من القضايا والمؤشرات المهمة في حياة سيدتنا ومولاتنا الصديقة الزهراء سلام الله عليها قضية التربية ، حيث أن ما عرفناه عنها أنها أنجبت الذرّية الطيبة التي لا تدانيها ذرية إنسانية أخرى في الصلاح على مدى التاريخ ، فهي القمة فوق القمم ، وهي المثل الأعلى في الخير والأصالة .
ومن الطبيعي أن كانت لهذه التربية قواعد وأصول وضوابط ؛ قد ألهمها الله للصديقة الزهراء . كما علّمها أبوها صلى الله عليه وآله وسلّم .
فيا ترى متى بدأت الزهراء وكيف ربّت أبناءها وبناتها ؟
فالحقيقة تؤكّد لنا أن فاطمة الزهراء عليها السلام قد أنشأت بطريقتها التربوية أعلى مدرسة مثالية ؛ تخرّج عنها الحسنان وزينب عليهم السلام .
ولمعرفة أبعاد كل ذلك تطالعنا بادئ بدء قصّة عبادة وتهجّد الزهراء ، حيث كانت تحرص كلّ الحرص على اصطحاب أولادها إلى محراب عبادتها في آناء الليل وأطراف النهار ، وتعلمهم بذلك أنواع التبتل والتهجد ، حيث يروي الإمام الحسن المجتبى عليه السلام أن والدته الزهراء البتول قد أجلسته إلى جانب سجّادتها غارقة في التضرع إلى الله تعالى من أول الليل إلى انفجار الصبح ، وهي آخذة بالدعاء لكل الناس ؛ الأقرب فالأقرب من حيث الجيرة ، ولكنها لم تشمل بدعوتها تلك أولادها ، مما أثار فيه ـ الإمام الحسن ـ السؤال عن السر وراء ذلك ، فأجابته بنظرة ملؤها العطف والحنان : يا بني الجار ثم الدار .
هذا من ناحية التربية الدينية التي تكاد تكون فريدة من نوعها . أما من الناحية العلمية ؛ فقد ذكرت لنا روايات التاريخ الفاطمي ـ على شحتها ـ كيف أن الزهراء كانت تعلم الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهما لما يبلغا الخامسة من العمر بعد ، حيث كانت تطلب إليهما ـ كطريقة من طرق التعليم ـ إعادة ما سمعاه من خطاب الرسول الأكرم على مسامعها ، ثم إنها كانت تعيد الكرّة بحضور أمير المؤمنين عليه السلام ليطمئنّ قلبه على سيرتهما التربوية .
ولقد شاهد التاريخ المستوى الفريد من نوعه الذي بلغه هذان الإمامان الفذّان في العبادة والخطابة ، حتى أن العبّاد والخطباء كانوا في ذلك الزمن وما تلاه يقرّون لهم بالفضل والأولوية في هذين المجالين . فمعاوية على جرأته القاسية المعهودة كان يتمنى ـ ولو لمرة واحدة ـ أن يتفوق على الإمام الحسن في الحديث أو يحرجه في الكلام ، فكان يجمع إليه العتاة المردة ، أمثال عمرو بن العاص ومروان والمغيرة وغيرهم ممّن لا تأخذهم في الباطل لومة لائم ، فيبدؤون بمهاتراتهم الكلامية محاولين إيقاع الإمام الحسن المجتبى في المطبات الكلامية ، إلاّ أنهم لم يكونوا ليجدوا منه سوى الحكمة والعلم والأخلاق ورباطة الجأش ، حتى يقول قائلهم : لقد زُقَّ الحسنَ بن علي العلمَ زقّاً ، وأن الله أعلم حيث يجعل رسالته .
وهذا هو الحسين الشهيد عليه السلام نراه في واقعة الطف الدامية كالأسد الهصور في خطاباته كما هو في نزاله ، حيث لم يكن بوسع فرد من أفراد جيش الأمويين الجرار الذي تكالب على قتاله ، أن يدانيه في الخطاب وإلقاء الحجة والبيان ، مما اضطرهم في نهاية المطاف إلى رميه بالحجارة والنبال على بعد ، تحاشياً عن مواجهة هيبته عن قرب .
وها هي الزهراء أيضاً نجدها في خطبتها الفدكية الشهيرة تختص ابنتها زينب بالإصطحاب إلى مسجد أبيها النبي الأكرم لتقارع الردّة والعناد والطمع الذي أصاب نفوس القوم بعد وفاة الرسول ؛ الأمر الذي يشير إلى وعي الزهراء عليها السلام للحقائق والأحداث التاريخية ، والمستقبلية ، حيث كانت ـ بذلك ـ تنمي قابليات ابنتها زينب لتحدي الطغيان والفساد الذي سيصيب الأمة الظالمة في عهد الإمام الحسين عليه السلام .
وما أروع عقيلة الهاشميين حيث وقفت إلى جانب أخيها سيد الشهداء محامية عنه وعن أطفاله وأطفال وعوائل سائر الشهداء ، بالإضافة إلى وقوفها إلى جنب الإمام المعصوم زين العابدين في محنه ، حتى أنه وصف قلب عمته بقوله : " قلبها كزبر الحديد " .
ولقد سجلت صفحات التاريخ بأحرف من نور خطابات السيدة زينب عليها السلام في مسجد الكوفة ـ وهو مسجد أبيها ، كما كان مسجد المدينة مسجد النبي أبي الزهراء ـ حيث قارعت فيه طغيان عبيد الله بن زياد ، وكشفت مفاسده على مرأى ومسمع من الناس ، وكذلك لا ينسى التاريخ خطاباتها الأخرى التي ألقتها في شوارع الكوفة ودمشق وفي قصر يزيد لعنة الله عليه ، تلكم الخطب التي إن نمت عن شيء فإنما تنم على مستوى الوعي والحكمة والعظمة التي تحملتها زينب بنت علي لدى خوضها معترك السياسة والولاية .
وهذا بطبيعة الحال لم يكن ليحدث أو ليكون لولا ما بذلته سيدة نساء العالمين فاطمة البتول عليها السلام من جهود جبارة في تربية أولادها الكرام البررة .
وبين هذا وذاك ، لا يسعنا سوى القول بأن بداية الانطلاق في تربية الأطفال وتنشئتهم إنّما تكون منذ أن يروا نور الحياة . فالزهراء عليها السلام كانت على درجة رفيعة للغاية في امتلاكها لثقافة الأمومة التي من أول معطياتها النظر باحترام بالغ إلى الأولاد الأطفال وبالتالي التعامل مع كل فرد منهم على أنه إنسان مكتمل مؤهل لتلقي التربية والتعليم ، وليس الانتظار به حتى يكمل السادسة والسابعة من عمره حتى يعلّم أو يُربّى ، كما هو حادث في زمننا المعاصر .
فأن تتعلم البنت قبل أن تكون أمّاً ثقافة الحياة وثقافة الأمومة ، خير لها من أن تتعلّم علوم الحياة الأخرى ، رغم عدم وجود المانع من ذلك .
فالبنت مسؤولة قبل كل شيء سواء أمام الله تعالى أو أمام مجتمعها عن تعلّم أسس التربية والتعليم ، بما يضم ذلك من القواعد الصحية خاصة بسلامتها وسلامة طفلها ، ومن النواحي الروحية والعاطفية التي لابد للطفل من أن يأخذ نصيبه الوافر منها ، للحيلولة دونه ودون ابتلائه وتعرضه للأزمات النفسية التي تجرّ إلى الويلات الاجتماعية فيما بعد .
وكذلك من الأبعاد الدينية ، حيث يتوجب على الأم ومنذ فترة انعقاد نطفة جنينها الإلتزام بتعاليم الدين الخاصة بطهارة المولد ونقاء الجنين أو الوليد أو الطفل اليافع من الحرام ، فهذا كله ذو تأثير بالغ على حياته ومستقبله . فالخادمة الكافرة أو المسلمة غير الملتزمة على الأقل ، واللتين نراهما بكثرة في بيوت المسلمين لا يمكنهما بحال من الأحوال أن تأخذا مكان ومنزلة الأم ، سواء على صعيد إرضاع الطفل أو تربيته والشفقة عليه .
وفي نهاية المطاف أودّ القول بأن الأم المسلمة لابد لها أن تعي موقعها الحساس في المجتمع ، إذ أن كل حركة أو سكنة تصدر منها لها الأثر البالغ على طبيعة أولادها وأجيالهم فيما بعد ، وهذا الوعي من طبيعته أن يشمل النواحي الصحية والعاطفية والدينية والعلمية .
ولا يمكن بشكل من الأشكال أن تعي المرأة الأم كل ذلك بمجرد انها أصبحت أمّاً ، بل لابد من التمهيد لذلك عبر نشر ثقافة الأمومة ، التي هي تجسيد لثقافة الحياة على وسعها ، حيث تتكرس ضرورة تلقي البنات ومنذ نعومة إظفارهن تلكم الثقافة ، لتجري فيهن مجرى الدم في العروق ، ولا أحسن من تدوين تفاصيل ثقافة الأمومة عبر الدراسة الدقيقة والواعية لحياة قدوات النساء المسلمات ، وفي مقدمتهن الزهراء البتول والسيدة زينب عليهما صلوات الله وسلامه [1] .[1] فاطمة الزهراء عليها السلام قدوة الصديقين ، آية الله السيد محمد تقي المدرسي ، الناشر : دار محبي الحسين (ع) ، قطع : رقعي ، الطبعة : الأولى .
التربيه المثاليه للسيده الزهراء عليها السلام
مكتبة أسلامية لطرح القضايا والمسائل الدينية
الانتقال إلى
- الاقسام الرئيسيه
- ↲ مسجد الشيخ امير محمد البربغي
- ↲ ركن صور المسجد
- ↲ ركن تقويم الصلاة الشهري
- كتاب الله وعترتي
- ↲ المنتدى الإسلامي
- ↲ منتدى القرآن الكريم وعلومه
- ↲ منتدى المسائل الشرعية
- ↲ منتدى المسائل العقائدية
- ↲ ركــن الأدعية والزيارات
- ↲ منتدى اهل البيت عليهم السلام
- ↲ كرامات ومعجزات أهل البيت عليهم السلام
- ↲ مناسبات أهل البيت عليهم السلام
- ↲ منتدى الأمام الحجة عج
- المنتديات العامة
- ↲ المنتدى العام
- ↲ ركن اقلام الاعضاء
- ↲ منتدى الحوار الهادف
- ↲ معلومات وثقافه عامه
- ↲ علم الفلك
- ↲ التراث وأيام أول
- ↲ معالم وعلماء
- ↲ منتدى السياحة والسفر
- ↲ منتدى الاخبار العالمية والسياسية
- ↲ منتدى الكاركتير
- ↲ منتدى الصوتيات و المرئيات
- ↲ مقاطع فيديو
- المنتديات العلمية والادبيه
- ↲ المنتدى الدراسي
- ↲ ركن البحوث والتقارير المدرسيه
- ↲ تعلم اللغه الانجليزيه
- ↲ القصص والحكايات
- ↲ منتدى الصحة
- ↲ منتدى الشعر و الخواطر
- المنتديات الإجتماعية
- ↲ منتدى الأسرة والتربيـة
- ↲ منتدى الطفل
- ↲ منتدى مطبخ حواء
- ↲ منتدى عجائب العلوم وتحليل الشخصيات
- ↲ منتدى الرياضة و السيارات
- ↲ منتدى السيارات والدراجات النارية
- المنتديات الترفيهية
- ↲ منتدى الترحيبات والتهاني
- ↲ ألبوم الصور
- ↲ منتدى التسلية والمرح
- ↲ منتدى الأنمي والرسوم المتحركة
- المنتديات التقنية
- ↲ منتدى الكمبيوتر و الإنترنت والشبكات
- ↲ ركن برامج الكمبيوتر
- ↲ منتدى التصميم والجرافيكس
- ↲ ركن برامج التصميم وشروحاتها
- ↲ منتدى التكنلوجيا
- ↲ تراجم علماء الإختراع والإكتشاف
- ↲ منتدى الجوال والاتصالات والالكترونيات
- ↲ منتدى استقبال القنوات الفضائية
- المنتديات الإدارية
- ↲ الارشيف
- ↲ واحة عاشوراء
- ↲ منتدى شهر رمضان المبارك
- ↲ منتدى شهري محرم وصفر 1432
- ↲ منتدى ( محرم وصفر 1430 هـ)
- ↲ منتدى شهر رمضان
- ↲ منتدى ( محرم وصفر 1431 هـ)
- ↲ منتدى شهر رمضان 1433
- ↲ منتدى شهر رمضان المبارك 1432 هـ
- ↲ منتدى شهري محرم وصفر 1433 هجرية
- ↲ منتدى شهري محرم وصفر 1434 هجرية
- ↲ منتدى شهر المغفرة و الرحمة 1434
- ↲ منتدى شهري محرم وصفر 1435
- ↲ منتدى شهر رمضان المبارك 1435
- ↲ منتدى شهر رمضان 1429
الموجودون الآن
المتصفحون للمنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد