حواريّة الصّوم
بدأ أبي حديثه عن شهر رمضان وفي صوته بحّةٍ مرتعشة، وفي عينيه نثارة من دمع متوهّج مشتعل، وفي روحه ينبوع من حنان متفجّر. فاسم رمضان يقترن عنده بكل المعاني العذبة الجميلة الخيّرة للصفح والسماح والبركة والرّحمة والمغفرة والرّضوان.
ومن أجل أن يثبّت قناعاته تلك ويُوثق مشاعره نقلني الى مشهد يعبق بعطر الجلال ووسامة المهابة.. الى حيث يقف رسول الله صلى الله عليه وآله محاطاً بأهل بيته واصحابه يخطب فيهم، فيقول: «أيّها الناس اِنّه قد أقبل اِليكم شهر الله بالبركة والرّحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الاَيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة. وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب فسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فاِن الشّقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم.
أيّها الناس اِن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة. فسلوا ربكم أن لا يغلقها عليكم. وابواب النيران مغلقة، فسَلوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة، فسلوا ربّكم أن لا يسلطها عليكم».
قرأ ذلك، ثم أنعطف بي الى شقٍ من خطبة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وكأنّه يريد ان يشير لي الى ما ينبغي عليّ عمله في هذا الشهر المبارك فقرأ عليَّ قوله صلى الله عليه وآله : «أيّها الناس من فطَّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه».
قيل: يا رسول الله وليس كلنا نقدر على ذلك. فقال صلى الله عليه وآله: «اِتّقوا النار ولو بشقّ تمرة.. اِتقوا الله ولو بشربة من ماء. فاِن الله تعالى يهب ذلك الاَجر لمن عمل هذا اليسير اِذا لم يقدر على اكثر منه...
يا أيّها الناس من حَسَّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاَقدام، ومن خفَّفَ في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفَّف الله عليه حسابه. ومن كفَّ فيه شرّه كف الله عنه غضبه يوم يلقاه ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصلّه الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور».
وما أن أنتهى بي الى هذا الموضع من خطبة النبي صلى الله عليه وآله حتى تناول بالنقد والتجريح بعضاً من المظاهر السلوكيّة لصائمين يظنّون أن الصوم هو الامتناع عن الاكل والشرب فقط، موثقاً تجريحه ذاك بحديث للاِمام عليّ عليه السلام قال فيه: «كم من صائمٍ ليس له من صيامه اِلاّ الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه اِلاّ العناء».
ثمّ أردف بحديث آخر للاِمام الصادق عليه السلام قال فيه: «اِذا أصبحت صائماً فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وجميع جوارحك»، وقال عليه السلام أيضاً: «اِن الصيام ليس من الطعام والشراب وحدهما، فاِذا صمتم فاحفظوا السنتكم عن الكذب، وغضّوا أبصاركم عمّا حَرَّمَ الله، ولا تنازعوا، ولا تحاسدا، ولا تغتابوا ولا تسابّوا، ولا تشاتموا، ولا تظلموا، ... واجتنبوا قول الزور، والكذب والخصومة، وظنّ السوء، والغيبة، والنميمة، وكونوا مشرفين على الاَخرة، منتظرين لاَيامكم، منتظرين لما وعدكم الله، متزوّدين للقاء الله، وعليكم السكينة والوقار، والخشوع والخضوع، وذلّ العبيد الخيف من مولاها خائفين راجين».
ثمّ قصَّ عليّ بعد ذلك قصة حدثت مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد سمع النّبيّ صلى الله عليه وآله: امرأة تسبَّ جارية وهي صائمة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله بطعام فقال لها: «كلي»، فقالت: اِنّي صائمة يا رسول الله «كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك اِن الصوم ليس من الطعام والشراب وانّما جعل الله ذلك حجاباً عن سواهما من الفواحش من الفعل والقول، ما أقلَّ الصوّم وأكثر الجوع».
* قلت لاَبي وقد تملّكتني رهبة وشدَّني خشوع مهيب: يجب عليَّ اِذن أن أصوم شهر رمضان هذه السنة، ولكن كيف أعرف أن رمضان قد بدأ حتى أصومه؟
- تعرف ذلك بثبوت رؤية هلال رمضان في بلدك أو في البلاد القريبة منه التي تشاركه في الافق بمعنى أن تكون الرؤية الفعليّة للهلال فيها ملازمة لرؤيته في بلدك لولا المانع من سحاب أو غيم أو جبل أو نحو ذلك.
* وبماذا تثبت رؤية الهلال؟
- تثبت بما يأتي:
1- أن ترى الهلال بنفسك.
2- أن يشهد رجلان عادلان برؤيته مع عدم علمك باشتباههما وعدم معارض لشهادتهما.
3- أن يمضي ثلاثون يوماً من شهر شعبان فتعرف أن شهر شعبان قد انتهى بالتأكيد وبدا شهر رمضان اليوم.
4- ان يشيع ويشتهر عند الناس رؤية هلال رمضان فتجزم أو تطمئن برؤيته.
* واِذا لم أعرف أول الوقت هل ثبت هلال رمضان فأصوم غداً أو لم يثبت، فهل أصوم وأنا لا أدري أن يوم غد هو آخر يوم من شعبان أو أنّه أول يوم من رمضان؟
- صمه على أنّه من شعبان، فاِذا تبيّن بعد ذلك أثناء النّهار أنّه من رمضان عدلت عن نيّة شعبان وحسب لك من رمضان ولا شيء عليك. ويجوز لك أن لا تصوم يوم الشك.
* وكيف أعرف أن شهر رمضان قد أنتهى وأنّ شهر شوال قد بدأ فأفطر؟
- بنفس الطريقة المتقدّمة التي عرفت بها بداية شهر رمضان بأن ترى هلال شهر شوال بنفسك أو...أو...
* نعم.. نعم. واِذا ثبت لديّ أن هلال رمضان قد هلَّ؟
- وجب عليك الصوم وعلى كل مسلم، بالغ، عاقل، آمِنٌ من ضرر الصوم عليه، حاضر غير مسافر ولا مغمى عليه.
وبالنسبة للنساء يجب الصوم على المرأة الطاهرة من الحيض والنفاس، فالحائض والنفساء لا تصوم، وتقضي ما فاتها من صيام شهر رمضان بعد ذلك.
* واِذا خاف الانسان على نفسه من الصوم؟
- لا يصوم من خاف على نفسه الاِصابة بمرض جرّاء الصوم، أو اشتداد مرض، أو تأخير شفاء مرض أو زيادة ألمه كل ذلك بالمقدار المتعدِّ به الّذي لم تجر العادة بتحمّله.
* والمسافر؟
- اِذا سافر بعد الزوال [ بقي على صيامه ]، واِذا سافر قبل الفجر أفطر .
* واِذا سافر بعد الفجر؟
- اِذا سافر بعد الفجر [لا يصح منه الصوم سواء كان عازماً على السفر من الليل أم لم يكن] وعليه القضاء.
* اِذا أردتُ أن أصوم فكيف أصوم؟
- تنوي الصوم من أوّل الفجر الى غروب الشمس قربةً الى الله تعالى.
* ألا يعني الصوم الامساك؟
- نعم.
* فاذا نويت الصوم فعن أي شئ امسك؟
- تمسك عن عدّة امور تسمى بالمفطرات وهي تسعة:
1،2- تعمد الاكل والشرب قليلاً كان أو كثيراً.
* واِذا لم أتعمّد بل نسيت أنّي صائم فأكلت وشربت؟
- ما دمت غير عامد فصومك صحيح..
* وهل يحق لي ان أغسل فمي بالماء ثم أرمي بالماء خارجاً؟
- نعم يحق لك ذلك ولكن اِذا كان ذلك لغرض التبرّد فسبق الماء ونزل الى حلقك وجب عليك القضاء وان نسيت فابتلعت فلا قضاء عليك.
* وهل يحق لي أن أغمس رأسي في الماء مع الاَمن من وصول الماء الى حلقي؟
- نعم يحق لك ذلك وان كان مكروهاً كراهة شديدة.
3- [تعمّد الكذب على الله أو على رسوله صلى الله عليه وآله أو على الاَئمة المعصومين عليهم السلام].
4- تعمّد الاتصال الجنسي (أو الجماع) في القبل أو الدبر فاعلاً أو مفعولاً به.
* والزوج الصائم والزوجة الصائمة؟
- يحق لهما ممارسة الجنس (الجماع) في ليل شهر رمضان فقط لا نهاره.
5- الاستمناء أو ممارسة «العادة السرية» بأيَّة صورة من الصور.
6- تعمّد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر، فلو أجنب الانسان لاَيِّ سبب كان أثناء الليل، وجب عليه أن يغتسل قبل أن يطلع الفجر، حتى يطلع عليه الفجر وهو طاهر فيصوم.
* ولو أجنبت أثناء الليل ولم أتمكّن من الاغتسال لمرضٍ مثلا؟
- تتيمّم قبل الفجر.
* والمرأة؟
- اِذا نقت المرأة من الحيض أو النفاس ليلاً وجب عليها أن تغتسل حتى يطلع عليها الفجر وهي طاهرة فتصوم.
* ولو احتلمتُ فنزل مِنّي السائل المنوي أثناء النهار وأنا صائم. ولما أفقت من نومي وجدت نفسي مجنباً؟
- احتلام الصائم لا يفسد صومه ، فلو أفاق في أيّة ساعة من ساعات النّهار فوجد نفسه مجنباً لم يضرّ ذلك بصحة صومه وان لم يغتسل من جنابته.
7- [ تعمّد اِدخال الغبار أو الدخان الغليظين الى الحلق].
8- تعمّد القيء.
* واِذا لم يتعمّد الصائم القيء بل ألقي ما في معدته دون عمد؟
- لا يضرّ ذلك بصومه.
9. تعمّد الاحتقان بالماء أو بغيره من السوائل.
* ولو تعمّد الصائم فارتكب اِحدى المفطرات مارّة الذكر؟
- يلزمه الامساك حسب التفصيل التالي:
أ- اذا بقي على الجنابة متعمداً الى طلوع الفجر امسك في النهار [وليكن امساكه بقصد القربة المطلقة اي بقصد امتثال الامر المتوجه اليه من دون تعيين كون الامساك للامر بالصوم في شهر رمضان او للتأدب].
ب- اذا تعمّد الكذب على الله أو على رسوله أو استنشق الدخان او الغبار الغليظين [امسك بقية يومه برجاء المطلوبية اي باحتمال كون الامساك مطلوباً فيه شرعاً اما للامر بالصوم او للامر بالامساك تأدباً ] .
ج- واذا افطر باحد المفطرات الاخرى [امسك بقية يومه تادباً برجاء مطلوبيته].
ويجب عليه بالاضافة الى ذلك أن يقضي اليوم الذي أفسد صومه بالافطار وأن يكفر اما بتحرير رقبة أو باطعام ستين مسكيناً أو بصوم شهرين متتابعين عن كل يوم أفطره سواء أكان افطاره بشيء محلّل كشرب الماء أم بشيء محرم كشرب الخمر أم الاستمناء.
* وكيف يتمّ اطعام ستين مسكيناً؟
- تارة يكون باطعامهم مباشرة فيشترط حينئذٍ اشباعهم أي تمكينهم من الطعام الجاهز للاَكل بمقدار ما يشبعهم.
وأخرى بالتسليم اِليهم فيجب عندئذٍ ان تعطيهم « ثلاثة أرباع الكيلو غرام » تقريباً من التمر أو الحنطة أو الطحين أو الرز أو الماش أو غيرها مما يسمّى طعاماً عن كل يوم ولا يجوز لك دفع المال له بدل الطعام بل الطعام وحده دون سواه ، أو توكله أن يشترّيه عنك ثم يتملكه لنفسه.
* واِذا أفطرت يوماً من رمضان لعذر كالمرض المانع من الصوم أو السفر مثلاً؟
- يجب عليك القضاء حينئذٍ بأن تختار يوماً من أيام سنتك غير العيدين فتصومه عوضاً عن ذلك اليوم الذي مرضت فيه أو سافرت فيه.
* واِذا استمرّ بي المرض ذاك الذي منعني من صوم رمضان الى رمضان الاَتي؟
- سقط عنك القضاء حينئذٍ ووجبت عليك الفدية ، وهي أن تتصدّق عن كل يوم بثلاثة أرباع الكيلو من الطعام تقريباً.
وقبل أن اُودع حواريّة الصوم قال أبي أحبّ أن أشير الى ما يأتي:
1- لا يجوز صوم يومي العيدين « عيد الفطر وعيد الاََضحى » قضاء، ولا غير قضاء .
2- [ يجب على الولد الاَكبر قضاء ما فات أباه من الصوم لعذر مما وجب عليه قضاؤه ولم يقضه مع تمكّنه منه اِذا لم يكن الولد الاَكبر حين موت أبيه قاصراً أو ممنوعاً من اِرثه] .
3- وردت الرخصة في أفطارشهر رمضان لاَشخاصٍ معدودين لم يجب عليهم صيام رمضان منهم:
أ-الشيخ والشيخة اِذا تعذّر عليهما الصوم، أو كان يسبّب لهما حرجاً ومشقة وفي هذه الحالة (أي المشقّة) يجب عليهما الفدية عن كل يوم أفطرا فيه، ومقدارها ثلاثة أرباع الكيلو غرام تقريباً، من الحنطة وهي أفضل من سواها. ولا يجب عليهما قضاء الصوم.
ب- الحامل المقرب التي يضر بها الصوم أو يضرّ بحملها. ويجب عليها القضاء بعد ذلك.
ج- المرضعة القليلة اللبن اِذا أضرّ بها الصوم أو أضرّ بولدها [وأنحصر الارضاع بها] واِلاّ لم يجز لها الافطار، واِذا جاز لها الافطار فعليها القضاء بعدئذٍ كما يجب عليهما الحامل والمرضعة التكفير عن كل يوم أفطرتا بـ 3|4 الكيلو غرام تقريباً.
4- وكما أن الصلاة واجبة ومستحبة، فالصوم واجب ومستحب أيضاً. بل هو من المستحبّات المؤكّدة، فقد ورد في الروايات أنه «جُنّةٌ من النّار» وأنّه «زكاة الابدان» و«به يدخل العبد الجنّة» وأن «نوم الصائم عبادة ونَفَسهُ وصمته تسبيح، وعمله متقبل ودعاؤه مستجاب» و«للصائم فرحتان فرحة عند الافطار وأخرى حين يلقى الله عزّ وجل».
وقد نصّت الروايات على استحباب:
أ- صوم ثلاثة ايام من كل شهر، والاَفضل صوم أوّل خميس من الشهر واَخر خميس منه، وأوّل أربعاء من العشرة الثانية منه.
ب- صوم يوم مولد النبي الكريم صلى الله عليه وآله ويوم مبعثه.
ج- صوم يوم الغدير.
د- صوم يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.
ه- صوم يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة.
و- صوم شهر رجب كله أو بعضه.
ز- صوم شهر شعبان كلّه أو بعضه.
وغير هذه كثير لا يسع المجال لذكرها هنا.
5- وأخيراً ذكر لي أبي هذه الرواية عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام : «ان من تمام الصوم اعطاء الزكاة» يعني زكاة الفطرة.
ثم أردف قائلاً يجب على كل بالغ عاقل مالك لقوت سنته أن يخرج زكاة الفطرة عن نفسه ومن يعول به، قريباً كان أو بعيداً، صغيراً كان أو كبيراً، حتى ضيفه اِذا نزل به قبل دخول ليلة عيد الفطر[ أو بعد دخولها] وانضّم الى عياله فعدَّ ممّن يعول به.
ومقدار زكاة الفطرة عن كل نفسٍ «ثلاثة كليو غرامات» من الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو غيرها مما يكون قوتاً غالباً أو ما هو بقيمتها من النقود. يخرجها أو يعزلها ليلة العيد. أو يوم العيد [قبل صلاة العيد لمن صلاها] واِلى الزوال لمن لم يصلّها.
يدفعها للفقراء والمساكين ممن تحل عليهم زكاة المال «انظر حواريّة الزكاة»
علماً بأنّه لا تحل زكاة غير الهاشمي على الهاشمي اِن كان الدافع غير هاشمي.
ولا تعطى زكاة الفطرة لمن تجب نفقته على دافع الزكاة كالاَب أو الاَم أو الزوّجة أو الولد.
بدأ أبي حديثه عن شهر رمضان وفي صوته بحّةٍ مرتعشة، وفي عينيه نثارة من دمع متوهّج مشتعل، وفي روحه ينبوع من حنان متفجّر. فاسم رمضان يقترن عنده بكل المعاني العذبة الجميلة الخيّرة للصفح والسماح والبركة والرّحمة والمغفرة والرّضوان.
ومن أجل أن يثبّت قناعاته تلك ويُوثق مشاعره نقلني الى مشهد يعبق بعطر الجلال ووسامة المهابة.. الى حيث يقف رسول الله صلى الله عليه وآله محاطاً بأهل بيته واصحابه يخطب فيهم، فيقول: «أيّها الناس اِنّه قد أقبل اِليكم شهر الله بالبركة والرّحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الاَيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة. وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب فسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فاِن الشّقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم.
أيّها الناس اِن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة. فسلوا ربكم أن لا يغلقها عليكم. وابواب النيران مغلقة، فسَلوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة، فسلوا ربّكم أن لا يسلطها عليكم».
قرأ ذلك، ثم أنعطف بي الى شقٍ من خطبة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وكأنّه يريد ان يشير لي الى ما ينبغي عليّ عمله في هذا الشهر المبارك فقرأ عليَّ قوله صلى الله عليه وآله : «أيّها الناس من فطَّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه».
قيل: يا رسول الله وليس كلنا نقدر على ذلك. فقال صلى الله عليه وآله: «اِتّقوا النار ولو بشقّ تمرة.. اِتقوا الله ولو بشربة من ماء. فاِن الله تعالى يهب ذلك الاَجر لمن عمل هذا اليسير اِذا لم يقدر على اكثر منه...
يا أيّها الناس من حَسَّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاَقدام، ومن خفَّفَ في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفَّف الله عليه حسابه. ومن كفَّ فيه شرّه كف الله عنه غضبه يوم يلقاه ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصلّه الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور».
وما أن أنتهى بي الى هذا الموضع من خطبة النبي صلى الله عليه وآله حتى تناول بالنقد والتجريح بعضاً من المظاهر السلوكيّة لصائمين يظنّون أن الصوم هو الامتناع عن الاكل والشرب فقط، موثقاً تجريحه ذاك بحديث للاِمام عليّ عليه السلام قال فيه: «كم من صائمٍ ليس له من صيامه اِلاّ الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه اِلاّ العناء».
ثمّ أردف بحديث آخر للاِمام الصادق عليه السلام قال فيه: «اِذا أصبحت صائماً فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وجميع جوارحك»، وقال عليه السلام أيضاً: «اِن الصيام ليس من الطعام والشراب وحدهما، فاِذا صمتم فاحفظوا السنتكم عن الكذب، وغضّوا أبصاركم عمّا حَرَّمَ الله، ولا تنازعوا، ولا تحاسدا، ولا تغتابوا ولا تسابّوا، ولا تشاتموا، ولا تظلموا، ... واجتنبوا قول الزور، والكذب والخصومة، وظنّ السوء، والغيبة، والنميمة، وكونوا مشرفين على الاَخرة، منتظرين لاَيامكم، منتظرين لما وعدكم الله، متزوّدين للقاء الله، وعليكم السكينة والوقار، والخشوع والخضوع، وذلّ العبيد الخيف من مولاها خائفين راجين».
ثمّ قصَّ عليّ بعد ذلك قصة حدثت مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد سمع النّبيّ صلى الله عليه وآله: امرأة تسبَّ جارية وهي صائمة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله بطعام فقال لها: «كلي»، فقالت: اِنّي صائمة يا رسول الله «كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك اِن الصوم ليس من الطعام والشراب وانّما جعل الله ذلك حجاباً عن سواهما من الفواحش من الفعل والقول، ما أقلَّ الصوّم وأكثر الجوع».
* قلت لاَبي وقد تملّكتني رهبة وشدَّني خشوع مهيب: يجب عليَّ اِذن أن أصوم شهر رمضان هذه السنة، ولكن كيف أعرف أن رمضان قد بدأ حتى أصومه؟
- تعرف ذلك بثبوت رؤية هلال رمضان في بلدك أو في البلاد القريبة منه التي تشاركه في الافق بمعنى أن تكون الرؤية الفعليّة للهلال فيها ملازمة لرؤيته في بلدك لولا المانع من سحاب أو غيم أو جبل أو نحو ذلك.
* وبماذا تثبت رؤية الهلال؟
- تثبت بما يأتي:
1- أن ترى الهلال بنفسك.
2- أن يشهد رجلان عادلان برؤيته مع عدم علمك باشتباههما وعدم معارض لشهادتهما.
3- أن يمضي ثلاثون يوماً من شهر شعبان فتعرف أن شهر شعبان قد انتهى بالتأكيد وبدا شهر رمضان اليوم.
4- ان يشيع ويشتهر عند الناس رؤية هلال رمضان فتجزم أو تطمئن برؤيته.
* واِذا لم أعرف أول الوقت هل ثبت هلال رمضان فأصوم غداً أو لم يثبت، فهل أصوم وأنا لا أدري أن يوم غد هو آخر يوم من شعبان أو أنّه أول يوم من رمضان؟
- صمه على أنّه من شعبان، فاِذا تبيّن بعد ذلك أثناء النّهار أنّه من رمضان عدلت عن نيّة شعبان وحسب لك من رمضان ولا شيء عليك. ويجوز لك أن لا تصوم يوم الشك.
* وكيف أعرف أن شهر رمضان قد أنتهى وأنّ شهر شوال قد بدأ فأفطر؟
- بنفس الطريقة المتقدّمة التي عرفت بها بداية شهر رمضان بأن ترى هلال شهر شوال بنفسك أو...أو...
* نعم.. نعم. واِذا ثبت لديّ أن هلال رمضان قد هلَّ؟
- وجب عليك الصوم وعلى كل مسلم، بالغ، عاقل، آمِنٌ من ضرر الصوم عليه، حاضر غير مسافر ولا مغمى عليه.
وبالنسبة للنساء يجب الصوم على المرأة الطاهرة من الحيض والنفاس، فالحائض والنفساء لا تصوم، وتقضي ما فاتها من صيام شهر رمضان بعد ذلك.
* واِذا خاف الانسان على نفسه من الصوم؟
- لا يصوم من خاف على نفسه الاِصابة بمرض جرّاء الصوم، أو اشتداد مرض، أو تأخير شفاء مرض أو زيادة ألمه كل ذلك بالمقدار المتعدِّ به الّذي لم تجر العادة بتحمّله.
* والمسافر؟
- اِذا سافر بعد الزوال [ بقي على صيامه ]، واِذا سافر قبل الفجر أفطر .
* واِذا سافر بعد الفجر؟
- اِذا سافر بعد الفجر [لا يصح منه الصوم سواء كان عازماً على السفر من الليل أم لم يكن] وعليه القضاء.
* اِذا أردتُ أن أصوم فكيف أصوم؟
- تنوي الصوم من أوّل الفجر الى غروب الشمس قربةً الى الله تعالى.
* ألا يعني الصوم الامساك؟
- نعم.
* فاذا نويت الصوم فعن أي شئ امسك؟
- تمسك عن عدّة امور تسمى بالمفطرات وهي تسعة:
1،2- تعمد الاكل والشرب قليلاً كان أو كثيراً.
* واِذا لم أتعمّد بل نسيت أنّي صائم فأكلت وشربت؟
- ما دمت غير عامد فصومك صحيح..
* وهل يحق لي ان أغسل فمي بالماء ثم أرمي بالماء خارجاً؟
- نعم يحق لك ذلك ولكن اِذا كان ذلك لغرض التبرّد فسبق الماء ونزل الى حلقك وجب عليك القضاء وان نسيت فابتلعت فلا قضاء عليك.
* وهل يحق لي أن أغمس رأسي في الماء مع الاَمن من وصول الماء الى حلقي؟
- نعم يحق لك ذلك وان كان مكروهاً كراهة شديدة.
3- [تعمّد الكذب على الله أو على رسوله صلى الله عليه وآله أو على الاَئمة المعصومين عليهم السلام].
4- تعمّد الاتصال الجنسي (أو الجماع) في القبل أو الدبر فاعلاً أو مفعولاً به.
* والزوج الصائم والزوجة الصائمة؟
- يحق لهما ممارسة الجنس (الجماع) في ليل شهر رمضان فقط لا نهاره.
5- الاستمناء أو ممارسة «العادة السرية» بأيَّة صورة من الصور.
6- تعمّد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر، فلو أجنب الانسان لاَيِّ سبب كان أثناء الليل، وجب عليه أن يغتسل قبل أن يطلع الفجر، حتى يطلع عليه الفجر وهو طاهر فيصوم.
* ولو أجنبت أثناء الليل ولم أتمكّن من الاغتسال لمرضٍ مثلا؟
- تتيمّم قبل الفجر.
* والمرأة؟
- اِذا نقت المرأة من الحيض أو النفاس ليلاً وجب عليها أن تغتسل حتى يطلع عليها الفجر وهي طاهرة فتصوم.
* ولو احتلمتُ فنزل مِنّي السائل المنوي أثناء النهار وأنا صائم. ولما أفقت من نومي وجدت نفسي مجنباً؟
- احتلام الصائم لا يفسد صومه ، فلو أفاق في أيّة ساعة من ساعات النّهار فوجد نفسه مجنباً لم يضرّ ذلك بصحة صومه وان لم يغتسل من جنابته.
7- [ تعمّد اِدخال الغبار أو الدخان الغليظين الى الحلق].
8- تعمّد القيء.
* واِذا لم يتعمّد الصائم القيء بل ألقي ما في معدته دون عمد؟
- لا يضرّ ذلك بصومه.
9. تعمّد الاحتقان بالماء أو بغيره من السوائل.
* ولو تعمّد الصائم فارتكب اِحدى المفطرات مارّة الذكر؟
- يلزمه الامساك حسب التفصيل التالي:
أ- اذا بقي على الجنابة متعمداً الى طلوع الفجر امسك في النهار [وليكن امساكه بقصد القربة المطلقة اي بقصد امتثال الامر المتوجه اليه من دون تعيين كون الامساك للامر بالصوم في شهر رمضان او للتأدب].
ب- اذا تعمّد الكذب على الله أو على رسوله أو استنشق الدخان او الغبار الغليظين [امسك بقية يومه برجاء المطلوبية اي باحتمال كون الامساك مطلوباً فيه شرعاً اما للامر بالصوم او للامر بالامساك تأدباً ] .
ج- واذا افطر باحد المفطرات الاخرى [امسك بقية يومه تادباً برجاء مطلوبيته].
ويجب عليه بالاضافة الى ذلك أن يقضي اليوم الذي أفسد صومه بالافطار وأن يكفر اما بتحرير رقبة أو باطعام ستين مسكيناً أو بصوم شهرين متتابعين عن كل يوم أفطره سواء أكان افطاره بشيء محلّل كشرب الماء أم بشيء محرم كشرب الخمر أم الاستمناء.
* وكيف يتمّ اطعام ستين مسكيناً؟
- تارة يكون باطعامهم مباشرة فيشترط حينئذٍ اشباعهم أي تمكينهم من الطعام الجاهز للاَكل بمقدار ما يشبعهم.
وأخرى بالتسليم اِليهم فيجب عندئذٍ ان تعطيهم « ثلاثة أرباع الكيلو غرام » تقريباً من التمر أو الحنطة أو الطحين أو الرز أو الماش أو غيرها مما يسمّى طعاماً عن كل يوم ولا يجوز لك دفع المال له بدل الطعام بل الطعام وحده دون سواه ، أو توكله أن يشترّيه عنك ثم يتملكه لنفسه.
* واِذا أفطرت يوماً من رمضان لعذر كالمرض المانع من الصوم أو السفر مثلاً؟
- يجب عليك القضاء حينئذٍ بأن تختار يوماً من أيام سنتك غير العيدين فتصومه عوضاً عن ذلك اليوم الذي مرضت فيه أو سافرت فيه.
* واِذا استمرّ بي المرض ذاك الذي منعني من صوم رمضان الى رمضان الاَتي؟
- سقط عنك القضاء حينئذٍ ووجبت عليك الفدية ، وهي أن تتصدّق عن كل يوم بثلاثة أرباع الكيلو من الطعام تقريباً.
وقبل أن اُودع حواريّة الصوم قال أبي أحبّ أن أشير الى ما يأتي:
1- لا يجوز صوم يومي العيدين « عيد الفطر وعيد الاََضحى » قضاء، ولا غير قضاء .
2- [ يجب على الولد الاَكبر قضاء ما فات أباه من الصوم لعذر مما وجب عليه قضاؤه ولم يقضه مع تمكّنه منه اِذا لم يكن الولد الاَكبر حين موت أبيه قاصراً أو ممنوعاً من اِرثه] .
3- وردت الرخصة في أفطارشهر رمضان لاَشخاصٍ معدودين لم يجب عليهم صيام رمضان منهم:
أ-الشيخ والشيخة اِذا تعذّر عليهما الصوم، أو كان يسبّب لهما حرجاً ومشقة وفي هذه الحالة (أي المشقّة) يجب عليهما الفدية عن كل يوم أفطرا فيه، ومقدارها ثلاثة أرباع الكيلو غرام تقريباً، من الحنطة وهي أفضل من سواها. ولا يجب عليهما قضاء الصوم.
ب- الحامل المقرب التي يضر بها الصوم أو يضرّ بحملها. ويجب عليها القضاء بعد ذلك.
ج- المرضعة القليلة اللبن اِذا أضرّ بها الصوم أو أضرّ بولدها [وأنحصر الارضاع بها] واِلاّ لم يجز لها الافطار، واِذا جاز لها الافطار فعليها القضاء بعدئذٍ كما يجب عليهما الحامل والمرضعة التكفير عن كل يوم أفطرتا بـ 3|4 الكيلو غرام تقريباً.
4- وكما أن الصلاة واجبة ومستحبة، فالصوم واجب ومستحب أيضاً. بل هو من المستحبّات المؤكّدة، فقد ورد في الروايات أنه «جُنّةٌ من النّار» وأنّه «زكاة الابدان» و«به يدخل العبد الجنّة» وأن «نوم الصائم عبادة ونَفَسهُ وصمته تسبيح، وعمله متقبل ودعاؤه مستجاب» و«للصائم فرحتان فرحة عند الافطار وأخرى حين يلقى الله عزّ وجل».
وقد نصّت الروايات على استحباب:
أ- صوم ثلاثة ايام من كل شهر، والاَفضل صوم أوّل خميس من الشهر واَخر خميس منه، وأوّل أربعاء من العشرة الثانية منه.
ب- صوم يوم مولد النبي الكريم صلى الله عليه وآله ويوم مبعثه.
ج- صوم يوم الغدير.
د- صوم يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.
ه- صوم يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة.
و- صوم شهر رجب كله أو بعضه.
ز- صوم شهر شعبان كلّه أو بعضه.
وغير هذه كثير لا يسع المجال لذكرها هنا.
5- وأخيراً ذكر لي أبي هذه الرواية عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام : «ان من تمام الصوم اعطاء الزكاة» يعني زكاة الفطرة.
ثم أردف قائلاً يجب على كل بالغ عاقل مالك لقوت سنته أن يخرج زكاة الفطرة عن نفسه ومن يعول به، قريباً كان أو بعيداً، صغيراً كان أو كبيراً، حتى ضيفه اِذا نزل به قبل دخول ليلة عيد الفطر[ أو بعد دخولها] وانضّم الى عياله فعدَّ ممّن يعول به.
ومقدار زكاة الفطرة عن كل نفسٍ «ثلاثة كليو غرامات» من الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو غيرها مما يكون قوتاً غالباً أو ما هو بقيمتها من النقود. يخرجها أو يعزلها ليلة العيد. أو يوم العيد [قبل صلاة العيد لمن صلاها] واِلى الزوال لمن لم يصلّها.
يدفعها للفقراء والمساكين ممن تحل عليهم زكاة المال «انظر حواريّة الزكاة»
علماً بأنّه لا تحل زكاة غير الهاشمي على الهاشمي اِن كان الدافع غير هاشمي.
ولا تعطى زكاة الفطرة لمن تجب نفقته على دافع الزكاة كالاَب أو الاَم أو الزوّجة أو الولد.