فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

كل مايخص القصص والعبر
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(38)
هذه أخلاق مراجعنا الأعلام*

هذه قصة تعكس أخلاق علماء الدين وحلمهم: روي عن أحد تلامذة الآخوند الخراساني قدّس سرّه أنه قال: كنا نحضر درس الشيخ الآخوند وكان يحضر درسه أكثر من ألف شخص، ولم يكن من دأب الآخوند أن يجيب على إشكالات الطلبة خلال الدرس لأنه كان يعتقد بأنه ربما لا يستفيد سائر الطلبة من هذا الإشكال وجوابه، فكان لا يجيب إلاّ بعد الدرس.
وكان يحضر درس الشيخ طالب شاب يمارس مهنة أخرى غير طلب العلم إذ كان يبيع السبح والخواتم بعد الدرس، وفي إحدى الجلسات أشكل هذا الطالب إشكالاً على الشيخ ولكن الأخير لم يجب عليه ـ على عادته ـ فتألمّ الطالب ورفع صوته قائلاً: ألم تسمع إشكالي فلماذا لم تجب عليه؟ فاعتذر له الشيخ بمَثل فحواه أنه (لا يمكن مسك بطيختين بيد واحدة). فرفع الطالب صوته وقال للشيخ: لقد أصبحت شيخاً ولكنك لم تصبح آدمياً. فأطرق الشيخ برأسه ولم يقل شيئاً. وسكت الطلاب أيضاً وبهتوا وكأنّ على رؤوسهم الطير. وبعد لحظات رفع الشيخ رأسه وأخذ بلحيته وقال: أجل لقد أصبحت شيخاً.
إن هذا الأسلوب من التعامل يحتاج إلى أرضيّة يبني الإنسان نفسه فيها منذ شبابه حتى يصل إلى هذا المستوى من الأخلاق الرفيعة ويكون مصداقاً لما في الحديث الشريف عن مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه: «إن قال لك قائل إن قلت واحدة سمعتَ عشراً، فقل له: إن قلت عشراً لم تسمع واحدة»(1).


* من حديث لسماحته بالعلماء والفضلاء في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك لعام 1426 للهجرة (بين يدي المرجع لسنة 1426 للهجرة ـ ليلة11).
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(39)
ما أكثر الوصف وأقلّ الفعل!*

«عن أبي جعفر سلام الله عليه قال: قال أبي يوماً وعنده أصحابه: مَن منكم تطيب نفسه أن يأخُذ جمرةً في كفّه فيُمسكها حتى تطفأ؟ قال: فكاع(1) الناس كُلّهم ونكلوا. فقمت وقلت: يا أبةِ أتأمُر أن أفعل؟ فقال: ليس إيّاك عنيت إنّما أنت منّي وأنا منك بل إيّاهم أردت. قال: وكرّرها ثلاثاً ثم قال: ما أكثر الوصف وأقلّ الفعل! إنّ أهل الفعل قليل، إنّ أهل الفعل قليل، ألا وإنّا لنعرف أهل الفعل والوصف معاً، وما كان هذا منّا تعامياً عليكم بل لنبلُوَ أخباركم ونكتب آثاركم. فقال: والله لكأنّما مادت بهم الأرض حياءً ممّا قال حتّى إنّي لأنظر إلى الرجل منهم يَرْفَضُّ(2) عرقاً ما يرفع عينيه من الأرض. فلمّا رأى ذلك منهم قال: رحمكم الله فما أردت إلا خيراً. إنّ الجنة درجات فدرجة أهل الفعل لا يُدركها أحد من أهل القول ودرجة أهل القول لا يدركها غيرهم. قال: فو الله لكأنّما نُشطوا من عقال(3) »(4) .
يقول سماحته: عندما اُطالع حديثاً أو رواية أضع نفسي موضع أولئك الذين عناهم الحديث وأسأل نفسي: ماذا كنت سأفعل لو كنت مكان أصحاب الإمام سلام الله عليه؟.
* من كلمة لسماحته بعدد من أساتذة الحوزة العلمية والفضلاء وجمع من المؤمنين/ 1426 للهجرة.
(1) فكاع: جبنوا.
(2) يرفضّ: يسيل.
(3) عقال: مأخوذة من عقل الناقة أي ربطها.
(4) الكافي/ ج8/ ص288.
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(40)
سأل الطاغي فسلّط الله على وجهه دواب الأرض*


نقل العلاّمة المجلسي قدّس سرّه حديثاً عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنّه قال: «كان في زمن موسى صلوات الله عليه ملك جبّار قضى حاجة مؤمن بشفاعة عبد صالح» أي إنّه كان يعيش في زمن واحد ـ أي في زمن موسى وفي عهد ذلك الملك الطاغي ـ عبد صالح منشغل عن الناس بالعبادة يريد التقرّب بها إلى الله سبحانه، فيما الملك مشغول بشهواته ولذّاته وظلمه وطغيانه. فاتفق أن مات الملك وذاك العبد الصالح كلاهما في يوم واحد. ولاشكّ أنّ ذلك لم يقع مصادفة لأن لكلّ شيء سبباً عند الله تعالى وإن كنّا نجهله، وهذه الحقيقة تثبتها هذه القصة نفسها؛ يقول نص الحديث: «فتوفّي في يومٍ» أي في يوم واحد «الملك الجبّار والعبد الصالح، فقام على الملِك الناس» أي اهتمّوا بموت الملك وقاموا بتشييعه ودفنه وتركوا أعمالهم وأغلقوا دكاكينهم ومحلاّتهم احتراماً له وحداداً عليه، وكما ورد في نص الحديث «وأغلقوا أبواب السوق لمدة ثلاثة أيام».
أمّا ذلك العابد فقد بقي مطروحاً كلّ هذه المدّة في بيته دون أن يعلم أو يكترث به أحد، حتى تفسّخ بدنه وعلته الرائحة الكريهة وبدأت الديدان تأكل من لحمه.
تقول الرواية: «وبقي ذلك العبد الصالح في بيته وتناولت دوابّ الأرض من وجهه، فرآه موسى بعد ثلاث فقال: يا ربّ، هو ـ أي الملك ـ عدوّك، وهذا ـ العبد الصالح ـ وليّك!» فما هي العلّة؟ ولماذا جعلت موته في هذا الوقت بالذات فيُغفل عنه؟ ولماذا كان موت ذلك الطاغي وهو عدوّك في عزّ واحترام، وموت هذا العبد الصالح وهو وليّك في ذلّ وهوان؟!
«فأوحى الله: يا موسى إنّ وليّي سأل هذا الجبّار حاجة فقضاها فكافأته».
أمّا الملك فكانت له عندي يد وأردت أن أجازيه عليها، وهي أنّه يوم سأله هذا العابد ـ وهو وليّي ـ لم يردّه بل قضى حاجته، فأصبحت له يد عندي لأنّه أحسن إلى عبدي ووليّي، فكافأته بهذا التشييع والتجليل ـ في الدنيا ـ ليأتيني ولا يد له عندي وهو عدوّي فأدخله النار. وأمّا عبدي ووليّي فقد «سلّطت دواب الأرض على محاسن وجهه لسؤاله ذلك الجبّار»(1) .
إذا أردت أن تتصور سيّئة العابد بصورة أفضل فافرض أنّ لك خادماً أو ولداً يشتغل عندك ويأكل من طعامك، ويسكن بيتك، ويحترمه الناس بسببك، ثم احتاج مالاً زهيداً فذهب إلى عدوّك دون أن يسألك، واستغلّها العدو فرصة لكي يمنّ بواسطته عليك فلم يردّ طلبه، أرأيت كم يكون تصرّفه سيّئاً ومشيناً ومسخطاً لك؟!
فكذلك الحال عندما ذهب ذلك العبد الصالح للملك الجبّار في زمانه، فإنّ العبد الذي يعرف مولاه ويعظّمه لا يفعل مثل ذلك! ولذلك عاقبه الله بأن سلّط الديدان على لحم وجهه تأكله لأنّه أراق ماء ذلك الوجه الذي منّ الله به عليه أمام عدوّه وعدوّ مولاه، وصفّى حسابه مع ذلك الملك أيضاً لأنّه الربّ الحكيم المقتدر، وهو القائل: ﴿وما أصابك من سيّئة فمن نفسك﴾.

* من محاضرة (آثار الأعمال) ألقاها سماحته في شهر جمادى الآخرة 1399 للهجرة.
1) بحار الأنوار/ ج72/ باب 82 الركون إلى الظالمين و.../ ص373/ ح23.
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(41)
صلاة الصبح ثلاث ركعات !*

شخص يسمى بشيخ سعيد البدري كان في سامراء ـ على مشرّفيها صلوات الله وسلامه ـ وكان شيخ عشيرة والظاهر أنه كان من العامّة، لكن كان يميل إلى أفكار أتباع أهل البيت سلام الله عليهم، قال لي: بأنه في زمان كان كاتباً عند قاضي من قضاة العامّة في مدينة سامراء، وفي إحدى السنوات صار خلاف في مسألة رؤية الهلال (هلال شهر رمضان المبارك)، فكان عند الشيعة الليلة التاسعة والعشرون وعند العامّة الليلة الثلاثون.
يقول: إن القاضي قال للشيعة والعامّة بأن يذهبوا للاستهلال واذا رأوا الهلال يأتون ويشهدون عنده. فذهب الشيعة والعامّة، والكاتب والقاضي جالسان إلى بعد صلاة العشاء ولم يأت أحد، فقال الكاتب: فلنذهب، لكن القاضي قال: نبقى قليلاً لعله يجيء أحد ويشهد.
يقول: وفي الأثناء جاء شخص ودخل على القاضي، فرأيته وكأنه غير ملتزم وليس أهلاً للصلاة، فجاء وشهد. فقلت للقاضي: تسمح لي بأن أسأله سؤالاً؟
قال: اسأل.
قلت له: صلاة الصبح كم ركعة؟ فأجاب: ثلاث.
وبعد قليل جاء شخص آخر ودخل وكأنه ضعيف النظر وادّعى بأنه رأى الهلال، فقلت للقاضي: تسمح لي بأن أسأله سؤالاً؟
قال: اسأل.
قلت له: كم هذا؟ ورفعت أصابعي الثلاثة، فأجاب: أربعة،ً لكن القاضي أخذ برؤيتهم. فقلت للقاضي: كيف ثبتت شهادتهما عندك مع أن الأول غير ملتزم ولايصلّي، والثاني ضعيف النظر؟
قال لي القاضي: لا بأس، المهم إنهم مسلمون ولايجب السؤال منهم!!!
كان هذا الكاتب يقول لي بأن الحقّ مع الشيعة.
* من حديث لسماحته بالعلماء والفضلاء في ليالي شهر رمضان المبارك لعام 1427 للهجرة ـ الليلة الثانية.
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(42)
ليرة واحدة تكفيني*

حول أهمية الالتزام بالتقوى وما لها من آثار إيجابية أذكر لكم القصّة التالية من تاريخ الحوزة العلمية في مدينة النجف الأشرف عن أحد العلماء الماضين الذي كان بدوره في يوم من الأيام شابّاً متعلّماً ثم أصبح أستاذاً ثم عالماً ومرجعاً للتقليد، وهو المرحوم الشيخ محسن خنفر قدّس سرّه.
مرض الشيخ محسن خنفر في أخريات حياته مرضاً أجلسه في البيت وألزمه الفراش، بحيث لم يستطع مزاولة شؤون المرجعية من التدريس، وتحقيق المسائل، والإجابة على الأسئلة الشرعية و...، وطال به المرض إلى أن توفي رضوان الله تعالى عليه عام 1270 للهجرة، وتوفي الشيخ صاحب الجواهر قبله بأربع سنوات أي عام 1266 للهجرة، وفي الفترة ما بين وفاة صاحب الجواهر إلى وفاة الشيخ خنفر صارت المرجعية للمرحوم الشيخ مرتضى الأنصاري رضوان الله تعالى عليه.
ونقلوا أنه جيء للشيخ الأنصاري رضوان الله تعالى عليه بكيس كبير مملوءاً بالليرات الذهبية وكان الكيس يسع لمئة كغم، وبدون أن يفتحه الشيخ الأنصاري قال: احملوه إلى الشيخ محسن خنفر. فأتوا به إلى الشيخ خنفر فقال: ما هذا؟ قالوا: الشيخ الأنصاري يبلّغكم السلام ويقول هذا لك. فسأل عما فيه؟ قالوا: ليرات ذهبية. فجلس الشيخ خنفر وفتح الكيس وأخذ ليرة واحدة وكسر منها كسرة وأخذها وأرجع المتبقي منها في الكيس وقال: ارجعوا به إلى الشيخ الأنصاري، فهذا المقدار الذي أخذته يكفيني حالياً.
وعندما أرجعوا الكيس إلى الشيخ الأنصاري قام بتوزيع ما فيه على الفقراء والأيتام وعلى المساجد والحسينيات وعلى مجالس أهل البيت سلام الله عليهم وعلى المشاريع الخيرية الأخرى.
وبعد أيام توفي الشيخ خنفر وتبيّن أنّ المقدار الذي أخذه من الليرة كانت حاجته وحاجة عائلته للأيام المتبقية من حياته.
في الحقيقة إن هذه القصة كانت امتحاناً كبيراً للشيخ محسن خنفر، حيث استطاع بتحمّله للمرض والفقر والألم وعدم اغتراره بمال الدنيا أن يخرج منه مرفوع الرأس. فلو أن شخصاً آخر كان بمكان الشيخ خنفر فلربما قال: قد أبقى مريضاً وفقيراً فلأغتنم هذه الفرصة وآخذ ليرات أكثر وادّخرها لليوم (الأسود) كما يعبّرون. ونحن أهل العلم نواجه ظروفاً صعبة وفي أكثر الأحيان تواجهنا ابتلاءات كثيرة فيجب أن نقي أنفسنا من الانجرار وراء شهوات النفس ورغباتها.
*من كلمة لسماحته ألقاها بجمع من طلاب العلوم الدينية من السعودية في 21/ ذو القعدة الحرام/1427 للهجرة.
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(43)
حتى بسبب الرؤيا يقتلون*


إن الظالم يظلم غيره ليجرّ النفع لنفسه. فممّا ينقل في هذا المجال أنه في إحدى البلدان عزم رئيسها على إرسال قاضٍ إلى إحدى المناطق، إلاّ أنّ حاكم تلك المنطقة سرعان ما قام بقتله، وحتّى يتبيّن للرئيس السبب في ذلك، قام بإرسال قاضٍ آخر، ولكنّ الحاكم ألحقه بالقاضي الذي سبقه، الأمر الذي أدّى ببعض القضاة إلى الامتناع عن التوجّه إلى ممارسة القضاء في تلك المنطقة. غير أنّ أحدهم تبرّع بقبول المنصب لقاء أجرٍ باهض جدّاً، مدّعياً أنّه سيعمل على الكشف عن أسباب مقتل القاضيين اللذين سبقاه، ومن ثم يعلم رئيسه ليقضي على الحاكم وفي الوقت نفسه يكسب ثقة الرئيس بعلمه وعمله، ولكي يضمن لنفسه بعد ذلك منصباً أرفع وأجراً أعلى. وحين توجّه إلى تلك المنطقة أخذ بمسامرة ومجالسة حاكمها، ليعرف منه أسباب قتله القاضيين السابقين بصورة مباشرة، ولما اطمأنّ به الحاكم بعدما أخذ بمجامع عقله وقلبه، قال له:
أنا لم أقتل القاضي الأوّل إلاّ بعد أن رأيت في المنام ذات مرّة أنّه عدوّ لدود لي، وحينما استيقظت مرعوباً، أمرت بقتله فوراً.
أما القاضي الثاني فرأيت فيه رؤيا وكأنه حلّ مكاني حاكماً، ففزعت والشرّ يتطاير من عيني، فألحقته بصاحبه.
فلما سمع القاضي الثالث تلك الإفادة لم يجد بدّاً حينها إلاّ الهروب والعودة إلى رئيسه، مؤكّداً له بأنّه يعجز عن أن يأمن جانب حاكم أن يقتله ويلحقه بالقاضيين الآخرين بسبب رؤيا يراها في حقّه.
*من محاضرة (عقوق ذوي الأرحام) من محاضرات سماحته في شرح دعاء مكارم الأخلاق.
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(44)
سمو النفس عند العلماء الأعلام*

حكي أنّه كان للشيخ الأنصاري زميل في الدراسة اسمه سعيد العلماء، وكانا يحضران معاً عند الأستاذ «شريف العلماء» رحمهم الله جميعاً، وكان الشيخ الأنصاري ينحدر من مدينة شوشتر الإيرانية، فيما كان زميله سعيد العلماء من أهالي مدينة مازندران ـ الإيرانية أيضاً ـ . وبعد مرور عشر سنوات على الدراسة معاً استدعى المازندرانيون سعيد العلماء لكي يقيم لهم صلاة الجماعة ويفتيهم في المسائل الشرعية ويقضي بينهم ويقضي حوائجهم، فلبّى دعوتهم، فانتقل إلى مازندران وأسّس هناك حوزة وظل فيها، فيما بقي الشيخ الأنصاري في مدينة كربلاء المقدسة ثم انتقل بعد وفاة شريف العلماء إلى النجف الأشرف وظلّ يواصل الدرس والتدريس والبحث والتحقيق طيلة مرجعية صاحب الجواهر رضوان الله عليه. ولما توفّي صاحب الجواهر كانت الأصابع تشير إلى الشيخ الأنصاري وتطالبه بالتصدّي للمرجعية والإفتاء وإصدار رسالة عملية لكي يقلّده الناس. ولكن الشيخ الأنصاري أجاب مناشديه بالتصدّي للمرجعية أنّه يشترط الأعلمية في مرجع التقليد وأنّه يذكر أنّ زميله سعيد العلماء كان أذكى منه أيام دراستهما في كربلاء لدى شريف العلماء. ووجّه الأمّة لتقليده. وذهب وفد من العراق إلى مدينة مازندران في إيران وعرضوا الأمر على سعيد العلماء وطلبوا منه أن يصدر رسالة عملية ليتسنّى لهم تقليده، ولكنه امتنع معلّلاً بالقول:
إنني انقطعت عن البحث والتحقيق منذ مغادرتي كربلاء لأتفرّغ لإمامة الجماعة وهدايتها في مازندران فيما واصل الشيخ الأنصاري الدرس لدى شريف العلماء ومن بعده صاحب الجواهر وكان متفرّغاً للبحث والتحقيق فصار أعلم منّي وإن كنت سابقاً أعلم منه.
ولما عاد القوم إلى الشيخ الأنصاري ونقلوا له مقالة سعيد العلماء أجابهم إلى طلبهم وكتب حاشيته على كتاب «نجاة العباد» الرسالة العملية لصاحب الجواهر.
إنّ هذه القصّة هي إحدى القصص الكثيرة التي تنقل عن الشيخ الأنصاري وتحكي سموّ روحه وتهذيب نفسه. وجدير بتلك القصص أن تكون مربّية للأجيال، ولذلك تراها تلتقط وتُدوّن وتتناقل وتذكر ويُتّعظ بها حتى مع تكرر سماعها، لأنّها نادرة وغير يسيرة التحقق عند كلّ أحد. فربّما احتاج المرء إلى خمسين سنة من التربية لتصل نفسه إلى هذه المرحلة بحيث يعرض عليه مثل هذا العرض ويتورّع مع ذلك وينجح في التنازل عنه، في حين أن بعض الناس إذا واجه فقيراً يحتاج إلى مساعدة، ربّما يتردّد في المبلغ الذي ينوي إعطاءه، أيعطيه ديناراً ـ مثلاً ـ أم نصف دينار أم ربع دينار؟ وربّما لا يعطيه في الآخِر ولا يتنازل حتى عن درهم من ماله.
*من محاضرة (الإنفاق وتربية النفس) من سلسلة محاضرات سماحته للطلاب.
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(45)
مظاهرات بلا شروط وبلا قيود*


هل تجدون اليوم عند الحكومات التي تدّعي بوجود الحرّية في البلدان التي تحكمها أنّها تسمح لشعوبها بالمظاهرات بدون شروط وحدود.
أمّا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقبل 1400 سنة قد سمح بالتظاهر ضدّه بدون أيّة قيود أو شروط، ومنها ما في القصّة المعروفة التالية:
قال الإمام الصادق سلام الله عليه: «لمّا قدم أمير المؤمنين سلام الله عليه الكوفة أمر الحسن بن علي سلام الله عليهما أن ينادي في الناس لا صلاة (صلاة النافلة) في شهر رمضان في المساجد جماعة، فنادى في الناس الحسن بن علي سلام الله عليهما بما أمره به أمير المؤمنين سلام الله عليه فلمّا سمع الناس مقالة الحسن بن علي صاحوا: واعمراه واعمراه، فلمّا رجع الحسن إلى أمير المؤمنين سلام الله عليه قال له: ما هذا الصوت؟ فقال: ياأمير المؤمنين الناس يصيحون: واعمراه واعمراه، فقال أمير المؤمنين: قل لهم صلّوا»(1) .
إنّ الذين اعترضوا على أمير المؤمنين سلام الله عليه لم يكونوا يمثّلون نسبة واحد بالألف من مجتمع الكوفة ولكن على رغم ذلك سمح لهم الإمام بالتظاهر والإعتراض وأمر بتركهم على ما يريدون. فهل تجدون نظير هذا في الدول المتحضّرة والتي تدّعي بالحرّية؟
* من كلمة لسماحته ألقاها بجمع من مدراء ومسؤولي الدوائر الرسمية والمحلّية في مدينة كربلاء المقدّسة/ 11 جمادى الأُولى 1425 للهجرة.
1) تهذيب الأحكام للطوسي / ج3 / ص70 / باب فضل شهر رمضان والصلاة فيه / ح30.
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(46)
رحمة الإمام بمجرمي حرب الجمل*

لم يبادر الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بأية حرب ابتداء، فكُلّ حروبه فُرضت عليه، وأوّلها حرب الجمل، والتي ما إن وضعت أوزارها وهُزم جندها حتى هرب الذين أشعلوا فتيلها واختبأوا في حجرات إحدى الدور في موضع من البصرة، فتوجّه أمير المؤمنين سلام الله عليه في كوكبة من جنوده إلى ذلك المحلّ حتى انتهى إلى الحجرة التي كانت فيها عائشة فعاتبها أولاً قائلاً لها: أبهذا أمرك الله أو عهد به إليك رسول الله صلى الله عليه وآله؟(1) ثم أمرها بالتهيّؤ لإرجاعها إلى المدينة المنورة(2).
يروى أنه عليه السلام قبل أن ينتهي إلى الحجرة التي كانت فيها عائشة تظاهرت نسوة المحاربين الذين خسروا المعركة وهتفن بشعارات في وجه الإمام من قبيل: «هذا قاتل الأحبّة» . ولكن الإمام لم يبالِ بهنَ ولم يُظهر أيّ رد فعل إزاءهن! فعدن إلى التظاهر والهتاف ضد الإمام سلام الله عليه بالشعار نفسه، وكان الإمام يهمّ بمغادرة المكان ولكنه توقف هنيئة ثم عاد وقال جملة واحدة فقط سكتن كلّهن على أثرها.. لقد قال لهن: لو قتلت الأحبّة لقتلت من في تلك الدار - وأومأ بيده إلى ثلاث حجر في الدار! (3)
فبالرغم من أن عائشة قد ألّبت على الإمام حتى فرضت عليه الحرب وبالرغم من أنها ومن خرج معها خسروا الحرب وانهزموا وتلبدوا، إلا أن الإمام اكتفى بعتابها ثم أمر بعد ذلك بإرجاعها مجلَّلة إلى المدينة وأمر أن لا يتعقَّب قادة الجيش المعادي ولا يلقى القبض عليهم ليعدمهم أو يسجنهم أو ينفيهم أو يحاكمهم!
إننا لم نعهد تعاملاً من هذا القبيل في تاريخ البشر، بل لم نعهده حتى في هذا اليوم وفي الدول التي ترفع شعارات الحرية وحقوق الإنسان، فإنهم ما إن ينتصروا في معاركهم الباطلة ويقبضوا على رؤوس الجهة المعادية حتى يسجنوهم أو يحيلوهم إلى محاكم خاصّة بصفتهم مجرمي حرب أو خونة ومتآمرين وقد يعدمونهم.
نعم، هذه هي الحرية التي نقول عنها لو أن الغدير قد حكم الأمّة طيلة الثلاثين سنة من عمر الإمام عليّ بعد الرسول صلى الله عليه وآله، لنعمنا بظلّها إلى الآن، ولما شهدنا كلَّ هذه الويلات والمحن منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا وإلى أن يظهر منقذ البشرية الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
* من محاضرة لسماحته بعنوان (ماذا خسر العالم بإقصاء الغدير؟).
1) أمالي المفيد/ المجلس الثالث/ ص24/ح8.
2) تفسير فرات/من سورة النساء/ ص111/ح113.
3) في واحدة من تلك الحجر الثلاث كان مروان بن الحكم جريحاً و معه شباب قريش جرحى، وأما الثانية فكان فيها عبد الله بن الزبير و معه آل الزبير جرحى، وأما الثالثة فكان فيها رئيس أهل البصرة يدور مع عائشة أين ما دارت.
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(47)
خَدَمَت زوّار الحسين فصار قبرها حديقة*

كان رجل في كربلاء اسمه عبد الرضا وكان يعمل حفّاراً للقبور في الروضة الحسينية المطهرة وكان رجلاً متديناً وملتزماً.
جاءوا إليه ذات يوم بامرأة من إحدى القرى في أطراف كربلاء وطلبوا منه أن يدفنها. وكان من المعمول عند دفن المرأة أن يقوم أحد من محارمها بإنزالها في القبر ولكن هذه المرأة لم يكن لديها من المحارم سوى ولد صغير وكان لا يستطيع فعل ذلك، فطلبوا من عبد الرضا أن يفعل ذلك.
في ذلك الزمان كان السرداب تحت الروضة الحسينية المطهرة خالياً ومهيّأً لدفن الأموات، فلم تكن عملية دفن الميت في هذا المكان تستغرق أكثر من عشر دقائق. فدخل عبد الرضا إلى السرداب ليدفن المرأة والناس ينتظرون فلم يخرج، فانتظروه لفترة أخرى فلم يخرج أيضاً، فنادوه ولكنهم لم يسمعوا جواباً. فدخلوا السرداب فوجدوا عبد الرضا ملقى على الأرض وهو مغمى عليه. فأخرجوه وبعد أن سكبوا الماء على وجهه أفاق وسأل عن ابن المرأة المتوفاة. وعندما جاء الولد سأله عبد الرضا: هل كان لأمّك ارتباط خاص بمولانا سيد الشهداء سلام الله عليه؟
قال الولد: لا أظن، ولكن أمّي كانت ملتزمة بالواجبات وكانت تزور الإمام الحسين سلام الله عليه اسبوعياً وكان تواظب أيضاً على باقي الزيارات الخاصة بالإمام سلام الله عليه في المناسبات. ولدينا بستان صغير ورؤوس من الغنم وكانت أمّي تبيع محصول هذا البستان والحليب واللبن لنرتزق بها، ولكنها في ليالي الجمع كانت تقوم بتوزيع محصول البستان والحليب واللبن مجاناً على زوّار مولانا سيد الشهداء سلام الله عليه.
قال عبد الرضا: عندما دخلت القبر لأنزل المرأة فيه جهدت كثيراً في أن لا تلامس يدي جسد المرأة وأقوم بإنزالها من خلال مسك أطراف الكفن وفي هذه الأثناء وجدت نفسي في حديقة كبيرة جداً ومليئة بالخضار وبالفاكهة وبطيور جميلة ورأيت فيها شخصاً أظن أنه مولانا الإمام الحسين سلام الله عليه. فمن دهشتي أغمي عليّ وسقطت على الأرض.
* من كلمة لسماحته ألقاها في جمع من أعضاء (فضائية سلام الفارسية) يوم الاثنين الموافق للأول من شهر ذي القعدة الحرام 1428 للهجرة.
صورةصورةصورة
صورة
أضف رد جديد

العودة إلى ”القصص والحكايات“

الموجودون الآن

المتصفحون للمنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين فقط