مفهوم التربية عند الإمام علي ( عليه السلام )

يهتم بشؤون الأسرة والطفـل والمنـزل
أضف رد جديد
خادم الشيعة
عضو جديد
مشاركات: 332
اشترك في: الاثنين نوفمبر 21, 2011 12:52 am

مفهوم التربية عند الإمام علي ( عليه السلام )

مشاركة بواسطة خادم الشيعة »

مفهوم التربية عند الإمام علي ( عليه السلام )

لعل من المفيد أن نستهل هذا الموضوع بتبيان المدلول اللغوي لمفهوم التربية . فالتربية في اللغة مأخوذة من ربى ولده ، والصبي يربه ، رباه أي أحسن القيام عليه حتى أدرك .
فالتربية بمدلولها اللغوي ، تعني تعهد الطفل بالرعاية والتغذية المادية والمعنوية حتى يشب . ولقد اهتم الفلاسفة والعلماء بهذا المفهوم ، وجهدوا في الكشف عن مضامينه العلمية وأوجدوا له عدداً من التفسيرات التي إن اختلفت في شكلها ، فهي متفقة في جوهرها ، وسنعرض فيما يلي أقوال بعض المفكرين القدامى والمحدثين ، لنرى موقع ( النهج ) منها .
يقول أفلاطون ( 427-347ق .م ) :
( التربية هي إعطاء الجسم والروح كل ما يمكن من الجمال ، وكل ما يمكن من الكمال ) .
وهذا يعتمد على الناحية الكمية من التربية ، وذلك بمزاولة جميع الأنشطة العقلية والبدنية المؤدية لكمال الفرد .
ويقول أرسطو ( 384-322ق .م ) :
( الغرض من التربية هو أن يستطيع الفرد عمل كل ما هو مفيد وضروري في الحرب والسلم ، وإن يقوم بما هو نبيل وخير من الأعمال ليصل إلى حالة السعادة ) . وهذا يهتم بالناحية المهنية من التربية لما فيه منفعة الفرد وسعادته في دنياه .
ويقول جولز سيمون ، الفيلسوف الفرنسي ( 1814-1896م ) : ( التربية هي الطريقة التي بها يكون العقل عقلاً حراً ، ويكون القلب قلباً حراً ) .
وهذا يتم بالنواحي الروحية من التربية . ولعل أوثق تعريفين للتربية هما : ما قاله الغزالي ( 450-505 ) :
( ومعنى التربية ، يشبه فعل الفلاح الذي يقلع الشوك ، ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ، ليحسن نباته ويكمل ريعه ) .
وما قاله جون ديوي : ( إنها عملية صوغ وتكوين لفعالية الأفراد ثم صب لها في قوالب معينة ـ أي تحويلها إلى عمل اجتماعي مقبول لدى الجماعة ) .
وهناك تعريفات كثيرة لا مجال لذكرها لعدم الحاجة إليها ـ وهي في أكثرها مشابهة لما سبق ـ وما يهمنا هو استعراض ما مر منها ومقابلتها بما صدر عن الإمام ( عليه السلام ) ، من أفكار تربوية تفسر حقيقة مفهوم التربية .
يرى ( عليه السلام ) أن الإنسان هو غاية الوجود ، ومن أجله خلق الله ما خلق إذ بعد أن خلق تعالى الكون ورتبه أحسن ترتيب ، ونظمه أجمل تنظيم ، وأتم مرافقه ، على أكمل وجه ، وجمع فيه ما تشتهي الأنفس ، وتلذ الأعين ، أخرج إليه الإنسان ، وأسكنه فيه على أن يكون خليفته في أرضه ، يحيا في كنفها ويعيش من خيراتها ، ويمضي في أقواله وأفعاله ونواياه ، ومقاصده ، وفق أحكام الله وإرادته مطيعاً ، مذعناً ، شاكراً ، إلا أنه خالف أمر الله ، وسلك بوحي من نفسه الأمارة بالسوء ، فجذبته الدنيا إليها وحجبت عنه الرؤية السليمة فبات أسير أوهامه وشهواته .
إن ضعف الإنسان أمام إغراء المادة والإيمان بأن الشيطان الذي أغواه في الجنة لن يتوانى عن إغوائه مرة أخرى وهو على الأرض ، وبالتالي سوف لن يتمكن من ممارسة الخلافة كما أوجبها الله ما دام ضعيف الحجة ، مسلوب الإرادة ، قليل الإيمان .
هذه الأمور أوجبت أخذه بالتربية والتعليم حتى تستقيم نفسه ويقوى على مقاومة الضلالة والفساد .
إلا أن هذه التربية ، لا تستند فقط إلى مبادئ نظرية لا صلة بها بالواقع ، بل تتخذ منها طريقاً ومنهجاً يعضده العلم والعمل والإيمان بهدف منفعة العباد وخيرهم .
وكثيرة هي الخطب والكلمات التي تضمنها ( النهج ) وهي تدعو إلى طلب العلم وأخذه من أي مصدر كان ، كما وتحث على العمل حتى لا تبقى التربية مجرد نظريات لا فائدة منها في عالم الواقع . لذلك فإن الإمام ( عليه السلام ) يدعم القول بالعمل وهذا هو الحق الذي يشهد به العمران والتقدم والتطور الحاصل في المجتمعات من ذلك ( العلم مقرون بالعمل ، فمن علم عمل ) . . إذ لا خير في علم بلا عمل ، ولابد للعارف من أن يكون عاملاً حتى لا يكون علمه حجة عليه .
ولقد أدرك الإمام علي ( عليه السلام ) هذا الأمر وطبقه على سائر مجريات حياته ، يبدو ذلك في حديثه عن العلماء الذين يتعلمون ، برأيه ـ لغايات ثلاث :
ـ للمراء والجدل .
ـ للاستطاعة والحيل .
ـ للفقه والعمل .
- أما الأول ( فإنك تراه ممارياً للرجال في أندية المقال ، قد تسربل بالتخشع وتخلى من الورع . فدق الله من هذا حيزومه وقطع منه خيشومه ) .
- وأما الثاني ( فإنه يستطيل على أشباهه من أشكاله ، ويتواضع للأغنياء ، من دونهم ، فهو لحلوائهم هاضم ، ولدينه حاطم ، فأعمى الله من هذا بصره ، ومحى من العلماء أثره ) .
- وأما الثالث ( فتراه ذا كآبة وحزن ، قام الليل في حندسه ، وانحنى في برنسه ، ويعمل ويخشى ، فشد الله من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانه ) .
فليس المهم بنظر الإمام ( عليه السلام ) كثرة العلوم النظرية ، لأنها لا تغني عن السلوك الحسن والسيرة الخيرة ، ولا كثرة العلماء ، ما دام البعض منهم قد اتخذ العلم وسيلة للهدم ، أو أداة للرياء والنفاق .
في حين أن البقية الباقية منهم ، ممن آمنوا بربهم وخشعوا له ، قد اتخذوه للعمل الحر الشريف . فالتربية التي تعتمد الكمية في أساليبها ليست مقبولة ما دامت لا تستند إلى الكيفية والنوعية .
إلا أن هذه النوعية لا فائدة منها إذا لم تقترن بالفاعلية فالعلم لا يراد لذاته ، بل لأجل التغيير والنمو في شخصية الفرد والمجتمع كما يقول ( عليه السلام ) : ( لا تجعلوا علمكم جهلاً ويقينكم شكاً ، إذا علمتم فاعملوا وإذا تيقنتم فأقدموا ) .
إلا أن العمل قد يجر الويل على المجتمع ، إذا لم يستند إلى أساس روحي خلقي وما نراه اليوم دليلاً على ذلك ، فالذرة قد تستعمل للبناء وقد تستعمل للفناء والدمار والذي ينحى بها هذا المنحى أو ذاك ، هو الإنسان ذاته الذي اكتشفها ، لذلك كانت التربية الروحية الخلقية لابدّ منها في صياغة كيان الفرد وتفكيره وخلقه . ولقد جمع الإسلام بين التربية الدينية والدنيوية بقوله تعالى : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) .
هذه النظرية للتربية التي انفرد بها الإمام علي ( عليه السلام ) هي أكثر شمولاً وعمقاً من تلك التي أوحت بها التعريفات السالفة الذكر ، فبينما نرى أن فلاسفة التربية قد قصروا نشاطها على جانب معين من حياة الفرد ( أفلاطون ـ ارسطو ـ جولز سيمون ) يتوسع الإمام ( عليه السلام ) في هذا النشاط ليشمل جميع نواحيه الفكرية والاجتماعية والأخلاقية والدينية والدنيوية كما سنرى فيما بعد وذلك من أجل إيجاد الإنسان الفاضل القريب من الكمال .
هذا المضمون نفسه هو الذي أكده كل من ( الغزالي ) و( جون ديون ) ممّا يثبت بأن هذا الكتاب ، كان وما يزال في صميم المعرفة التي تحدث عنها الفلاسفة والعلماء في كل عصر وجيل .
أضف رد جديد

العودة إلى ”منتدى الأسرة والتربيـة“

الموجودون الآن

المتصفحون للمنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائر واحد