عودة الركب الزينبي إلى أرض الوطن .. (المدينة المنورة )
عندما ينطلق الفرد منا مغادرا وطنه في طلب معاش أو علم ينتفع به ، يكون الرجوع إلى الوطن همه وهدفه الأول مهما بعدت المسافات وطالت به الأيام خارج الوطن .
يقول أحد الشعراء : " داري وإن جارت علي عزيزةٌ .. وأهلي وأن ضنوا علي كرامُ " .
نحن نجدد ومع دخولنا شهر ربيع الأول من كل عام رجوع الركب الزينبي المبارك إلى أرض المدينة المنورة بنور محمد وآل محمد (عليهم السلام) من بعد رحلة شقاء وسبي لنساء وأطفال بعد استشهاد سبط الرسول الأعظم محمد (ص) .. الإمام الحسين (ع) في فاجعة كربلاء الخالدة وما تبعه من أحداث استغرقت ما يقارب ثلاثة شهور منذ الخروج في شهر ذي الحجة من عام 60 هجرية إلى دخول شهر ربيع الأول من عام 61 هجرية برعاية من السيدة الجليلة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب (عليهما السلام ) وبصحبة الإمام علي بن الحسين السجاد (ع) متحملين المسؤولية الكاملة خلال تلك الرحلة المباركة لإعلاء كلمة الحق ونبذ الباطل بكل أشكاله وصوره على أيدي الظالمين الذين لم يراعوا حرمة للبيت العلوي الطاهر .
يتحرك الركب الزينبي من كربلاء من بعد أول زيارة للشهداء الأبرار في 20 صفر من عام 61 حاملا معه تحفة السفر ألا وهي قبضة من تراب كربلاء الطاهر بدمائهم الزكية ليتبرك بها كل من لم يتسنى له الحضور والنصرة لهؤلاء الأبطال .
تذكر المصادر بأن الركب الزينبي عندما وصل إلى مشارف المدينة المنورة ، أمر الإمام السجاد (ع) أحد أصحابه بشر بن حذلم أن يدخل المدينة أولا لينعى الإمام الحسين (ع) وأنشد يقول :
يـا أهل يثرب لا مقام لكم بها قـُـتل الحسـيـن فادمعـي مـدرار
الجسـم منه بكـربلاء مضرج والـرأس منه على القناة يدار
فاجتمع أهل المدينة حول الإمام السجاد (ع) يستمعون إلى كلامه عما جرى في كربلاء وهم في هم وغم وبكاء لهول المصاب ، ومن جملة من استقبلهم السيدة الفاضلة أم البنين (ع) أم العباس وإخوته التي ذابت حبا وعطفا وطاعة لمولاها الإمام الحسين (ع) وتقديمه على أولادها في كل شيء قبل أن يختار الله له ولهم الشهادة . تلك السيدة العظيمة التي حملت العبء الكبير في تربية الإمامين الحسن والحسين وزينب (ع) مع أولادها من بعد استشهاد أمهم سيدة نساء العالمين .. السيدة فاطمة الزهراء (ع) .
كان وقع المصيبة كبيرا على نفوس من رجعوا من أهل البيت (ع) وكذلك من استقبلهم ، ولكن شاء الله أن يرى الإمام الحسين (ع) شهيدا ونساءه وأطفاله سبايا . فهاهم يرجعون إلى ديار خالية من الأهل والأحباب بعد أن كانت تلك الدور مضيئة بأنوار قلوبهم الطاهرة ، ولكن تلبية لنداء الله في إصلاح ما أفسده البعض من إدارة شئون المسلمين يتوجب عليهم التضحية بكل ما هو غالٍ ونفيس .
تلك كانت صرخة الحق مدوية في كربلاء تحت لواء خامس أهل الكساء الإمام الحسين (ع) وجمعا من أهل بيته وأنصاره حفاظا على عزة الإسلام والمسلمين ختمها بالشهادة المباركة ليتبعها دور رسالي وإعلامي بقيادة خليفته في الأرض من بعده الإمام السجاد وعمته زينب (ع) في فضح تلك الضمائر الميتة والقلوب القاسية والحاقدة على أهل البيت (ع) والتي آثرت الحياة الدنيا على خلود الآخرة .. فهل سنستثمر هذه التضحيات المباركة في إكمال مسيرة الإصلاح والتحلي بأخلاق حسنة وتعاون في شتى الميادين .
بقلم : أم سيد يوسف