الوهلة الأولى قرر الحسين أن يجابه تسلط يزيد ويرد على الموقف السياسي الخطير، فهو يعرف يزيد ويدرك عمق المأساة ويعلم أن لا بد من السيف والدم والثورة والجهاد وسحب الصفة الشرعية من هذا المتسلط الطاغية بأي ثمن كان، فليس في نفس الحسين الثائر الشهيد رضى ولا مهادنة وليس في لغته ضعف ولا وهن، فبين جنبيه قلب علي بن أبي طالب، وفي يده سيف الحق، وفي نفسه نفحة النبوة وعزة الإمامة وشرف الرجولة.
سار الحسين ليحدد الموقف ويعلن القرار ويحسم النزاع ويقول كلمة الرفض وهويمثل إرادة الأمة وينطق بلسان الشريعة ومن حوله حاشيته وأهل بيته موحياً بالمواجهة وملوحاً بالموقف الصعب ومهدداً بالثورة. وبالفعل بدأ الحوار بين الحسين ع والوليد وأخبر الوليد الحسين بموت معاوية وعرض عليه البيعة ليزيد، فقال الحسين أيها الأمير إن البيعة لا تكون سراً ولكن إذا دعوت الناس غداً فادعنا معهم، فقال مروان لا تقبل أيها الأمير عذره وحتى لم يقبل فاضرب عنقه، فغضب الحسين ثم قال ويلك يا ابن الزرقاء، أأنت تضرب عنقي... كذبت والله وخسئت، ثم أقبل على الوليد وقال: إنا أهل النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة وبنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة. ثم خرج وانفض المجلس وانصرف الحسين عائداً إلى أهله وقد عزم على الجهاد وتأهب للمواجهة، ثم قرر التحرك وإعلان الثورة وأن يتخذ مكة المكرمة مقراً للإنطلاق وميداناً للتحرك.
وخرج الحسين من المدينة المنورة رافضاً السلطة اليزيدية ومعلناً للثورة على يزيد، فقد أرسل رسالة إلى أخيه محمد بن الحنفية وقد جاء في نص الرسالة:-( لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر وأسير سيرة جدي وأبي)، ويوضح سبب رفضه لبيعة يزيد بقوله:-(يزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله). فقد كان الحسين يرى القيادة أداة ووسيلة لوضع الأمة على طريق الهدى والصلاح والعمل على تربية الإنسان وبناء شخصيته وتنظيم الحياة وتطويرها نحو الخير والكمال. فهو يعلم أنه القادر على هز الحكم الأموي، وتفجير البركان تحت عرش يزيد، وأنه القادر أن يختط للأمة درب الجهاد والثورة على الحاكم الظالم، فإن انتصر سيقيم عدل الإسلام ويطبق أحكام الشريعة وقيم الحق التي نادى بها، وإن استشهد فسيبقى شلال الدم المقدس يجري عبر وديان الحياة يخصب الثورات ويسقي أغراس الشهادة.
لقد كان الموكب القليل العدد العظيم الإرادة الذي زحف به الحسين من مدينة جده الرسول الخالد محمد إلى مكة المكرمة، ليقرر هناك مستقبل المسيرة الخالدة. ولقد اجتمعت الكوكبة من آل البيت النبوي حول الحسين وسلكت درب الكفاح الطويل، فقد اصطحب الحسين معه أخوته وأبناءه وبني أخيه وجل أهل بيته، ولم يغادر الحسين المدينة المنورة حتى زار قبر جده رسول الله زيارة المودع الذي لا يعود. وقف الحسين الى جوار القبر الشريف فصلى ركعتين ثم وقف بين يدي جده العظيم محمد يناجي ربه: (اللهم هذا قبر نبيك محمد وأنا ابن بنت نبيك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم إني أحب المعروف وأنكر المنكر، وأنا أسألك ياذا الجلال والإكرام بحق القبر ومن فيه إلا ما اخترت لي ما هو لك رضى ولرسولك رضى). وهكذا كانت عزيمة الحسين إصرار ومضاء قرار الرجال، وحزم القائد الذي لا يلين. إتجه ركب الحسين نحو مكة، وسارت الكوكبة الرائدة في طريق الجهاد والشهادة، سار الحسين ومعه نفر من أهل بيته وأصحابه وبرفقته نساؤه وأبناؤه وأخته زينب الكبرى وهو يقرأ قول الله تعالى: (فخرج منها خائفاً يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين).
وهكذا سارت كواكب الفداء وطلائع الجهاد تيمم وجهها شطر البيت الحرام لتنتهي إلى أرض الطفوف كربلاء، إلى مثوى الخالدين ومنار الأحرار، يقودها الحسين سالكاً الدرب الذي اعتاد الناس سلوكه متحدياً السلطة والقوة والمطاردة.
إن روح الإمام علي ما زالت تسبح بين جنبيه، وقلب ذاك البطل الشجاع يربض كالجبل في أعماقه. لقد رحل ابن رسول الله وهجر مدينة جده . إنه قادم على أمر عظيم، لقد أبى البيعة ورفض الخنوع لسلطة الطاغية يزيد، وما عسى الأمة أن تنتظر؟ وراح ركب الحسين يطوي الفلاة ويعد السير حتى بلغ مكة المكرمة ودخل أرض الحرام ( ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان دخلها وهو يقرأ قوله تعالى:-(ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني السبيل).
حلّ الحسين في مهبط الوحي ومدينة السلام مكة المكرمة، فنزل في دار العباس بن عبد المطلب. سرى نبأ قدوم الحسين إلى مكة وانتشر خبر خروجه من المدينة ورفضه لبيعة الطاغية يزيد، وبدأت الوفود والرسائل تفد عليه من أرجاء شتى، وبدأ يبعث بالكتب والرسل ويدعو للثورة وإسقاط سلطة يزيد وخلع بيعته التي أخذها بالقهر والإرهاب والرشاوي، واستبشرت الجماهير بتحرك الحسين وكان من آثار هذا التحرك أن دبت روح الثورة في العراق مركز الحركة السياسية الموالية لأهل البيت آنذاك. فقد اجتمع زعماء المعارضة من أنصار الحسين في الكوفة واستعرضوا الأوضاع السياسية والإجتماعية وموت الطاغية معاوية بن أبي سفيان وانتقال السلطة إلى الطاغية يزيد. وقرروا نصرة الحسين والإنضواء تحت قيادته وإعلان الولاء له.
وفي اليوم الثامن من ذي الحجة إنطلق الركب الى كربلاء والحسين لا يلوي على شئ، فقلبه يحوم حول مصرعه في أرض الميعاد وقطاره يستحث الخطى نحو سرادق الشهادة. واصل المسير وفي نفسه شوق وتطلع لمعرفة الأوضاع السياسية وطبيعة الرأي العام في العراق، فصادفه الشاعر المعروف (الفرزدق) في موضع (الصفاح) فسأله الحسين ( ع) وطلب منه أن يصور له الأوضاع التي خلفها وراءه فوصفها الفرزدق بقوله:-( قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء)، فقال الحسين صدقت، لله الأمر والله يفعل ما يشاء وكل يوم ربنا في شأن، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد من كان الحق نيته والتقوى سريرته).
سرى نبأ مسير الحسين فاضطرب الموقف الأموي وشعرت السلطات بالخوف من انقلاب سياسي يطيح بعرش الطاغية يزيد، فتناهى الخبر إلى عبيد الله بن زياد وهو والي يزيد على الكوفة، فأعد جنده ورجاله ووضع خطة لقطع الطريق أمام الحسين والحيلولة دون وصوله إلى الكوفة، فبعث مدير شرطته الحصين بن نمير التميمي وكلفه بتنفيذ المهمة، فاختار الحصين موقعاً استرا تيجياً يسيطر على طريق مرور الحسين ، فنزل في (القادسية) واتخذها مقراً لقيادته، ونظم خطاً عسكرياً يمتد من القادسية حتى (خفان)، وآخر يمتد إلى (قطقطانة)، ومد انتشار هذه القوات حتى جبل (لعلع).
أما الحسين ما زال مجداً في السير، تطوي ظعائنه أبعاد الفلاة ويواصل الزحف نحو العراق حتى بلغ موضعاً يسمى (الحاجر)، ومن هناك كتب كتاباً إلى أهل الكوفة يشحذ فيه هممهم ويحثهم على الثبات والمواجهة ويعلمهم بمسيره وقدومه.
ولكن وللاسف راحت تتوارد على الحسين أنباء الإنتكاسة وتلوح له بوادر الإنعطاف الخطير، وشعر بالخذلان ونقض العهود من أهل الكوفة.
وهكذا قاد القدر المسيرة وأخذ القضاء بزمام الركب حيث الموعد والمثوى، فسار ولم يقطع مسافات طويلة حتى اعترضه الجيش الأموي واضطره للنزول. توقف الحسين وراح يسأل وكأنه يبحث عن كربلاء (ما إسم هذه الأرض؟ فقيل له (الطف)، فقال هل لها إسم غير هذا؟، قيل إسمها كربلاء، فقالاللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء انزلوا، ها هنا محط رحالنا ومسفك دمائنا وها هنا محل قبورنا، بهذا حدثني جدي رسول الله . راحت الجيوش تتوالى، وراح عبيد الله بن زياد يبعث بقواته المسلحة بشتى صنوفها، وكان من أبرز الذين انتدبهم لتنفيذ الجريمة ومقاتلة الحسين هو عمر بن سعد، وقد سُمِعَ يقول ويردد الشعر:
أأتـرك مُـلك الـري والري رغبة أم أرجع مذموماً بقتل حسين
وفي قتله النار التي ليس دونها حجاب ومُلك الري قرة عيني
واتجه نحو الحسين وهويقود أربعة آلاف مقاتل، فاتخذ من نينوى مقراً لقواته، وحرك عمر بن سعد جيوشه وفرسانه في السابع من محرم لتطويق الحسين من جانب الفرات والحيلولة بين آل الرسول وبين الماء ليموتوا عطشاً أو يضطروا للتسليم كجزء من خطة الحرب والحصار.
إبتدأ الزحف الآثم عصر يوم الخميس التاسع من شهر محرم الحرام، وراحوا يلوحون بالسيوف والرماح والحسين جالس أمام فسطاطه ينظر في صحراء الطف ويجول في آفاق الحدث الكبير ويرقب جولة الباطل وحميمة الشيطان، وترتسم أمامه لوحة المشهد وتصور فصول المعركة والشهادة فيراها كوكباً تألّق في سماء التاريخ وحركة لا تهدأ في ضمير الأحرار .
عبأ عمر بن سعد رجاله وفرسانه. نظر الحسين إلى الجيش الزاحف وتأمل به طويلاً، ولم يزل الحسين كالطود الشامخ قد اطمأنت نفسه وهانت دنيا الباطل في عينه وتصاغر الجيش أمامه فكان وأصحابه كما قال الشاعر فيهم:-
لبسوا القلوب على الدروع وأقبلوا يتهافتون على ذهاب الأنفس
فلم ترهبه كثرة الجيوش ولم توهن عزيمته كثافة الصفاح والأسنة، بل استشرق من عليائه الروحي المتعال ورفع يدي الضراعة والإبتهال إلى الله سبحانه وراح يناجي:- (اللهم أنت ثقتي في كل كرب، وأنت رجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر، نزل بي ثقة وعدة، ...الخ).
وهكذا أضرم ابن سعد نار الحرب ووجه سهامه نحو مخيم آل الرسول فتبعه جنده ورماته يمطرون الحسين وأصحابه بوابل من السهام حتى لم يبقى أحد من أصحاب الحسين إلا وأصابه سهم. عظم الموقف على الحسين ثم خاطب أصحابه: (قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بد منه). وهكذا استمرت رحى الحرب تدور في ميدان كربلاء وشلال الدم المقدس يجري ليتخذ طريقه عبر نهرالخلود واصحاب لحسين يتساقطون الواحد تلو الآخر. نظر الحسين إلى ما حوله، مد ببصره إلى أقصى الميدان فلم ير أحداً من أصحابه وأهل بيته إلا وهو يسبح بدم الشهادة مقطوع الأوصال. إذاً ها هو الحسين وحده يحمل سيف رسول الله ، وبين جنبيه قلب البطل الشجاع علي بن ابي طالب وبيده راية الحق وعلى لسانه كلمة التقوى. حمل الحسين سيفه وراح يرفع صوته على عادة الحرب ونظامها بالبراز وراح ينازل فرسانهم ويواجه ضرباتهم بعنف وشجاعة فذة، ما برز إليه خصم إلا وركع تحت سيفه ركوع الذل والهزيمة. فصاح بهم عمر بن سعد لاتبرزوا إليه هذا إبن قتال العرب بل أهجموا عليه وبعدها هجمت قوات عمر بن سعد على الحسين وراحت ضربات الرماح والسيوف تمطر جسد الحسين الطاهر حتى لم يستطيع مقاومة الألم والنزيف ، وقد استحالت صفحات جسده الطاهر كتاباً قد خطت عليه الجراح والآلام بمداد الدم أروع ملاحم التاريخ وكتبت أقدس مواقف البطولة والشرف. (كان عدد جراح الحسين ثلاثاً وثلاثين طعنة رمح وأربعاً وثلاثين ضربة سيف كما جاء في (الطبري تاريخ الملوك \ج4\ص 344- 346). عانق الحسين صعيد الطفوف واسترسل جسده الطاهر ممتداً على بطحاء كربلاء لينصب من حوله مشعل الحرية والكفاح.
وقد سارع عبيد الله بن زياد بالكتابة إلى يزيد بن معاوية في الشام يعلمه بمصرع الإمام الشهيد () ووصول سباياه ورؤوس القتلى إلى الكوفة، فأجابه يزيد بالإسراع في إيفاد الأسرى من السبايا مع الرؤوس إليه، فبادر ابن زياد حالاً بإرسال ركب الأسرى والسبايا، والرؤوس إلى الشام. فبعث الرؤوس مع زحر بن قيس، وإرسال السبايا اثر الرؤوس مع مخفر بن ثعلبة العائذي شمر بن ذي الجوشن. ولم يكد هذا الركب الحزين يصل إلى العاصمة الأموية إلا وعمت النياحات أوساطها عليه، كما كانت قد عمت الأوساط الكوفية وسائر المدن والنواحي والقصبات التي مر بها هذا الركب المفجع . لقد تأكد بالروايات المتواترة أن السبايا والاسرى عرجوا بعد خروجهم من الشام على مجزرة كربلاء في اليوم العشرين من شهر صفر ، هو اليوم المصادف لمرور أربعين يوماً على مقتل الإمام الحسين ومصرع آله وأصحابه ، وأقامت المناحات على الشهداء حول مصرعهم ومدفنهم بكربلا
هذا بالإضافة الى أن بعض الصحابة من شيعة آل علي كانوا قد توافدوا أيضاً على ساحة المعركة في ذلك اليوم ، وأقاموا العزاء والنوح فيه على تلك القبور . وصادف أن التقى ركب السبايا والأسرى بوفود الصحابة في هذه الساحة الحزينة العزلاء ، فأقام الفريقان فيها مناحة على ضحايا البغي والظلم لم يسبق لها مثيل في ذلك العصر . ومن ثم رجعت السبايا الى مدينة جدهم يتقدمهم الامام السجاد وعمته زينب وهم في حزن شديد فعظمت واعية بني هاشم و أقاموا سنن المصائب والمآتم و كانت زينب بنت عقيل بن أبي طالب ع تندب الحسين ع و تقول
ما ذا تقولون إن قال النبي لكم *ما ذا فعلتم و أنتم آخر الأمم
بعترتي و أهل بيتي بعد مفتقدي*منهم أسارى و منهم ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم * أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
فلما جاء الليل سمع أهل المدينة هاتفا ينادي
أيها القاتلون جهلا حسينا * أبشروا بالعذاب و التنكيل
كل أهل السماء يدعو عليكم * من نبي و مالك و قبيل
قد لعنتم على لسان ابن داود * وموسى و صاحب الإنجيل
ومأجورين وانشاء الله تكون عجبتكم...........
قصـــة الأمام الحسين عليه السلام (( كامله))
-
- عضو جديد
- مشاركات: 52
- اشترك في: الخميس فبراير 07, 2008 8:51 pm
رد: قصـــة الأمام الحسين عليه السلام (( كامله))
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
يسلموووووو أختي ع القصة المؤثرة ...
في أنتظار جديدك..
يسلموووووو أختي ع القصة المؤثرة ...
في أنتظار جديدك..
رد: قصـــة الأمام الحسين عليه السلام (( كامله))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام َ يا ابا عبد الله الحسين
بارك الله في اياديكم المباركه اختاه
جزاكِ الله خيـــــــــــــــرا
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام َ يا ابا عبد الله الحسين
بارك الله في اياديكم المباركه اختاه
جزاكِ الله خيـــــــــــــــرا
رد: قصـــة الأمام الحسين عليه السلام (( كامله))
اللهمـ صل على محمد وعلى آل محمد
السلامـ على الشهيد وبن الشهيد
بارك الله فيكمـ أخيه
//
\
//
\
موفقين ،،
السلامـ على الشهيد وبن الشهيد
بارك الله فيكمـ أخيه
//
\
//
\
موفقين ،،
-
- عضو جديد
- مشاركات: 52
- اشترك في: الخميس فبراير 07, 2008 8:51 pm
رد: قصـــة الأمام الحسين عليه السلام (( كامله))
مشكورين اخوتي واخواني
على المرور
نورتو الصفحه بوجودكم
على المرور
نورتو الصفحه بوجودكم
رد: قصـــة الأمام الحسين عليه السلام (( كامله))
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
سلمت يمينج مشاااعر على هذا الابداع الرائع وننتظر المزيد ( اخوكم حمود)
سلمت يمينج مشاااعر على هذا الابداع الرائع وننتظر المزيد ( اخوكم حمود)
الموجودون الآن
المتصفحون للمنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين فقط