طبقات المفسرين عديدة يمكن ذكر بعضها وفقاً لمراحل تاريخية معينة : 1- المصطفى الأمجد(صلى الله عليه وآله) المفسر الأول ، ويمثل مرحلة نزول القرآن ويشير لهذاقوله تعالى : { كَما أَرْسَلْنا فِـيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُـزَكِّيكُمْ وَيُـعـَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ} سورة البقرة / آية 151 وأهل البيت يمثلون الامتداد الحقيقي لهذا الخط المحمدي الأصيل للتفسير وسيأتي الكلام لاحقاً إن شاء الله تعالى . 2- الطبقة الأولى من مفسري الصحابة: كـ(إبن عباس(رضي الله عنه) وعبد الله بن عمر)، وكان التفسير في تلك المرحلة لا يتجاوز بيان ما يرتبط من الآيات بجهاتها الأدبية وما يتعلق بشأن النزول وقليل من الاستدلال بآية من القرآن على أخرى ، وبعض التفسير بالروايات المأثورة عن النبي(صلى الله عليه وآله) في القصص ومعارف المعاد وغيرها . 3- حلقة التابعين في القرنين الأولين من الهجرة كـ (قتادة ومجاهد والشعبي وابن أبي ليلى والأسدي)وغيرهم ، ونفس الكلام في وصف التفسير في الطبقة والمرحلة السابقة مع ازدياد التفسير بالروايات في القصص والمعارف الراجعة إلى الخلقة كإبتداء السماوات وتكوين الأرض والبحار ، وفي هذه المرحلة بدأ تأثير اليهود يظهر في دس العديد من الروايات . 4- طبقة المنفتحين على المعارف الأخرى : أ- بعد الفتوحات الإسلامية واختلاط المسلمين بالفرق والنحل المختلفة وعلمائها في البلدان المفتوحة ، شاع البحث الكلامي . ب- بعد أن نقلت فلسفة اليونان وترجمت إلى العربية في أواخر القرن الأول الهجري في عهد السلطة الأموية وثم السلطة العباسية ، شاع البحث العقلي الفلسفي بين العديد من الباحثين من المسلمين . جـ- تقارن مع انتشار البحث الفلسفي ظهور التصوف وتمايل الناس إلى نيل المعارف الدينية من طريق المجاهدة والرياضة النفسانية دون البحث اللفظي والعقلي .
السادس: التفرق والتشعب
في مقابل الاتجاهات الثلاثة السابقة بقي الاتجاه الرابع الذي يمثل أهلالحديث بقي على التعبد المحضبالظواهر والاقتصاد دائماً أو غالباً على البحث عن اللفظ بجهاتـه الأدبية ، إضافة لذلك فأن كل اتجاه قد تفرق وتشعب إلى مذاهب ومذاهب وكلما مر الزمان ازدادت الاتجاهات وكثر التفرق والتشعب ، وهذا كله أدى بدوره إلى اختلاف الباحثين في التفسير حسب مسالكهم ومذاهبهم فاختلفوا في معنى الأسماء والصفات والأفعال والسماوات والأرض والقدر والقضاء والجبر والتفويض والثواب والعقاب وفي الموت والبرزخ والبعث والنشر والحساب والجنة والنار .
السابع : ماذا يقول القرآن أو ماذا نريد أن نقول ؟!!
الاختلافات السابقة في المذاهب التي نشأت من التعصب الأعمى وحب الذات واتباع الهوى ، أدت بالمفسر الذي يبحث عن معنى الآيات القرآنية أن يقصر بحثه على المعنى الذي يجب أن نحمل عليه الآية ( وليس البحث في ماذا يـقول القرآن وما هو المعنى الذي تدل عليه الآية مع نسيان أو تناسي أي فكرة أو نظرية مذهبية عند البحث حتى يكون البحث منصفاً ) ، وبالتأكيد فإن حمل الآيات على المعاني المذهبية التعصبية الجاهلة يؤدي إلى اختلاف واختلاف وإختلاف ... في التفسير فيكون كل تفسير تابع لهوى صاحبه وشيطانه .
الثامن : القرآن قائد أو مقود
ما ذ ُكِر من اختلاف في التفسير هو الحالة السيئة المرفوضة شرعاً وعقلاً وأخلاقاً ، لأنها إتباع الهوى والرأي الشخصي المصلحي التعصبي ، وهو مخالفة شرعية وأخلاقية لما ورد عن الشارع المقدس بأن القرآن هو القائد والمبين والمرشد والمتبوع فأصبح يفعل أئمة الضلالة مقوداً وتابعاً ومضلاً ،فبأسما يصنعون .
علمنا مما سبق أن التفسير الصحيح الذي فيه نجاة للأمة هو الوارد عن المعصومين(عليهم السلام) والذي يرجع إلى تفسير القرآن بـالقرآن ، ولكن مع هذا نجد اختلافاً بالتفسير بين الباحثين ممن يأخذ عن ذلك المنبع الصافي الواضح أو ممن يدعي ذلك أو ممن يُحسب على هذا، ويرجع هذا إلى أمور عديدة منها: 1- إن بعض الإجابات والتفسيرات كانت على مستوى أذهان السائلين والسامعين فيكون الاختلاف في تفسير ذلك وتطبيقه بحسب أذهان المجتمعات بصورة عامة في كل عصر ومصر وبحسب المستويات الذهنية بين أفراد المجتمع نفسه . 2- التقية من الأعداء ، التي مر بها المعصومون(عليهم السلام) وأصحابهم المؤمنون(رضوان الله عليهم) ، حيث أخفي واختفى الكثير من التفسيرات الخاصة بالآيات القرآنية . 3 - ما فعله الأعداء من حكام وهمج رعاع بالاعتداء على أئمة الهدى(عليهم السلام) وأصحابهم الكرام وسرقة نتاجاتهم التفسيرية والعلمية وإتلافها . 4- الكذب والافتراء والدس في الأقوال والمقالات والتفسيرات وكتب الحديث ، من قبل الأعداء المخالفين وأهل النفاق والمغالين ، ممن يكذب على الله تعالى ورسوله وأئمة الهدى(صلوات الله عليهم أجمعين) ويحرف ما يصدر عن الشارع المقدس . 5- كما فعل المجتمع السني فعل العديد من الشرائح الاجتماعية الشيعية بالتوجه بالتفسير وغيره إلى كبرائهم الذين يفسرون طبقاً لأهوائهم ودنياهم ويسندون ذلك إلى رسول الله وأئمة الهدى(صلوات الله عليهم) ، ورجوع الناس إلى مثل هؤلاء بنفس الدافع الذي يدعيه المجتمع السني من أن الصحابة كلهم عدول ، وهنا كل من كتب بالتفسير أو حكى على المنبر (مثلاً) وكل من ارتدى الزي الديني فهو عادل ، ولم يعلم الناس أن الكثير منهم يبطنون النفاق ويجترون على الله تعالى ويفترون على رسوله والأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) . 6- العديد من مفسرينا استند في تفسيره إلى رؤساء وعلماء العامة (السُنة) فاختلف التفسير عندهم باختلاف المنقول عند العامة . 7- في التفسيـر اتجاهات عديدة فكرية وعلمية ، ولكل مفسر غرض وهدف يضعه في ذهنه عند البحث ، ولاختلاف الأغراض وتحقيقاتها نجد البعض يرجح جانب اللغة والقراءة والنحو والصرف على غيره ، وبعضهم يرجح جانب علم الكلام على غيره ، وثالث يرجح البحوث الفلسفية على غيرها ، ورابع يرجح العرفان ، وغيره يرجح البحوث العلمية المعاصرة وتطبيقاتها على غيرها . 8- إنَّ لألفاظ القرآن وآياته معاني ظاهرية وهذه المعاني الظاهرية لها تطبيقات عديدة تختلف من مجتمع لآخر ومن جيل لآخر ، ولها معاني باطنية متعددة في العرض والطول . وهذا بدوره يؤدي إلى تعدد التفاسير واختلافها ظاهرياً ، لتعدد الروايات المشيرة إلى المعاني الظاهرية والباطنية المتعددة . ويشهد لما سبق ما ورد : أ- عن النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله): {{ فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم ، فعليكم بالقرآن فإنه شافع ومشفع وماحل مصدّق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، وهو الدليل يدل على خير سبيل ، وهو كتاب تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفصل ليس بالهزل ، ...... للقرآن ظهر وبطن ، فظاهره حكمة وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم ، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه ،... فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ، ودليل على المعروف لمن عرف بالنصفة ، فليرْعَ رجل بصره وليبلغ الصفة نظره ، ينجو من عطب ويخلص من نشب ، فإن التفكر حياة قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور ، يحسن التخلص ويقل التربص }} .
وعليه فكلمة التوحيد ووحدة الأمة والتفسير المبين ، وهو النابع والصادر من بحر الطهارة والقدس النبي المصطفى (صلوات الله وسلامه عليه وآله وسلم) وأهل بيته المعصومين(عليهم السلام) فالمعلم الأول في القرآن والتفسير الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والثاني أمير المؤمنين(u) وهكذا الزهراء والحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وباقي أئمة الهدى(u) فهم عِدل القرآن وكل واحدٍ منهم يمثل القرآن الناطق ، وبهذا الطريق السوي والمنهج القويم الواضح تتفق الآراء وتتحد الكلمة ويظهر الحق وتضمر وتنمحي كلمة الباطل وتبدل الفرقة ويذهب الاختلاف في الكلمة والحكم في التفسير وغيرها ، ومما يشهد لهذه المعاني : 1 - قوله تعالى: { وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّن َلِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } سورة النحل /آية 44 2 - قوله تعالى:{ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ} سورة الجمعة /آية 2 3 - قوله تعالى : {إِنَّهُ لَقُرْآن َكَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُون ٍلا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُون َ} سورة الواقعة / آية 79 وقوله تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} . 4- قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): {{إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض}} . 5- عن الإمام الصادق(u): {{ قال أمير المؤمنين(u): أيها الناس ، إن الله تبارك وتعالى أرسلَ إليكم الرسول(صلى الله عليه وآله) ...... إلى أن قال: فجاءهم بنسخه ما في الصحف الأولى ، وتصديق الـذي بين يديه ، وتفصيل الحلال من ريب الحرام ، ... ذلك القرآن فاستنطقوه ، ولن ينطق لكم ... أُخبركم عنه ، أن فيه علم ما مضى وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة، وحكم ما بينكم ، وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون فلوا سألتموني عنه لأخبرتكم }} .
الطريقة المثلى في التفسير الواردة عن الشارع المقدس هي تفسير القرآن بالقرآن سواء القرآن الصامت أو القرآن الناطق ويشير لهذا المعنى : 1-قوله تعالى : {إنا أنزلنا عليكَ الكتاب تبياناً لكل شيء}فإذا كان تبياناً لكل شيء والقرآن نفسه شيء من الأشياء فهو تبيان لنفسه . 2- ما ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله): {فإذا التبست عليكـم الفتن كقطع الليل المظلم ، فعليكم بالقرآن فإنه شافع ومشفع وماحل مصدّق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، وهو الدليل يدل على خير سبيل ، وهو كتاب تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفصل ليس بالهزل ، ......} . 3- ما ورد عن أمير المؤمنين(u): {نطبّق القرآن بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ...}.
وبعد معرفة الطريق الشرعي المنجيفي التفسير وبعد معرفة أن في القرآن ناسخاً ومنسوخـاً ، ومحكماً ومتشابهاً، وخاصاً وعاماً ، ومبيناً ومبهمـاً ، ومقطوعاً وموصولاً ، وفرائض وأحكامـاً ، وسنناً وآداباً، وحلالاً وحراماً وعزيمة ورخصة ، وظاهراً وباطناً ، ولا يعلم تمييز ذلك كله إلا من نزل في بيته وكان معيناً ومفوضاً ومسدداً من الله تعالى في ذلك فكان القرآن الناطق وهم أهل بيته(عليهم السلام) ، فمن سلك الطريق القويم وأخذ من بيت العصمة تفسيره وبذل ما في وسعه لتمييز وإبراز التطبيق والمصداق الصحيح والأنسب والأصلح بالنظر إلى مجموع السورة وما يتعلق بها تارة ، أو بالنظر إلى الآية بمجموعها وما يتعلق بها ثانية أو بالنظرإلى الكلمات والجمل وما يتعلق بها ثالثة فهو على خير وإلى خير وما يحصل من اختلاف بين المفسرين المخلصين السالكين هذا المنهج القويم فهو اختلاف رحمة وفي هذا المقام تمثل أحد تطبيقات ما ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله) وعلى بعض معاني: (( اختلاف أمتي رحمة ))لرجوعهم إلى المنبع الصافي المقدس وترددهم عليه ، لأن هذا الاختلاف اختلاف علميٌ فيه نمو ونضج للفكر الإنساني وفيه الصلاح في التطبيق الحياتي والاجتماعي فيواكب الدين الحياة ويقود المجتمع نحو تحقيق دولة الحق والعدل الإلهي المقدس جعلنا الله تعالى من خدام وأعوان وأنصار صاحب الظهور المقدس وقائد الثورة الإلهية العظمى ومحقق دولة العدل المقدسة أرواحنا لتعجيل ظهوره الفداء .
الثالث عشر : اختلاف أمتي نقمة
إن إتباع الهوى وحب الدنيا والتعصب العمى والابتعاد عن الحق وأهله وترك المنهاج الواضح المقدس لأهل بيت العصمة(صلوات الله وسلامه عليهم) وتفسيرهم الإلهي وأحكامهم التامة المسددة النابعة من الفيض الأقدس ، فالابتعاد عن الحق وتركه يعني الفرقة والتشتت والكذب على الله تعالى ورسوله(صلى الله عليه وآله) وكتابه المبين وأهل بيت الرسول المعصومين(عليهم السلام) ويعني اختلاف الآراء وتعصبها الأعمى واضطرابها وتناقضها وتهافتها وسقمها ، وهذا هو الضلال والانحراف والكفر والنفاق وكان لسان حال الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) في مثل هذا المقام ( إن اختلاف أمتي نقمة ) بينما كان قوله(صلى الله عليه وآله) في مقام مراجعة علماء الحق والتردد عليهم وأخذ العلم والحكم والتفسير منهم هو (اختلاف أمتي رحمة) ، ويشير إلى تلك المعاني ما ورد عن أمير المؤمنين(u) في ذم اختلاف العلماء في الفتيا حيث قال(u): { ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام ، فيحكم فيها برأيه ، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيـره ، فيحكم بها بخلافه ، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم ، فيصوب آراءهم جميعاً ، وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد ،... أفأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه ، أم نهاهم عنه فعصوه ، ثم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه ، ... أم كانوا شركاء له ، فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ،...... أم أنزل الله سبحانه وتعالى ديناً تاماً فقصر الرسول(صلى الله عليه وآله) عن تبليغه وأدائه ، والله سبحانه يقول (( ما فرطنا في الكتاب من شيء ، فيه تبيان كل شيء )) ، وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً ، وأنه لا اختلاف فيه ، فقال سبحانه ((ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً )) ... وان القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ، ولا تكشف الظلمات إلا به }} .