فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

كل مايخص القصص والعبر
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم

قال الله العليّ العظيم في كتابه الحكيم: «فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»

لقد ذكر المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في لقاءاته وحواراته، وفي محاضراته وكلماته القيمة قصصاً وتجارب واقعية عن أناس من شتى طبقات المجتمع.
هذه القصص والتجارب قسم منها عاصرها سماحته بنفسه وقسم منها نقلت إليه عبر أصحابها أو المنتسبين إليهم أو زملائهم أو أصدقائهم، وقسم منها موجود في كتب الروايات الشريفة والتاريخ. وانطلاقاً من آيات القرآن الكريم وأحاديث المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم التي تؤكّد ضرورة الاعتبار من حياه الماضين، ونظراً لما في هذه القصص والتجارب من العبر والمواعظ والتذكرة وارتباطها بواقع الحياة، سنقوم بعون الله تعالى وبفضله وبفضل رسوله المصطفى وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بنشر هذه القصص والتجارب تعميماً للفائدة، ومساهمة منّا في خدمة المؤمنين والمؤمنات أينما كانوا. . ا >>> و انا بدوري انقل لكم هذه القصص والعبر من موقع سماحة المرجع السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله ... وعذراً ان بذر مني تقصير @

إنّي لأستحيي من الإمام الحسين سلام الله عليه*
كان أحد المؤمنين في كربلاء المقدّسة إذا بلغ كلمة في زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه لا يقرأها ويقول: إني لأستحيي من الإمام الحسين سلام الله عليه أن أكذب وأنا أتكلّم معه، مع أني أعلم أني كاذب إن أنا تلفّظتُ بها، كما أنّ الإمام سلام الله عليه عالِم بي أيضاً. وتلك الكلمة في الزيارة هي عبارة «عبدُك وابنُ عبدِك» فكان هذا الِمؤمن يقول: لا أراني بمستوي العبودية للإمام الحسين سلام الله عليه ولذلك لا أتمكن من إنشاء هذه الكلمة إن وصلتُ إليها.
ونحن لا يهمّنا في المقام توجيه هذا العمل ولكنّ المهمّ هو انتباه الرجل إلى أنّه يكلّم الإمام ويعرف أنّ الإمام يسمع الكلام ويردّ جواب السلام(1)، كما كان واعياً أيضاً معنى كلمة «عبدك وابن عبدك» ويعرف أنها درجة لم يبلغها بعد، ولذلك كان يقول: يصعب عليَّ إنشاء هذه الكلمة لأنّي أعرف أنّ علاقتي بالإمام الحسين سلام الله عليه لم تكن علاقة العبد بسيده وكما ينبغي وإلاّ لما خالفت أوامره، وإنّي على علم بأنّ الإمام الحسين سلام الله عليه يعرف ذلك منّي أيضاً.
وهذا هو معنى نور الله الذي جعل هذا الرجل يبصر هذه الحقائق، وإلاّ فهناك الألوف بل الملايين الذين يزورون الإمام الحسين سلام الله عليه، وكلّهم يتلفّظ هذه الكلمات مع أنّ حال كثير منهم بعيد كلّ البعد عن فحواها.
* من محاضرة (العمل بالعبودية هو نور الله) ألقاها سماحته عام 1398 للهجرة.
(1) راجع بحار الأنوار/ ج99/ باب8 الزيارات الجامعة التي يزار بها كل إمام/ ص 145.
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

قيمة دمعة النبي صلّى الله عليه وآله عند الله تعالى*

عندما خرج مولانا النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله من مكة مهاجراً اتجه إلى الله تعالى وألقى نظرة إلى مكة ثم دمعت عيناه، كما في الرواية الشريفة التالية:
قال الإمام الحسن العسكري سلام الله عليه: قال علي بن الحسين سلام الله عليهما: لما بعث الله محمداً صلّى الله عليه وآله بمكة وأظهر بها دعوته، ونشر بها كلمته، وعاب أديانهم في عبادتهم الأصنام، وأخذوه وأساءوا معاشرته، وسعوا في خراب المساجد المبنية كانت لقوم من خيار أصحاب محمد [وشيعته] وشيعة علي بن أبي طالب سلام الله عليه. كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون، فسعى هؤلاء المشركون في خرابها، وأذى محمد صلّى الله عليه وآله وسائر أصحابه، وألجئوه إلى الخروج من مكة إلى المدينة، التفت خلفه إليها فقال:
الله يعلم أني أحبّك، ولو لا أن أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلداً، ولا ابتغيت عنك بدلاً، وإني لمغتمّ على مفارقتك. فأوحى الله تعالى إليه: يا محمد إن العليّ الأعلى يقرأ عليك السلام، ويقول سأردّك إلى هذا البلد ظافراً غانماً سالماً، قادراً، قاهراً، وذلك قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ» يعني إلى مكة ظافراً غانماً .
لقد كان هذا المشهد مهماً عند الله تعالى، ولذلك عوّضه سبحانه بأمرين:
الأول: بيّن الله تعالى من قوله عزّ من قائل: «إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد» أي إنّك وإن كنت تخرج اليوم من مكة خائفاً حزيناً ولكن ربّك سيعيدك إليها يوماً ظافراً منتصراً.
الثاني: إن مكة مدينة مقدسة وهي أم القرى لأن فيها بيت الله تعالى، وكما نعلم فهذه الإضافة تشريفية، ولكن الله تعالى جعل البيتوتة فيها مكروهاً بسبب تألم نبيه صلّى الله عليه وآله ليلة خرج منها. فحتى النبي صلّى الله عليه وآله نفسه ما بات فيها بعد ذلك حتى يوم دخوله إليها فاتحاً بل كان يذهب إلى منى للبيتوتة.
وهكذا عندما كان الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه يذهب للحج كان يبيت خارج مكة.
وإذا سئل: لماذا لم ترفع الكراهة مع أن النبي صلّى الله عليه وآله دخلها منتصراً بعد ذلك؟ لقيل في الجواب: لمكان قوة تلك الكراهة وأهميتها!



* من حديث لسماحته بالعلماء والفضلاء في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك لعام 1425 للهجرة (بين يدي المرجع لسنة 1425 للهجرة ـ رقم6).
(1) تفسير الإمام العسكري سلام الله عليه / احتجاج الرسول صلى الله عليه وآله وجداله و.../ ص 554/ ح 329.
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(3)
شيّعني حرف جرّ في القرآن الكريم*





قبل حوالي أربعين عاماً، حيث كنت في مدينة كربلاء المقدسة، كُتب في إحدى المجلات آنذاك أن أحد علماء السنة اعتنق المذهب الشيعي، فلما سُئل عن سبب تشيعه، قال:
لقد شيّعني حرف جر واحد في القرآن الكريم!!
فقيل له: وما هو؟
قال: أنا أقرأ القرآن كثيراً، وفي إحدى المرّات كنت أقرأ سورة الفتح «إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً» حتى وصلت إلى آخر آية من السورة «محمد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفّار...» أي أصحاب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، لاحظت أن الله عزّ وجلّ قد ذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله في هذه السورة ثلاث عشرة مرة بصيغة الجمع أو مع ضمائر الجمع، ولكنه سبحانه وتعالى حين يتحدث عن مسألة الدخول إلى الجنة، يذكرهم بصيغة التبعيض وليس الجمع، فيقول سبحانه: «وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم»؛ وكلمة (منهم) للتبعيض. فرحت أستغرق في التفكير في هذا الأمر، ولماذا لم يشملهم الخطاب جميعاً؟
وقلت مع نفسي: يجب أن أحقّق وأدقّق في ذلك، فوجدت في آخر المطاف أن صيغة التبعيض هذه تعود إلى الأصحاب أنفسهم؛ وهكذا صرت شيعياً...
إذن علينا جميعاً أن لا ندع أوقاتنا تذهب هدراً، بل علينا أن ندرس ونطالع بشكل صحيح؛ لأن أهل الباطل، في حقيقتهم، جهلاء لا علم لديهم
.


* من كلمة لسماحته بطلاب العلوم الدينية من الهند/ صفر المظفر 1423 للهجرة.
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(4)
رسول الله صلى الله عليه وآله القدوة في تطبيق المبدأ*

لقد شنّ أهل مكّة حرباً ظالمة على رسول الله صلى الله عليه وآله قليلة النظير في التاريخ. فلقد عُرف صلى الله عليه وآله بينهم بالصدق والأمانة حتى لقّبوه بالصادق الأمين، ولكنهم مع ذلك حاربوه ـ إلاّ قليلاً منهم ـ عسكرياً واجتماعياً واقتصادياً ونفسياً، وبلغ بهم الأمر أنّهم كانوا لا يردّون تحيّته إذا حيّاهم(1).
فكان الشخص منهم - وهو مشرك - يخشى إذا ردّ تحيّته النبي صلى الله عليه وآله أن يراه الرائي من المشركين فلا يتبايعون معه بعد ذلك ولا يزوّجونه ولا يتزوّجون منه.
وطردوا رسول الله صلى الله عليه وآله ومَن معه إلى أطراف مكّة وحاصروهم في شعب أبي طالب، فكان لا يحقّ لهم دخول مكّة، وإذا دخلها أحدهم فدمه هدر. واستمرّت الحالة هذه مدّة ثلاث سنين.
وبعدما هاجر الرسول صلى الله عليه وآله إلى المدينة شنّ المكّيون عليه عشرات الحروب أو دفعوا الكفّار إليها. ودامت الحالة عشرين سنة يحارب أهل مكّة النبي صلى الله عليه وآله بمختلف أساليب الحروب حتى أذن الله له بالفتح .. وجاء صلى الله عليه وآله مكّة فاتحاً .. وأصبحت مكّة في قبضته وتحت سلطته.
ورغم كلّ ما فعله المشركون من أهل مكّة مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلاّ أنّ التاريخ لم يحدّثنا أنّه صلى الله عليه وآله أجبر حتى شخصاً واحداً على الإسلام، ولو أنّه صلى الله عليه وآله أراد أن يجبر أهل مكّة على الإسلام لأسلموا كلّهم تحت وطأة السيف، لكنّه صلى الله عليه وآله لم يفعل ذلك ولم يجبر أحداً على الإسلام. أمّا دعوى إسلام أبي سفيان فكان بتحريض وتخويف من العباس بن عبد المطلب (عمّ النبي) وليس من النبي صلى الله عليه وآله نفسه، فالعباس هو الذي طلب من أبي سفيان أن يُسلم حفاظاً على دمه ولئلا يقتله النبي صلى الله عليه وآله، وكلام العباس ليس حجّة ولا تشريعاً، بل كان من عند نفسه. ولو أنّ أبا سفيان لم يسلم لما أجبره رسول الله صلى الله عليه وآله على الإسلام. فكثيرون من أمثال أبي سفيان كانوا موجودين في مكّة ولم يقتل النبيّ أحداً منهم بسبب عدم إسلامه، ولا أجبره على الإسلام، بل تركهم على دينهم مع أنّه باطل وخرافي لكيلا يسلبهم حرية الفكر والدين.
حقاً هل رأيتم مثيلاً لسلوك نبينا صلى الله عليه وآله في التاريخ؛ يحاربه قومه مع ما يعرفونه من صدقه وأمانته ونبله وكرم أخلاقه، بمختلف أنواع الحروب القاسية ويطردونه من موطنه ومسقط رأسه، ثم يتركهم أحراراً وما يختارون من دين وطريقة حياة!
نعم كان الرسول صلى الله عليه وآله يهديهم وينصحهم ويوضّح لهم طريق الرشد ويميّزه عن طريق الغيّ ثم يترك الاختيار لهم ﴿فمَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر﴾(2)، ﴿قد تبيّن الرشد من الغيّ فمَن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى﴾(3)، ﴿وهديناه النجدين﴾(4)، ﴿إنّا هديناه السبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً﴾(5). هذا هو أسلوب الإسلام، لاضغط ولا إكراه فيه. وهكذا الحال في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله مع اليهود والنصارى. فلقد ردّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله عشرات الحروب والاعتداءات التي شنّها أهل الكتاب دون أن يجبر أحداً منهم على الإسلام. لم يسجّل التاريخ حالة واحدة أجبر فيها رسول الله صلى الله عليه وآله ذمياً على اعتناق الإسلام، والتاريخ حافل بسيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله، وسجّل وحفظ الدقائق عن حياته. فالعلاّمة المجلسي (رحمه الله) وحده خصّص في موسوعته (بحار الأنوار) عشرة مجلّدات ذات أربعمئة صفحة أي ما مجموعه أربعة آلاف صفحة أو أكثر كلّها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وحروبه وأخلاقه وسيرته مع المسلمين ومع المشركين وأهل الكتاب.. لا تجدون فيها موقفاً واحداً أجبر رسول الله صلى الله عليه وآله نصرانياً أو يهودياً على الإسلام، بل تجدون أنّه صلى الله عليه وآله كان له صديق مسيحي أو جار يهودي دون أن يجبره على الإسلام مع أنّه كان الحاكم الأعلى في الجزيرة العربية وكان بيده السيف والمال والقوّة الكافية.

*من محاضرة (الحرية في الإسلام) ألقاها سماحته عام 1396 للهجرة.
(1) لاشكّ أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يكن يحيّيهم بتحية الإسلام وهي «السلام عليكم» بل كان يحييهم بأنواع التحية الأخرى؛ لأنّ ههنا مسألة وهي أنّه يجوز للمسلم أن يحيّي الكفّار بمختلف التحيات باستثناء «السلام عليكم» فلا يجوز له أن يقولها إلا لمسلم بل يقول له: أنعِم صباحاً أو أنعِم مساءً، أهلاً وسهلاً، تحية طيّبة، وما أشبه، أمّا كلمة «السلام عليكم» فمختصّة بالإسلام والمسلمين، ووردت فيه أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين عليهم الصلاة والسلام، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحيّي المشركين بمختلف التحيات إلاّ كلمة «السلام عليكم»، فلقد وُضعت للمسلمين خاصة. فإذا حيّى مسلم مسلماً قال له: «السلام عليكم» والحديث المعروف الذي لابدّ وأنّ كثيراً منكم سمعه وهو «تحية الإسلام السلام» يعني أنّ هذه التحيّة خاصّة بالإسلام. (منه دام ظله).
(2) سورة الكهف: الآية 29.
(3) سورة البقرة: الآية 256.
(4) سورة البلد: الآية 10.
(5) سورة الإنسان: الآية 3.
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(5)
الأمان في القبر ببركة أهل البيت سلام الله عليهم*


حكى المرحوم الحاج السيد علي الشبّر قال: توفي في زمن السيد إسماعيل الصدر رحمه الله أحد تجار طهران، وكان قد جعل ثلاثة أوصياء لينفّذوا له ثلاث وصايا. وكانت إحدى وصاياه أن يدفن بوادي السلام في النجف الأشرف، وحيث إن الطريق بين النجف وكربلاء لم تكن آمنة، اضطروا لأن يودعوا جسده الأرض في وادي «الأيمن» بكربلاء بعنوان أمانة حتى إذا عادت الطريق آمنة نقلوه إلى النجف لدفنه. وبعد ستة أشهر من دفنه أصبحت الطريق آمنة فتقرر العمل بوصيته ونقل رفاته إلى النجف، ولكن أوصياءه الثلاث رأوه بأجمعهم في المنام ـ في الليلة التي تقرر أن ينقل في صباحها ـ وهو يقول لهم:
لقد تبدّل رأيي، فلا تنقلوني من مكاني، والسبب في قراري هذا أن مولاي أمير المؤمنين سلام الله عليه يأتي كل ليلة جمعة لزيارة ولده الإمام الحسين سلام الله عليه، وفي طريق مجيئه وعودته يقف على وادي الأيمن يقرأ سورة الفاتحة ويهدي ثوابها إلى الأموات، فكان ثواب هاتين السورتين من كل أسبوع يقَّسم على الأموات هنا، وكانت حصَّتي تكفيني بحيث أبقى في راحة وأمن وبركة ونعيم حتى الأسبوع التالي.
تحيّر الأوصياء الثلاثة فذهبوا إلى السيد إسماعيل الصدر ونقلوا له القصة، ففكّر قليلاً ثم قال لهم: دعوه في مكانه ولا تنقلوه.
جاء في الروايات الشريفة: «إنّه سيدفن هناك ـ أي بوادي السلام ـ رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر»(1) وهذا يعني أن الناس كانوا يدفنون في هذا الوادي منذ عصر مولانا رسول الله والإمام أمير المؤمنين صلى الله عليهما وآلهما. حتى أن المقابر السنية فيها كثيرة أيضاً.
فسأل سماحة آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله، أحد الحاضرين: هل الدفن في وادي السلام أولى أم الدفن في وادي الأيمن؟
فقال: إن لكل منها ميزة، فمن يدفن في وادي السلام يعفى من سؤال منكر ونكير. أما الذي يدفن في وادي الأيمن فلا يتعرّض لضغطة القبر.
وقال أحد الحاضرين أنه عندما مات أبو الملك محمد الخامس (ملك المغرب) أوصى أن يؤتى له بتراب من أرض كربلاء ليدفن فيه، فنقلوا الى المغرب ملء سفينة من تراب كربلاء.
فقال السيد الشيرازي دام ظله: ورد في الروايات أنه يستحب أن يوضع في القبر شيء من تربة كربلاء؛ فلقد وضع مولانا الإمام موسى بن جعفر صلوات الله عليهما شيئاً منها في قبر شطيطة وقال: من الطين. والطين في الروايات يعني تربة الإمام الحسين سلام الله عليه.


*من حديث لسماحته بالعلماء والفضلاء في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك لعام 1425 للهجرة (بين يدي المرجع لسنة 1425 للهجرة ـ رقم8).
(1) بحار الأنوار/ ج42/ ص 333/ ح21.
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(6)
الشاب الشيعي والأستاذ المسيحي*


هذه القصّة كنت أنا شاهداً فيها؛ ناقش أحد أهل العلم، وكان شاباً في حوالي سن الحادي والعشرين، أستاذاً جاميعاً مسيحياً. قال هذا الشاب العالم الشيعي لذلك الأستاذ المسيحي: أنا عالم وأنت عالم أيضاً، ونتبع دينين مختلفين، وبما أننا عالمان، فلابد أن أحدنا يدخل الجنة، والآخر يدخل جهنم، فإذا كنتَ من أهل جهنم، فأنا بصفتي محبّاً للإنسانية، ستأخذني الحسرة والحيف عليك؛ إذ ستدخل النار، أما إذا كنتُ أنا - بنظرك - من أهل جهنم، فلابد أنك ستتحسر عليّ إذ سأرد النار. فمن الجيد أن نتباحث، فإن تبيّن أن النصرانية حقّ، اتبعتها، وإذا تبيّن أن الإسلام هو الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، فمؤسفٌ جداً أن تصير أنت من أهل جهنم.
ثم قال له: نحن المسلمين نحترم السيد المسيح عليه السلام أكثر منكم، ودليل ذلك كتاب (شرائع الإسلام) الذي ذكر فيه: من سبّ السيد المسيح عليه السلام يُقتل، على حين ورد في كتابكم الذي تسمونه كتاباً سماوياً سبّ للسيد المسيح. فاندهش الأستاذ المسيحي، فقال له الطالب الشيعي: أنا أقرأ لك نفس عبارة الكتاب المقدس، ولكن قبل ذلك أسألك أنه إذا قال لك شخص ما أنك ملعون أفلا تعتبر قوله هذا سبّاً؟
فقال المسيحي: بلى.
فقرأ له الشاب عبارة الكتاب المقدس، فقال المسيحي معترضاً: هذا غير ممكن، فأنا منذ طفولتي قرأت الكتاب المقدس، فلم أجد هذا الشيء الذي تقول (!!) وأضاف: لعلكم أنتم المسلمون طبعتم الكتاب المقدس وأضفتم هذا الشيء من عند أنفسكم، لتحتجّوا به علينا؟!!.
فقال الطالب الشيعي: أولاً: أنتم الذين حرفتم الكتاب المقدس، وليس نحن، ودليل ذلك أن علماء النصارى لديهم مجمّع، يجتمعون فيه كل مئة عام مرة واحدة، وينقصون من الكتاب المقدس ويضيفون إليه أشياء، بدعوى مواكبة متطلبات الزمان، غير أن المسلمين لا يتصرفون بمتون القرآن الكريم أبداً.
ثانياً: أنتم تنفون التحريف، حسناً أنا آتيك في منزلك وأريك هذا الشيء في الكتاب المقدس عندك، فإذا ثبت لك صدق مدّعاي، فماذا ستصنع؟!.
وهكذا تواعد الإثنان، إلا أنه لما حضر الموعد غاب الأستاذ المسيحي عن منزله!


*من محاضرة لسماحته بطلاب ورجال الدين من الهند/ 16 جمادى الأولى 1423 للهجرة.
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(7)
مشاق وأعباء خدمة الإمام الحسين سلام الله عليه*

من يتحمّل مشاقَّ وأعباءً أكثر ويضع راحته وسهره في خدمة الإمام الحسين سلام الله عليه، بطبيعة الحال له أجرٌ أعظم، وأحد أوضح الأمثلة على ذلك ما رُئي لاثنين من الفقهاء الأفاضل في المنام(1)، أحدهما الشيخ الأنصاري رحمه الله الذي تنهل الحوزات العلمية الدينية منذ 150 عاماً من علمه، والآخر الشيخ الدربندي رحمه الله. هذان العالمان كانا زميلي دراسة في مرحلة الشباب، وكانا من تلامذة المرحوم شريف العلماء المازندراني رحمه الله، وأصبح كلاهما فيما بعد مرجعين للتقليد، وفي ذلك الوقت كان الشيخ الأنصاري هو المرجع العام للشيعة، والدربندي له مرجعية محدودة.
ذات يوم عزم أحد طلاب الشيخ الأنصاري ـ وكان طالباً مجدّاً يحمل صفات العلم والورع ـ على السفر إلى إيران، فقام الشيخ الأنصاري بوداعه حتى مشارف المدينة مشياً على الأقدام، ثم رجع. كان ذلك الطالب يعتزم السفر إلى مدينة كربلاء ثم الكاظمية وسامراء ليعود بعدها إلى إيران، لكنّه في اليوم التالي لم يذهب إلى كربلاء، ورجع من وسط الطريق. وعندما رأى الشيخ الأنصاري تلميذه في النجف الأشرف سأله: «لماذا عدت؟».
أجابه: «ليلة أمس غلبني النوم وأنا في الطريق في جوف الصحراء، فرأيت مَلَكاً في منامي يقول لي: إلى أين أنت ذاهب في هذه الصحراء، إنّك راحل عن هذه الدنيا بعد ثلاثة أيّام. وهذا القصر لك (وأشار الملك إلى قصر) ولم أكن أعلم على وجه اليقين إن كانت هذه رؤيا صادقة أم لا، فقفلت راجعاً إلى النجف، لأكون عند أمير المؤمنين سلام الله عليه وليس في الصحراء فيما لو تحقّقت الرؤيا، وإذا لم تتحقّق أواصل رحلتي من جديد. وبالفعل، تحقّقت الرؤيا وتوفّي الرجل بعد ثلاثة أيّام كما وُعد بذلك.
يروي هذا الشخص نفسه ـ قبل وفاته ـ للشيخ الأنصاري بأنّه قد رأى في ذلك المنام أيضاً قصراً شامخاً فسأل: لمن هذا القصر؟ قيل له: «إنّه للشيخ الأنصاري»، وفي ناحية مجاورة من ذلك القصر رأى قصراً آخر أفخم من القصر الأول فسأل: وهذا لمن؟ قيل له: «هذا قصر الشيخ الدربندي». في ذلك الوقت كان الشيخان لا يزالان على قيد الحياة، كان الشيخ الأنصاري في النجف الأشرف، والشيخ الدربندي في كربلاء المقدسة. وبالإضافة إلى كون هذا الأخير مرجعاً دينياً، كان خطيباً يعتلي المنابر الحسينية وكان له منبر خاص في كل عام، حيث نُقل لي بعض من قصصه تلك بواسطتين عمّن حضر مجلسه، وكانت مجالسه تقام في الصحن الشريف في ظهيرة يوم عاشوراء من كل عام بعد انتهاء المجالس الأخرى حيث كانت تعجّ بجماهير غفيرة، وأحياناً كان يتحدّث قبل ساعة من موعده، ويقول أحياناً: «لا أريد أن أقيم مجلس ندب ونواح فقد سمعتم منها ما يكفي طيلة الليل وحتى الظهيرة، لكنّني أريد أن أوجّه بضع كلمات باسمكم إلى الإمام الحسين سلام الله عليه...» وكان مجلساً مميّزاً حقّاً. كما دوّن المرحوم الدربندي كتاباً مسهباً عن الإمام الحسين سلام الله عليه يحمل عنوان «إكسير العبادات». كان المتحدّث(تلميذ الشيخ الأنصاري) يعرف الشيخين جيداً، ويعلم أنّ مرجعية الشيخ الدربندي لا تضاهي مرجعية الأنصاري، لذلك أثارت فخامة قصر الشيخ الدربندي في تلك الرؤيا السؤال في نفس تلميذ الشيخ الأنصاري ليسأل المَلَك عن سبب ذلك، لأنّه من المتوقع أن يكون قصر الشيخ الأنصاري أكثر فخامة وعظمة، فأجابه المَلَك قائلاً: «هذا ليس جزاء أعمال الدربندي، بل هو هدية له من قِبل الإمام الحسين سلام الله عليه».


*من محاضرة (عاشوراء دروس وعبر) ألقاها سماحته عام 1425 للهجرة بجمع من المؤمنين.
(1) الرؤيا ليست دليلاً ولكن عُبِّر عنها أحياناً في الروايات بالمبشرات، الكافي، ج 1 / الروضة ، ص 90 ،
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(8)
معاناة العلماء الأعاظم*


أنقل لكم قصة سمعتها من المرحوم الحاج السيد علي شبّر نقلها لي عن صاحب الجواهر (الشيخ محمد باقر النجفي رحمه الله) عبر واسطة واحدة فقط، وكان السيد علي شبّر (رحمه الله) من المعمّرين، وقد التقى تلاميذ المرحوم صاحب الجواهر مراراً. فهو يروي عن أحدهم أنه قال له:
كان الشيخ صاحب الجواهر يصرّ على الطلبة بالتصريح بما يرد في أذهانهم من إشكالات في حلقة الدرس، ولهذا كانت حلقات درس المرحوم صاحب الجواهر جلسات بحث ومناقشة.
وفي إحدى الأيام أنهى الأستاذ (صاحب الجواهر) الدرس ولكن أيّاً من الطلاب لم يورد إشكالاً، فتعجّب الأستاذ وقال: هل كان حديثي وحياً منزلاً فلم يشكل عليه أحد؟
فقال الطلاب في جوابه: لقد كان البرغوث كثيراً أمس فلم نستطع المطالعة.
وكانت الحشرات وبخاصة البرغوث تكثر في أيام الصيف في كربلاء وأتذكر أنها كانت تغطّي السماء في بعض الليالي وتتساقط في صفحات الكتاب بكثرة تمنع الطالب من المطالعة.
يضيف ناقل القصة، وهو أحد طلبة الشيخ صاحب الجواهر رحمه الله:
فقال الأستاذ: أجل لقد كان البرغوث كثيراً وكانت المطالعة عسيرة، ولكني كنت مجبراً على التحضير، لأن دوري لا يقتصر على الاستماع مثلكم بل عليّ أن ألقي الدرس. ففكرت ما الذي أفعل، وتذكّرت أنه توجد غرفة في السطح كنّا اتخذناها مخزناً نضع فيه الأشياء التي لا نستخدمها، ففكّرت بالذهاب لتلك الغرفة غير أنها كانت وسخة ويعلوها التراب لأنها كانت مهملة، ولذلك نزعت ملابسي واكتفيت بإزار، فحملت مصباحاً ثم دخلت المخزن وأوصدت الباب لئلا تدخله البراغيث!
ولكن المشكلة أن الغرفة لم تكن نظيفة وكان الجو حاراً وهذا يعني أنها كانت موطناً للحشرات الأخرى والصراصير التي كانت تسرح وتمرح على ظهري
حقاً: إن ما ناله علماء التشيّع الأعاظم وما بلغوه من المنزلة كان بفضل تحمّلهم هذه الأتعاب والمشاق في سبيل طلب العلم.


*من حديث لسماحته بالعلماء والفضلاء في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك لعام 1425 للهجرة (بين يدي المرجع لسنة 1425 للهجرة ـ رقم9).
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(8)
معاناة العلماء الأعاظم*

أنقل لكم قصة سمعتها من المرحوم الحاج السيد علي شبّر نقلها لي عن صاحب الجواهر (الشيخ محمد باقر النجفي رحمه الله) عبر واسطة واحدة فقط، وكان السيد علي شبّر (رحمه الله) من المعمّرين، وقد التقى تلاميذ المرحوم صاحب الجواهر مراراً. فهو يروي عن أحدهم أنه قال له:
كان الشيخ صاحب الجواهر يصرّ على الطلبة بالتصريح بما يرد في أذهانهم من إشكالات في حلقة الدرس، ولهذا كانت حلقات درس المرحوم صاحب الجواهر جلسات بحث ومناقشة.
وفي إحدى الأيام أنهى الأستاذ (صاحب الجواهر) الدرس ولكن أيّاً من الطلاب لم يورد إشكالاً، فتعجّب الأستاذ وقال: هل كان حديثي وحياً منزلاً فلم يشكل عليه أحد؟
فقال الطلاب في جوابه: لقد كان البرغوث كثيراً أمس فلم نستطع المطالعة.
وكانت الحشرات وبخاصة البرغوث تكثر في أيام الصيف في كربلاء وأتذكر أنها كانت تغطّي السماء في بعض الليالي وتتساقط في صفحات الكتاب بكثرة تمنع الطالب من المطالعة.
يضيف ناقل القصة، وهو أحد طلبة الشيخ صاحب الجواهر رحمه الله:
فقال الأستاذ: أجل لقد كان البرغوث كثيراً وكانت المطالعة عسيرة، ولكني كنت مجبراً على التحضير، لأن دوري لا يقتصر على الاستماع مثلكم بل عليّ أن ألقي الدرس. ففكرت ما الذي أفعل، وتذكّرت أنه توجد غرفة في السطح كنّا اتخذناها مخزناً نضع فيه الأشياء التي لا نستخدمها، ففكّرت بالذهاب لتلك الغرفة غير أنها كانت وسخة ويعلوها التراب لأنها كانت مهملة، ولذلك نزعت ملابسي واكتفيت بإزار، فحملت مصباحاً ثم دخلت المخزن وأوصدت الباب لئلا تدخله البراغيث!
ولكن المشكلة أن الغرفة لم تكن نظيفة وكان الجو حاراً وهذا يعني أنها كانت موطناً للحشرات الأخرى والصراصير التي كانت تسرح وتمرح على ظهري
حقاً: إن ما ناله علماء التشيّع الأعاظم وما بلغوه من المنزلة كان بفضل تحمّلهم هذه الأتعاب والمشاق في سبيل طلب العلم.


*من حديث لسماحته بالعلماء والفضلاء في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك لعام 1425 للهجرة (بين يدي المرجع لسنة 1425 للهجرة ـ رقم9).
صورةصورةصورة
صورة
صورة العضو الرمزية
مراقب
مشاركات: 4771
اشترك في: الخميس سبتمبر 28, 2006 5:57 am

رد: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ قصص وعبر

مشاركة بواسطة مراقب »

(9)
هكذا هزَمتْ كربلاءُ المقدسةُ الشيوعيةَ*

في عهد عبد الكريم قاسم، اجتاحت الشيوعية العراق، وغزت صحفه ومجلاته ووسائله الإعلامية من مذياع وتلفاز.. بل نفذت حتى إلى الهيئة الحاكمة آنذاك. وكان الشيوعيون يوزّعون كتباً بالملايين مجاناً، وقد وصلتني نسخة من إحدى الكتب التي كانت توزّع على الشباب مجاناً، في المدن المقدسة مثل كربلاء المقدسة والنجف الأشرف، وكان يحمل عنوان (أين الله؟)، ومؤلّفه (مكسيم غوركي)، فطالعت بعض صفحاته التي تتجاوز الثلاثمائة صفحة، فوجدت فيه حشو كلام غير مناسب. فالكتاب يُفتتح بكلمة (أنا ابن الخطيئة - أي من أبوين غير شرعيين)!!، بدلاً من الافتتاح ببسم الله، ما يعني أن المؤلف يعرّف نفسه، ويبيّن من هو؟ ومن هنا لك أن تعلم ـ عزيزي القارئ ـ ماذا يريد أن يقول مؤلّف الكتاب المذكور.
وهكذا ملأوا العراق بكتب الشيوعية، ومنها كتاب (رأس المال) لكارل ماركس، وكتب أخرى لقادة الشيوعيين، وكتب كبيرة الحجم وصغيرة، ومفصلة ومختصرة.. مما أحدث موجة جارفة، بحيث راح بعض المؤمنين يعبّر عن جزعه ويأسه من أن تقوم للدين قائمة أمام ذلك التيار العنيف.
وكان الشيوعيون آنذاك يقومون بأعمال وحشية ضد من يخالفهم، ومنها كانوا يقيّدون المخالف من أطرافه، ويرسلونه في الأزقة والأسواق ـ وقد كرّروا هذا العمل في أكثر مدن العراق ـ وكانوا ينهالون عليه بالضرب المبرّح حتى يسقط جثةً هامدةً أمام أعين الناس. وهناك قصص شبيهة كثيرة قد عاصرتها بنفسي.
بإزاء هذه المعضلة، اقترح السيد الوالد رحمه الله(1) ـ وكان أخي(2) المرجع الراحل حاضراً حينها ـ على أهل العلم أن يستغلّ كل واحد منهم المسجد أو الحسينية المجاورة له في محل سكناه، لإقامة حلقة درسية يبيّن خلالها للشباب أصول الدين وفروعه، ويردّ على شبهات الشيوعيين وسمومهم التي كانوا يبثّونها من خلال المذياع والتلفاز والمجلات والخطب، ويلقونها على طلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وفي الجامعات والكليات..
وهكذا كان الشباب يختلفون إلى العلماء في حلقاتهم الدرسية تلك، ويطرحون أسئلتهم، ويتلقّون الجواب، فإذا عجز أحد العلماء عن الردّ الشافي، يذهب ليسأل بدوره من هو أعلم منه، حتى إن بعض مدرسي البحث الخارج، كانوا قد شكّلوا حلقات توجيهية لتلاميذ المدارس الابتدائية. وأنا كنت يومذاك أحد طلبة المقدمات في الدراسة الحوزوية، وأقمت مجلساً عادياً في خمس مناطق من مدينة كربلاء، في الأسبوع الواحد، كما كان يصنع أخي المرجع الراحل أعلى الله درجاته، وكذلك أخي المرحوم السيد الشهيد قدّس سرّه(3).
وكان المرحوم السيد الوالد، يؤكد على مواصلة بيان أصول الدين وفروعه، وجميع المسائل المتعلقة بهما، والإجابة على جميع الأسئلة التي تدور في أذهان الناس، أمام الموجة الشيوعية..
هذه الحركة الإسلامية التثقيفية، فضلاً عن المجالس والمنابر الإسلامية الأخرى، أدت إلى تجفيف جذور الشيوعية، في مدينة كربلاء المقدسة، ونأت بأهلها وشبابها من هذا الفكر الخطر، بحيث إنّ العديد من أولئك الشباب الذين كانوا يحضرون تلك المجالس والحلقات الدرسية، أصبحوا بين مدرّس البحث الخارج، ومجتهد، وإمام جماعة، وبعضهم أعرفهم شخصياً فقد كانوا يحضرون مجالسي.



* من كلمة لسماحته ألقاها بمسؤولي المؤسسات والمراكز الثقافية العراقية في مدينة قم المقدسة في 26 محرم الحرام 1424 للهجرة.
(1) المرجع الديني آية الله العظمى السيد ميرزا مهدي الشيرازي قدس سره، من كبار مراجع الشيعة (ت: 1380 هـ).
(2) المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي أعلى الله درجاته (ت: 1422هـ).
(3) المفكر الإسلامي الشهيد آية الله السيد حسن الحسيني الشيرازي قدّس سره (استشهد عام 1400 هـ).
صورةصورةصورة
صورة
أضف رد جديد

العودة إلى ”القصص والحكايات“

الموجودون الآن

المتصفحون للمنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد