خطـب المعصـومين

خاصه بأهل البيت عليهم السلام وسيرتهم ومعجزاتهم وكراماتهم وأقوالهم وأحاديثهم ..
بربغي
مشاركات: 4173
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 3:20 am

مشاركة بواسطة بربغي »

خطبة الإمام علي ( عليه السلام ) المعروفة بالديباج

قال ( عليه السلام ) : ( الحمد لله فاطر الخلق ، وخالق الإصباح ، ومنشر الموتى ، وباعث من في القبور ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) .

عباد الله ! إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله جل ذكره ، الإيمان بالله وبرسله ، وما جاء‌ت به من عند الله ، والجهاد في سبيله ، فإنّه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص ، فإنّها الفطرة ، وإقامة الصلاة ، فإنّها الملّة ، وإيتاء الزكاة ، فإنّها فريضة .

وصوم شهر رمضان ، فإنّه جنّة حصينة ، وحج البيت والعمرة ، فإنّهما ينفيان الفقر ، ويكفّران الذنب ، ويوجبان الجنّة ، وصلة الرحم ، فإنّها ثروة في المال ، ومنسأة في الأجل ، وتكثير للعدد .

والصدقة في السر ، فإنّها تكفر الخطأ ، وتطفئ غضب الرب تبارك وتعالى ، والصدقة في العلانية ، فإنّها تدفع ميتة السوء ، وصنائع المعروف ، فإنّها تقي مصارع السوء .

وأفيضوا في ذكر الله جل ذكره ، فإنّه أحسن الذكر ، وهو أمان من النفاق ، وبراء‌ة من النار ، وتذكير لصاحبه عند كل خير يقسّمه الله عز وجل ، وله دوي تحت العرش .

وارغبوا فيما وعد المتقون ، فإنّ وعد الله أصدق الوعد ، وكل ما وعد فهو آت كما وعد ، فاقتدوا بهدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فإنّه أفضل الهدي ، واستنوا بسنّته ، فإنّها أشرف السنن .

وتعلّموا كتاب الله تبارك وتعالى ، فإنّه أحسن الحديث ، وأبلغ الموعظة ، وتفقّهوا فيه ، فإنّه ربيع القلوب ، واستشفوا بنوره ، فإنّه شفاء لما في الصدور ، وأحسنوا تلاوته ، فإنّه أحسن القصص ( وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) ، وإذا هديتم لعلمه ، فاعملوا بما علمتم منه لعلّكم تفلحون .

فاعلموا عباد الله ! أنّ العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله ، بل الحجّة عليه أعظم ، وهو عند الله ألوم ، والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه ، مثل ما على هذا الجاهل المتحيّر في جهله ، وكلاهما حائر بائر مضل مفتون متبور ما هم فيه ، وباطل ما كانوا يعملون .

عباد الله ! لا ترتابوا فتشكّوا ، ولا تشكّوا فتكفروا ، ولا تكفروا فتندموا ، ولا ترخّصوا لأنفسكم فتدهنوا ، وتذهب بكم الرخص مذاهب الظلمة فتهلكوا ، ولا تداهنوا في الحق إذا ورد عليكم وعرفتموه ، فتخسروا خسراناً مبيناً .

عباد الله ! إنّ من الحزم أن تتقوا الله ، وإنّ من العصمة ألا تغترّوا بالله .

عباد الله ! إنّ أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربّه ، وأغشهم لنفسه أعصاهم له .

عباد الله ! إنّه من يطع الله يأمن ويستبشر ، ومن يعصه يخب ويندم ولا يسلم .

عباد الله ! سلوا الله اليقين ، فإنّ اليقين رأس الدين ، وارغبوا إليه في العافية ، فإنّ أعظم النعمة العافية ، فاغتنموها للدنيا والآخرة ، وارغبوا إليه في التوفيق ، فإنّه أس وثيق ، واعلموا أنّ خير ما لزم القلب اليقين ، وأحسن اليقين التقى ، وأفضل أمور الحق عزائمها ، وشرّها محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وبالبدع هدم السنن .

المغبون من غبن دينه ، والمغبوط من سلم له دينه وحسن يقينه ، والسعيد من وعظ بغيره ، والشقي من انخدع لهواه .

عباد الله ! اعلموا أنّ يسير الرياء شرك ، وأنّ إخلاص العمل اليقين ، والهوى يقود إلى النار ، ومجالسة أهل اللهو ينسي القرآن ، ويحضر الشيطان ، والنسيئ زيادة في الكفر ، وأعمال العصاة تدعو إلى سخط الرحمن ، وسخط الرحمن يدعو إلى النار .

ومحادثة النساء تدعو إلى البلاء ، وتزيغ القلوب ، والرمق لهن يخطف نور أبصار القلوب ، ولمح العيون مصائد الشيطان ، ومجالسة السلطان يهيج النيران .

عباد الله ! اصدقوا ، فإنّ الله مع الصادقين ، وجانبوا الكذب ، فإنّه مجانب للإيمان ، وإنّ الصادق على شرف منجاة وكرامة ، والكاذب على شفا مهواة وهلكة ، وقولوا الحق تعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله .

وأدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها ، وصلوا أرحام من قطعكم ، وعودوا بالفضل على من حرمكم ، وإذا عاقدتم فأوفوا ، وإذا حكمتم فاعدلوا ، وإذا ظلمتم فاصبروا ، وإذا اسيئ إليكم فاعفوا واصفحوا ، كما تحبّون أن يعفى عنكم .

ولا تفاخروا بالآباء ( وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ) ، ولا تمازحوا ولا تغاضبوا ولا تباذخوا ، ولا يغتب بعضكم بعضا ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا ) ، ولا تحاسدوا فإنّ الحسد يأكل الإيمان ، كما تأكل النار الحطب ، ولا تباغضوا فإنّها الحالقة .

وأفشوا السلام في العالم ، وردّوا التحية على أهلها بأحسن منها ، وارحموا الأرملة واليتيم ، وأعينوا الضعيف والمظلوم ، والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ، والسائلين وفي الرقاب ، والمكاتب والمساكين ، وانصروا المظلوم ، وأعطوا الفروض ، وجاهدوا أنفسكم في الله حق جهاده ، فإنّه شديد العقاب ، وجاهدوا في سبيل الله ، واقرّوا الضيف .

وأحسنوا الوضوء ، وحافظوا على الصلوات الخمس في أوقاتها ، فإنّها من الله عز وجل بمكان ( وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ) ، ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ، و ( اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) .

واعلموا عباد الله ! أنّ الأمل يذهب العقل ، ويكذب الوعد ، ويحث على الغفلة ، ويورث الحسرة ، فاكذبوا الأمل ، فإنّه غرور ، وإنّ صاحبه مأزور .

فاعملوا في الرغبة والرهبة ، فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا ، واجمعوا معها رغبة ، فإنّ الله قد تأذّن للمسلمين بالحسنى ، ولمن شكر بالزيادة ، فإنّي لم أر مثل الجنّة نام طالبها ، ولا كالنار نام هاربها ، ولا أكثر مكتسباً ممّن كسبه ، اليوم تذخر فيه الذخائر ، وتبلى فيه السرائر .

وإنّ من لا ينفعه الحق يضرّه الباطل ، ومن لا يستقيم به الهدى تضرّه الضلالة ، ومن لا ينفعه اليقين يضرّه الشك ، وإنّكم قد أمرتم بالظعن ، ودللتم على الزاد ، ألا إنّ أخوف ما أتخوّف عليكم اثنان : طول الأمل واتباع الهوى .

ألا وإنّ الدنيا قد أدبرت ، وآذنت بانقلاع ، ألا وإنّ الآخرة قد أقبلت ، وآذنت باطلاع ، ألا وإنّ المضمار اليوم ، والسباق غداً ، ألا وإنّ السبقة الجنّة ، والغاية النار ، ألا وإنّكم في أيّام مهل ، من ورائه أجل يحثّه العجل .

فمن أخلص لله عمله في أيّامه ، قبل حضور أجله ، نفعه عمله ، ولم يضرّه أجله ، ومن لم يعمل في أيّام مهله ، ضرّه أجله ، ولم ينفعه عمله .

عباد الله ! افزعوا إلى قوام دينكم ، بإقام الصلاة لوقتها ، وإيتاء الزكاة في حينها ، والتضرّع والخشوع ، وصلة الرحم ، وخوف المعاد ، وإعطاء السائل ، وإكرام الضعفة ، وتعلّم القرآن والعمل به ، وصدق الحديث ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة إذا ائتمنتم ، وارغبوا في ثواب الله ، وارهبوا عذابه ، وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ، وتزوّدوا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم ، واعملوا بالخير تجزوا بالخير ، يوم يفوز بالخير من قدّم الخير ، أقول قولي ، واستغفر الله لي ولكم ) .

نقلا عن مركز آل البيت العالمي للمعلومات
بربغي
مشاركات: 4173
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 3:20 am

مشاركة بواسطة بربغي »

خطبة الإمام علي ( عليه السلام ) المعروفة بالشقشقية

تشتمل على الشكوى من أمر الخلافة ، ثمّ ترجيح صبره عنها ، ثمّ مبايعة الناس له .

قال ( عليه السلام ) : ( أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها فُلانٌ ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا ، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً ، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً ، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ ، يَهْرَمُ فيهَا الكَبيرُ ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ ! ) .

ترجيح الصبر :
( فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى ، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذًى ، وَفي الحَلْقِ شَجاً ، أَرَى تُرَاثي نَهْباً ، حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ ، فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلانٍ بَعْدَهُ ) .

ثمّ تمثّل بقول الأعشى : شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا ** وَيَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ

فَيَا عَجَباً !! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُها فِي حَيَاتِهِ ، إِذْ عَقَدَهَا لَآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ، لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا ! فَصَيَّرَهَا في حَوْزَةٍ خَشْنَاءََ ، يَغْلُظُ كَلْمُهَا ، وَيَخْشُنُ مَسُّهَا ، وَيَكْثُرُ العِثَارُ فِيهَا وَالْاِعْتَذَارُ مِنْهَا ، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ ، إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ ، وَإِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ ، فَمُنِيَ النَّاسُ ـ لَعَمْرُ اللهِ ـ بِخَبْطٍ وَشِمَاسٍ ، وَتَلَوُّنٍ وَاعْتِرَاضٍ .

فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ ، وَشِدَّةِ الِْمحْنَةِ ، حَتَّى إِذا مَضَى لِسَبِيلِهِ ، جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ فَيَا لَلََّهِ وَلِلشُّورَى ! مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ ، حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ ! لكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا ، وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا ، فَصَغَا رَجُلُ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ ، وَمَالَ الْآخَرُ لِصِهْرهِ ، مَعَ هَنٍ وَهَنٍ ، إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ القَوْمِ ، نَافِجَاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَمُعْتَلَفِهِ ، وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللهِ خَضْمَ الْإِبِل نِبْتَةَ الرَّبِيعِ ، إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ ، وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ ، وَكَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ ) .

مبايعة الناس للإمام علي ( عليه السلام ) :
( فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ وَالنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ ، يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، حَتَّى لَقَدْ وُطِىءَ الْحَسَنَانِ ، وَشُقَّ عِطْفَايَ ، مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ ، فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ ، وَمَرَقَتْ أُخْرَى ، وَقَسَطَ آخَرُونَ ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُريدُونَ عُلُوّاً في الْأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ، بَلَى ! وَاللهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا ، وَلكِنَّهُمْ حَلِيَتَ الدُّنْيَا في أَعْيُنِهمْ ، وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا !

أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ ، وَلا سَغَبِ مَظْلُومٍ ، لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا ، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها ، وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ ! ) .

قالوا : وقام إِليه رجل من أَهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته ، فناوله كتاباً ، قيل: إِنّ فيه مسائل كان يريد الإِجابة عنها ، فأَقبل ينظر فيه ، فلمّا فرغ من قراءته قال له ابن عباس : يا أمير المؤمنين ، لو اطَّرَدَتْ خُطْبَتُكَ من حيث أَفضيتَ !

فَقَالَ : ( هَيْهَاتَ يَا بْنَ عَبَّاسٍ ! تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ ! ) .

قال ابن عباس : فو الله ما أَسفت على كلام قطّ كأَسفي على هذه الكلام ، أَلاَّ يكون أَمير المؤمنين ( عليه السلام ) بلغ منه حيث أراد .

نقلا عن مركز آل البيت العالمي للمعلومات
بربغي
مشاركات: 4173
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 3:20 am

مشاركة بواسطة بربغي »

خطبة الإمام علي ( عليه السلام ) المعروفة بالغراء
قال ( عليه السلام ) : ( الْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَلاَ بِحَوْلِهِ ، ودَنَا بِطَوْلِهِ ، مَانِحِ كُلِّ غَنِيمَةٍ وَفَضْلٍ ، وَكَاشِفِ كُلِّ عَظِيمَةٍ وَأَزْلٍ ، أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ ، وَسَوَابِغِ نِعَمِهِ ، وَأُومِنُ بهَ أَوَّلاً بَادِياً ، وَأَسْتَهْدِيهِ قَرِيباً هَادِياً ، وَأَسْتَعِينُهُ قَاهِراً قَادِراً ، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً .

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ) عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ لإِنْفَاذِ أَمْرِهِ ، وَإِنْهَاءِ عُذْرِهِ وَتَقْدِيمِ نُذُرِهِ .

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي ضَرَبَ الْْأَمْثَالَ ، وَوَقَّتَ لَكُمُ الْآجَالَ ، وَأَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ ، وَأَرْفَغَ لَكُمُ المَعَاشَ ، وَأَحَاطَ بِكُمُ الْإِحْصَاءَ ، وَأَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ ، وَآثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابغِ ، وَالرِّفَدِ الرَّوافِغ ، وَأَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ ، فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً ، ووَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً ، فِي قَرَارِ خِبْرَةٍ ، وَدَارِ عِبْرَةٍ ، أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا ، وَمُحَاسِبُونَ عَلَيْهَا .

فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا ، رَدِغٌ مَشْرَعُهَا ، يُونِقُ مَنْظَرُهَا ، وَيُوبِقُ مَخْبَرُهَا ، غُرُورٌ حَائِلٌ ، وَضَوْءٌ آفِلٌ ، وَظِلٌّ زائِلٌ ، وَسِنَادٌ مَائِلٌ ، حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا ، وَاطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا ، قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا ، وَقَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا ، وَأَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا ، وَأَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ قَائِدَةً لَهُ إِلى ضَنْكَ الْمَضْجَعِ ، وَوَحْشَةِ الْمَرْجِعِ ، ومُعَايَنَةِ الْمَحَلِّ ، وَثَوَابِ الْعَمَلِ ، وَكَذلِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ ، لاَ تُقْلِعُ الْمَنِيَّةُ اخْتِرَاماً ، وَلاَ يَرْعَوِي الْبَاقُونَ اجْتِرَاماً ، يَحْتَذُون مِثَالاً ، وَيَمْضُونَ أَرْسَالاً ، إِلَى غَايَةِ الْإِنْتِهَاءِ ، وَصَيُّورِ الْفَنَاءِ .

حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورُ ، وَتَقَضَّتِ الدُّهُورُ ، وَأَزِفَ النُّشُورُ ، أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ ، وَأَوْكَارِ الطُّيُورِ ، وَأَوْجِرَةِ السِّبَاعِ ، وَمَطَارِحِ الْمَهَالِكِ ، سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ ، مُهْطِعِينَ إِلَى مَعَادِهِ ، رَعِيلاً صُمُوتاً ، قِيَاماً صُفُوفاً ، يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي ، عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الْإِسْتِكانَةِ ، وَضَرَعُ الْإِسْتِسْلاَمِ وَالذِّلَّةِ ، قَدْ ضَلَّتِ الْحِيَلُ ، وانْقَطَعَ الْْأَمَلُ ، وَهَوَتِ الْْأَفْئِدَةُ كَاظِمَةً ، وَخَشَعَتِ الْْأَصْوَاتُ مُهَيْنِمَةً ، وَأَلْجَمَ الْعَرَقُ ، وَعَظُمَ الشَّفَقُ ، وَأُرْعِدَتِ الْْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ الدَّاعِي إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ ، وَمُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ ، وَنَكَالِ الْعِقَابِ ، وَنَوَالِ الثَّوَابِ .

عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتِدَاراً ، وَمَرْبُوبُونَ اقْتِسَاراً ، وَمَقْبُوضُونَ احْتِضَاراً ، وَمُضَمَّنُونَ أَجْدَاثاً ، وَكَائِنُونَ رُفَاتاً ، وَمَبْعُوثُونَ أَفْرَاداً ، وَمَدِينُونَ جَزَاءً ، وَمُمَيَّزُونَ حِسَاباً ; قَدْ أُمْهِلُوا في طَلَبِ الْمَخْرَجِ ، وَهُدُوا سَبِيلَ الْمَنْهَجِ ، وَعُمِّرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتِبِ ، وَكُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّيَبِ ، وَخُلُّوا لمِضْماَرِ الْجِيَادِ ، وَرَوِيَّةِ الْإِرْتِيَادِ ، وَأَنَاةِ الْمُقْتَبِسِ الْمُرْتَادِ ، فِي مُدَّةِ الْْأَجَلِ ، وَمُضْطَرَبِ الْمَهَلِ .

فَيَالَهَا أَمْثَالاً صَائِبَةً ، وَمَوَاعِظَ شَافِيَةً ، لَوْ صَادَفَتْ قُلُوباً زاكِيَةً ، وَأَسْمَاعاً وَاعِيَةً ، وَآرَاءً عَازِمَةً ، وَأَلْبَاباً حَازِمَةً !

َاتَّقُوا اللهَ تَقِيَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ ، وَاقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ ، وَوَجِلَ فَعَمِلَ ، وَحَاذَرَ فَبَادَرَ ، وَأَيْقَنَ فَأَحْسَنَ ، وَعُبِّرَ فَاعْتَبَرَ ، وَحُذِّرَ فَحَذِرَ ، وَزُجِرَ فَازْدَجَرَ ، وَأَجَابَ فأَنَابَ ، وَرَاجَعَ فَتَابَ ، وَاقْتَدَى فَاحْتَذَى ، وَأُرِيَ فَرَأَى ، فَأَسْرَعَ طَالِباً ، وَنَجَا هَارِباً ، فَأَفَادَ ذَخِيرَةً ، وَأَطَابَ سَرِيرَةً ، وَعَمَّرَ مَعَاداً ، وَاسْتَظْهَرَ زَاداً لِيَوْمِ رَحِيلِهِ وَوَجْهِ سَبِيلِهِ ، وَحَالِ حَاجَتِهِ ، وَمَوْطِنِ فَاقَتِهِ ، وَقَدَّمَ أَمَامَهُ لِدَارِ مُقَامِهِ .

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ جِهَةَ مَا خَلَقَكُمْ لَهُ ، وَاحْذَرُوا مِنْهُ كُنْهَ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ ، وَاسْتَحِقُّوا مِنْهُ مَا أَعَدَّ لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ لِصِدْقِ مِيعَادِهِ ، وَالْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ .

جَعَلَ لَكُمْ أسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا ، وَأَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا ، وَأَشْلاَءً جَامِعَةً لِأَعْضَائِهَا ، مُلاَئِمَةً لِأَحْنَائِهَا في تَرْكِيبِ صُوَرِهَا ، وَمُدَدِ عُمُرِهَا ، بِأَبْدَانٍ قَائِمَةٍ بِأَرْفَاقِهَا ، وَقُلُوبٍ رائِدَةٍ لاَِرْزَاقِهَا ، فِي مُجَلِّلاَتِ نِعَمِهِ ، وَمُوجِبَاتِ مِنَنِهِ ، وَحَوَاجِزِ عَافِيَتِهِ .

وَقَدَّرَ لَكُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ ، وَخَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ ، مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلاَقِهِمْ ، وَمُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ .

أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَايَا دُونَ الْآمَالِ ، وَشَذَّبَهمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الْآجَالِ ، لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلاَمَةِ الْْأَبْدَانِ ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ الْْأَوَانِ .

فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلاَّ حَوَانِيَ الْهَرَمِ ؟ وَأَهْلُ غَضَارَةِ الصِّحَّةِ إِلاَّ نَوَازِلَ السَّقَمِ ؟ وَأَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلاَّ آوِنَةَ الْفَنَاءِ ؟ مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ ، وَأُزُوفِ الْإِنتِقَالِ ، وَعَلَزِ الْقَلَقِ ، وَأَلَمِ الْمَضَضِ ، وَغُصَصِ الْجَرَضِ ، وَتَلَفُّتِ الْإِسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَالْْأَقْرِبَاءِ ، وَالْْأَعِزَّةِ وَالْقُرَنَاء ِ!

فَهَلْ دَفَعَتِ الْْأَقَارَبُ ، أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ ؟ وَقَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الْْأَمُوَاتِ رَهِيناً ، وَفِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً ، قَدْ هَتَكَتِ الْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ ، وَأَبْلَتِ النَّوَاهِكُ جِدَّتَهُ ، وَعَفَتِ الْعَوَاصِفُ آثَارَهُ ، وَمَحَا الْحَدَثَانُ مَعَالِمَهُ ، وَصَارَتِ الْْأَجْسَادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِهَا ، وَالْعِظَامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِهَا ، وَالْْأَرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا مُوقِنَةً بَغَيْبِ أَنْبَائِهَا ، لاَ تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا ، وَلاَ تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّىءِ زَلَلِهَا !

أَوَ لَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَالْآبَاءَ ، وَإِخْوَانَهُمْ وَالْْأَقْرِبَاءَ ؟ تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ ، وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ ، وَتَطَؤُونَ جَادَّتَهُمْ ؟! فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا ، لاَهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا ، سَالِكَةٌ في غَيْرِ مِضْمارِهَا ! كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا ، وَكَأَنَّ الرُّشْدَ في إحْرَازِ دُنْيَاهَا .

وَاعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى الصِّراطِ وَمَزَالِقِ دَحْضِهِ ، وَأَهَاوِيلِ زَلَلِهِ ، وَتَارَاتِ أَهْوَالِهِ ; فَاتَّقُوا اللهَ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ ، وَأَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ ، وَأَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ ، وَأَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ ، وَظَلَفَ الزُّهْدُ شَهَوَاتِه ، وَأَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسَانِهِ ، وَقَدَّمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ ، وَتَنَكَّبَ الَْمخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ ، وَسَلَكَ أَقْصَدَ المَسَالِكَ إِلَى النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ ; وَلَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلاَتُ الْغُرُورِ ، وَلَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْْأُمُورِ ، ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى ، وَرَاحَةِ النُّعْمَى ، في أَنْعَمِ نَوْمِهِ ، وَآمَنِ يَوْمِهِ .

قَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيداً ، وَقَدَّمَ زَادَ الْآجِلَةِ سَعِيداً ، وَبَادَرَ مِنْ وَجَلٍ ، وَأَكْمَشَ فِي مَهَلٍ ، وَرَغِبَ فِي طَلَبٍ ، وَذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ ، وَرَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ ، وَنَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ .

فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَنَوَالاً ، وَكَفى بَالنَّارِ عِقَاباً وَوَبَالاً ! وَكَفَى بِاللهِ مُنْتَقِماً وَنَصِيراً ! وَكَفَى بِالكِتَابِ حَجيجاً وَخَصِيماً !

أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ ، وَاحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ ، وَحَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً ، وَنَفَثَ فِي الْآذَانِ نَجِيّاً ، فَأَضَلَّ وَأَرْدَى ، وَوَعَدَ فَمَنَّى ، وَزَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ ، وَهَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائمِ ، حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ ، وَاستَغْلَقَ رَهِينَتَهُ ، أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ ، وَاسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ ، وَحَذَّرَ مَا أَمَّنَ .

أَمْ هذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الْْأَرْحَامِ ، وَشُغُفِ الْْأَسْتَارِ ، نُطْفَةً دِهَاقاً ، وَعَلَقَةً مِحَاقاً ، وَجَنِيناً وَرَاضِعاً ، وَوَلِيداً وَيَافِعاً ، ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً ، وَلِساناً لْافِظاً ، وَبَصَراً لْاحِظاً ، لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً ، وَيُقَصِّرَ مُزْدَجِراً ; حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ ، وَاسْتَوَى مِثالُهُ ، نَفَرَ مُسْتَكْبِراً، وَخَبَطَ سَادِراً ، مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ ، كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ ، فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ ، وَبَدَوَاتِ أَرَبِهِ ; لْا يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً ، وَلاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً ; فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً ، وَعَاشَ فِي هَفْوَتِهِ يَسِيراً ، لَمْ يُفِدْ عِوَضاً ، وَلَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً .

دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِهِ ، وَسَنَنِ مِرَاحِهِ ، فَظَلَّ سَادِراً ، وَبَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ الْآلَامِ ، وَطَوَارِقِ الْْأَوْجَاعِ والْْأَسْقَامِ ، بَيْنَ أَخٍ شَقِيقٍ ، وَوَالِدٍ شَفِيقٍ ، وَدَاعِيَةٍ بِالْوَيْلِ جَزَعاً ، وَلَادِمَةٍ لِلصَّدْرِ قَلَقاً ، وَالْمَرءُ فِي سَكْرَةٍ مُلْهِثَةٍ ، وَغَمْرَةٍ كَارِثَةٍ ، وَأَنَّةٍ مُوجِعَةٍ ، وَجَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ وَسَوْقَةٍ مُتْعِبَةٍ .

ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً ، وَجُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً ، ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الْْأَعَوادِ رَجِيعَ وَصِبٍ ، وَنِضْوَ سَقَمَ ، تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ ، وَحَشَدَةُ الْإِخْوَانِ ، إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ ، وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ ; وَمُفْرَدِ وَحْشَتِهِ حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ ، وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ السُّؤَالِ ، وَعَثْرَةِ الْإِمْتِحَانِ .

وَأَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُلُ الْحَمِيم ، وَتَصْلِيَةُ الْجَحِيمِ ، وَفَوْرَاتُ السَّعِيرِ ، وَسَوْراتُ الزَّفِيرِ ، لاَ فَتْرَةٌ مُرِيحَةٌ ، وَلاَ دَعَةٌ مُزِيحَةٌ ، وَلاَ قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ ، وَلاَ مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ ، وَلاَ سِنَةٌ مُسَلِّيَةٌ ، بَيْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ ، وَعَذَابِ السَّاعَاتِ ! إِنَّا بِاللهِ عَائِذُونَ !

عِبَادَ اللهِ ، أَيْنَ الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا ، وَعُلِّمُوا فَفَهِمُوا ، وَأُنْظِرُوا فَلَهَوْا ، وَسُلِّمُوا فَنَسُوا ؟ أُمْهِلُوا طَوِيلاً ، وَمُنِحُوا جَميِلاً ، وَحُذِّرُوا أَلِيماً ، وَوُعِدُوا جَسِيماً ! احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ ، وَالْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ .

أُولِي الْْأَبْصَارِ وَ الْْأَسْمَاع ِ، وَالْعَافِيَةِ وَالْمَتَاعِ ، هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلاَصٍ ، أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلاَذٍ ، أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ ! أَمْ لاَ ؟ ( فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) ! أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ ! أَمْ بِمَاذَا تَغْتَرُّونَ ؟ وَإِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ الْْأَرْضِ ، ذَاتِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ ، قِيدُ قَدِّهِ ، مُتَعَفِّراً عَلى خَدِّهِ !

الْآنَ عِبَادَ اللهِ وَالْخِنَاقُ مُهْمَلٌ ، وَالرُّوحُ مُرْسَلٌ ، فِي فَيْنَةِ الْإِرْشَادِ ، وَرَاحَةِ الْْأَجْسَادِ ، وَبَاحَةِ الْْأَحْتِشَادِ ، وَمَهَلِ الْبَقِيَّةِ ، وَأُنُفِ الْمَشِيَّةِ ، وَإِنْظَارِ التَّوْبَةِ ، وَانْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ قَبْلَ الضَّنْكِ وَالْمَضِيقِ ، وَالرَّوْعِ وَالزُّهُوقِ ، وَقَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ المُنتَظَرِ ، وَإِخْذَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ ) .

نقلا عن مركز آل البيت العالمي للمعلومات
بربغي
مشاركات: 4173
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 3:20 am

مشاركة بواسطة بربغي »

خطبة الإمام علي ( عليه السلام ) المعروفة بالوسيلة

قال ( عليه السلام ) : ( الحمد لله الذي أعدم الأوهام أن تنال إلاّ وجوده ، وحجب العقول أن تخال ذاته ؛ لامتناعها من الشبه والتشاكل ، بل هو الذي لا يتفاوت ذاته ، ولا يتبعّض بتجزئة العدد في كماله ، فارق الأشياء لا باختلاف الأماكن ، ويكون فيها لا على الممازجة ، وعلمها لا بأداة ، لا يكون العلم إلاّ بها ، وليس بينه وبين معلومه علم غيره كان عالماً لمعلومه .

إن قيل : كان فعلى تأويل أزلية الوجود .

وإن قيل : لم يزل فعلى تأويل نفي العدم .

فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه فاتخذ إلهاً غيره علواً كبيراً ، نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه ، وأوجب قبوله على نفسه ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله .

شهادتان ترفعان القول وتضعان العمل ، خف ميزان ترفعان منه ، وثقل ميزان توضعان فيه ، وبهما الفوز بالجنّة والنجاة من النار ، والجواز على الصراط ، وبالشهادة تدخلون الجنّة ، وبالصلاة تنالون الرحمة ، فأكثروا من الصلاة على نبيكم ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) .

أيها الناس : إنّه لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا كرم أعز من التقوى ، ولا معقل أحرز من الورع ، ولا شفيع أنجح من التوبة ، ولا لباس أجل من العافية ، ولا وقاية أمنع من السلامة ، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضى والقنوع ، ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة ، والرغبة مفتاح التعب ، والاحتكار مطية النصب .

والحسد آفة الدين ، والحرص داع إلى التقحم في الذنوب ، وهو داع إلى الحرمان ، والبغي سائق إلى الحين ، والشره جامع لمساوي العيوب ، رب طمع خائب ، وأمل كاذب ، ورجاء يؤدي إلى الحرمان ، وتجارة تؤول إلى الخسران ، ألا ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب ، فقد تعرّض لمفضحات النوائب ، وبئست القلادة الدين للمؤمن .

أيها الناس : إنّه لا كنز أنفع من العلم ، ولا عز أنفع من الحلم ، ولا حسب أبلغ من الأدب ، ولا نصب أوجع من الغضب ، ولا جمال أحسن من العقل ، ولا قرين شر من الجهل ، ولا سوأة أسوء من الكذب ، ولا حافظ أحفظ من الصمت ، ولا غائب أقرب من الموت .

أيها الناس : إنّه من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب غيره ، ومن رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره ، ومن سل سيف البغي قتل به ، ومن حفر لأخيه بئراً وقع فيها ، ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته ، ومن نسى زلته استعظم زلل غيره ، ومن أعجب برأيه ضل ، ومن استغنى بعقله زل ، ومن تكبّر على الناس ذل ، ومن سفه على الناس شتم ، ومن خالط العلماء وقر ، ومن خالط الأنذال حقر ، ومن حمل ما لا يطيق عجز .

أيها الناس : إنّه لا مال هو أعود من العقل ، ولا فقر هو أشد من الجهل ، ولا واعظ هو أبلغ من النصح ، ولا عقل كالتدبير ، ولا عبادة كالتفكر ، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ، ولا وحدة أوحش من العجب ، ولا ورع كالكف ، ولا حلم كالصبر والصمت .

أيها الناس : إنّ في الإنسان عشر خصال يظهرها لسانه ، شاهد يخبر عن الضمير ، وحاكم يفصل بين الخطاب ، وناطق يرد به الجواب ، وشافع تدرك به الحاجة ، وواصف تعرف به الأشياء ، وأمير يأمر بالحسن ، وواعظ ينهى عن القبيح ، ومعز تسكن به الأحزان ، وحامد تجلى به الضغائن ، ومونق يلهي الأسماع .

أيها الناس : إنّه لا خير في الصمت عن الحكم ، كما أنّه لا خير في القول بالجهل .

اعلموا أيها الناس : إنّه من لم يملك لسانه يندم ، ومن لا يتعلّم يجهل ، ومن لا يتحلم لا يحلم ، ومن لا يرتدع لا يعقل ، ومن لا يعقل يهن ، ومن يهن لا يوقر ، ومن يتق ينج ، ومن يكسب مالاً من غير حقّه يصرفه في غير أجره ، ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم ، ومن لم يعط قاعداً منع قائماً ، ومن يطلب العز بغير حق يذل ، ومن عاند الحق لزمه الوهن ، ومن تفقّه وقر ، ومن تكبّر حقر ، ومن لا يحسن لا يحمد .

أيها الناس : إنّ المنية قبل الدنية ، والتجلد قبل التبلد ، والحساب قبل العقاب ، والقبر خير من الفقر ، وعمى البصر خير من كثير من النظر ، والدهر يومان : يوم لك ويوم عليك ، فاصبر فبكليهما تمتحن .

أيها الناس : أعجب ما في الإنسان قلبه ، وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها ، فإن سنح له الرجاء أذلّه الطمع ، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ ، وإن اسعد بالرضى نسي التحفظ ، وإن ناله الخوف شغله الحزن ، وإن اتسع بالأمن استلبته الغرة ، وإن جددت له نعمة أخذته العزة ، وإن أفاد مالاً أطغاه الغنى ، وإن عضته فاقة شغله البلاء ، وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع ، وإن أجهده الجزع قعد به الضعف ، وإن افرط في الشبع كظته البطنة ، فكل تقصير به مضر، وكل إفراط له مفسد .

أيها الناس : من قل ذل ، ومن جاد ساد ، ومن كثر ماله رأس ، ومن كثر حلمه نبل ، ومن فكر في ذات الله تزندق ، ومن أكثر من شئ عرف به ، ومن كثر مزاحه استخف به ، ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته ، فسد حسب من ليس له أدب ، إنّ أفضل الفعال صيانة العرض بالمال ، ليس من جالس الجاهل بذي معقول ، من جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال ، لن ينجو من الموت غني بماله ، ولا فقير لإقلاله .

أيها الناس : إنّ للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط ، فطنة الفهم للمواعظ ممّا يدعو النفس إلى الحذر من الخطأ ، وللنفوس خواطر للهوى ، والعقول تزجر وتنهى ، وفي التجارب علم مستأنف ، والاعتبار يقود إلى الرشاد ، وكفاك أدبا لنفسك ما تكرهه من غيرك ، عليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه ، لقد خاطر من استغنى برأيه ، والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم ، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقف الخطاء ، ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول .

ومن حصر شهوته فقد صان قدره ، ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجته ، وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال ، والايام توضح لك السرائر الكامنة ، وليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة ، ومن عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار والهيبة ، وأشرف الغنى ترك المنى ، والصبر جنّة من الفاقة ، والحرص علامة الفقر ، والبخل جلباب المسكنة ، والمودة قرابة مستفادة ، ووصول معدم خير من جاف مكثر ، والموعظة كهف لمن وعاها ، ومن أطلق طرفه كثر أسفه ، ومن ضاق خلقه مله أهله .

ومن نال استطال قل ما تصدقك الأمنية ، التواضع يكسوك المهابة ، وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق ، من كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه ، تحر القصد من القول ، فإنّه من تحرى القصد خفت عليه المؤن ، في خلاف النفس رشدها ، من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد ، ألا وإنّ مع كل جرعة شرقا ، وفي كل أكلة غصصا ، لا تنال نعمة إلاّ بزوال أخرى ، لكل ذي رمق قوت ، ولكل حبة آكل ، وأنت قوت الموت .

اعلموا أيها الناس : إنّه من مشى على وجه الأرض ، فإنه يصير إلى بطنها ، والليل والنهار يتسارعان في هدم الأعمار .

أيها الناس : كفر النعمة لؤم ، وصحبة الجاهل شوم ، من الكرم لين الكلام ، إياك والخديعة فإنّها من خلق اللئام ، ليس كل طالب يصيب ، ولا كل غائب يؤوب ، لا ترغب فيمن زهد فيك ، رب بعيد هو أقرب من قريب ، سل عن الرفيق قبل الطريق ، وعن الجار قبل الدار ، استر عورة أخيك لما تعلمه فيك ، اغتفر زلة صديقك ليوم يركبك عدوك ، من غضب على من لا يقدر أن يضره طال حزنه وعذب نفسه ، من خاف ربّه كف ظلمه ، ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة .

إنّ من الفساد إضاعة الزاد ، ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غداً ، وما تناكرتم إلاّ لما فيكم من المعاصي والذنوب ، ما أقرب الراحة من التعب ، والبؤس من التغيير ، ما شر بشر بعده الجنة ، وما خير بخير بعده النار ، وكل نعيم دون الجنّة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية ، عند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر ، تصفية العمل أشد من العمل ، تخليص النية عن الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد ، هيهات لولا التقى كنت أدهى العرب .

عليكم بتقوى الله في الغيب والشهادة ، وكلمة الحق في الرضى والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، وبالعدل على العدو والصديق ، وبالعمل في النشاط والكسل ، والرضى عن الله في الشدّة والرخاء .

ومن كثر كلامه كثر خطاؤه ، ومن كثر خطاؤه قل حياؤه ، ومن قل حياؤه قل ورعه ، ومن قل ورعه مات قلبه ، ومن مات قلبه دخل النار .

ومن تفكّر اعتبر ، ومن اعتبر اعتزل ، ومن اعتزل سلم ، ومن ترك الشهوات كان حراً ، ومن ترك الحسد كانت له المحبّة عند الناس ، عز المؤمن غناه عن الناس ، القناعة مال لا ينفد ، ومن أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا اليسير ، ومن علم أنّ كلامه من عمله ، قل كلامه إلاّ فيما ينفعه .

العجب ممّن يخاف العقاب فلا يكف ، ويرجو الثواب ولا يتوب ، ويعمل الفكرة تورث نوراً ، والغفلة ظلمة ، والجهالة ضلالة ، والسعيد من وعظ بغيره ، والأدب خير ميراث ، حسن الخلق خير قرين ، ليس مع قطيعة الرحم نماء ، ولا مع الفجور غنى ، العافية عشرة أجزاء ، تسعة منها في الصمت إلاّ بذكر الله ، وواحد في ترك مجالسة السفهاء ، رأس العلم الرفق ، وآفته الخرق ، ومن كنوز الإيمان الصبر على المصائب ، والعفاف زينة الفقر ، والشكر زينة الغنى .

كثرة الزيارة تورث الملالة ، والطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم ، إعجاب المرء بنفسه يدل على ضعف عقله ، لا تؤيس مذنباً ، فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير ، وكم من مقبل على عمله مفسد في آخر عمره ، صائر إلى النار بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد ، طوبى لمن أخلص لله عمله وعلمه ، وحبه وبغضه ، وأخذه وتركه وكلامه وصمته ، وفعله وقوله .

لا يكون المسلم مسلماً حتّى يكون ورعاً ، ولن يكون ورعاً حتّى يكون زاهداً ، ولن يكون زاهداً حتّى يكون حازماً ، ولن يكون حازماً حتّى يكون عاقلاً ، وما العاقل إلاّ من عقل عن الله ، وعمل للدار الآخرة ، وصلى الله على محمّد النبي وعلى أهل بيته الطاهرين ) .

نقلا عن مركز آل البيت العالمي للمعلومات
بربغي
مشاركات: 4173
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 3:20 am

مشاركة بواسطة بربغي »

خطبة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أمام نساء المهاجرين والأنصار

عن عبد الله بن الحسن ، عن أمِّه فاطمة بنت الحسين ( عليه السلام ) قالت : لمَّا اشتدَّت عِلَّة فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وغلبها ، اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار ، فقلْنَ لها : يا بنت رسول الله ، كيف أصبحت عن عِلَّتك ؟ .

فقالت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : ( أصْبَحَتُ واللهِ عَائِفَة لِدُنْياكُم ، قَالِيَةً لِرِجَالِكُم ، لَفِظْتُهُمْ قَبْلَ أنْ عجمتُهُمْ وشَنِئْتُهُم بَعدَ أنْ سبرتُهُم ، فَقُبحاً لِفلولِ الحدِّ ، وخور القَنَاةِ ، وخطل الرَّأيِ ، و : ( لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) المائدة : 80 .

لا جَرَمَ لَقَد قَلَّدتُهُم ربقتَها ، وشَننْتُ عَليهم غَارَها ، فجدعاً وعقراً وسُحقاً لِلقَومِ الظَّالِمِينَ ، وَيْحَهُم أنَّى زَحْزَحُوهَا عَن رَواسِي الرَّسَالَة ، وقَوَاعِد النبُوَّةِ ، ومَهْبِطَ الوَحْيِ الأمِينِ ، والطبين بِأمْرِ الدُّنيَا والدِّينِ : ( أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) الزمر : 15 .

وَمَا نَقمُوا مِنْ أبِي الحَسَن ؟! ، نَقمُوا وَاللهِ مِنْهُ نَكِيرَ سَيْفِهِ ، وَشِدَّةَ وَطْئِهِ ، ونكَالَ وَقْعَتِهِ ، وتَنَمُّرِهِ فِي ذَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ .

واللهِ لَو تَكافّوا عَن زمَامِ نبْذَه رسول الله ( صلى الله عليه آله ) إليهِ لاعْتَلَقَهُ ، ولسَارَ بِهِم سَيراً سُجُحاً ، لا يُكَلِّمُ خشاشُهُ ، ولا يُتَعْتِعُ رَاكِبُهُ ، ولأوْرَدَهُمْ مَنْهَلاً نَمِيراً ، صَافِياً رَويّاً ، فَضْفَاضاً ، تَطْفَحُ ضِفَّتَاهُ ، وَلا يَتَرنَّقُ جَانِبَاهُ .

ولأصْدَرَهُم بطاناً ، ونَصَحَ لَهُمْ سِرّاً وَإعْلاناً ، ولم يكن يحلى من الغنى بطائل ، ولا يحظى من الدنيا بنائل ، غير ريِّ النَّاهِلِ ، وشبْعَةِ الكَافِلِ ، وَلَبَانَ لَهُمُ الزَّاهِدُ مِنَ الرَّاغِبِ ، والصَّادِقُ مِنَ الكَاذِبِ : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) الأعراف : 96 .

( وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاَء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ ) الزمر : 51 .

ألاَ هَلُمَّ فَاسْمَعْ ، وَمَا عِشْتَ أرَاكَ الدَّهْرُ عَجَباً ، وَإنْ تَعْجَبْ فعجب قَولهم ، لَيْتَ شِعْري إِلَى أيِّ سنَادٍ اسْتَنَدُوا ؟! ، وَعَلَى أيِّ عِمَادٍ اعْتَمَدوا ؟! ، وَبِأيِّ عُرْوَةٍ تَمسَّكُوا ؟! ، وَعَلَى أيِّ ذُرِّيَّةٍ أقْدَمُوا واحْتَنَكُوا ؟! ، لَبِئْسَ المَولَى وَلَبِئْسَ العَشِير ، اسْتَبْدَلُوا وَاللهِ الذُّنَابَا بالقَوَادِمِ ، والعَجُز بِالكَاهِلِ .

فَرَغْماً لِمَعَاطِسِ قَومٍ يَحْسَبُونَ أنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً : ( أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ) البقرة : 12 .

( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) يونس : 35 .

أمَا لَعَمْري ، لَقَدْ لقحَتْ ، فَنَظِرَة رَيْثُمَا تُنْتِج ، ثم احْتَبَلُوا مِلْءَ القَعْبِ دَماً عَبيطاً ، وَذعَافاً مُبِيداً ، هُنالِكَ يَخسَرُ المُبْطِلُونَ ، وَيُعْرَفُ التَّالُونَ ، غبَّ مَا سَنَّ الأوَّلُونَ ، ثُمَّ طِيبُوا عَن دُنْيَاكُم أنْفُساً ، وَاطْمَئِنُّوا للفِتْنَةِ جَأشاً ، وأبْشِرُوا بِسَيفٍ صَارِمٍ ، وَسَطْوَةِ مُعْتَدٍ غَاشِمٍ ، وَهَرَجٍ شَامِلٍ ، وَاسْتِبْدَادٍ مِنَ الظَّالِمِينَ .

يَدَعُ فَيئَكُمْ زَهيداً ، وَزَرْعَكُم حَصِيداً ، فَيَا حَسْرَتي لَكُمْ ، وَأنَّى بِكُمْ : ( فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ) هود : 28 .

نقلا عن مركز آل البيت العالمي للمعلومات
بربغي
مشاركات: 4173
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 3:20 am

مشاركة بواسطة بربغي »

خطبة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) لمّا منعت من فدك

روى العلاّمة الطبرسي في كتابه الاحتجاج بسنده عن عبد الله بن الحسن [ هو عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن طالب ( عليه السلام ) ] باسناده عن آبائه ( عليهم السلام ) : انه لما أجمع [ أي أحكم النية والعزيمة ] أبو بكر وعمر على منع فاطمة ( عليها السلام ) فدكا وبلغها ذلك لاثت [ أي لفته ] خمارها [ الخِمار : المقنعة ، سميت بذلك لان الرأس يخمر بها أي يغطى ] على رأسها ، واشتملت [ الاشتمال الشيء جعله شاملا ومحيطا لنفسه ] بجلبابها [ الجلباب : الرداء والازار ] واقبلت في لمة [ أي جماعة وفي بعض النسخ في لميمة بصيغة التصغير أي في جماعة قليلة ] من حفدتها [ الحَفَدَة : الاعوان والخدم ] ونساء قومها تطأ ذيولها [ أي ان اثوابها كانت طويلة تستر قدميها فكانت تطأها عند المشي ] ما تخرم مشيتها مشية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) [ الخُرم : البرك ، النقص ، والعدول ] حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد [ أي جماعة ] من المهاجرين والانصار وغيرهم ، فنيطت [ أي علقت ] دونها ملاء‌ة [ الملاء‌ة الازار ] فجلست ثم أنت انة اجهش [ اجهش القوم : تهيئوا ] القوم لها بالبكاء ، فارتج المجلس ، ثم امهلت هنيئة حتى اذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم ، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله ، فعاد القوم في بكائهم ، فلما امسكوا عادت في كلامها ، فقالت ( عليها السلام ) :

( الحمد لله على ما انعم ، وله الشكر على ما الهم ، والثناء بما قدم ، من عموم نعم ابتداها ، وسبوغ آلاء أسداها ، وتمام منن اولاها ، جم عن الاحصاء عددها ، ونأى عن الجزاء امدها ، وتفاوت عن الادراك ابدها ، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها ، واستحمد إلى الخلائق باجزالها ، وثنى بالندب إلى امثالها ، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الاخلاص بأولها ، وضمن القلوب موصلها ، وأنار في التفكر معقولها ، الممتنع من الابصار رؤيته ، ومن الالسن صفته ، ومن الاوهام كيفيته ، ابتدع الاشياء لا من شيء كان قبلها ، وانشأها بلا احتذاء امثلة امتثلها كونها بقدرته ، وذرأها بمشيته ، من غير حاجة منه إلى تكوينها ، ولا فائدة له في تصويرها ، الا تثبيتا لحكمته ، وتنبيها على طاعته ، واظهارا لقدرته ، تعبدا لبريته ، اعزازا لدعوته ، ثم جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، زيادة لعباده من نقمته ، وحياشة [ حاش الابل : جمعها وساقها ] لهم إلى جنته ، واشهد ان أبي محمدا عبده ورسوله ، اختاره قبل ان ارسله ، وسماه قبل ان اجتباه ، واصطفاه قبل ان ابتعثه ، اذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر الاهاويل مصونة ، وبنهاية العدم مقرونة ، علما من الله تعالى بما يلي الامور ، واحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة بموقع الامور ، ابتعثه الله اتماما لامره ، وعزيمة على امضاء حكمه ، وانفاذا لمقادير حتمه ، فرأى الامم فرقا في اديانها ، عكفا على نيرانها ، عابدة لاوثانها ، منكرة لله مع عرفانها ، فأنار الله بأبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) ظلمها ، وكشف عن القلوب بهمها [ أي مبهماتها وهي المشكلات من الامور ] وجلى عن الابصار غممها [ الغمم : جمع غمة وهي : المبهم الملتبس وفي بعض النسخ ( عماها ) ] وقام في الناس بالهداية ، فانقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الطريق المستقيم .

ثمّ قبضه الله اليه قبض رأفة واختيار ، ورغبة وايثار ، فمحمد ( صلى الله عليه وآله ) من تعب هذه الدار في راحة ، قد حف بالملائكة الابرار ، ورضوان الرب الغفار ، ومجاورة الملك الجبار ، صلى الله على أبي نبيه ، وأمينه ، وخيرته من الخلق وصفيه ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته ) .

ثمّ التفتت إلى أهل المجلس وقالت : ( انتم عباد الله بصب امره ونهيه ، وحملة دينه ووحيه ، وامناء الله على انفسكم ، وبلغائه إلى الامم ، زعيم حق له فيكم ، وعهد قدمه اليكم ، وبقية استخلفها عليكم : كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بينة بصائره ، منكشفة سرائره ، منجلية ظواهره ، مغتبطة به اشياعه ، قائدا إلى الرضوان اتباعه ، مؤد النجاة استماعه ، به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه المفسرة ، ومحارمه المحذرة ، وبيناته الجالية ، وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة .

فجعل الله الايمان : تطهيرا لكم من الشرك ، والصلاة : تنزيها لكم عن الكبر ، والزكاة : تزكية للنفس ، ونماء في الرزق ، والصيام : تثبيتا للاخلاص ، والحج : تشييدا للدين ، والعدل : تنسيقا للقلوب ، وطاعتنا : نظاما للملة ، وامامتنا : امانا للفرقة ، والجهاد : عزا للاسلام ، والصبر : معونة على استيجاب الاجر ، والامر بالمعروف : مصلحة للعامة ، وبر الوالدين : وقاية من السخط ، وصلة الارحام : منساه [ أي مؤخرة ] في العمر ومنماة للعدد ، والقصاص : حقنا للدماء ، والوفاء بالنذر : تعريضا للمغفرة ، وتوفية المكائيل والموازين : تغييرا للبخس ، والنهي عن شرب الخمر : تنزيها عن الرجس ، واجتناب القذف : حجابا عن اللعنة ، وترك السرقة : ايجابا بالعفة ، وحرم الله الشرك : اخلاصا له بالربوبية ، فاتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن الا وأنتم مسلمون ، واطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فانه انما يخشى الله من عباده العلماء ) .

ثمّ قالت : ( أيها الناس اعلموا ، اني فاطمة وأبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) اقول عودا وبدوا ، ولا اقول ما اقول غلظا ، ولا افعل ما افعل شططا [ الشَطَط : هو البعد عن الحق ومجاوزة الحد في كل شيء ] لقد جاؤكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم [ عنتم : انكرتم وجحدتم ] حريص عليكم بالمؤمنين روؤف رحيم .

فان تعزوه وتعرفوه : تجدوه أبي دون نسائكم ، واخا ابن عمي دون رجالكم ، ولنعم المعزى اليه ( صلى الله عليه وآله ) ، فبلّغ الرسالة ، صادعا [ الصدع هو الاظهار ] بالنِذارة [ الانذار : وهو الاعلام على وجه التخويف ] مائلا عن مدرجة [ هي المذهب والمسلك ] المشركين ، ضاربا ثبجهم [ الثَبَج : وسط الشيء ومعظمه ] آخذا باكظامهم [ الكَظَم : مخرج النفس من الحلق ] داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، يجف الاصنام [ في بعض النسخ ( يكسر الاصنام ) وفي بعضها ( يجذ ) أي يكسر ] وينكث الهام ، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر ، حتى تفرى الليل عن صبحه [ أي انشق حتى ظهر وجه الصباح ] واسفر الحق عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين [ الشقاشق : جمع شِقشقة وهي : شيء كالربة يخرجها البعير من فيه اذا هاج ] وطاح [ أي هلك ] وشظ [ الوشيظ : السفلة والرذل من الناس ] النفاق ، وانحلت عقد الكفر والشقاق ، وفهتم بكلمة الاخلاص [ أي كلمة التوحيد ] في نفر من البيض الخماص [ المراد بهم اهل البيت عليهم السلام ] وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذقة الشارب [ أي شربته ] ونُهزة [ أي الفرصة ] الطامع ، وقبسة العجلان [ مثل في الاستعجال ] وموطئ الاقدام [ مثل مشهور في المغلوبية والمذلة ] تشربون الطَرق [ ماء السماء الذي تبول به الابل وتبعر ] وتقتاتون القِدّ [ سير بقد من جلد غير مدبوغ ] اذلة خاسئين ، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم ، فانقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد ( صلى الله عليه وآله ) ، بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مني ببهم الرجال [ أي شجعانهم ] وذؤبان العرب ، ومردة اهل الكتاب ، كلما اوقدوا نارا للحرب اطفأها الله ، ان نجم [ أي ظهر ] قرى الشيطان [ أي امته وتابعوه ] او فغرت فاغرة من المشركين [ أي الطائفة منهم ] قذف أخاه في لهَوَاتها [ اللهوات وهي اللحمة في اقصى شفة الفم ] فلا ينكفيء [ أي يرجع ] حتى يطأ جناحها باخمصه [ الاخمص مالا يصيب الارض من باطن القدم ] ويخمد لهبها بسيفه ، مكدودا في ذات الله ، مجتهدا في أمر الله ، قريبا من رسول الله ، سيدا في أولياء الله ، مشمرا ناصحا ، مجدا ، كادحا ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، وانتم في رفاهية من العيش ، وادعون [ أي ساكنون ] فاكهون [ أي ناعمون ] آمنون ، تتربصون بنا الدوائر [ أي صروف الزمان أي كنتم تنظرون نزول البلايا علينا ] وتتوكفون الاخبار [ أي تتوقعون اخبار المصائب والفتن النازلة بنا ] وتنكصون عند النزال ، وتفرون من القتال ، فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ، ومأوى اصفيائه ، ظهر فيكم حسكة النفاق [ في بعض النسخ ( حسكية ) وحسكة النفاق عداوته ] وسمل [ أي صار خلقا ] جلباب الدين [ الجلباب الازار ] ونطق الغاوين ، ونبغ خامل [ أي من خفى ذكره وكان ساقطا لانباهة له ] الاقلين ، وهدر [ الهدير : ترديد البعير صوته في حنجرته ] فنيق [ الفحل المكرم من الابل الذي لا يركب ولا يهان ] المبطلين ، فخطر [ خطر البعير بذنبه اذا رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخذيه ] في عرصاتكم ، واطلع الشيطان رأسه من مغرزه [ أي مايخفى فيه تشبيها له بالقنفذ فانه يطلع رأسه بعد زوال الخوف ] هاتفا بكم [ أي حملكم على الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه ] فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللعزة فيه ملاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا ، واحشمكم فألفا غضابا فوسمتم [ الوسم اثر الكي ] غير ابلكم ووردتم [ الورود : حضور الماء للشرب ] غير مشربكم ، هذا والعهد قريب والكُلم [ أي الجرح ] رُحيب [ أي السعة ] والجرح لما يندمل [ أي لم يصلح بعد ] والرسول لما يقبر ، ابتدارا زعمتم خوف الفتنة ، ألا في الفتنة سقطوا ، وان جهنم لمحيطة بالكافرين ، فهيهات منكم ، وكيف بكم ، وانى تؤفكون ، وكتاب الله بين اظهركم ، اموره ظاهرة ، واحكامه زاهرة ، واعلامه باهرة ، وزواجره لايحة ، وأوامره واضحة ، وقد خلفتموه وراء ظهوركم ، أرغبة عنه تريدون ؟ ام بغيره تحكمون ؟ بئس للظالمين بدلا ، ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين .

ثم لم تلبثوا الا ريث أن تسكن نفرتها [ نفرت الدابة جزعت وتباعدت ] ويسلس [ أي يسهل ] قيادها ، ثم اخذتم تورون وقدتها [ أي لهبها ] وتهيجون جمرتها ، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي ، واطفاء انوار الدين الجلي ، واهمال سنن النبي الصفي ، تشربون حسوا [ الحسو : هو الشرب شيئا فشيئا ] في ارتغاء [ الارتغاء : هو شرب الرغوة وهي اللبن المشوب بالماء وحسوا في ارتغاء : مثل يضرب لمن يظهر ويريد غيره ] وتمشون لاهله وولده في الخَمرة [ الخمر : ماواراك من شجر وغيره ] والضَراء [ أي الشجر الملتف بالوادي ] ويصير منكم على مثل حز [ أي القطع ] المدى ، ووخز السنان في الحشاء ، وانتم الان تزعمون : أن لا إرث لنا ، افحكم الجاهلية تبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون ؟ ! أفلا تعلمون ؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية : أني ابنته .

ايها المسلمون أغلب على ارثي ؟ يابن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا ارث أبي ؟ لقد جئت شيئا فريا ! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ اذ يقول : ( وورث سليمان داود ) [ النمل : 16 ] وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا اذ قال : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) [ مريم : 6 ] وقال : ( واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله ) [ الانفال : 75 ] وقال : ( يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين ) [ النساء : 11 ] وقال : ( إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين ) [ البقرة :180 ] وزعمتم : ان لا حظوة [ أي المكانة ] لي ولا ارث من أبي ، ولا رحم بيننا ، افخصكم الله بآية اخرج أبي منها ؟ ام هل تقولون : أن اهل ملتين لا يتوارثان ؟ أو لست انا وأبي من اهل ملة واحدة ؟ أم انتم أعلم بخصوص القرآن من أبي وابن عمي ؟ فدونكها مخطومة [ من الخِطام وهو : كل مايدخل في انف البعير ليقاد به ] مرحولة [ الرَحل : هو للناقة كالسراج للفرس ] تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم اذ تندمون ، ولكل نبأ مستقر ، وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ) .

ثمّ رمت بطرفها نحو الانصار فقالت : ( يامعشر النقيبة [ أي الفتية ] واعضاد الملة وحضنة الاسلام ، ماهذه الغَميزَة [ أي ضعفة في العمل ] في حقي والسِنة [ النوم الخفيف ] عن ظلامتي ؟ أما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أبي يقول : ( المرء يحفظ في ولده ) ؟ سرعان ما أحدثتم ، وعجلان ذا إهالة [ أي الدسم ] ولكم طاقة بما احاول ، وقوة على ما اطلب وأزاول ، أتقولون مات محمد ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فخطب جليل ، استوسع وهنه [ وهنة الوهن : الخرق ] واستنهر [ أي اتسع ] فتقه وانفتق رتقه ، واظلمت الارض لغيبته ، وكسف الشمس والقمر ، وانتثرت النجوم لمصيبته ، واكدت [ أي قل خيرها ] الآمال ، وخشعت الجبال ، وأضيع الحريم ، وأزيلت الحرمة عند مماته ، فتلك والله النازلة الكبرى ، والمصيبة العظمى ، لا مثلها نازلة ، ولا بائقة [ أي داهية ] عاجلة ، اعلن بها كتاب الله جل ثناؤه ، في افنيتكم ، وفي ممساكم ، ومصبحكم ، يهتف في افنيتكم هنافا ، وصراخا ، وتلاوة ، والحانا ، ولقبله ما حل بأنبياء الله ورسله ، حكم فصل ، وقضاء حتم : ( وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) [ آل عمران : 144 ] .

( أيّها بني قيلة [ قبيلتا الانصار : الاوس والخزرج ] أهضم تراث أبي ؟ وانتم بمرئ مني ومسمع ، ومنتدى [ أي المجلس ] ومجمع ، تلبسكم الدعوة ، وتشملكم الخبرة ، وانتم ذوو العد والعدة ، والاداة والقوة ، وعندكم السلاح والجُنة [ ما استترت به من السلاح ] توافيكم الدعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون ، وانتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصلاح ، والنخبة التي انتخبت ، والخيرة التي اختيرت لنا اهل البيت ، قاتلتم العرب ، وتحملتم الكد والتعب ، وناطحتم الامم ، وكافحتم البهم ، لا نبرح [ أي لا نزال ] او تبرحون ، نأمركم فتأتمرون ، حتى اذا دارت بنا رحى الاسلام ، ودر حلب الايام ، وخضعت ثغرة الشرك ، وسكنت فورة الافك ، وخمدت نيران الكفر ، وهدأت دعوة الهرج ، واستوسق [ أي اجتمع ] نظام الدين ، فأنى حزتم بعد البيان ؟ واسررتم بعد الاعلان ؟ ونكصتم بعد الاقدام ؟ واشركتم بعد الايمان ؟ بؤسا لقوم نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم ، وهموا باخراج الرسول ، وهم بدؤكم اول مرة ، اتخشونهم فالله احق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين .

ألا وقد أرى أن قد اخلدتم [ أي ملتم ] إلى الخفض [ أي السعة والخصب واللين ] وابعدتم من هو احق بالبسط والقبض ، وخلوتم بالدعة [ الدعة : الراحة والسكون ] ونجوتم بالضيق من السعة ، فمججتم ماوعيتم ، ودسغتم [ الدسغ : الفيء ] الذي تسوغتم [ تسوغ الشراب شربه بسهولة ] فان تكفروا انتم ومن في الارض جميعا ، فان الله لغني حميد .

ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة [ الجذلة : ترك النصر ] التي خامرتكم [ أي خالطتكم ] والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنها فيضة النفس ، ونفثة الغيظ ، وخور [ أي الضعف ] القناة [ أي الرمح ، والمراد من ضعف القناة هنا ضعف النفس عن الصبر على الشدة ] وبثة الصدر ، وتقدمة الحجة ، فدونكموها فاحتقبوها [ أي احملوها على ظهوركم ودبر البعير اصابته الدَبَرَة وهي جراحة تحدث من الرحل ] دبرة الظهر ، نقبة [ نقب خف البعير رق وتثقب ] الخف ، باقية العار ، موسومة بغضب الجبار ، وشنار الابد ، موصولة بنار الله الموقدة ، التي تطلع على الافئدة ، فبعين الله ما تفعلون ، وسيعلم الذين ظلموا أي مقلب ينقلبون ، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فاعلموا أنا عاملون ، وانتظر أنا منتظرون ) .

فاجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان وقال : يا بنت رسول الله ، لقد كان ابوك بالمؤمنين عطوفا كريما ، روؤفا رحيما ، وعلى الكافرين عذابا اليما ، وعقابا عظيما ، ان عزوناه وجدناه اباك دون النساء ، واخا إلفك دون الاخلاء [ الالف : هو الاليف بمعنى المألوف والمراد به هنا الزوج لانه إلف الزوجة ، وفي بعض النسخ : ابن عمك ] آثر على كل حميم ، وساعده في كل امر جسيم ، لا يحبكم الا سعيد ، ولا يبغضكم الا شقي بعيد ، فأنتم عترة رسول الله ، والطيبون الخيرة المنتجبون ، على الخير ادلتنا ، إلى الجنة مسالكنا ، وأنت يا خيرة النساء ، وأبنة خير الانبياء ، صادقة في قولك ، سابقة في وفور عقلك ، غير مردودة عن حقك ، ولا مصدودة عن صدقك ، والله ماعدوت رأي رسول الله ، ولا عملت الا بإذنه ، والرائد لا يكذب أهله ، واني اشهد الله وكفى به شهيدا ، أني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( نحن معاشر الانبياء ، لا نورث ذهبا ولا فضة ، ولا دارا ولا عقار ، وإنما نورث الكتاب والحكمة ، والعلم والنبوة ، وما كان لنا من طعمة ، فلولي الامر بعدنا ، ان يحكم فيه بحكمه ) وقد جعلنا ماحولته في الكراع والسلاح ، يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار ، ويجالدون المردة الفجار ، وذلك باجماع من المسلمين ، لم انفرد به وحدي ، ولم استبد بما كان الرأي عندي ، وهذه حالي ومالي ، هي لك وبين يديك ، لاتزوى عنك ، ولا ندخر دونك ، وانك وانت سيدة امة أبيك ، والشجرة الطيبة لبنيك ، لا ندفع مالك من فضلك ، ولا يوضع في فرعك واصلك ، حكمك نافذ فيما ملكت يداي ، فهل ترين ان اخالف في ذلك أباك ( صلى الله عليه وآله ) ؟

فقالت ( عليها السلام ) : ( سبحان الله ما كان أبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن كتاب الله صادفا [ أي معرضا ] ولا لاحكامه مخالفا ! بل كان يتبع اثره ، ويقفو سوره ، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور ، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل [ أي المهالك ] في حياته ، هذا كتاب الله حكما عدلا ، وناطقا فصلا ، يقول : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) [ مريم : 6 ] ويقول : ( وورث سليمان داود ) [ النمل : 16 ] وبين عزوجل فيما وزع من الاقساط ، وشرع من الفرائض والميراث ، واباح من حظ الذكران والاناث ، ما ازاح به علة المبطلين ، وأزال التظني والشبهات في الغابرين ، كلا بل سولت لكم انفسكم أمرا ، فصبر جميل ، والله المستعان على ما تصفون ) .

فقال ابو بكر : صدق الله ورسوله ، وصدقت ابنته ، أنت معدن الحكمة ، وموطن الهدى والرحمة ، وركن الدين ، وعين الحجة ، لا ابعد صوابك ، ولا انكر خطابك ، هؤلاء المسلمون بيني وبينك ، قلدوني ما تقلدت ، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت ، غير مكابر ولا مستبد ، ولا مستأثر ، وهم بذلك شهود .

فالتفتت فاطمة ( عليها السلام ) إلى الناس وقالت : ( معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل [ في بعض النسخ : قبول الباطل ] المغضية على الفعل القبيح الخاسر ، افلا تتدبرون القرآن ؟ أم على قلوب أقفالها ؟ كلا بل ران على قلوبكم ما اسأتم من اعمالكم ، فأخذ بسمعكم وابصاركم ، ولبئس ما تأولتم ، وساء ما به أشرتم ، وشر ما منه اغتصبتم ، لتجدن والله محمله ثقيلا ، وغبه وبيلا ، اذا كشف لكم الغطاء ، وبان باورائه الضراء ، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون ، وخسر هنالك المبطلون ) .

ثمّ عطفت على قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقالت :

قد كان بعدك انباء وهنبثة
لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

انا فقدناك فقد الارض وابلها
واختل قومك فاشهدهم ولا تغب

وكل اهل له قربى ومنزلة
عند الاله على الادنين مقترب

ابدت رجال لنا نجوى صدورهم
لما مضيت وحالت دونك الترب

تجهمتنا رحال واستخف بنا
لما فقدت وكل الارض مغتصب

وكنت بدرا ونورا يستضاء به
عليك ينزل من ذي العزة الكتب

وكان جبريل بالآيات يؤنسنا
فقد فقدت وكل الخير محتجب

فليت قبلك كان الموت صادفنا
لما مضيت وحالت دونك الكثب


ثمّ انكفئت ( عليها السلام ) ، وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يتوقع رجوعها اليه ، ويتطلع طلوعها عليه ، فلما استقرت بها الدار ، قالت : لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( يابن أبي طالب ، اشتملت شملة الجنين ، وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة [ قوادم الطير : مقادم ريشه وهي عشرة ] الاجدل [ أي الصقر ] فخانك ريش الاعزل [ العزل من الطير : ما لا يقدر على الطيران ] هذا ابن ابي قحافة يبتزني [ أي يسلبني ] نحلة أبي وبغلة [ البغلة ما يتبلغ به من العيش ] ابني ! لقد اجهد [ في بعض النسخ : اجهر ] في خصامي ، والفيته [ أي وجدته ] الد [ الالد : شديد الخصومة ] في كلامي ، حتى حبستني قيلة نصرها والمهاجرة وصلها ، وغضت الجماعة دوني طرفها ، فلا دافع ولا مانع ، خرجت كاظمة ، وعدت راغمة ، اضرعت [ ضرع : خضع وذل ] خدك يوم اضعت حدك إفترست الذئاب ، وافترشت التراب ، ما كففت قائلا ، ولا اغنيت طائلا [ أي ما فعلت شيئا نافعا ، وفي بعض النسخ : ولا اغيت باطلا : أي كففته ] ولا خيار لي ، ليتني مت قبل هنيئتي ، ودون ذلتي عذيري [ العذير بمعنى العاذر أي : الله قابل عذري ] الله منه عاديا [ أي متجاوزا ] ومنك حاميا ، ويلاي في كل شارق ! ويلاي في كل غارب ! مات العمد ، ووهن [ الوهن : الضعف في العمل او الامر او البدن ] العضد ، شكواي إلى أبي ! وعدواي [ العدوى : طلبك إلى وال لينتقم لك من عدوك ] إلى ربي ! اللهم انك اشد منهم قوة وحولا ، واشد بأسا وتنكيلا ) .

فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( لا ويل لك بل الويل لشانئك [ الشانيء : المبغض ] ثم نهنهي عن وجدك [ أي كفي عن حزنك وخففي من غضبك ] ياابنة الصفوة ، وبقية النبوة ، فما ونيت [ أي ماكللت ولا ضعفت ولا عييت ] عن ديني ، ولا اخطأت مقدوري [ أي ما تركت ما دخل تحت قدرتي أي لست قادرا على الانتصاف لك لما اوصاني به الرسول ] فان كنت تريدين البلغة ، فرزقك مضمون ، وكفيلك مأمون ، وما اعد لك اضل مما قطع عنك ، فاحتسبي الله ) .

فقالت : ( حسبي الله ) ، وامسكت .

نقلا عن مركز آل البيت العالمي للمعلومات
بربغي
مشاركات: 4173
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 3:20 am

مشاركة بواسطة بربغي »

خطبة الإمام الحسن ( عليه السلام ) بعد توليه أمر الخلافة

قال ( عليه السلام ) : ( نحن حزب الله الغالبون ، وعشيرة رسول الله الأقربون ، وأهل بيته الطيّبون الطاهرون ، وأحد الثقلين اللذين خلّفهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أمّته ، والثاني كتاب الله ، فيه تفصيل كل شيء ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والمعوّل علينا في تفسيره ، لا نظن تأويله بل نتيقّن حقائقه ، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة ، إذ كانت بطاعة الله عز وجل ورسوله مقرونة .

قال الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ) ، ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) .

وأحذّركم الإصغاء لهتاف الشيطان ، فإنّه لكم عدو مبين ، وتكونوا كأوليائه الذين قال لهم : ( لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ ) ، فتلقون إلى الرماح وزراً ، وإلى السيوف جزراً ، وللعمد حطماً ، وللسهام غرضاً ، ثمّ ( لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ) .

نقلا عن مركز آل البيت العالمي للمعلومات
بربغي
مشاركات: 4173
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 3:20 am

مشاركة بواسطة بربغي »

خطبة الإمام الحسن ( عليه السلام ) بعد شهادة أمير المؤمنين ( عليه السلام )

خطب ( عليه السلام ) بعد شهادة أبيه : فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر أمير المؤمنين علياً ، فقال : ( خاتم الأوصياء ، ووصي خاتم الأنبياء ، وأمير الصدّيقين والشهداء والصالحين ) .

ثمّ قال : ( يا أيها الناس : لقد فارقكم رجل ما سبقه الأوّلون بعلم ، ولا يدركه الآخرون ، لقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعطيه الراية ، فيقاتل جبرائيل عن يمينه ، ومكائيل عن يساره ، فما يرجع حتّى يفتح الله عليه ، والله لقد قبضه الله عز وجل في الليلة التي قبض فيها وصي موسى ( عليه السلام ) ، وعرج بروحه في الليلة التي فيها رفع عيسى ( عليه السلام ) ، وفي الليلة التي أنزل فيها الفرقان ، والله ما ترك ذهباً ولا فضةً إلاّ شيئاً على صبي له ، وما ترك في بيت المال إلاّ سبعمائة وخمسين درهماً ، فضلت عن عطائه ، أراد أن يشتري بها خادماً لأم كلثوم ) .

ثمّ قال : ( من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمّد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمّ تلا هذه الآية ـ قول يوسف ( عليه السلام ) ـ : ( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ ) .

ثمّ أخذ في كتاب الله عز وجل فقال : ( أنا ابن البشير ، وأنا ابن النذير ، وأنا ابن الداعي إلى الله باذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا ابن الطهر الذي أرسل رحمة للعالمين ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله تعالى ولايتهم ومودّتهم ، فقال فيما أنزل على محمّد : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ) ، واقتراف الحسنة مودّتنا ) .

نقلا عن مركز آل البيت العالمي للمعلومات
بربغي
مشاركات: 4173
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 3:20 am

مشاركة بواسطة بربغي »

خطبة الإمام الحسن ( عليه السلام ) بعد الصلح مع معاوية

لمّا أُبرم‏ الصلح التمس معاوية من الإمام الحسن ( ‏عليه السلام ) أن يتكلّم بمجمع من الناس ، ويُعلِمهم أنّه قد بايع معاوية ، فأجابه إلى ذلك ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى‏ على نبيّه محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمّ قال :

( أيّها الناس : إنّ أكيّس الكيس التقي ، وأحمق الحمق الفجور ، والله ولو أنّكم طلبتم ما بين جابرقا وجابرصا مَن جدّه رسول الله ( ‏صلى الله عليه وآله ) ما وجدتموه غيري ، وغير أخي الحسين ، وقد علمتم أنّ الله تعالى جلّ ذكره وعزّ اسمه هداكم بجدّي محمّد ، وأنقذكم به من الضلالة ، وخلّصكم به من الجهالة ، وأعزّكم به بعد الذلّة ، وكثّركم به بعد القلّة .

وأنّ معاوية نازعني حقّاً هو لي دونه ، فتركته‏ لصلاح الأُمّة وقطع الفتنة ، وقد كنتم بايعتموني على أن تُسالموا من سالمت ، وتحاربوا من حاربت ، فرأيت أن أُسالم لمعاوية ، وأضع الحرب بيني وبينه ، وقد رأيت أنّ حقن دماء المسلمين خيرٌ من سفكها ، ولم‏ أُرد بذلك إلاّ صلاحكم وبقاءكم ، وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى‏ حِينٍ‏ ) .

نقلا عن مركز آل البيت العالمي للمعلومات
بربغي
مشاركات: 4173
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 3:20 am

مشاركة بواسطة بربغي »

خطبة الإمام الحسن ( عليه السلام ) بعد طلب معاوية منه

خطب ( عليه السلام ) حين قال له معاوية بعد الصلح : أذكر فضلنا .

فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على محمّد النبي وآله ، ثمّ قال : ( من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن رسول الله ، أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن المصطفى بالرسالة ، أنا ابن من صلّت عليه الملائكة ، أنا ابن من شرفت به الأمّة ، أنا ابن من كان جبرائيل السفير من الله إليه ، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين ، صلى الله عليه وآله أجمعين ) .

فلم يقدر معاوية أن يكتم عداوته وحسده ، فقال : يا حسن عليك بالرطب ، فانعته لنا .

قال ( عليه السلام ) : ( نعم يا معاوية ، الريح تلقحه ، والشمس تنفخه ، والقمر يلوّنه ، والحر ينضجه ، والليل يبرده ) .

ثمّ أقبل على منطقه فقال : ( أنا ابن المستجاب الدعوة ، أنا ابن من كان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن الشفيع المطاع ، أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن من خضعت له قريش رغماً ، أنا ابن من سعد تابعه وشقي خاذله ، أنا ابن من جعلت الأرض له طهوراً ومسجداً ، أنا ابن من كانت أخبار السماء إليه تترى ، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ) .

فقال معاوية : أظن نفسك يا حسن تنازعك إلى الخلافة ؟

فقال ( عليه السلام ) : ( ويلك يا معاوية ، إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعمل بطاعة الله ، ولعمري إنّا لأعلام الهدى ، ومنار التقى ، ولكنّك يا معاوية ممّن أبار السنن ، وأحيا البدع ، واتخذ عباد الله خولاً ، ودين الله لعباً ، فكان قد أخمل ما أنت فيه ، فعشت يسيراً ، وبقيت عليك تبعاته .

يا معاوية ، والله لقد خلق الله مدينتين ، إحديهما بالمشرق ، والأخرى بالمغرب ، أسماهما جابلقاً وجابلساً ، ما بعث الله إليهما أحداً غير جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ) .

فقال معاوية : يا أبا محمّد ، أخبرنا عن ليلة القدر ؟

قال ( عليه السلام ) : ( نعم ، عن مثل هذا فاسأل ، إنّ الله خلق السماوات سبعاً ، والأرضين سبعاً ، والجن من سبع ، والأنس من سبع ، فتطلب من ليلة ثلاث وعشرين إلى ليلة سبع وعشرين ) .

نقلا عن مركز آل البيت العالمي للمعلومات
مغلق

العودة إلى ”منتدى اهل البيت عليهم السلام“

الموجودون الآن

المتصفحون للمنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد