رسالة الحقوق للامام زين العابدين عليه السلام
رسالة الحقوق للامام زين العابدين عليه السلام
بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّ للهِ عَلَيْكَ حُقُوقًا مُحِيطَةً بكَ فِي كـُلِّ حَرَكَةٍ تَحَرَّكْتَهَا، أَوْ سَكَنَةٍ سَكَنْتَهَا، أَوْ مَنْزِلَةٍ نَزَلْتَهَا، أَوْ جَارِحَةٍٍ قَلَّبْتَهَا وَآلَةٍٍ تَصَرَّفْتَ بهَا، بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ وَأَكْبَرُ حُقُوقِ اللهِ عَلَيْكَ مَا أَوْجَبَهُ لِنَفْسِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ حَقِّهِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْحُقُوقِ وَمِنْهُ تَفَرَّعَ. ثُمَّ أَوْجَبَهُ عَلَيْكَ لِنَفْسِكَ مِنْ قَرْنِكَ إلَى قَدَمِكَ عَلَى اِختِلافِ جَوَارِحِكَ. فَجَعَلَ لِبَصَرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِسَمْعِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِلِسَانِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِيَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِرِجْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِبَطْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِفَرْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَهَذِهِ الْجَوَارِحُ السَّبْعُ الَّتِي بهَا تَكُونُ الأَفْعَالُ. ثُمَّ جَعَلَ عَزَّ وَجَلَّ لأَفْعَالِكَ عَلَيْكَ حُقُوقًا فَجَعَلَ لِصَلاتِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِصَوْمِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِصَدَقَتِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِهَدْيِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلأَفعَالِكَ عَلَيْكَ حَقًّا. ثُمَّ تَخرُجُ الْحُقُوقُ مِنْكَ إلَى غَيْرِكَ مِنْ ذَوِي الْحُقُوقِ الْوَاجِبـَةِ عَلَيــْكَ.وَأَوْجَبُهَا عَلَيْكَ حُقُوقُ أَئِمَّتِكَ ثُمَّ حُقُوقُ رَعِيَّتِكَ ثُمَّ حُقُوقُ رَحِمِكَ. فَهَذِهِ حُقُوقٌ حُقُوقُ رَحِمِكَ. فَهَذِهِ حُقُو يَتَشَعَّبُ مِنْهَا حُقُوقٌ: فَحُقُوقُ أَئِمَّتِكَ ثَلاثَةٌ أَوْجَبُهَا عَلَيْكَ حَقُّ سَائِسِـكَ بالسُّلْطَانِ ثُمَّ سَائِسِكَ بالْعِلْمِ، ثُمَّ حَقُّ سَائِسِكَ بالْمُلْكِ، وَكُلُّ سَائِسٍٍ إمَامٌ. وَحُقُوقُ رَعِيَّتِكَ ثلاثَةٌ أَوْجَبُهَا عَلَيْكَ حَقُّ رَعِيَّتِكَ بالسُّلْطَان، ثُمَّ حَقُّ رعِيَّتِكَ بالْعِلْمِ، فَإنَّ الْجَاهِلَ رَعِيَّةُ الْعَالِمِ، وَحَقُّ رَعِيَّتِكَ بالْمُلْكِ مِنَ الأَزْوَاجِ وَمَا مَلَكْتَ مِنَ الأَيْمَانِ.وَحُقُوقُ رَحِمِكَ كَثِيرَةٌ مُتَّصِلَةٌ بقَدْرِ اتِّصَالِ الرَّحِمِ فِي الْقَرَابَةِ فَأَوْجَبُهَا عَلَيْــكَ حَقُّ أُمِّكَ ثُمَّ حَقُّ أَبيكَ ثُمَّ حَقُّ وَلَدِكَ ثُمَّ حَقُّ أَخِيكَ ثُـمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ وَالأَوَّلُ فَالأَوَّلُ. ثُمَّ حَقُّ مَوْلاكَ الْمُنْعِمِ عَلَيْكَ، ثُمَّ حَقُّ مَوْلاكَ الْجَارِيَةُ نِعْمَتُكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ حَقُّ ذِي الْمَعْرُوفِ لَدَيْكَ، ثُمَّ حَقُّ مُؤَذِّنُكَ بالصَّلاةِ، ثُمَّ حَقُّ إمَامِكَ فِي صَلاتِكَ، ثُمَّ حَقُّ جَلِيسِكَ، ثُمَّ حَقُّ جَارِكَ، ثُمَّ حَقُّ صَاحِبكَ، ثُمَّ حَقُّ شَرِيكِكَ، ثُمَّ حَقُّ مَالِكَ، ثُمَّ حَقُّ غَرِيمِكَ الَّذِي تُطَالِبُهُ، ثُمَّ حَقُّ غَرِيمِكَ الَّذِي يُطَالِبُكَ، ثُمَّ حَقُّ خَلِيطِكَ، ثُمَّ حَقُّ خَصْمِكَ الْمُدَّعِي عَلَيْكَ، ثُمَّ حَقُّ خَصْمِكَ الَّذِي تَدَّعِي عَلَيْهِ، ثُمَّ حَقُّ مُسْتَشِيرِكَ، ثُمَّ حَقُّ الْمُشِيرِ عَلَيْكَ، ثُمَّ حَقُّ مُسْتَنْصِحِكَ، ثُمَّ حَقُّ النَّاصِحِ لَكَ، ثُمَّ حَقُّ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْكَ، ثُمَّ حَقُّ مَنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْكَ، ثُمَّ حَقُّ سَائِلِكَ، ثُمَّ حَقُّ مَن سَأَلْتَهُ، ثُمَّ حَقُّ مَن جَرَى لَكَ عَلَى يَدَيْهِ مَسَاءَةٌ بقَوْلٍ أَو فِعْلٍ أَوْ مَسَرَّةٍ بذَلِكَ بقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ عَنْ تَعَمُّدٍ مِنْهُ أَوْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ مِنْهُ، ثُمَّ حَقُّ أَهْلِ مِلَّتِكَ عَامَّةً ثُمَّ حَقُّ أَهْلِ الذِّمَّةِ، ثُمَّ الْحُقُوقُ الْجَارِيَةُ بقَدْرِ عِلَل الأَحْوَالِ وَتَصَرُّفِ الأَسْبَاب. فَطُوبَى لِمَنْ أَعَانَهُ اللهُ عَلَى قَضَاءِ مَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِهِ وَوَفَّقَهُ وَسَدَّدَهُ.
1- حق الله الأكبر
*
فأَمَّا حَقُّ اللهِ الأَكْبَرُ فَإنَّكَ تَعْبُدُهُ لا تُشْرِكُ بهِ شَيْئاً، فَإذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ بإخلاصٍ جَعَلَ لَكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَكفِيَكَ أَمْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَحْفَظَ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْهَما
*
2- حق النفس
*
وَأَمَّا حَقُّ نَفْسِكَ عَلَيْكَ فَأَنْ تَسْتَوْفِيَهَا فِي طَاعَةِ اللهِ فَتُؤَدّي إلَى لِسَانِكَ حَقَّهُ وَإلَى سَمْعِك حَقَّهُ وَإلَى بَصَرِكَ حَقّهُ وَإلَى يَدِكَ حَقَّهَا وَإلَى رِجْلِك حَقَّهَا وَإلَى بَطْنِكَ حَقَّهُ وَإلَى فَرْجِكَ حَقَّهُ وَتَسْتَعِينَ باللهِ عَلَى ذَلِك
3- حق اللسان
*
وَأَمَّا حَقُّ اللّسَان فَإكْرَامُهُ عَنِ الْخَنَى وتَعْوِيدُهُ عَلَى الْخَيْرِ وَحَمْلُهُ عَلَى الأَدَب وَإجْمَامُهُ إلاّ لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ وَالْمَنْفَعَةِ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا وَإعْفَاؤُهُ عَنِ الْفُضُول اُلشَّنِعَةِ الْقَلِيلَةِ الْفَائِدَةِ الَّتِي لا يُؤْمَنُ ضَرَرُهَا مَعَ قِلَّةِ عَائِدَتِهَا. وَيُعَدُّ شَاهِدَ الْعَقْلِ وَالدَّلِيلَ عَلَيْه وَتَزَيُّنُ الْعَاقِلَ بعَقْلِهِ حُسْنُ سِيرَتِهِ فِي لِسَانِهِ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
4- حق السمع
*
وَأَمَّا حَقُّ السَّمْعِ فَتَنْزِيهُهُ عَنْ أَنْ تَجْعَلَهُ طَرِيقًا إلَى قَلْبكَ إلا لِفُوهَةٍ كَرِيمَةٍ تُحْدِثُ فِي قَلبكَ خَيْرًا أَو تَكْسِبُ خُلُقًا كَرِيمًا فَإنَّهُ بَابُ الْكَلامِ إلَى الْقَلْب يُؤَدِّي إلَيْهِ ضُرُوبُ الْمَعَانِي عَلَى مَا فِيهَا مِن خَيْرٍ أَو شَرِّ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
*
5- حق البصر
*
وَأَمَّا حَقُّ بَصَرِكَ فَغَضُّهُ عَمَّا لا يَحِلُّ لَكَ وتَرْكُ ابْتِذَالِهِ إلاّ لِمَوضِعِ عِبْرَةٍ تَسْتَقْبلُ بهَا بَصَرًا أَو تَسْتَفِيدُ بهَا عِلْمًا، فَإنَّ الْبَصَرَ بَابُ الِاعْتِبَارِ
6- حق الرجلين
*
وَأَمَّا حَقُّ رِجْلَيْكَ فَأَنْ لا تَمْشِي بهِمَا إلَى مَا لا يَحِلُّ لَكَ وَلا تَجْعَلْهُمَا مَطِيَّتَكَ فِي الطَّرِيقِ الْمُسْتَخِفَّةِ بأَهْلِهَا فِيهَا فَإنَّهَا حَامِلَتُكَ وَسَالِكَةٌ بكَ مَسْلَكَ الدِّينِ وَالسَّبْقُ لَكَ، وَلا قُوَّةَ إلا بالله .
7- حق اليد
*
وَأَمَّا حَقُّ يَدِكَ فَأَنْ لا تَبْسُطَهَا إلَى مَا لا يَحِلُّ لَكَ فَتَنَالَ بمَا تَبْسُطُهَا إلَيْهِ مِنَ اللهِ الْعُقُوبَةَ فِي الآجِلِ، وَمِنَ النَّاسِ بلِسَانِ اللائِمَةِ فِي الْعَـاجِلِ، وَلا تَقْبضَهَا مِمَّا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْهَا وَلَكِنْ تُوقّرَِهَا بقَبْضِهَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يَحِلُّ لَهَا وبَسْطِهَا إلَى كَثِيرٍ مِمَّا لَيسَ عَلَيْهَا، فَإذَا هِيَ قَدْ عُقِلَتْ وَشُرِّفَتْ فِي الْعَاجِلِ وَجَبَ لَهَا حُسْنُ الثَّوَاب فِي الآجِلِ.
8- حق البطن
*
وَأَمَّا حَقُّ بَطْنِكَ فَأَنْ لا تَجْعَلَهُ وِعَاءً لِقَلِيلٍ مِنَ الْحَرَامِ وَلا لِكَثِيرٍ، وَأَنْ تَقْتَصِدَ لَهُ فِي الْحَلالِ وَلا تُخرِجَهُ مِنْ حَدِّ التَّقْوِيَةِ إلَى حَدِّ التَّهْوِينِ وَذَهَاب الْمُرُوَّةِ، وَضَبْطُهُ إذَا هَمَّ بالْجُوعِ والظمأ فَإنَّ الشَّبْعَ الْمُنْتَهِي بصَاحِبهِ إلَى التُّخمِ مَكْسَلَةٌ وَمَثْبَطَةٌ وَمَقْطَعَةٌ عَنْ كُلِّ برِّ وَكَرَمٍ. وَإنَّ الري الْمُنْتَهِي بصَاحِبهِ إلَى السُّكْرِ مَسْخَفَةٌ وَمَجْهَلَةٌ وَمَذْهَبَةٌ لِلْمُرُوَّةِ.
*9- حق الفرج
*
وَأَمَّا حَـقُّ فَرْجِكَ فَحِفْظُهُ مِمَّا لا يَحِلُّ لَكَ وَالاسْتِعَانَةُ عَلَيْهِ بغَضِّ الْبَصَرِ - فَإنَّهُ مِنْ أَعْوَنِ الأَعْوَانِ- وَكَثْرَةُ ذِكْرِ الْمَوتِ وَالتَّهَدُّدِ لِنَفْسِكَ باللهِ وَالتَّخوِيفِ لَهَا بهِ، وَباللهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّأْيِيدُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بهِ.
*
فأَمَّا حَقُّ اللهِ الأَكْبَرُ فَإنَّكَ تَعْبُدُهُ لا تُشْرِكُ بهِ شَيْئاً، فَإذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ بإخلاصٍ جَعَلَ لَكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَكفِيَكَ أَمْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَحْفَظَ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْهَما
*
2- حق النفس
*
وَأَمَّا حَقُّ نَفْسِكَ عَلَيْكَ فَأَنْ تَسْتَوْفِيَهَا فِي طَاعَةِ اللهِ فَتُؤَدّي إلَى لِسَانِكَ حَقَّهُ وَإلَى سَمْعِك حَقَّهُ وَإلَى بَصَرِكَ حَقّهُ وَإلَى يَدِكَ حَقَّهَا وَإلَى رِجْلِك حَقَّهَا وَإلَى بَطْنِكَ حَقَّهُ وَإلَى فَرْجِكَ حَقَّهُ وَتَسْتَعِينَ باللهِ عَلَى ذَلِك
3- حق اللسان
*
وَأَمَّا حَقُّ اللّسَان فَإكْرَامُهُ عَنِ الْخَنَى وتَعْوِيدُهُ عَلَى الْخَيْرِ وَحَمْلُهُ عَلَى الأَدَب وَإجْمَامُهُ إلاّ لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ وَالْمَنْفَعَةِ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا وَإعْفَاؤُهُ عَنِ الْفُضُول اُلشَّنِعَةِ الْقَلِيلَةِ الْفَائِدَةِ الَّتِي لا يُؤْمَنُ ضَرَرُهَا مَعَ قِلَّةِ عَائِدَتِهَا. وَيُعَدُّ شَاهِدَ الْعَقْلِ وَالدَّلِيلَ عَلَيْه وَتَزَيُّنُ الْعَاقِلَ بعَقْلِهِ حُسْنُ سِيرَتِهِ فِي لِسَانِهِ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
4- حق السمع
*
وَأَمَّا حَقُّ السَّمْعِ فَتَنْزِيهُهُ عَنْ أَنْ تَجْعَلَهُ طَرِيقًا إلَى قَلْبكَ إلا لِفُوهَةٍ كَرِيمَةٍ تُحْدِثُ فِي قَلبكَ خَيْرًا أَو تَكْسِبُ خُلُقًا كَرِيمًا فَإنَّهُ بَابُ الْكَلامِ إلَى الْقَلْب يُؤَدِّي إلَيْهِ ضُرُوبُ الْمَعَانِي عَلَى مَا فِيهَا مِن خَيْرٍ أَو شَرِّ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
*
5- حق البصر
*
وَأَمَّا حَقُّ بَصَرِكَ فَغَضُّهُ عَمَّا لا يَحِلُّ لَكَ وتَرْكُ ابْتِذَالِهِ إلاّ لِمَوضِعِ عِبْرَةٍ تَسْتَقْبلُ بهَا بَصَرًا أَو تَسْتَفِيدُ بهَا عِلْمًا، فَإنَّ الْبَصَرَ بَابُ الِاعْتِبَارِ
6- حق الرجلين
*
وَأَمَّا حَقُّ رِجْلَيْكَ فَأَنْ لا تَمْشِي بهِمَا إلَى مَا لا يَحِلُّ لَكَ وَلا تَجْعَلْهُمَا مَطِيَّتَكَ فِي الطَّرِيقِ الْمُسْتَخِفَّةِ بأَهْلِهَا فِيهَا فَإنَّهَا حَامِلَتُكَ وَسَالِكَةٌ بكَ مَسْلَكَ الدِّينِ وَالسَّبْقُ لَكَ، وَلا قُوَّةَ إلا بالله .
7- حق اليد
*
وَأَمَّا حَقُّ يَدِكَ فَأَنْ لا تَبْسُطَهَا إلَى مَا لا يَحِلُّ لَكَ فَتَنَالَ بمَا تَبْسُطُهَا إلَيْهِ مِنَ اللهِ الْعُقُوبَةَ فِي الآجِلِ، وَمِنَ النَّاسِ بلِسَانِ اللائِمَةِ فِي الْعَـاجِلِ، وَلا تَقْبضَهَا مِمَّا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْهَا وَلَكِنْ تُوقّرَِهَا بقَبْضِهَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يَحِلُّ لَهَا وبَسْطِهَا إلَى كَثِيرٍ مِمَّا لَيسَ عَلَيْهَا، فَإذَا هِيَ قَدْ عُقِلَتْ وَشُرِّفَتْ فِي الْعَاجِلِ وَجَبَ لَهَا حُسْنُ الثَّوَاب فِي الآجِلِ.
8- حق البطن
*
وَأَمَّا حَقُّ بَطْنِكَ فَأَنْ لا تَجْعَلَهُ وِعَاءً لِقَلِيلٍ مِنَ الْحَرَامِ وَلا لِكَثِيرٍ، وَأَنْ تَقْتَصِدَ لَهُ فِي الْحَلالِ وَلا تُخرِجَهُ مِنْ حَدِّ التَّقْوِيَةِ إلَى حَدِّ التَّهْوِينِ وَذَهَاب الْمُرُوَّةِ، وَضَبْطُهُ إذَا هَمَّ بالْجُوعِ والظمأ فَإنَّ الشَّبْعَ الْمُنْتَهِي بصَاحِبهِ إلَى التُّخمِ مَكْسَلَةٌ وَمَثْبَطَةٌ وَمَقْطَعَةٌ عَنْ كُلِّ برِّ وَكَرَمٍ. وَإنَّ الري الْمُنْتَهِي بصَاحِبهِ إلَى السُّكْرِ مَسْخَفَةٌ وَمَجْهَلَةٌ وَمَذْهَبَةٌ لِلْمُرُوَّةِ.
*9- حق الفرج
*
وَأَمَّا حَـقُّ فَرْجِكَ فَحِفْظُهُ مِمَّا لا يَحِلُّ لَكَ وَالاسْتِعَانَةُ عَلَيْهِ بغَضِّ الْبَصَرِ - فَإنَّهُ مِنْ أَعْوَنِ الأَعْوَانِ- وَكَثْرَةُ ذِكْرِ الْمَوتِ وَالتَّهَدُّدِ لِنَفْسِكَ باللهِ وَالتَّخوِيفِ لَهَا بهِ، وَباللهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّأْيِيدُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بهِ.
10- حق الصلاة
*
فَأَمَّا حَقُّ الصَّلاةِ فَأَنْ تَعْلَمَ أنّهَا وِفَادَةٌ إلَى اللهِ وَأَنَّكَ قَائِمٌ بهَا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، فَإذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ كُنْتَ خَلِيقًا أَنْ تَقُومَ فِيهَا مَقَامَ الذَّلِيلِ الرَّاغِب الرَّاهِب الْخَائِفِ الرَّاجِي الْمِسْكِينِ الْمُتَضَرِّعِ الْمُعَظِّمِ مَنْ قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ بالسُّكُونِ وَالإطْرَاقِ وَخُشُوعِ الأَطْرَافِ وَلِينِ الْجَنَاحَ وَحُسْنِ الْمُنَاجَاةِ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَالطَّلَب إلَيْهِ فِي فَكَاكِ رَقَبَتِكَ الَّتِي أَحَاطَتْ بهِ خَطِيئَتُكَ وَاسْتَهلَكَتْهَا ذُنُوبُكَ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
11- حق الصوم
*
وَأَمَّا حَقُّ الصَّوْمِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ حِجَابٌ ضَرَبَهُ اللهُ عَلَى لِسَانِكَ وَسَمْعِكَ وبَصَرِكَ وَفَرْجِكَ وبَطْنِكَ لِيَسْترَكَ بهِ مِن النَّارِ وَهَكَذَا جَاءَ فِي الْحَديثِ "الصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ" فَإنْ سَكَنَتْ أَطْرَافُـكَ فِي حَجَبَتِهَا رَجَوْتَ أَنْ تَكُونَ مَحْجُوبًا. وَإنْ أَنْتَ تَرَكْتَهَا تَضْطَرِبُ فِي حِجَابهَا وتَرْفَعُ جَنَبَاتِ الْحِجَاب فَتُطّلِعُ إلَى مَا لَيْسَ لَهَا بالنَّظْرَةِ الدَّاعِيـَةِ لِلشَّهْوَةِ وَالقُوَّةِ الْخَارِجَةِ عَنْ حَدِّ التَّقِيَّةِ للهِ لَمْ تَأمَنْ أَنْ تَخرِقَ الْحِجَابَ وَتَخرُجَ مِنْهُ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
12- حق الحج
*
وَأَمَّا حَقُّ الحَجّ أَنْ تَعْلَمَ أَنّه وِفادةٌ إلى رَبّكَ، و فِرارٌ إليه من ذُنوبكَ وفيهِ قبولُ تَوبتِكَ وقَضاءُ الفَرضِ الَّذي أوجَبَه الله عَليك
13- حق الصدقة
*
وَأَمَّا حَقُّ الصَّدَقَةِ فَأَنْ تَعْلَمَ أنَّها ذُخرُكَ عِنْدَ رَبكَ وَوَديعَتُكَ الَّتِي لا تَحْتَاجُ إلَى الإشْهَادِ، فَإذا عَلِمْتَ ذَلِك كُنْتَ بمَا اسْتَودَعْتَهُ سِرًّا أَوْثقَ بمَا اسْتَوْدَعْتَهُ عَلانِيَةً، وَكُنْتَ جَدِيرًا أَنْ تَكونَ أَسْرَرْتَ إلَيْهِ أَمْرًا أَعْلَنْتَهُ، وَكَانَ الأَمْرُ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ فِيهَا سِرًّا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَمْ تَسْتَظْهِرْ عَلَيْهِ فِيمَا اسْتَوْدَعْتَهُ مِنْهَا بإشْهَادِ الأَسْمَاعِ وَالأَبْصَارِ عَلَيْهِ بهَا كَأنَّهَا أَوْثقُ فِي نَفْسِكَ لا كَأنَّكَ لا تثِقُ بهِ فِي تَأْديَةِ وَديعَتِكَ إلَيْكَ، ثُمَّ لَمْ تَمْتَنَّ بهَا عَلَى أَحَدٍ لأَنّهَا لَكَ فَإذا امْتَنَنْتَ بهَا لَمْ تَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ بهَا مِثْلَ تَهْـجِينِ حَالِكَ مِنْهَا إلَى مَنْ مَنَنْتَ بهَا عَلَيْهِ لأَنَّ فِي ذلِكَ دَلِيلاً عَلَى أَنّكَ لَمْ تُرِدْ نفْسَكَ بهَـا، وَلَوْ أَرَدْتَ نفْسَكَ بهَا لَمْ تَمْتَنَّ بهَا عَلَى أَحَدٍ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.*
14- حق الهدي
*
وَأمَّا حَقُّ الهَدْيِ فَأَنْ تُخلِصَ بهَا الإرَادَةَ إلَى رَبكَ وَالتَّعَرُّضَ لِرَحْمَتِهِ وَقَبُولِهِ ولا تُرِيدَ عُيُونَ النَّاظِرِينَ دُونهُ، فـَإذَا كُنْتَ كَذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مُتَكَلِّفًا ولا مُتَصَنِّعًا وَكُنْتَ إنَّمَا تَقْصِدُ إلَى الله. وَاعْلَمْ أَنَّ الله يُرَادُ بالْيَسِيرِ وَلا يُرَادُ بالْعَسِيرِ كَمَا أَرَادَ بخَلْقِهِ التَّيْسِيرَ وَلَمْ يُرِدْ بهِمُ التَّعْسِيرَ، وَكَذَلِكَ التَّذَلُّلَ أَوْلَى بكَ مِن التَّدَهْقُنِ لأَنَّ الْكُلْفَةَ وَالْمَئونَةَ فِي الْمُتَدَهْقِنِينَ. فَأمَّا التَّذَلُّلُ وَالتَّمَسْكُنُ فَلا كُلْفَةَ فِيهِمَا وَلا مَئونةَ عَلَيْهِمَا لأَنَّهُمَا الْخِلْقَةَ وهُمَا مَوجُودَانِ فِي الطَّبيعَةِ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
15- حق سائسك بالسلطان
*
فأَمَّا حَقُّ سَائِسِكَ بالسُّلْطَانِ فَأَنْ تَعْلَمَ أنّكَ جُعِلْتَ لَهُ فِتنَة وأنَّهُ مُبْتَلىً فِيكَ بمَا جَعَلَهُ اللهُ لَهُ عَلَيْكَ مِنَ السُّلْطَانِ وَأَنْ تُخلِصَ لَهُ فِي النَّصِيحَةِ وَأَنْ لا تُمَاحِكَهُ وَقَدْ بُسِطْتَ يَدُهُ عَلَيْكَ فَتَكُونَ سَبَبَ هَلاكِ نفْسِكَ وَهلاكِهِ. وتَذَلَّلْ وتَلَطَّفْ لإِعْطَائِهِ مِنَ الرِّضَا مَا يَكُفُّهُ عَنْكَ وَلا يَضُرُّ بدينِكَ وتَسْتَعِينُ عَلَيْهِ فِي ذلِكَ باللهِ. ولا تُعَازَّهُ ولا تُعَانِدَهُ فَإنَّكَ إنْ فَعَلْتَ ذلِكَ عَقَقْتَهُ وَعَقَقْتَ نَفْسَكَ فَعَرَضْتَهَا لِمَكرُوهِهِ وَعَرَضْتَهُ لِلْهَلَكَةِ فِيكَ وَكُنْتَ خَلِيقًا أَنْ تَكُونَ مُعِينًا لَهُ عَلَى نفْسِكَ وَشَرِيكًا لَهُ فِيمَا أَتى إلَيْكَ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ
16- حق سائسك بالعلم
*
وأَمَّا حَقُّ سَائِسِكَ بالعِلْمِ فالتَّعْظِيمُ لَهُ والتَّوْقِيرُ لِمَجْلِسِهِ وَحُسْــــنُ الاسْتِمَاعِ إليهِ وَالإقْبَـالُ عَلَيْه وَالْمَعُونةُ لَهُ عَلَى نفْسِكَ فِيمَــــا لا غِنَى بكَ عَنْهُ مِنْ الْعِلْمِ بأَنْ تُفَرِّغَ لَهُ عَقلَكَ وَتُحْضِرَهُ فَهْمَكَ وتُزَكِّي لَهُ قَلْبَكَ وتُجَلِّى لَهُ بَصَرَكَ بتَرْكِ اللّذَّاتِ وَنقْص الشّهَوَاتِ، وَأَنْ تَعْلَـمَ أَنَّكَ فِيمَا أَلقَى إلَيْكَ رَسُولُهُ إلَى مَنْ لَقِيَكَ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ فَلَزِمَكَ حُسْنُ التَّأْدِيَةِ عَنْهُ إلَيْهِمْ، ولا تَخُنْهُ فِي تَأْدِيَةِ رِسَالَتِهِ وَالْقِيَامِ بهَا عَنْهُ إذا تَقَلَّدْتَهَا. وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ
17- حق السائس بالملك
*
وأمَّا حَقُّ سَائِسِكَ بالمِلْكِ فَنَحْوٌ مِنْ سَائِسِكَ بالسُّلْطَانِ إلاّ أَنَّ هذَا يَمْلِكُ مَا لا يَمْلِكُهُ ذاكَ، تَلْزِمُكَ طَاعَتُهُ فِيمَا دَقَّ وَجَلَّ مِنْكَ إلاّ أَنْ تُخرِجَكَ مِنْ وُجُـوب حَقِّ الله، ويَحُولَ بَينَكَ وبَيْنَ حَقِّهِ وَحُقُوقِ الخَلْقِ، فَإذَا قَضَيْتَهُ رَجَعْتَ إلَى حَقِّهِ فَتَشَاغَلْتَ بهِ. ولا قُوَّةَ إلاّ باللهِ.
18- حق الرعية بالسلطان
*
فأَمَّا حُقُوقُ رَعِيَّتِكَ بالسُّلْطَانِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّكَ إنَّمَا اسْتَرْعَيْتَهُمْ بفَضْلِ قُوَّتِكَ عَلَيْهِمْ فَإنَّهُ إنَّمَا أَحَلَّهُمْ مَحَلَّ الرَّعِيَّةِ لَكَ ضَعْفُهُمْ وَذُلُّهُمْ، فَمَــــا أَوْلَى مَنْ كَفَاكَهُ ضَعْفُهُ وَذُلُّهُ حَتَّى صَيَّرَهُ لَكَ رَعِيَّةً وَصَيَّرَ حُكْمَكَ عَلَيْهِ نَافِذاً، لا يَمْتَنِعُ مِنْـكَ بعِزَّةٍ وَلا قُوَّةٍ وَلا يَسْتَنْصِرُ فِيمَا تَعَاظَمَهُ مِنْكَ إلا [باللهِ] بالرَّحْمَةِ وَالْحِيَاطَةِ وَالأَناةِ، وَمَا أَولاكَ إذَا عَرَفْتَ مَا أَعْطَاكَ الله مِنْ فَضْلِ هذِهِ الْعِزَّةِ وَالقُوَّةِ الَّتِي قَهَرْتَ بهَا أَنْ تَكُونَ لِلّهِ شَاكِراً، وَمَنْ شَكَرَ الله أَعْطَاهُ فِيمَا أَنعَمَ عَلَيْهِ. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
19- حق الرعية
*
*أمَّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بالعِلْمِ فَأَنْ تَعْلَــمَ أَنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَكَ لَهُمْ* فِيمَا آتاكَ مِنَ الْعِلْمِ وَولاّكَ مِنْ خَزَانةِ الْحِكْمَةِ، فَإنْ أَحْسَنْتَ فِيمَا ولاّكَ اللهُ مِنْ ذلِكَ وَقُمْتَ بهِ لَهُمْ مَقَامَ الخَازِنِ الشَّفِيقِ النَّاصِحِ لِمَـــولاهُ فِي عَبيدِهِ، الصَّابرِ الْمُحْتَسِب الَّذِي إذَا رأَى ذا حَاجَةٍ أَخرَجَ لَهُ مِنَ الأَمْوَالِ الَّتِي فِي يَدَيهِ كُنْتَ رَاشِدًا، وَكُنْتَ لـِذَلِكَ آمِلاً مُعْتَقِدًا وَإلاّ كُنْتَ لَهُ خَائِنًا وَلِخَلقِهِ ظَالِمًا وَلِسَلْبهِ وَعِزِّهِ مُتَعَرِّضًا
20 - حق الزوجة
*
وَأمَّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بمِلْكِ النّكَاحِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَهَا سَكَنًا وَمُسْتَرَاحًا وَأُنْسًا وَوَاقِيةً، وَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا يَجِبُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَلَى صَاحِبهِ، ويَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ نِعْمَةٌ مِنْهُ عَلَيْهِ. وَوَجَبَ أَنْ يُحْسِنَ صُحْبَةَ نِعْمَةِ اللَّهِ وَيُكْرِمَهَا ويَرْفَقَ بهَا وَإنْ كَانَ حَقُّكَ عَلَيْهَا أَغْلَظَ وَطَاعَتِكَ بهَا أَلْزَمَ فِيمَا أَحْببْتَ وَكَرِهْتَ مَا لَمْ تَكنْ مَعْصِيةً، فإنَّ لَهَا حَقُّ الرَّحـْمَةُ وَالْمُؤَانَسَةِ، وَمَوْضِعُ السُّكُونِ إلَيهَا قَضَاءَ اللَّذَّةِ الَّتِي لا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وَذَلِكَ عَظِيمٌ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.*
21- حق الرعية بملك اليمين
*
وَأمَّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بمِلْكِ اليَمِينِ فَأَنْ تَعْلَمَ أنَهُ خَلْقُ رَبكَ، وَلَحْمُكَ وَدَمُكَ وَأَنَّكَ تَمْلِكُهُ لا أنْتَ صَنَعْتَهُ دُونَ اللَّهِ وَلا خَلَقْتَ لَهُ سَمْعًا وَلا بَصَرًا وَلا أَجْرَيتَ لَهُ رِزْقًا وَلَكِنَّ اللَّهَ كَفَاكَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَخَّرَهُ لَكَ وَائْتَمَنَكَ عَلَيْهِ وَاسْتَوْدَعَكَ إيَّاهُ لِتَحْفَظَهُ فِيهِ وتَسِيرَ فِيهِ بسِيرَتِهِ فَتُطْعِمَهُ مِمَّا تَأْكُلُ وَتُلْبسَهُ مِمَّا تَلْبَسُ وَلا تُكَلِّفَهُ مَا لا يُطِيقُ، فَإنْ كَرِهْتَ[هُ] خَرَجْتَ إلَى اللَّهِ مِنْهُ وَاسْتَبْدَلْتَ بهِ وَلَـمْ تُعَذِّبْ خَلْقَ اللَّهِ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
*
فَأَمَّا حَقُّ الصَّلاةِ فَأَنْ تَعْلَمَ أنّهَا وِفَادَةٌ إلَى اللهِ وَأَنَّكَ قَائِمٌ بهَا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، فَإذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ كُنْتَ خَلِيقًا أَنْ تَقُومَ فِيهَا مَقَامَ الذَّلِيلِ الرَّاغِب الرَّاهِب الْخَائِفِ الرَّاجِي الْمِسْكِينِ الْمُتَضَرِّعِ الْمُعَظِّمِ مَنْ قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ بالسُّكُونِ وَالإطْرَاقِ وَخُشُوعِ الأَطْرَافِ وَلِينِ الْجَنَاحَ وَحُسْنِ الْمُنَاجَاةِ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَالطَّلَب إلَيْهِ فِي فَكَاكِ رَقَبَتِكَ الَّتِي أَحَاطَتْ بهِ خَطِيئَتُكَ وَاسْتَهلَكَتْهَا ذُنُوبُكَ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
11- حق الصوم
*
وَأَمَّا حَقُّ الصَّوْمِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ حِجَابٌ ضَرَبَهُ اللهُ عَلَى لِسَانِكَ وَسَمْعِكَ وبَصَرِكَ وَفَرْجِكَ وبَطْنِكَ لِيَسْترَكَ بهِ مِن النَّارِ وَهَكَذَا جَاءَ فِي الْحَديثِ "الصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ" فَإنْ سَكَنَتْ أَطْرَافُـكَ فِي حَجَبَتِهَا رَجَوْتَ أَنْ تَكُونَ مَحْجُوبًا. وَإنْ أَنْتَ تَرَكْتَهَا تَضْطَرِبُ فِي حِجَابهَا وتَرْفَعُ جَنَبَاتِ الْحِجَاب فَتُطّلِعُ إلَى مَا لَيْسَ لَهَا بالنَّظْرَةِ الدَّاعِيـَةِ لِلشَّهْوَةِ وَالقُوَّةِ الْخَارِجَةِ عَنْ حَدِّ التَّقِيَّةِ للهِ لَمْ تَأمَنْ أَنْ تَخرِقَ الْحِجَابَ وَتَخرُجَ مِنْهُ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
12- حق الحج
*
وَأَمَّا حَقُّ الحَجّ أَنْ تَعْلَمَ أَنّه وِفادةٌ إلى رَبّكَ، و فِرارٌ إليه من ذُنوبكَ وفيهِ قبولُ تَوبتِكَ وقَضاءُ الفَرضِ الَّذي أوجَبَه الله عَليك
13- حق الصدقة
*
وَأَمَّا حَقُّ الصَّدَقَةِ فَأَنْ تَعْلَمَ أنَّها ذُخرُكَ عِنْدَ رَبكَ وَوَديعَتُكَ الَّتِي لا تَحْتَاجُ إلَى الإشْهَادِ، فَإذا عَلِمْتَ ذَلِك كُنْتَ بمَا اسْتَودَعْتَهُ سِرًّا أَوْثقَ بمَا اسْتَوْدَعْتَهُ عَلانِيَةً، وَكُنْتَ جَدِيرًا أَنْ تَكونَ أَسْرَرْتَ إلَيْهِ أَمْرًا أَعْلَنْتَهُ، وَكَانَ الأَمْرُ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ فِيهَا سِرًّا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَمْ تَسْتَظْهِرْ عَلَيْهِ فِيمَا اسْتَوْدَعْتَهُ مِنْهَا بإشْهَادِ الأَسْمَاعِ وَالأَبْصَارِ عَلَيْهِ بهَا كَأنَّهَا أَوْثقُ فِي نَفْسِكَ لا كَأنَّكَ لا تثِقُ بهِ فِي تَأْديَةِ وَديعَتِكَ إلَيْكَ، ثُمَّ لَمْ تَمْتَنَّ بهَا عَلَى أَحَدٍ لأَنّهَا لَكَ فَإذا امْتَنَنْتَ بهَا لَمْ تَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ بهَا مِثْلَ تَهْـجِينِ حَالِكَ مِنْهَا إلَى مَنْ مَنَنْتَ بهَا عَلَيْهِ لأَنَّ فِي ذلِكَ دَلِيلاً عَلَى أَنّكَ لَمْ تُرِدْ نفْسَكَ بهَـا، وَلَوْ أَرَدْتَ نفْسَكَ بهَا لَمْ تَمْتَنَّ بهَا عَلَى أَحَدٍ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.*
14- حق الهدي
*
وَأمَّا حَقُّ الهَدْيِ فَأَنْ تُخلِصَ بهَا الإرَادَةَ إلَى رَبكَ وَالتَّعَرُّضَ لِرَحْمَتِهِ وَقَبُولِهِ ولا تُرِيدَ عُيُونَ النَّاظِرِينَ دُونهُ، فـَإذَا كُنْتَ كَذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مُتَكَلِّفًا ولا مُتَصَنِّعًا وَكُنْتَ إنَّمَا تَقْصِدُ إلَى الله. وَاعْلَمْ أَنَّ الله يُرَادُ بالْيَسِيرِ وَلا يُرَادُ بالْعَسِيرِ كَمَا أَرَادَ بخَلْقِهِ التَّيْسِيرَ وَلَمْ يُرِدْ بهِمُ التَّعْسِيرَ، وَكَذَلِكَ التَّذَلُّلَ أَوْلَى بكَ مِن التَّدَهْقُنِ لأَنَّ الْكُلْفَةَ وَالْمَئونَةَ فِي الْمُتَدَهْقِنِينَ. فَأمَّا التَّذَلُّلُ وَالتَّمَسْكُنُ فَلا كُلْفَةَ فِيهِمَا وَلا مَئونةَ عَلَيْهِمَا لأَنَّهُمَا الْخِلْقَةَ وهُمَا مَوجُودَانِ فِي الطَّبيعَةِ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
15- حق سائسك بالسلطان
*
فأَمَّا حَقُّ سَائِسِكَ بالسُّلْطَانِ فَأَنْ تَعْلَمَ أنّكَ جُعِلْتَ لَهُ فِتنَة وأنَّهُ مُبْتَلىً فِيكَ بمَا جَعَلَهُ اللهُ لَهُ عَلَيْكَ مِنَ السُّلْطَانِ وَأَنْ تُخلِصَ لَهُ فِي النَّصِيحَةِ وَأَنْ لا تُمَاحِكَهُ وَقَدْ بُسِطْتَ يَدُهُ عَلَيْكَ فَتَكُونَ سَبَبَ هَلاكِ نفْسِكَ وَهلاكِهِ. وتَذَلَّلْ وتَلَطَّفْ لإِعْطَائِهِ مِنَ الرِّضَا مَا يَكُفُّهُ عَنْكَ وَلا يَضُرُّ بدينِكَ وتَسْتَعِينُ عَلَيْهِ فِي ذلِكَ باللهِ. ولا تُعَازَّهُ ولا تُعَانِدَهُ فَإنَّكَ إنْ فَعَلْتَ ذلِكَ عَقَقْتَهُ وَعَقَقْتَ نَفْسَكَ فَعَرَضْتَهَا لِمَكرُوهِهِ وَعَرَضْتَهُ لِلْهَلَكَةِ فِيكَ وَكُنْتَ خَلِيقًا أَنْ تَكُونَ مُعِينًا لَهُ عَلَى نفْسِكَ وَشَرِيكًا لَهُ فِيمَا أَتى إلَيْكَ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ
16- حق سائسك بالعلم
*
وأَمَّا حَقُّ سَائِسِكَ بالعِلْمِ فالتَّعْظِيمُ لَهُ والتَّوْقِيرُ لِمَجْلِسِهِ وَحُسْــــنُ الاسْتِمَاعِ إليهِ وَالإقْبَـالُ عَلَيْه وَالْمَعُونةُ لَهُ عَلَى نفْسِكَ فِيمَــــا لا غِنَى بكَ عَنْهُ مِنْ الْعِلْمِ بأَنْ تُفَرِّغَ لَهُ عَقلَكَ وَتُحْضِرَهُ فَهْمَكَ وتُزَكِّي لَهُ قَلْبَكَ وتُجَلِّى لَهُ بَصَرَكَ بتَرْكِ اللّذَّاتِ وَنقْص الشّهَوَاتِ، وَأَنْ تَعْلَـمَ أَنَّكَ فِيمَا أَلقَى إلَيْكَ رَسُولُهُ إلَى مَنْ لَقِيَكَ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ فَلَزِمَكَ حُسْنُ التَّأْدِيَةِ عَنْهُ إلَيْهِمْ، ولا تَخُنْهُ فِي تَأْدِيَةِ رِسَالَتِهِ وَالْقِيَامِ بهَا عَنْهُ إذا تَقَلَّدْتَهَا. وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ
17- حق السائس بالملك
*
وأمَّا حَقُّ سَائِسِكَ بالمِلْكِ فَنَحْوٌ مِنْ سَائِسِكَ بالسُّلْطَانِ إلاّ أَنَّ هذَا يَمْلِكُ مَا لا يَمْلِكُهُ ذاكَ، تَلْزِمُكَ طَاعَتُهُ فِيمَا دَقَّ وَجَلَّ مِنْكَ إلاّ أَنْ تُخرِجَكَ مِنْ وُجُـوب حَقِّ الله، ويَحُولَ بَينَكَ وبَيْنَ حَقِّهِ وَحُقُوقِ الخَلْقِ، فَإذَا قَضَيْتَهُ رَجَعْتَ إلَى حَقِّهِ فَتَشَاغَلْتَ بهِ. ولا قُوَّةَ إلاّ باللهِ.
18- حق الرعية بالسلطان
*
فأَمَّا حُقُوقُ رَعِيَّتِكَ بالسُّلْطَانِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّكَ إنَّمَا اسْتَرْعَيْتَهُمْ بفَضْلِ قُوَّتِكَ عَلَيْهِمْ فَإنَّهُ إنَّمَا أَحَلَّهُمْ مَحَلَّ الرَّعِيَّةِ لَكَ ضَعْفُهُمْ وَذُلُّهُمْ، فَمَــــا أَوْلَى مَنْ كَفَاكَهُ ضَعْفُهُ وَذُلُّهُ حَتَّى صَيَّرَهُ لَكَ رَعِيَّةً وَصَيَّرَ حُكْمَكَ عَلَيْهِ نَافِذاً، لا يَمْتَنِعُ مِنْـكَ بعِزَّةٍ وَلا قُوَّةٍ وَلا يَسْتَنْصِرُ فِيمَا تَعَاظَمَهُ مِنْكَ إلا [باللهِ] بالرَّحْمَةِ وَالْحِيَاطَةِ وَالأَناةِ، وَمَا أَولاكَ إذَا عَرَفْتَ مَا أَعْطَاكَ الله مِنْ فَضْلِ هذِهِ الْعِزَّةِ وَالقُوَّةِ الَّتِي قَهَرْتَ بهَا أَنْ تَكُونَ لِلّهِ شَاكِراً، وَمَنْ شَكَرَ الله أَعْطَاهُ فِيمَا أَنعَمَ عَلَيْهِ. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
19- حق الرعية
*
*أمَّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بالعِلْمِ فَأَنْ تَعْلَــمَ أَنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَكَ لَهُمْ* فِيمَا آتاكَ مِنَ الْعِلْمِ وَولاّكَ مِنْ خَزَانةِ الْحِكْمَةِ، فَإنْ أَحْسَنْتَ فِيمَا ولاّكَ اللهُ مِنْ ذلِكَ وَقُمْتَ بهِ لَهُمْ مَقَامَ الخَازِنِ الشَّفِيقِ النَّاصِحِ لِمَـــولاهُ فِي عَبيدِهِ، الصَّابرِ الْمُحْتَسِب الَّذِي إذَا رأَى ذا حَاجَةٍ أَخرَجَ لَهُ مِنَ الأَمْوَالِ الَّتِي فِي يَدَيهِ كُنْتَ رَاشِدًا، وَكُنْتَ لـِذَلِكَ آمِلاً مُعْتَقِدًا وَإلاّ كُنْتَ لَهُ خَائِنًا وَلِخَلقِهِ ظَالِمًا وَلِسَلْبهِ وَعِزِّهِ مُتَعَرِّضًا
20 - حق الزوجة
*
وَأمَّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بمِلْكِ النّكَاحِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَهَا سَكَنًا وَمُسْتَرَاحًا وَأُنْسًا وَوَاقِيةً، وَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا يَجِبُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَلَى صَاحِبهِ، ويَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ نِعْمَةٌ مِنْهُ عَلَيْهِ. وَوَجَبَ أَنْ يُحْسِنَ صُحْبَةَ نِعْمَةِ اللَّهِ وَيُكْرِمَهَا ويَرْفَقَ بهَا وَإنْ كَانَ حَقُّكَ عَلَيْهَا أَغْلَظَ وَطَاعَتِكَ بهَا أَلْزَمَ فِيمَا أَحْببْتَ وَكَرِهْتَ مَا لَمْ تَكنْ مَعْصِيةً، فإنَّ لَهَا حَقُّ الرَّحـْمَةُ وَالْمُؤَانَسَةِ، وَمَوْضِعُ السُّكُونِ إلَيهَا قَضَاءَ اللَّذَّةِ الَّتِي لا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وَذَلِكَ عَظِيمٌ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.*
21- حق الرعية بملك اليمين
*
وَأمَّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بمِلْكِ اليَمِينِ فَأَنْ تَعْلَمَ أنَهُ خَلْقُ رَبكَ، وَلَحْمُكَ وَدَمُكَ وَأَنَّكَ تَمْلِكُهُ لا أنْتَ صَنَعْتَهُ دُونَ اللَّهِ وَلا خَلَقْتَ لَهُ سَمْعًا وَلا بَصَرًا وَلا أَجْرَيتَ لَهُ رِزْقًا وَلَكِنَّ اللَّهَ كَفَاكَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَخَّرَهُ لَكَ وَائْتَمَنَكَ عَلَيْهِ وَاسْتَوْدَعَكَ إيَّاهُ لِتَحْفَظَهُ فِيهِ وتَسِيرَ فِيهِ بسِيرَتِهِ فَتُطْعِمَهُ مِمَّا تَأْكُلُ وَتُلْبسَهُ مِمَّا تَلْبَسُ وَلا تُكَلِّفَهُ مَا لا يُطِيقُ، فَإنْ كَرِهْتَ[هُ] خَرَجْتَ إلَى اللَّهِ مِنْهُ وَاسْتَبْدَلْتَ بهِ وَلَـمْ تُعَذِّبْ خَلْقَ اللَّهِ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
22- حق الأم
*
فَحَقُّ أُمِّكَ، فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهَا حَمَلَتكَ حَيْثُ لا يَحْمِلُ أَحَدٌ أَحَدًا وَأَطْعَمَتكَ مِنْ ثَمَرَةِ قَلْبها مَا لا يُطْعِمُ أَحَدٌ أَحَدًا، وَأَنَّهَا وَقَتكَ بسَمْعِهَا وبَصَرِهَا ويَدِهَا وَرِجْلها وَشَعْرِهَا وبَشَرِهَا وَجَمِيعِ جَوَارِحِهَا مُسْتَبشِرَةً بذَلِكَ، فَرِحَةً مُوَابلَةً، مُحْتَمِلَةً لِمَا فِيهِ مَكْرُوهُهــا وأَلَمُها وثِقْلُها وَغَمُّهَا حَتَّى دَفَعَتهَا عَنْكَ يَدُ الـقُدْرَةِ وَأَخرَجَتكَ إلَى الأَرضِ فَرَضِيَتْ أَنْ تَشْبَعَ وتجـُوعُ هِيَ، وَتَكْسُوكَ وَتعْرَى، وَتُرْوِيكَ وَتَظْمَأُ،وَتُظِلُّكَ وتَضْحَى، وَتُنَعِّمَكَ ببُؤْسِهَا، وَتُلَذِّذُكَ بالنَّوْمِ بأَرَقِهَا، وَكَانَ بَطْنُهَا لَكَ وِعَاءً، وَحِجْرُهَا لَكَ حِوَاءً، وثَدْيُهَا لَكَ سِقَاءً، ونَفْسُهَا لَكَ وِقَاءً، تُبَاشِرُ حَرَّ الدُّنيَا وبَرْدِهَا لَكَ وَدُونَكَ، فَتَشْكُرَهَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ وَلا تَقْدِرُ عَلَيْهِ إلاّ بعَونِ اللَّهِ وَتَوفِيقِهِ
23- حق الأب
*
وَأمَّا حَقُّ أَبيكَ فَتَعْلَمَ أنَّهُ أَصْلُكَ، وَأنَّكَ فَرْعُــــــهُ، وَأَنَّكَ لَوْلاهُ لَمْ تَكُنْ. فَمَهْمَا رَأيْتَ فِي نفْسِكَ مِمَّا يُعْجِبُكَ فَاعْلَمْ أَنَّ أَبَاكَ أَصْلُ النِّعْمَةِ عَلَيْكَ فِيهِ وَاحْمَدِ اللَّهَ وَاشْكُرْهُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ وَلا قُوَّةَ إلاّ باللهِ.
24- حق الولد
*
وَأمَّا حَقُّ وَلَدِكَ فَتَعْلَمَ أنَّهُ مِنْكَ وَمُضَافٌ إلَيكَ فِي عَاجِلِ الدُنْيَا بخَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَأَنَّكَ مَسْئولٌ عَمَّا ولِّيتَهُ مِنْ حُسْنِ الأَدَب وَالدّلالَةِ عَلَى رَبهِ وَالْمَعُونةِ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ فِيكَ وَفِي نفْسِهِ، فَمُثابٌ عَلَى ذلِكَ وَمُعَاقَبٌ، فَاعْمَلْ فِي أَمْرِهِ عَمَلَ الْمُتَزَيِّنِ بحُسْنِ أَثرِهِ عَلَيْهِ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، الْمُعْذِرِ إلَى رَبهِ فِيمَا بَيْنَكَ وبَيْنَهُ بحُسْنِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ وَالأَخذُ لَهُ مِنْهُ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
25- حق الأخ
*
وَأَمّا حَقُّ أَخِيكَ فَتَعْلَمَ أَنّهُ يَدُكَ الَّتِي تَبسُطُهَا، وَظَهْرُكَ الَّذِي تَلْتَجِئُ إلَيـهِ، وَعِزُّكَ الَّذِي تَعْتَمِدُ عَلَيهِ، وَقُوَّتُكَ الَّتِي تَصُولُ بهَا، فَلا تَتَّخِذْهُ سِلاحًا عـَلَى مَعـْصيةِ اللَّهِ ولا عُدَّةً لِلظُّلْمِ بحَـقِّ اللَّهِ، ولا تَدَعْ نُصْرتَهُ عَلَى نفْسِهِ وَمَعُونتِهِ عَلَى عَدُوِّهِ وَالْحَوْلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ شَيَاطينهِ وتَأْديَةِ النَّصِيحَةِ إلَيهِ والإقبَالِ عَلَيْهِ فِي اللَّهِ فَإنْ انقَادَ لِرَبهِ وَأَحْسَنَ الإجَابَةَ لَهُ وَإلاّ فَلْيَكُنِ اللهُ آثرَ عِنْدَكَ وَأَكْرَمَ عَلَيْكَ مِنْهُ
*26- حق المنعم على مولاه*
وَأَمّا حَقُّ الْمُنْعِمِ عَلَيْكَ بالْولاءِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنّهُ أَنفَقَ فِيكَ مَالَهُ، وَأَخرَجَكَ مِن ذُلِّ الرِّقِ وَوَحْشَتِهِ إلَى عِزِّ الحُرِّيةِ وأُنسِها، وَأَطْلَقَكَ مِنْ أَسْرِ الْمِلْكَةِ، وَفَكَّ عَنْكَ حلَقَ الْعُبُودِيَّةِ، وَأَوْجَدَكَ رَائِحَة الْعِزِّ، وَأَخرَجَكَ مِنْ سِجْنِ القَهْرِ، وَدَفَعَ عَنْكَ الْعُسْرَ، وبَسَطَ لَكَ لِسَانَ الإنْصَافِ، وَأَبَاحَكَ الدُنْيَا كُلَّهَا فَمَلَّكَكَ نفْسَكَ، وَحَلَّ أَسْرَكَ، وَفَرَّغَكَ لِعِبَادَةِ رَبكَ، وَاحْتَمَلَ بذَلِكَ التَّقْصِيرَ فِي مَالِهِ، فَتَعْلَمَ أَنّهُ أَوْلَى الخَلْقِ بكَ بَعْدَ أُولي رَحِمِكَ فِي حَيَاتِكَ وَمَوْتِكَ، وَأَحَقَّ الخَلْقِ بنَصْرِكَ وَمَعُونَتِكَ وَمُكَانفَتِكَ فِي ذَات اللَّهِ، فَلا تُؤثِرْ عَلَيْهِ نفْسَكَ مَا احْتَاجَ إلَيْكَ.
27- حق المولى الجارية عليه نعمتك
*
وَأَمَّا حَقُّ مَوْلاكَ الْجَارِيَةِ عَلَيْهِ نِعْمَتُكَ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللهَ جَعَلَكَ حَــامِيَةً عَلَيْهِ، وَوَاقِيَةً وناصِرًا وَمَعْقِلاً، وَجَعَلَهُ لَكَ وَسِيلَةً وَسَبَباً بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ فَبالْحَرِيِّ أَنْ يَحْجُبَكَ عَنِ النَّارِ فَيَكُونَ فِي ذَلِكَ ثَوَابٌ مِنْهُ فِي الآجِلِ، ويَحْكُمُ لَكَ بمِيرَاثِهِ فِي الْعَاجِلِ إذَا لم يَكُنْ لَهُ رَحِمٌ، مُكَافَأَةً لِمَا أَنفَقْتَهُ مِنْ مَالِكَ عَلَيْـهِ وَقُمْتَ بهِ مِنْ حَقِّهِ بَعْدَ إنفَاقِ مَالِكَ، فَإنْ لَمْ تَقُمْ بحَقِّهِ خِيفَ عَلَيْكَ أَنْ لا يَطِيبَ لَكَ مِيرَاثُهُ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ
28- حق ذي المعروف
*
وَأمّا حَقُّ ذِي المَعْرُوفِ عَلَيكَ فَأَنْ تَشْكُرَهُ وتَذْكُرَ مَعْرُوفَهُ وتَنْشُرَ لَهُ الْمَقَالَةَ الْحَسَنَةَ، وَتُخلِصَ لَهُ الدُّعَاءَ فِيمَا بَينَكَ وبَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَإنّكَ إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ كُنْتَ قَدْ شَكَرْتَهُ سِرًّا وَعَلانِيَـةً. ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ مُكَافَأَتَهُ بالْفِعْلِ كَافَأتَهُ وإلاّ كُنْتَ مُرْصِدًا لَهُ مُوطِّنًا نَفْسَكَ عَلَيْهَا
29 - حق المؤذن
*
وَأمّا حَقُّ الْمُؤَذِّنِ فَأَنْ تَعْلَمَ أنّهُ مُذَكِّرُكَ برَبكَ وَدَاعِـيكَ إلَى حَظِّكَ وَأَفْضَلُ أَعْوَانِكَ عَلَى قَضَاءِ الْفَرِيضَةِ الَّتِي افتَرَضَهَا اللهُ عَلَيْكَ فَتَشْكُرَهُ عَلَى ذَلِكَ شُكْرَكَ لِلْمُحْسِنِ إلَيكَ. وَإنْ كُنْتَ فِي بَيْتِكَ مُهْتَمًّا لِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ للهِ فِي أَمْرِهِ مُتَّهِماً وَعَلِمْتَ أنَّهُ نِعْمَةٌ مِن اللَّهِ عَلَيْكَ، لا شَكَّ فِيهَا، فَأَحْسِنْ صُحْبَةَ نِعْمَةِ اللَّهِ بحَمْدِ اللَّهِ عَلَيْهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
30- حق الإمام في الصلاة
*
وَأمّا حَقُّ إمَامِكَ فِي صَلاتِكَ فَأَنْ تَعلَمَ أنّهُ قَدْ تَقَلَّدَ السِّفَارَةَ فِيمَا بَيْنَكَ وبَيْنَ اللَّهِ وَالْوِفَادَةَ إلَى رَبكَ، وتَكَلَّمَ عَنْكَ وَلَمْ تَتَكَلَّمْ عَنْهُ، وَدعَا لَكَ وَلَمْ تَدْعُ لَهُ، وَطَلَبَ فِيكَ وَلَمْ تَطْلُبْ فِيهِ، وَكَفَاكَ هَمَّ الْمَقَامِ بَينَ يدي اللهِ وَالمُسَاءَلَةَ لَهُ فِيكَ وَلَمْ تَكْفِهِ ذَلِكَ، فَإنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَقْصِيرٌ كَانَ بهِ دُونَكَ، وَإنْ كَانَ آثِماً لَمْ تَكُنْ شَرِيكَهُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيكَ فَضلٌ، فَوقَى نَفْسَكَ بنَفْسـِهِ، وَوَقَى صـَلاتَكَ بصَلاتِهِ، فَتَشْكُرَ لَهُ عَلَى ذلِكَ. ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
31 - حق الجليس
*
وَأمّا حَقُّ الجَلِيسِ فَأَنْ تُلِينَ لَهُ كَنَفَكَ، وَتُطِيبَ لَهُ جَانِبَكَ، وَتُنْصِفَهُ فِي مُجَارَاةِ اللَّفْظِ ولا تُغْرِق فِي نَزْعِ اللَّحْظِ إذَا لَحَظْتَ وتَقْصُدَ فِي اللَّفْظِ إلَى إفْهَامِهِ إذَا لَفَظْتَ. وَإنْ كُنْتَ الْجَلِيسَ إلَيْهِ كُنْتَ فِي الْقِيَامِ عَنْهُ بالْخِيَارِ وَإنْ كَانَ الجَالِسَ إلَيكَ كَانَ بالخِيَارِ. ولا تَقُومُ إلا بــإذْنِهِ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ
32 - حق الجار
*
وَأمّا حَقُّ الجَارِ فَحِفْظُهُ غَائِبًا وَكَرَامَتُهُ شَاهِدًا ونُصْرَتُهُ وَمَعُونتُهُ فِي الحَـالَينِ جَمِيعاً. لا تَتَّبعْ لَهُ عَوْرَةً ولا تَبحَثْ لَهُ عَنْ سَوْءَ[ةٍ] لِتَعْرِفَهَا، فَإنْ عَرَفْتَهَا مِنْهُ عَنْ غَيْرِ إرَادَةٍ مِنْكَ وَلا تَكَلُّفٍ كُنْتَ لِمَا عَلِمْتَ حِصْناً حَصِيناً وَسِتْرًا سَتِيرًا، لَوْ بَحَثتِ الأَسِنَّةُ عَنْهُ ضَمِيرًا لَمْ تَتَّصِلْ إلَيْه لانطِوَائِهِ عَلَيهِ. لا تَسْــتَمِعْ عَلَيهِ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَـــمُ. لا تُسَلِّمْهُ عِنْدَ شَديدَةٍ، ولا تَحْسُدْهُ عِنْدَ نِعْمَةٍ. تُقِيلُ عَثْرَتهُ وتَغْفِرْ زَلَّتَهُ. ولا تَدَّخِرْ حِلْمَكَ عَنْهُ إذَا جَهِلَ عَلَيْـكَ، ولا تَخرُجْ أَنْ تَكُونَ سُلَّمًا لَهُ. تَرُدُّ عَنهُ لِسَانَ الشَّتِيمَةِ، وَتُبْطِلُ فِيهِ كَيْدَ حَامِلِ النَّصِيحَةِ، وَتُعَاشِرَهُ مُعَاشَرَةً كَرِيمَةً. وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
33 - حق الصاحب
*
وَأمـّا حَقُّ الصَّاحِب فَأَنْ تَصْحَبَهُ بالفَضلِ مَا وَجَدْتَ إلَيهِ سَبيلاً وإلا فَلا أَقَلَّ مِنَ الإنصَافِ، وَأَنْ تُكْرِمَهُ كَمَا يـُكْرِمُكَ، وَتـحْفَظَهُ كَمَا يـَحْفَظُكَ، ولا يَسْبقَكَ فِيمَــا بَينَكَ وبَينَهُ إلَى مـَكْرَمَةٍ، فَإنْ سَبَقَكَ كَافَـــأتَهُ. ولا تُقَصِّرَ بهِ عَمَّا يَسْتَحِقُّ مِنَ الْمَوَدَّةِ. تُلْزِمُ نفْسَكَ نصِيحَتَهُ وَحِيَاطَتَهُ وَمُعَاضَدتَهُ عَلَى طَاعَةِ رَبهِ وَمَعُونتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا لا يَهُمُّ بهِ مِنْ مَعْصِيةِ رَبهِ، ثُمَّ تَكُونُ [عَلَيْهِ] رَحْمَةً ولا تَكُونُ عَلَيهِ عَذَاباً. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
34 - حق الشريك
*
وَأمّا حَقُّ الشَّرِيكِ، فَإنْ غَابَ كَفَيْتَهُ، وَإنْ حَضَرَ سَاويْتَهُ، ولا تَعْزِمْ عَلَى حُكْمِكَ دُونَ حُكْمِهِ، وَلا تَعمَلْ برَأْيكَ دُونَ مُناظَرَتهِ، وتَحْفَظُ عَلَيْهِ مَالَهُ وَتنْفِي عَنْهُ خِيَانتَهُ فِيمَا عَزَّ أَو هَانَ فَإنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ "يَدَ اللهِ عَلَى الشَّرِيـكَيْنِ مَا لَمْ يَتَخاوَنا". ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
*
فَحَقُّ أُمِّكَ، فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهَا حَمَلَتكَ حَيْثُ لا يَحْمِلُ أَحَدٌ أَحَدًا وَأَطْعَمَتكَ مِنْ ثَمَرَةِ قَلْبها مَا لا يُطْعِمُ أَحَدٌ أَحَدًا، وَأَنَّهَا وَقَتكَ بسَمْعِهَا وبَصَرِهَا ويَدِهَا وَرِجْلها وَشَعْرِهَا وبَشَرِهَا وَجَمِيعِ جَوَارِحِهَا مُسْتَبشِرَةً بذَلِكَ، فَرِحَةً مُوَابلَةً، مُحْتَمِلَةً لِمَا فِيهِ مَكْرُوهُهــا وأَلَمُها وثِقْلُها وَغَمُّهَا حَتَّى دَفَعَتهَا عَنْكَ يَدُ الـقُدْرَةِ وَأَخرَجَتكَ إلَى الأَرضِ فَرَضِيَتْ أَنْ تَشْبَعَ وتجـُوعُ هِيَ، وَتَكْسُوكَ وَتعْرَى، وَتُرْوِيكَ وَتَظْمَأُ،وَتُظِلُّكَ وتَضْحَى، وَتُنَعِّمَكَ ببُؤْسِهَا، وَتُلَذِّذُكَ بالنَّوْمِ بأَرَقِهَا، وَكَانَ بَطْنُهَا لَكَ وِعَاءً، وَحِجْرُهَا لَكَ حِوَاءً، وثَدْيُهَا لَكَ سِقَاءً، ونَفْسُهَا لَكَ وِقَاءً، تُبَاشِرُ حَرَّ الدُّنيَا وبَرْدِهَا لَكَ وَدُونَكَ، فَتَشْكُرَهَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ وَلا تَقْدِرُ عَلَيْهِ إلاّ بعَونِ اللَّهِ وَتَوفِيقِهِ
23- حق الأب
*
وَأمَّا حَقُّ أَبيكَ فَتَعْلَمَ أنَّهُ أَصْلُكَ، وَأنَّكَ فَرْعُــــــهُ، وَأَنَّكَ لَوْلاهُ لَمْ تَكُنْ. فَمَهْمَا رَأيْتَ فِي نفْسِكَ مِمَّا يُعْجِبُكَ فَاعْلَمْ أَنَّ أَبَاكَ أَصْلُ النِّعْمَةِ عَلَيْكَ فِيهِ وَاحْمَدِ اللَّهَ وَاشْكُرْهُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ وَلا قُوَّةَ إلاّ باللهِ.
24- حق الولد
*
وَأمَّا حَقُّ وَلَدِكَ فَتَعْلَمَ أنَّهُ مِنْكَ وَمُضَافٌ إلَيكَ فِي عَاجِلِ الدُنْيَا بخَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَأَنَّكَ مَسْئولٌ عَمَّا ولِّيتَهُ مِنْ حُسْنِ الأَدَب وَالدّلالَةِ عَلَى رَبهِ وَالْمَعُونةِ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ فِيكَ وَفِي نفْسِهِ، فَمُثابٌ عَلَى ذلِكَ وَمُعَاقَبٌ، فَاعْمَلْ فِي أَمْرِهِ عَمَلَ الْمُتَزَيِّنِ بحُسْنِ أَثرِهِ عَلَيْهِ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، الْمُعْذِرِ إلَى رَبهِ فِيمَا بَيْنَكَ وبَيْنَهُ بحُسْنِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ وَالأَخذُ لَهُ مِنْهُ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
25- حق الأخ
*
وَأَمّا حَقُّ أَخِيكَ فَتَعْلَمَ أَنّهُ يَدُكَ الَّتِي تَبسُطُهَا، وَظَهْرُكَ الَّذِي تَلْتَجِئُ إلَيـهِ، وَعِزُّكَ الَّذِي تَعْتَمِدُ عَلَيهِ، وَقُوَّتُكَ الَّتِي تَصُولُ بهَا، فَلا تَتَّخِذْهُ سِلاحًا عـَلَى مَعـْصيةِ اللَّهِ ولا عُدَّةً لِلظُّلْمِ بحَـقِّ اللَّهِ، ولا تَدَعْ نُصْرتَهُ عَلَى نفْسِهِ وَمَعُونتِهِ عَلَى عَدُوِّهِ وَالْحَوْلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ شَيَاطينهِ وتَأْديَةِ النَّصِيحَةِ إلَيهِ والإقبَالِ عَلَيْهِ فِي اللَّهِ فَإنْ انقَادَ لِرَبهِ وَأَحْسَنَ الإجَابَةَ لَهُ وَإلاّ فَلْيَكُنِ اللهُ آثرَ عِنْدَكَ وَأَكْرَمَ عَلَيْكَ مِنْهُ
*26- حق المنعم على مولاه*
وَأَمّا حَقُّ الْمُنْعِمِ عَلَيْكَ بالْولاءِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنّهُ أَنفَقَ فِيكَ مَالَهُ، وَأَخرَجَكَ مِن ذُلِّ الرِّقِ وَوَحْشَتِهِ إلَى عِزِّ الحُرِّيةِ وأُنسِها، وَأَطْلَقَكَ مِنْ أَسْرِ الْمِلْكَةِ، وَفَكَّ عَنْكَ حلَقَ الْعُبُودِيَّةِ، وَأَوْجَدَكَ رَائِحَة الْعِزِّ، وَأَخرَجَكَ مِنْ سِجْنِ القَهْرِ، وَدَفَعَ عَنْكَ الْعُسْرَ، وبَسَطَ لَكَ لِسَانَ الإنْصَافِ، وَأَبَاحَكَ الدُنْيَا كُلَّهَا فَمَلَّكَكَ نفْسَكَ، وَحَلَّ أَسْرَكَ، وَفَرَّغَكَ لِعِبَادَةِ رَبكَ، وَاحْتَمَلَ بذَلِكَ التَّقْصِيرَ فِي مَالِهِ، فَتَعْلَمَ أَنّهُ أَوْلَى الخَلْقِ بكَ بَعْدَ أُولي رَحِمِكَ فِي حَيَاتِكَ وَمَوْتِكَ، وَأَحَقَّ الخَلْقِ بنَصْرِكَ وَمَعُونَتِكَ وَمُكَانفَتِكَ فِي ذَات اللَّهِ، فَلا تُؤثِرْ عَلَيْهِ نفْسَكَ مَا احْتَاجَ إلَيْكَ.
27- حق المولى الجارية عليه نعمتك
*
وَأَمَّا حَقُّ مَوْلاكَ الْجَارِيَةِ عَلَيْهِ نِعْمَتُكَ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللهَ جَعَلَكَ حَــامِيَةً عَلَيْهِ، وَوَاقِيَةً وناصِرًا وَمَعْقِلاً، وَجَعَلَهُ لَكَ وَسِيلَةً وَسَبَباً بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ فَبالْحَرِيِّ أَنْ يَحْجُبَكَ عَنِ النَّارِ فَيَكُونَ فِي ذَلِكَ ثَوَابٌ مِنْهُ فِي الآجِلِ، ويَحْكُمُ لَكَ بمِيرَاثِهِ فِي الْعَاجِلِ إذَا لم يَكُنْ لَهُ رَحِمٌ، مُكَافَأَةً لِمَا أَنفَقْتَهُ مِنْ مَالِكَ عَلَيْـهِ وَقُمْتَ بهِ مِنْ حَقِّهِ بَعْدَ إنفَاقِ مَالِكَ، فَإنْ لَمْ تَقُمْ بحَقِّهِ خِيفَ عَلَيْكَ أَنْ لا يَطِيبَ لَكَ مِيرَاثُهُ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ
28- حق ذي المعروف
*
وَأمّا حَقُّ ذِي المَعْرُوفِ عَلَيكَ فَأَنْ تَشْكُرَهُ وتَذْكُرَ مَعْرُوفَهُ وتَنْشُرَ لَهُ الْمَقَالَةَ الْحَسَنَةَ، وَتُخلِصَ لَهُ الدُّعَاءَ فِيمَا بَينَكَ وبَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَإنّكَ إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ كُنْتَ قَدْ شَكَرْتَهُ سِرًّا وَعَلانِيَـةً. ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ مُكَافَأَتَهُ بالْفِعْلِ كَافَأتَهُ وإلاّ كُنْتَ مُرْصِدًا لَهُ مُوطِّنًا نَفْسَكَ عَلَيْهَا
29 - حق المؤذن
*
وَأمّا حَقُّ الْمُؤَذِّنِ فَأَنْ تَعْلَمَ أنّهُ مُذَكِّرُكَ برَبكَ وَدَاعِـيكَ إلَى حَظِّكَ وَأَفْضَلُ أَعْوَانِكَ عَلَى قَضَاءِ الْفَرِيضَةِ الَّتِي افتَرَضَهَا اللهُ عَلَيْكَ فَتَشْكُرَهُ عَلَى ذَلِكَ شُكْرَكَ لِلْمُحْسِنِ إلَيكَ. وَإنْ كُنْتَ فِي بَيْتِكَ مُهْتَمًّا لِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ للهِ فِي أَمْرِهِ مُتَّهِماً وَعَلِمْتَ أنَّهُ نِعْمَةٌ مِن اللَّهِ عَلَيْكَ، لا شَكَّ فِيهَا، فَأَحْسِنْ صُحْبَةَ نِعْمَةِ اللَّهِ بحَمْدِ اللَّهِ عَلَيْهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
30- حق الإمام في الصلاة
*
وَأمّا حَقُّ إمَامِكَ فِي صَلاتِكَ فَأَنْ تَعلَمَ أنّهُ قَدْ تَقَلَّدَ السِّفَارَةَ فِيمَا بَيْنَكَ وبَيْنَ اللَّهِ وَالْوِفَادَةَ إلَى رَبكَ، وتَكَلَّمَ عَنْكَ وَلَمْ تَتَكَلَّمْ عَنْهُ، وَدعَا لَكَ وَلَمْ تَدْعُ لَهُ، وَطَلَبَ فِيكَ وَلَمْ تَطْلُبْ فِيهِ، وَكَفَاكَ هَمَّ الْمَقَامِ بَينَ يدي اللهِ وَالمُسَاءَلَةَ لَهُ فِيكَ وَلَمْ تَكْفِهِ ذَلِكَ، فَإنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَقْصِيرٌ كَانَ بهِ دُونَكَ، وَإنْ كَانَ آثِماً لَمْ تَكُنْ شَرِيكَهُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيكَ فَضلٌ، فَوقَى نَفْسَكَ بنَفْسـِهِ، وَوَقَى صـَلاتَكَ بصَلاتِهِ، فَتَشْكُرَ لَهُ عَلَى ذلِكَ. ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
31 - حق الجليس
*
وَأمّا حَقُّ الجَلِيسِ فَأَنْ تُلِينَ لَهُ كَنَفَكَ، وَتُطِيبَ لَهُ جَانِبَكَ، وَتُنْصِفَهُ فِي مُجَارَاةِ اللَّفْظِ ولا تُغْرِق فِي نَزْعِ اللَّحْظِ إذَا لَحَظْتَ وتَقْصُدَ فِي اللَّفْظِ إلَى إفْهَامِهِ إذَا لَفَظْتَ. وَإنْ كُنْتَ الْجَلِيسَ إلَيْهِ كُنْتَ فِي الْقِيَامِ عَنْهُ بالْخِيَارِ وَإنْ كَانَ الجَالِسَ إلَيكَ كَانَ بالخِيَارِ. ولا تَقُومُ إلا بــإذْنِهِ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ
32 - حق الجار
*
وَأمّا حَقُّ الجَارِ فَحِفْظُهُ غَائِبًا وَكَرَامَتُهُ شَاهِدًا ونُصْرَتُهُ وَمَعُونتُهُ فِي الحَـالَينِ جَمِيعاً. لا تَتَّبعْ لَهُ عَوْرَةً ولا تَبحَثْ لَهُ عَنْ سَوْءَ[ةٍ] لِتَعْرِفَهَا، فَإنْ عَرَفْتَهَا مِنْهُ عَنْ غَيْرِ إرَادَةٍ مِنْكَ وَلا تَكَلُّفٍ كُنْتَ لِمَا عَلِمْتَ حِصْناً حَصِيناً وَسِتْرًا سَتِيرًا، لَوْ بَحَثتِ الأَسِنَّةُ عَنْهُ ضَمِيرًا لَمْ تَتَّصِلْ إلَيْه لانطِوَائِهِ عَلَيهِ. لا تَسْــتَمِعْ عَلَيهِ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَـــمُ. لا تُسَلِّمْهُ عِنْدَ شَديدَةٍ، ولا تَحْسُدْهُ عِنْدَ نِعْمَةٍ. تُقِيلُ عَثْرَتهُ وتَغْفِرْ زَلَّتَهُ. ولا تَدَّخِرْ حِلْمَكَ عَنْهُ إذَا جَهِلَ عَلَيْـكَ، ولا تَخرُجْ أَنْ تَكُونَ سُلَّمًا لَهُ. تَرُدُّ عَنهُ لِسَانَ الشَّتِيمَةِ، وَتُبْطِلُ فِيهِ كَيْدَ حَامِلِ النَّصِيحَةِ، وَتُعَاشِرَهُ مُعَاشَرَةً كَرِيمَةً. وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
33 - حق الصاحب
*
وَأمـّا حَقُّ الصَّاحِب فَأَنْ تَصْحَبَهُ بالفَضلِ مَا وَجَدْتَ إلَيهِ سَبيلاً وإلا فَلا أَقَلَّ مِنَ الإنصَافِ، وَأَنْ تُكْرِمَهُ كَمَا يـُكْرِمُكَ، وَتـحْفَظَهُ كَمَا يـَحْفَظُكَ، ولا يَسْبقَكَ فِيمَــا بَينَكَ وبَينَهُ إلَى مـَكْرَمَةٍ، فَإنْ سَبَقَكَ كَافَـــأتَهُ. ولا تُقَصِّرَ بهِ عَمَّا يَسْتَحِقُّ مِنَ الْمَوَدَّةِ. تُلْزِمُ نفْسَكَ نصِيحَتَهُ وَحِيَاطَتَهُ وَمُعَاضَدتَهُ عَلَى طَاعَةِ رَبهِ وَمَعُونتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا لا يَهُمُّ بهِ مِنْ مَعْصِيةِ رَبهِ، ثُمَّ تَكُونُ [عَلَيْهِ] رَحْمَةً ولا تَكُونُ عَلَيهِ عَذَاباً. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
34 - حق الشريك
*
وَأمّا حَقُّ الشَّرِيكِ، فَإنْ غَابَ كَفَيْتَهُ، وَإنْ حَضَرَ سَاويْتَهُ، ولا تَعْزِمْ عَلَى حُكْمِكَ دُونَ حُكْمِهِ، وَلا تَعمَلْ برَأْيكَ دُونَ مُناظَرَتهِ، وتَحْفَظُ عَلَيْهِ مَالَهُ وَتنْفِي عَنْهُ خِيَانتَهُ فِيمَا عَزَّ أَو هَانَ فَإنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ "يَدَ اللهِ عَلَى الشَّرِيـكَيْنِ مَا لَمْ يَتَخاوَنا". ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
35 - حق المال
*
وَأمّا حَقُّ المَالِ، فَأَنْ لا تَأْخُذَهُ إلاّ مِنْ حِلِّهِ، ولا تُنْفِقَهُ إلاّ فِي حِلِّهِ، وَلا تُحَرِّفْهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ، ولا تَصْرِفَهُ عَنْ حَقَائِقِهِ، ولا تَجْعَلْهُ إذا كَانَ مِنَ اللَّهِ إلاّ إلَيهِ وَسَبَباً إلَى اللَّهِ. ولا تُؤثِرَ بهِ عَلَى نفْسِكَ مَنْ لَعَلَّهُ لا يَحْمَدُكَ، وَبالْحَرِيِّ أَنْ لا يُحْسنَ خِلافَتَهُ فِي تَرِكَتِكَ ولا يَعْمَلُ فِيهِ بطَاعَةِ ربكَ فَتَكُونَ مُعِينًا لَهُ عَلَى ذلِكَ أَو بمَا أَحْدَثَ فِي مَالِكَ أَحْسَنَ نَظَرًا لِنَفْسِهِ، فَيَعْمَلَ بطَاعَةِ رَبهِ فَيَذْهَبَ بالْغَنِيمَةِ وتَبُوءَ بالإثمِ وَالْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ مَعَ التَّبعَةِ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
36 - حق الغريم الطالب
*
وَأمّا حَقُّ الغَرِيمِ الطَّالِب لَكَ، فَإنْ كُنْتَ مُوسِرًا أَوفَيتَهُ وَكَفَيتَهُ وَأَغْنَيتَهُ وَلَمْ ترْدُدْهُ وتَمْطُلْهُ فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - قَالَ - "مَـطَلُ الغَنِيَّ ظُلْمٌ". وَإنْ كُنْتَ مُعْسِرًا أَرْضَيتَهُ بحُسْنِ القَوْلِ وَطَلَبتَ إلَيهِ طَلَباً جَـمِيلاً وَرَدَدتَهُ عَنْ نفْسِكَ ردًّا لَطِيفًا، وَلَمْ تَجْمَعَ عَلَيْهِ ذهَابَ مَالِهِ وَسُوءَ مُعَامَلَتِهِ فَإنَّ ذلِكَ لؤمٌ. ولا قُوَّةَ إلاّ باللهِ.*
37 - حق الخليط
*
وَأمّــــــا حَقُّ الخَلِيطِ فَأَنْ لا تَغُرَّهُ ولا تَغُشَّـهُ ولا تُكَذِبَهُ ولا تُغَفِّلَهُ ولا تَخدَعَهُ ولا تَعمَلْ فِي انتِقَـــاضِهِ عَمَلَ الْعَدُوِّ الَّذِي لا يُبقِي عَلَى صَاحِبهِ وَإنِ اطْمَأَنَّ إلَيكَ اسْتَقْصَيتَ لَهُ عَلَى نفْسِـكَ وَعَلِمْتَ أَنَّ غَبْنَ الْمُسْتَرْسِلِ رِِبًا. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
38 - حق الخصم
حق الخصم المدعي عليك
وَأمّا حَقُّ الخَصْمِ المُدَّعِي عَلَيْكَ، فَإنْ كَانَ مَا يَدَّعِي عَلَيكَ حَقّاً لَمْ تنفَسِخ فِي حُجَّتِهِ وَلَمْ تَعمَلْ فِي إبطَالِ دَعْوَتِهِ وَكُنْتَ خَصْـمَ نفْسِكَ لَهُ والحَاكِمَ عَلَيْهَا والشَّاهِدَ لَهُ بحَقِّهِ دُونَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ، فَإنَّ ذلِكَ حَقُّ اللَّهِ عَلَيْكَ، وَإنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ بَاطِلاً رَفَقْتَ بهِ وَرَوَّعْتَهُ* وناشَدتهُ بدِينِه وَكَسَرْتَ حِدَّتهُ عَنكَ بذِكْرِ اللهِ وَأَلْقَيْتَ حَشْوَ الْكَلامِ وَلَغَطَهُ الَّذِي لا يَرُدُّ عَنْكَ عَـاديَةَ عَدُوِّكَ بَلْ تبُوءُ بإثمِهِ وَبهِ يَشْحَذُ عَلَيْكَ سَيفَ عَدَاوَتِهِ لأَنَّ لَفْظَةَ السُّوءِ تَبعَثُ الشَّرَّ. وَالخَيْرُ مُقْمِعَةٌ لِلشَّرِّ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
39 - حق المستشير
*
وَأمّا حَقُّ المُسْتَشِيرِ، فَإنْ حَضَرَكَ لَهُ وَجْهُ رَأْىٍ جَهَدْتَ لَهُ فِي النَّصِيحَةِ، وَأَشَرْتَ عَلَيهِ بمَا تَعْلَمُ أَنَّكَ لَوْ كُنْتَ مَكَانهُ عَمِلْتَ بهِ، وَذَلِكَ لِيَكُنْ مِنْكَ فِي رَحْمَةٍ وَلِينٍ، فَإنَّ اللِّينَ يُؤْنِسُ الْوَحْشَةَ وَإنَّ الْغِلْظَ يُوحِشُ مَوضِعَ الأنْسِ. وَإنْ لَمْ يَحْضُرْكَ لَهُ رَأيٌ وَعَرَفْتَ لَهُ مَنْ تثِقُ برَأيِهِ وَترْضَى بهِ لِنَفْسِكَ دَلَلْتَهُ عَلَيْهِ وَأَرْشَدتَهُ إلَيْهِ، فَكُنْتَ لَمْ تَألُهُ خَيرًا وَلَمْ تَدَّخِرْهُ نُصْحاً. ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
40 - حق المشير
*
وَأمّا حَقُّ المُشِيرِ عَلَيْكَ فَلا تتَّهِمْهُ فِيمَا لا يُوافِقُكَ عَلَيهِ مِنْ رَأْيِهِ إذا أَشَـارَ عَلَيْكَ فَإنَّمَا هِيَ الآرَاءُ وَتصَرُّفُ النَّـاسِ فِيهَا وَاختِلافُهُمْ. فَكُنْ عَلَيهِ فِي رَأيِهِ بالخِيَارِ إذا اتَّهمْتَ رَأْيَهُ، فَأَمّا تُهْمتُهُ فَلا تَجُوزُ لَكَ إذَا كَانَ عِنْدكَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْمُشَاوَرَةَ. وَلا تَدَعْ شُكْرَهُ عَلَى مَـا بَدَا لَكَ مِن إشْخاصِ رَأْيِهِ وَحُسْنِ وَجْهِ مَشُورَتِهِ، فَإذا وَافَقَكَ حَمِدتَ اللَّهَ وَقَبلْتَ ذلِكَ مِن أَخِيكَ بالشّـكْرِ والإرْصَادِ بالْمُكَافَأَةِ فِي مِثلِهَا إنْ فَزِعَ إلَيْكَ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
41 - حق المستنصح
*
وَأمّــا حَقُّ المُسْتَنصِحِ فَإنَّ حَقَّهُ أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيهِ النَّصِيحَةَ عَلَى الحَقِّ الَّذِي تَرَى لَهُ أنّهُ يحْمِلُ وَتخرُجَ المَخرَجَ الَّذِي يَلينُ عَلَى مَسامِعِهِ، وتُكَلِّمَهُ مِنَ الْكَلامِ بمَا يُطِيقُهُ عَقلُهُ، فَإنَّ لِكُلِّ عَقْلٍ طَبقَةً مِنَ الْكَلامِ يَعْرِفُهُ ويَجْتَنِبُهُ، وَلْيَكُنْ مَذهَبَكَ الرَّحْمَةَ. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
42 - حق الناصح
*
وَأمّا حَقُّ النَّاصِحِ فَأَنْ تُلِينَ لَهُ جَنَاحَكَ ثُمَّ تشرأب لَهُ قَلبَكَ وَتفْتَحَ لَهُ سَمْعَكَ حتَّى تَفْهَمَ عَنهُ نصِيحَتَهُ، ثُمَّ تنْظُرَ فِيهَا، فَإنْ كَانَ وُفّقَِ فِيهَا لِلصَّوَاب حَمِدْتَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ وَقَبلْتَ مِنْهُ وَعَرَفْتَ لَهُ نَصِيحَتَهُ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ وُفّقَِ لَهَا فِيهَا رَحِمْتَهُ وَلَمْ تتَّهِمَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَمْ يألُكَ نُصْحًا إلا أنَّهُ أَخطأَ إلا أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ مُسْتَحِقًّا لِلتُّهْمَةِ فلا تَعْبَأْ بشيء مِنْ أَمْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
43 - حق الكبير
*
وَأمّا حَقُّ الكبيرِ فَإنَّ حَقَّهُ تَوقِيرُ سِنِّهِ وَإجْلالِ إسْلامِهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضلِ فِي الإسْلامِ بتَقْدِيمِهِ فِيهِ وتَرْكِ مُقَابَلَتِهِ عِنْدَ الْخِصَامِ ولا تَسْبقْهُ إلَى طَرِيقٍ، ولا تَؤُمَّهُ فِي طـرِيقٍ ولا تَسْتَجْهِلْهُ. وَإنْ جَهِلَ عَلَيْكَ تحَمَّلْتَ وَأَكْرَمتَهُ بحَقِّ إسْلامِهِ مَعَ سِنِّهِ فَإنّمَا حَقُّ السِّنِّ بقَدْرِ الإسْلامِ. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
44 - حق الصغير
*
وَأمّا حَقُّ الصَّغِيرِ فَرَحْمتُهُ وتَثقِيفُهُ وتَعْلِيمُهُ وَالعَفْوُ عَنْهُ وَالسِّترُ عَلَيهِ وَالرِّفْقُ بهِ وَالمَعُونَةُ لـَهُ وَالسِّترُ عَلَى جَرَائِرِ حَدَاثتِهِ فَإنّهُ سَبَبٌ لِلتَّوبَةِ وَالْمُدَارَاةُ لَهُ وتَرْكُ مُمَاحَكَتِهِ، فَإنَّ ذَلِكَ أَدنى لِرُشْدِهِ.
45 - حق السائل
*
وَأمّا حَقُّ السَّائِلِ فَإعْطَاؤُهُ إذا تَيَقَّنتَ صِدْقَهُ وَقَدَرْتَ عَلَى سَدِّ حَاجَتِهِ، وَالدُّعَاءُ لَهُ فِيمَـا نزَلَ بهِ، وَالْمُعَاوَنةُ لَهُ عَلَى طَلِبَتِهِ، وَإن شَكَكْتَ فِي صِدْقِهِ وَسَبَقْتَ إلَيهِ التُّهْمَةُ لَهُ وَلَمْ تَعْزِمْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ أَرَادَ أَنْ يَصُدَّكَ عَنِ حَظِّكَ ويَحُولَ بَيْنَكَ وبَينَ التَّقَرُّب إلَى رَبكَ فَتَرَكْتَهُ بسِترِهِ وَرَدَدتَهُ رَدًّا جَمِيلاً. وَإنْ غَلَبتَ نفْسَكَ فِي أَمْرِهِ وَأَعْطَيتَهُ عَلَى مَا عَرَضَ فِي نفْسِكَ مِنْهُ، فإنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ
46 - حق المسؤول
*
وَأمّا حَقُّ المَسئولِ فَحَقُّهُ إنْ أَعْطَى قُبلَ مِنْهُ مَا أَعْطَى بالشُّكْرِ لَهُ وَالمَعْرِفَةِ لِفَضْلِهِ وَطَلَبَ وَجْهِ الْعُذْرِ فِي مَنعِهِ، وَأَحْسَنَ بهِ الظَّنَّ. وَاعْلَمْ أنَّهُ إنْ مَنِعَ [فَ]مَالَهُ مَنَعَ وَأَنْ لَيْسَ التَّثرِيبُ فِي مَالِه، وَإنْ كَانَ ظَالِمًا فَإنَّ الإنسَانَ لَظلُومٌ كَفَّارٌ
47 - حق من سرك الله به وعلى يديه
*
وَأمّا حَقُّ مَنْ سَرَّكَ اللهُ بهِ وَعلَى يَدَيهِ، فَإنْ كَانَ تَعَمَّدَهَا لَكَ حَمِدْتَ اللهَ أَوّلاً ثمَّ شَكَرْتَهُ عَلَى ذلِكَ بقَدْرِهِ فِي مَوْضِعِ الجَزَاءِ وَكَافَأتَهُ عَلَى فَضْلِ الابْتِدَاءِ وَأَرْصَدْتَ لَهُ الْمُكَافَأَةَ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ تَعَمَّدَهَا حَمِدْتَ اللهَ وَشَكَرتَهُ وعَلِمْتَ أنَّهُ مِنْهُ، تَوَحَّدَكَ بهَا وأَحْبَبتَ هذا إذ كَانَ سَبَباً مِنْ أَسْبَاب نِعَمِ اللهِ عَلَيْكَ وَترْجُو لَهُ بَعْدَ ذلِكَ خَيرًا، فإنَّ أَسْبَابَ النِّعَمِ بَرَكَةٌ حَيثُ مَا كَانتْ وَإنْ كَانَ لَمْ يَتَعَمَّدَ. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ
48 -* حق من ساءك القضاء على يديه بقول أو فعل
*
وَأمّا حَقُّ مَنْ سَاءَكَ القَضَاءُ عَلَى يَدَيهِ بقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَإنْ كَانَ تَعَمَّدَهَا كَانَ العَفْوُ أَوْلَى بكَ لِمَا فِيهِ لَهُ مِن القَمْعِ وَحُسْنَ الأَدَب مَعَ كَثِيرِ أَمْثالِهِ مِنَ الخَلْقِ، فإنَّ اللهَ يَقُولُ {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبيلٍٍ. إنمَّا السّبيلُ عَلى الَّذين يظْلِمونَ النَّاسَ ويَبغونَ في الأرْضِ بغَيرِ الحَقِّ، أُولئِكَ لهُم عَذابٌ أليِمٌ. وَلمَنْ صَبَرَوَغَفَرَ إنَّ ذلِكَ لََمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بمِثلِ مَا عُوقِبتُمْ به وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابرِينَ} هَذا فِي الْعَمْدِ فَإنْ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا لَمْ تَظْلِمْهُ بتَعَمُّدِ الانتِصَارِ مِنْهُ فَتَكُونَ قَدْ كَافَأتَهُ فِي تَعَمّدٍ عَلَى خَطَأٍ. وَرَفِقْتَ بهِ وَرَدَدتَهُ بأَلْطَفِ مَا تقْدِرُ عَلَيْهِ. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ
49 - حق أهل ملتك عامة
*
وَأمّا حَقُّ أَهْلِ مِلَّتِكَ عَامَّةً فَإضْمَارُ السَّلامَةِ وَنشْرِ جَنَاحِ الرَّحْمَةِ وَالرِّفْقِ بمُسِيئِهـمْ وَتأَلُّفُهُمْ وَاسْتِصْلاحُهُمْ وَشُكْرُ مُحْسِنِهِمْ إلَى نفْسِهِ وَإلَيْكَ، فَإنَّ إحْسَانهُ إلَى نفْسِهِ إحْسَانهُ إلَيكَ إذا كَفَّ عَنْكَ أَذاهُ وَكَفَاكَ مَئونتَهُ وَحَبَسَ عَنكَ نفْسَهُ فَعَمِّهِمْ جَمِيعًا بدَعْوَتِكَ وَانصُرْهُمْ جَمِيعـاً بنُصْرَتِكَ وَأَنزَلتَهُمْ جَمِيعاً مِنْكَ مَنَازِلَهُمْ، كَبيرَهُمْ بمَنْزِلَةِ الْوَالِـدِ وَصَغِيرَهُمْ بمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَأَوْسَطَهُمْ بمَنْزِلَةِ الأَخِ. فَمَـنْ أَتاكَ تَعَاهَدْتَه بلُطْفٍ وَرَحْمَةٍ. وَصِلْ أَخَاكَ بمَا يَجِبُ لِلأَخِ عَلَى أَخِيهِ.
50 - حق أهل الذمة
*
وَأمّا حَقُّ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَالحُكْمُ فِيهِمْ أَنْ تَقبَلَ مِنْهُمْ مَا قَبِلَ اللهُ، وَتَفِي بمَا جَعَلَ اللهُ لَهُمْ مِنْ ذِمَّتِهِ وَعَهْدِهِ وَتكِلُهُمْ إلَيهِ فِيمَا طَلبُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأُجْبرُِوا عَلَيْهِ وَتحْكُمَ فِيهِمْ بمَا حَكَمَ اللهُ بهِ عَلَى نفْسِكَ فِيمَا جَرَى بَيْنَكَ [وَبيْنَهمْ] مِنْ مُعَامَلَةٍ وَلْيَكُنْ بَينَكَ وَبيْنَ ظُلْمِهِمْ مِنْ رِعَايَةِ ذِمَّةِ اللَّهِ وَالْوَفَاءِ بعَهْدِهِ وَعَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - حَائِلٌ فَإنَّهُ بَلَغَنَا أنَّهُ قَالَ "مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِـدًا كُنْتُ خَصْمَهُ" فَاتَّقِ اللَّهَ. ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
فَهذِهِ خَمْسُونَ حَقًّا مُحِيطًا بكَ لا تَخرُجْ مِنْهَـا فِي حَالٍ مِن الأَحْـوَالِ، يَجِبُ عَلَيْكَ رِعَايَتُهَا وَالْعَمَلُ فِي تَأْدِيَتِهَا وَالاسْتِعَانَةُ باللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ. وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ وَالْحَمْدُ للهِ رَب العَالَمِينَ.
*
وَأمّا حَقُّ المَالِ، فَأَنْ لا تَأْخُذَهُ إلاّ مِنْ حِلِّهِ، ولا تُنْفِقَهُ إلاّ فِي حِلِّهِ، وَلا تُحَرِّفْهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ، ولا تَصْرِفَهُ عَنْ حَقَائِقِهِ، ولا تَجْعَلْهُ إذا كَانَ مِنَ اللَّهِ إلاّ إلَيهِ وَسَبَباً إلَى اللَّهِ. ولا تُؤثِرَ بهِ عَلَى نفْسِكَ مَنْ لَعَلَّهُ لا يَحْمَدُكَ، وَبالْحَرِيِّ أَنْ لا يُحْسنَ خِلافَتَهُ فِي تَرِكَتِكَ ولا يَعْمَلُ فِيهِ بطَاعَةِ ربكَ فَتَكُونَ مُعِينًا لَهُ عَلَى ذلِكَ أَو بمَا أَحْدَثَ فِي مَالِكَ أَحْسَنَ نَظَرًا لِنَفْسِهِ، فَيَعْمَلَ بطَاعَةِ رَبهِ فَيَذْهَبَ بالْغَنِيمَةِ وتَبُوءَ بالإثمِ وَالْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ مَعَ التَّبعَةِ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
36 - حق الغريم الطالب
*
وَأمّا حَقُّ الغَرِيمِ الطَّالِب لَكَ، فَإنْ كُنْتَ مُوسِرًا أَوفَيتَهُ وَكَفَيتَهُ وَأَغْنَيتَهُ وَلَمْ ترْدُدْهُ وتَمْطُلْهُ فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - قَالَ - "مَـطَلُ الغَنِيَّ ظُلْمٌ". وَإنْ كُنْتَ مُعْسِرًا أَرْضَيتَهُ بحُسْنِ القَوْلِ وَطَلَبتَ إلَيهِ طَلَباً جَـمِيلاً وَرَدَدتَهُ عَنْ نفْسِكَ ردًّا لَطِيفًا، وَلَمْ تَجْمَعَ عَلَيْهِ ذهَابَ مَالِهِ وَسُوءَ مُعَامَلَتِهِ فَإنَّ ذلِكَ لؤمٌ. ولا قُوَّةَ إلاّ باللهِ.*
37 - حق الخليط
*
وَأمّــــــا حَقُّ الخَلِيطِ فَأَنْ لا تَغُرَّهُ ولا تَغُشَّـهُ ولا تُكَذِبَهُ ولا تُغَفِّلَهُ ولا تَخدَعَهُ ولا تَعمَلْ فِي انتِقَـــاضِهِ عَمَلَ الْعَدُوِّ الَّذِي لا يُبقِي عَلَى صَاحِبهِ وَإنِ اطْمَأَنَّ إلَيكَ اسْتَقْصَيتَ لَهُ عَلَى نفْسِـكَ وَعَلِمْتَ أَنَّ غَبْنَ الْمُسْتَرْسِلِ رِِبًا. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
38 - حق الخصم
حق الخصم المدعي عليك
وَأمّا حَقُّ الخَصْمِ المُدَّعِي عَلَيْكَ، فَإنْ كَانَ مَا يَدَّعِي عَلَيكَ حَقّاً لَمْ تنفَسِخ فِي حُجَّتِهِ وَلَمْ تَعمَلْ فِي إبطَالِ دَعْوَتِهِ وَكُنْتَ خَصْـمَ نفْسِكَ لَهُ والحَاكِمَ عَلَيْهَا والشَّاهِدَ لَهُ بحَقِّهِ دُونَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ، فَإنَّ ذلِكَ حَقُّ اللَّهِ عَلَيْكَ، وَإنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ بَاطِلاً رَفَقْتَ بهِ وَرَوَّعْتَهُ* وناشَدتهُ بدِينِه وَكَسَرْتَ حِدَّتهُ عَنكَ بذِكْرِ اللهِ وَأَلْقَيْتَ حَشْوَ الْكَلامِ وَلَغَطَهُ الَّذِي لا يَرُدُّ عَنْكَ عَـاديَةَ عَدُوِّكَ بَلْ تبُوءُ بإثمِهِ وَبهِ يَشْحَذُ عَلَيْكَ سَيفَ عَدَاوَتِهِ لأَنَّ لَفْظَةَ السُّوءِ تَبعَثُ الشَّرَّ. وَالخَيْرُ مُقْمِعَةٌ لِلشَّرِّ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
39 - حق المستشير
*
وَأمّا حَقُّ المُسْتَشِيرِ، فَإنْ حَضَرَكَ لَهُ وَجْهُ رَأْىٍ جَهَدْتَ لَهُ فِي النَّصِيحَةِ، وَأَشَرْتَ عَلَيهِ بمَا تَعْلَمُ أَنَّكَ لَوْ كُنْتَ مَكَانهُ عَمِلْتَ بهِ، وَذَلِكَ لِيَكُنْ مِنْكَ فِي رَحْمَةٍ وَلِينٍ، فَإنَّ اللِّينَ يُؤْنِسُ الْوَحْشَةَ وَإنَّ الْغِلْظَ يُوحِشُ مَوضِعَ الأنْسِ. وَإنْ لَمْ يَحْضُرْكَ لَهُ رَأيٌ وَعَرَفْتَ لَهُ مَنْ تثِقُ برَأيِهِ وَترْضَى بهِ لِنَفْسِكَ دَلَلْتَهُ عَلَيْهِ وَأَرْشَدتَهُ إلَيْهِ، فَكُنْتَ لَمْ تَألُهُ خَيرًا وَلَمْ تَدَّخِرْهُ نُصْحاً. ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
40 - حق المشير
*
وَأمّا حَقُّ المُشِيرِ عَلَيْكَ فَلا تتَّهِمْهُ فِيمَا لا يُوافِقُكَ عَلَيهِ مِنْ رَأْيِهِ إذا أَشَـارَ عَلَيْكَ فَإنَّمَا هِيَ الآرَاءُ وَتصَرُّفُ النَّـاسِ فِيهَا وَاختِلافُهُمْ. فَكُنْ عَلَيهِ فِي رَأيِهِ بالخِيَارِ إذا اتَّهمْتَ رَأْيَهُ، فَأَمّا تُهْمتُهُ فَلا تَجُوزُ لَكَ إذَا كَانَ عِنْدكَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْمُشَاوَرَةَ. وَلا تَدَعْ شُكْرَهُ عَلَى مَـا بَدَا لَكَ مِن إشْخاصِ رَأْيِهِ وَحُسْنِ وَجْهِ مَشُورَتِهِ، فَإذا وَافَقَكَ حَمِدتَ اللَّهَ وَقَبلْتَ ذلِكَ مِن أَخِيكَ بالشّـكْرِ والإرْصَادِ بالْمُكَافَأَةِ فِي مِثلِهَا إنْ فَزِعَ إلَيْكَ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
41 - حق المستنصح
*
وَأمّــا حَقُّ المُسْتَنصِحِ فَإنَّ حَقَّهُ أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيهِ النَّصِيحَةَ عَلَى الحَقِّ الَّذِي تَرَى لَهُ أنّهُ يحْمِلُ وَتخرُجَ المَخرَجَ الَّذِي يَلينُ عَلَى مَسامِعِهِ، وتُكَلِّمَهُ مِنَ الْكَلامِ بمَا يُطِيقُهُ عَقلُهُ، فَإنَّ لِكُلِّ عَقْلٍ طَبقَةً مِنَ الْكَلامِ يَعْرِفُهُ ويَجْتَنِبُهُ، وَلْيَكُنْ مَذهَبَكَ الرَّحْمَةَ. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
42 - حق الناصح
*
وَأمّا حَقُّ النَّاصِحِ فَأَنْ تُلِينَ لَهُ جَنَاحَكَ ثُمَّ تشرأب لَهُ قَلبَكَ وَتفْتَحَ لَهُ سَمْعَكَ حتَّى تَفْهَمَ عَنهُ نصِيحَتَهُ، ثُمَّ تنْظُرَ فِيهَا، فَإنْ كَانَ وُفّقَِ فِيهَا لِلصَّوَاب حَمِدْتَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ وَقَبلْتَ مِنْهُ وَعَرَفْتَ لَهُ نَصِيحَتَهُ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ وُفّقَِ لَهَا فِيهَا رَحِمْتَهُ وَلَمْ تتَّهِمَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَمْ يألُكَ نُصْحًا إلا أنَّهُ أَخطأَ إلا أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ مُسْتَحِقًّا لِلتُّهْمَةِ فلا تَعْبَأْ بشيء مِنْ أَمْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
43 - حق الكبير
*
وَأمّا حَقُّ الكبيرِ فَإنَّ حَقَّهُ تَوقِيرُ سِنِّهِ وَإجْلالِ إسْلامِهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضلِ فِي الإسْلامِ بتَقْدِيمِهِ فِيهِ وتَرْكِ مُقَابَلَتِهِ عِنْدَ الْخِصَامِ ولا تَسْبقْهُ إلَى طَرِيقٍ، ولا تَؤُمَّهُ فِي طـرِيقٍ ولا تَسْتَجْهِلْهُ. وَإنْ جَهِلَ عَلَيْكَ تحَمَّلْتَ وَأَكْرَمتَهُ بحَقِّ إسْلامِهِ مَعَ سِنِّهِ فَإنّمَا حَقُّ السِّنِّ بقَدْرِ الإسْلامِ. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
44 - حق الصغير
*
وَأمّا حَقُّ الصَّغِيرِ فَرَحْمتُهُ وتَثقِيفُهُ وتَعْلِيمُهُ وَالعَفْوُ عَنْهُ وَالسِّترُ عَلَيهِ وَالرِّفْقُ بهِ وَالمَعُونَةُ لـَهُ وَالسِّترُ عَلَى جَرَائِرِ حَدَاثتِهِ فَإنّهُ سَبَبٌ لِلتَّوبَةِ وَالْمُدَارَاةُ لَهُ وتَرْكُ مُمَاحَكَتِهِ، فَإنَّ ذَلِكَ أَدنى لِرُشْدِهِ.
45 - حق السائل
*
وَأمّا حَقُّ السَّائِلِ فَإعْطَاؤُهُ إذا تَيَقَّنتَ صِدْقَهُ وَقَدَرْتَ عَلَى سَدِّ حَاجَتِهِ، وَالدُّعَاءُ لَهُ فِيمَـا نزَلَ بهِ، وَالْمُعَاوَنةُ لَهُ عَلَى طَلِبَتِهِ، وَإن شَكَكْتَ فِي صِدْقِهِ وَسَبَقْتَ إلَيهِ التُّهْمَةُ لَهُ وَلَمْ تَعْزِمْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ أَرَادَ أَنْ يَصُدَّكَ عَنِ حَظِّكَ ويَحُولَ بَيْنَكَ وبَينَ التَّقَرُّب إلَى رَبكَ فَتَرَكْتَهُ بسِترِهِ وَرَدَدتَهُ رَدًّا جَمِيلاً. وَإنْ غَلَبتَ نفْسَكَ فِي أَمْرِهِ وَأَعْطَيتَهُ عَلَى مَا عَرَضَ فِي نفْسِكَ مِنْهُ، فإنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ
46 - حق المسؤول
*
وَأمّا حَقُّ المَسئولِ فَحَقُّهُ إنْ أَعْطَى قُبلَ مِنْهُ مَا أَعْطَى بالشُّكْرِ لَهُ وَالمَعْرِفَةِ لِفَضْلِهِ وَطَلَبَ وَجْهِ الْعُذْرِ فِي مَنعِهِ، وَأَحْسَنَ بهِ الظَّنَّ. وَاعْلَمْ أنَّهُ إنْ مَنِعَ [فَ]مَالَهُ مَنَعَ وَأَنْ لَيْسَ التَّثرِيبُ فِي مَالِه، وَإنْ كَانَ ظَالِمًا فَإنَّ الإنسَانَ لَظلُومٌ كَفَّارٌ
47 - حق من سرك الله به وعلى يديه
*
وَأمّا حَقُّ مَنْ سَرَّكَ اللهُ بهِ وَعلَى يَدَيهِ، فَإنْ كَانَ تَعَمَّدَهَا لَكَ حَمِدْتَ اللهَ أَوّلاً ثمَّ شَكَرْتَهُ عَلَى ذلِكَ بقَدْرِهِ فِي مَوْضِعِ الجَزَاءِ وَكَافَأتَهُ عَلَى فَضْلِ الابْتِدَاءِ وَأَرْصَدْتَ لَهُ الْمُكَافَأَةَ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ تَعَمَّدَهَا حَمِدْتَ اللهَ وَشَكَرتَهُ وعَلِمْتَ أنَّهُ مِنْهُ، تَوَحَّدَكَ بهَا وأَحْبَبتَ هذا إذ كَانَ سَبَباً مِنْ أَسْبَاب نِعَمِ اللهِ عَلَيْكَ وَترْجُو لَهُ بَعْدَ ذلِكَ خَيرًا، فإنَّ أَسْبَابَ النِّعَمِ بَرَكَةٌ حَيثُ مَا كَانتْ وَإنْ كَانَ لَمْ يَتَعَمَّدَ. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ
48 -* حق من ساءك القضاء على يديه بقول أو فعل
*
وَأمّا حَقُّ مَنْ سَاءَكَ القَضَاءُ عَلَى يَدَيهِ بقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَإنْ كَانَ تَعَمَّدَهَا كَانَ العَفْوُ أَوْلَى بكَ لِمَا فِيهِ لَهُ مِن القَمْعِ وَحُسْنَ الأَدَب مَعَ كَثِيرِ أَمْثالِهِ مِنَ الخَلْقِ، فإنَّ اللهَ يَقُولُ {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبيلٍٍ. إنمَّا السّبيلُ عَلى الَّذين يظْلِمونَ النَّاسَ ويَبغونَ في الأرْضِ بغَيرِ الحَقِّ، أُولئِكَ لهُم عَذابٌ أليِمٌ. وَلمَنْ صَبَرَوَغَفَرَ إنَّ ذلِكَ لََمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بمِثلِ مَا عُوقِبتُمْ به وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابرِينَ} هَذا فِي الْعَمْدِ فَإنْ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا لَمْ تَظْلِمْهُ بتَعَمُّدِ الانتِصَارِ مِنْهُ فَتَكُونَ قَدْ كَافَأتَهُ فِي تَعَمّدٍ عَلَى خَطَأٍ. وَرَفِقْتَ بهِ وَرَدَدتَهُ بأَلْطَفِ مَا تقْدِرُ عَلَيْهِ. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ
49 - حق أهل ملتك عامة
*
وَأمّا حَقُّ أَهْلِ مِلَّتِكَ عَامَّةً فَإضْمَارُ السَّلامَةِ وَنشْرِ جَنَاحِ الرَّحْمَةِ وَالرِّفْقِ بمُسِيئِهـمْ وَتأَلُّفُهُمْ وَاسْتِصْلاحُهُمْ وَشُكْرُ مُحْسِنِهِمْ إلَى نفْسِهِ وَإلَيْكَ، فَإنَّ إحْسَانهُ إلَى نفْسِهِ إحْسَانهُ إلَيكَ إذا كَفَّ عَنْكَ أَذاهُ وَكَفَاكَ مَئونتَهُ وَحَبَسَ عَنكَ نفْسَهُ فَعَمِّهِمْ جَمِيعًا بدَعْوَتِكَ وَانصُرْهُمْ جَمِيعـاً بنُصْرَتِكَ وَأَنزَلتَهُمْ جَمِيعاً مِنْكَ مَنَازِلَهُمْ، كَبيرَهُمْ بمَنْزِلَةِ الْوَالِـدِ وَصَغِيرَهُمْ بمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَأَوْسَطَهُمْ بمَنْزِلَةِ الأَخِ. فَمَـنْ أَتاكَ تَعَاهَدْتَه بلُطْفٍ وَرَحْمَةٍ. وَصِلْ أَخَاكَ بمَا يَجِبُ لِلأَخِ عَلَى أَخِيهِ.
50 - حق أهل الذمة
*
وَأمّا حَقُّ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَالحُكْمُ فِيهِمْ أَنْ تَقبَلَ مِنْهُمْ مَا قَبِلَ اللهُ، وَتَفِي بمَا جَعَلَ اللهُ لَهُمْ مِنْ ذِمَّتِهِ وَعَهْدِهِ وَتكِلُهُمْ إلَيهِ فِيمَا طَلبُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأُجْبرُِوا عَلَيْهِ وَتحْكُمَ فِيهِمْ بمَا حَكَمَ اللهُ بهِ عَلَى نفْسِكَ فِيمَا جَرَى بَيْنَكَ [وَبيْنَهمْ] مِنْ مُعَامَلَةٍ وَلْيَكُنْ بَينَكَ وَبيْنَ ظُلْمِهِمْ مِنْ رِعَايَةِ ذِمَّةِ اللَّهِ وَالْوَفَاءِ بعَهْدِهِ وَعَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - حَائِلٌ فَإنَّهُ بَلَغَنَا أنَّهُ قَالَ "مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِـدًا كُنْتُ خَصْمَهُ" فَاتَّقِ اللَّهَ. ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
فَهذِهِ خَمْسُونَ حَقًّا مُحِيطًا بكَ لا تَخرُجْ مِنْهَـا فِي حَالٍ مِن الأَحْـوَالِ، يَجِبُ عَلَيْكَ رِعَايَتُهَا وَالْعَمَلُ فِي تَأْدِيَتِهَا وَالاسْتِعَانَةُ باللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ. وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ وَالْحَمْدُ للهِ رَب العَالَمِينَ.
-
- عضو جديد
- مشاركات: 4
- اشترك في: الخميس فبراير 12, 2009 11:14 pm
الموجودون الآن
المتصفحون للمنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين فقط