هناك أحاديث كثيرة عند الشيعة الامامية عيّنت الاَئمة الاثني عشر بأسمائهم واحداً بعد آخر ابتداءً بالامام علي وانتهاء بالمهدي عليهم السلام ، مع مجموعة من الاَحاديث في تعيين كل إمام لاحق بنصّ من الاِمام السابق .
____________
(1) البيان في أخبار صاحب الزمان | الكنجي الشافعي : 482.
(2) المهدية في الاِسلام | الاستاذ الازهري سعد محمد حسن : 69.
وأُخرى عند أهل السنة مصرحة بعدد الاَئمة تارة كما في الصحاح ، ومشخصة لاَسمائهم كما في كتب المناقب وغيرها وإلى جانب هذا توجد جملة من الاَحاديث المتّفق على صحّتها تدلّ على حياة المهدي ما بقي في الناس اثنان ، وهذا لايتمّ إلاّ بتقدير كونه التاسع من ولد الاِمام الحسين عليه السلام . وسوف لن نذكر من تلك الاحاديث إلاّ ما احتُجَّ به في كتب الفريقين.
حديث الثقلين :
مما لا شكّ فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد انتقل إلى الرفيق الاَعلى والسنة لم تدوّن بكل تفاصيلها في عهده ، وهو منزّه عن التفريط برسالته المحكوم ببقائها إلى يوم القيامة ، ومنزّه أيضاً عن إهمال أُمته مع نهاية رأفته بهم وشفقته عليهم ، فكيف يوكلهم إلى القرآن الكريم وحده مع ما فيه من محكم ومتشابه ، ومجمل ومفصّل ، وناسخ ومنسوخ ، فضلاً عمّا في آياته من وجوه ومحامل استخدمت للتدليل على صحة الآراء المتباينة كما نحسّ ونلمس عند أرباب المذاهب والفرق الاسلامية .
هذا ، مع علمه صلى الله عليه وآله وسلم بأنه قد كُذِب عليه في حياته فكيف الحال إذن بعد وفاته ، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي اتخذ بكتب الدراية مثالاً على التواتر اللفظي : «من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» .
فمن غير المعقول إذن أن يدع النبي شريعته مسرحاً لاجتهادات الآخرين من دون أن يحدد لهم مرجعاً يعلم ما في القرآن حق علمه، وتكون السنة معلومة بكل تفاصيلها عنده .
وهذا هو القدر المنسجم مع طبيعة صيانة الرسالة ، وحفظها ، ومراعاة استمرارها منهجا وتطبيقاً في الحياة .
ومن هنا تتضح أهمية حديث الثقلين (القرآن والعترة) ، وقيمة إرجاع الاَمّة فيه إلى العترة لاَخذ الدين الحق عنهم ، كما تتضح أسباب التأكيد عليه في مناسبات مختلفة ونُوَب متفرقة، منها في يوم الغدير ، وآخرها في مرضه الاَخير .
فعن زيد بن أسلم ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : «كأنني قد دُعِيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله، وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، إنّ الله مولاي ، وأنا ولي كل مؤمن . من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه»(1).
وعن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : «إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2)، هذا فضلاً عن تأكيده صلى الله عليه وآله وسلم المستمر على الاقتداء بعترته أهل بيته ، والاهتداء بهديهم، والتحذير من مخالفتهم ، وذلك بجعلهم تارة كسفن للنجاة ، وأُخرى أماناً للاَُمّة ، وثالثة كباب حطّة .
وفي الواقع لم يكن الصحابة بحاجة إلى سؤال واستفسار من النبي لتشخيص المراد بأهل البيت ، وهم يرونه وقد خرج للمباهلة وليس معه غير أصحاب الكساء وهو يقول : «اللّهم هؤلاء أهلي» وهم من أكبر الناس معرفة بخصائص هذا الكلام ، وإدراكاً لما ينطوي عليه من قصر
____________
(1) مستدرك الحاكم 3 : 109.
(2) سنن الترمذي 5 : 662 | 3786، وحديث الثقلين قد روي عن أكثر من ثلاثين صحابياً، وبلغ عدد رواته عبر القرون المئات. راجع حديث الثقلين تواتره، فقهه، للسيد علي الحسيني الميلاني : 47 ـ 51. فقد ذكر فيه بعض الرواة وفيه الكفاية.
واختصاص . وإلا فتسعة أشهر وهي المدّة التي أخبر عنها ابن عباس في وقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على باب فاطمة صباح كل يوم وهو يقرأ : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )(1)كافية لاَن يعرف الجميع من هم أهل البيت عليهم السلام .
ومع هذا فلا معنى لسؤالهم واستفسارهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمّن يعصموا الاَُمّة بعده من الضلالة إلى يوم القيامة فيما لو تمسكت بهم مع القرآن.
فحاجة الاَُمّة ـ والصحابة أيضاً ـ ليس أكثر من تشخيص أولهم ليكون المرجع للقيام بمهمته بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يأخذ دوره في عصمة الاَُمّة من الضلالة ، وهو بدوره مسؤول عن تعيين من يليه في هذه المهمة، وهكذا حتى يرد آخر عاصم من الضلالة مع القرآن على النبي الحوض.
وإذا علمت أن علياً عليه السلام قد تعيّن بنصوص لاتحصى ، ومنها في حديث الثقلين نفسه ، فليس من الضروري إذن أن يتولّى النبي بنفسه تعيين من يلي أمر الاَُمّة باسمه في كل عصر وجيل ، إن لم نقل إنه غير طبيعي لولا أن تقتضيه بعض الاعتبارات .
فالقياس إذن في معرفة إمام كل عصر وجيل : إمّا أن يكون بتعيينهم دفعة واحدة ، أو بنص السابق على إمامة اللاحق وهو المقياس الطبيعي المألوف الذي دأبت عليه الاَنبياء والاَوصياء عليهم السلام ، وعرفته البشرية في سياساتها منذ أقدم العصور وإلى يوم الناس هذا.
وإذا ما عدنا إلى واقع أهل البيت عليهم السلام نجد النصّ قد توفر على إمامتهم بكلا طريقيه، ومن سَبَر الواقع التاريخي لسلوكهم علم يقيناً بأنهم ادعوا لانفسهم الاِمامة في عرض السلطة الزمنية ، واتخذوا من أنفسهم كما
____________
(1) الاحزاب : 33 | 33 . وانظر روايات وقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على باب فاطمة وهو يقرأ الآية في تفسير الطبري : 22 | 6 .
اتخذهم الملايين من أتباعهم أئمة وقادة للمعارضة السلمية للحكم القائم في زمانهم، مع إرشاد كل إمام أتباعه على من يقوم بأمر الاِمامة من بعده، وعلى هذا جرت سيرتهم ، فكانوا عرضة للمراقبة والسجون والاستشهاد بالسم تارة ، وفي سوح الجهاد تارة أُخرى وعلى أيدي القائمين بالحكم أنفسهم.
ثم لو فرض أنّ أحدهم لم يعيّن لاَتباعه من يقوم بأمر الاِمامة من بعده، مع فرض توقف النص عليه ، فإنّ معنى ذلك بقاء ذلك الاِمام خالداً مع القرآن في كل عصر وجيل ؛ لاَنّ دلالة «لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» على استمرار وجود إمام من العترة في كل عصر كاستمرار وجود القرآن الكريم ظاهرة واضحة ، ولهذا ذهب ابن حجر إلى القول : «وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة ، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أمانا لاَهل الاَرض ، ويشهد لذلك الخبر :«في كلِّ خَلَفٍ من أُمتي عدول من أهل بيتي»(1).
حديث : (من مات ولم يعرف إمام زمانه) :
سُجّل هذا الحديث ـ بألفاظٍ مختلفةٍ وكلّها ترجع إلى معنىً واحدٍ ومقصدٍ فارد ـ : في أُمهات كتب الحديث السنية والشيعية ، ويكفي على ذلك اتفاق البخاري ومسلم ـ من أهل السنة ـ على روايته(2)، والكليني، والصدوق، ووالده، والحميري، والصفار ـ من الشيعة الاِمامية ـ على
(1) الصواعق المحرقة : 149.
2) صحيح البخاري 5 : 13 باب الفتن ، صحيح مسلم 6 : 21 ـ 22 | 1849 .
روايته أيضاً(1)، وقد أخرجه كثيرون بطرق لا طاقة على استقصائها(2).
اذن الحديث مما لامجال لاحد ان يناقش في سنده ، وان توهم الشيخ أبو زهرة فعدّه من روايات الكافي فحسب !(3).
والحديث كما ترى في تخريجه لايبعد القول بتواتره ، وهو لايحتمل التأويل ولاصرف دلالته الواضحة على وجوب معرفة الاِمام الحق على كل مسلم ومسلمة ، وإلاّ فإنّ مصيره ينذر بنهاية مهولة .
ومن ادعى ان المراد بالامام الذي من لايعرفه سيموت ميتة جاهلية هو السلطان أو الحاكم، أو الملك، ونحو ذلك وان كان فاسقاً ظالماً !! فعليه ان يثبت بالدليل ان معرفة الظالم الفاسق من الدين أولاً ، وان يبين للعقلاء الثمرة المترتبة على وجوب معرفة الظالم الفاسق بحيث يكون من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية .
وعلى أية حال ، فالحديث يدل على وجود امام حق في كل عصر وجيل، وهذا لايتم إلاّ مع القول بوجود الاِمام المهدي الذي هو حق ومن ولد فاطمة عليها السلام كما تقدم . ومما يؤيده :
____________
(1) أُصول الكافي 1 : 303 | 5 و 1 : 308 | 1 ـ 3 و 1 : 378 | 2 ، وروضة الكافي 8 : 129 | 123 ، كمال الدين 2 : 412 ـ 413 | 10 و 11 و 12 و 15 باب 39 ، الاِمامة والتبصرة : 219 | 69 و 70 و 71 ، قرب الاسناد : 351 | 1260 ، بصائر الدرجات : 259 و 509 و 510.
(2) انظر: مسند احمد 2 : 83 و 3 : 446 و 4 : 96 ، مسند أبي داود الطيالسي : 259 ، المعجم الكبير للطبراني 10 : 350 | 10687 ، مستدرك الحاكم 1 : 77 ، حلية الاولياء 3 : 224 ، الكنى والاسماء 2 : 3 ، سنن البيهقي 8 : 156 ، 157 ، جامع الاصول 4 : 70 ، شرح صحيح مسلم للنووي 12 : 440 ، تلخيص المستدرك للذهبي 1 : 77 و 177 ، مجمع الزوائد للهيثمي 5 : 218 و 219 و 223 و 225 و312 ، تفسير ابن كثير 1 : 517 . كما أخرجه الكشي في رجاله : 235 | 428 في ترجمة سالم بن أبي حفصة .
(3) الاِمام الصادق | أبو زهرة : 194.
حديث : (إنَّ الارض لاتخلو من قائم لله بحجة) :
وهذا الحديث قد احتج به الطرفان أيضاً وأوردوه من طرق عدّة(1).
وقد رواه كميل بن زياد النخعي الجليل الثقة عن أمير المؤمنين عليه السلام كما في نهج البلاغة ، قال عليه السلام ـ بعد كلام طويل ـ : «اللّهم بلى ! لا تخلو الارض من قائم لله بحجة» .
وعدم خلو الارض من قائم لله بحجة لايتم مع فرض عدم ولادة الاِمام المهدي عليه السلام ، وقد تنبه لهذا ابن أبي الحديد حتى قال في شرح هذه العبارة : (كي لايخلو الزمان ممن هو مهيمن لله تعالى على عباده ، ومسيطر عليهم. وهذا يكاد يكون تصريحاً بمذهب الامامية ، إلاّ أن اصحابنا يحملونه على ان المراد به الابدال)(2).
وقد فهم ابن حجر العسقلاني منه انه اشارة إلى مهدي أهل البيت عليهم السلام فقال ما نصه : « وفي صلاة عيسى عليه السلام خلف رجل من هذه الاَُمّة مع كونه في آخر الزمان ، وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الاقوال : ان الاَرض
____________
(1) أورد هذا الحديث الاسكافي المعتزلي في المعيار والموازنة : 81 ، وابن قتيبة في عيون الاخبار : 7 ، واليعقوبي في تاريخه 2 : 400 ، وابن عبد ربه في العقد الفريد 1 : 265 ، وأبو طالب المكي في قوت القلوب في معاملة المحبوب 1 : 227 ، والبيهقي في المحاسن والمساوئ : 40 ، والخطيب في تاريخه 6 : 479 في ترجمة اسحاق النخعي ، والخوارزمي الحنفي في المناقب : 13 ، والرازي في مفاتيح الغيب 2 : 192 وابن أبي الحديد في شرح النهج كما سيأتي ، وابن عبد البر في المختصر : 12 والتفتازاني في شرح المقاصد 5 : 241 وابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري 6 : 385.
وقد أخرجه الكليني من طرق عن أمير المؤمنين عليه السلام في أُصول الكافي 1 : 136 | 7 و 1 : 270 | 3 و 1 : 274 | 3 ، والصدوق في كمال الدين 1 : 287 | 4 ب 25 و 1 : 289 ـ 294 | 2 ب 26 من طرق كثيرة و 1 : 10302 ب 26 .
(2) شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد 18 : 351.
لاتخلو من قائم لله بحجة)(1).
أقول : ومما يقرب دلالة العبارة في النهج على الاِمام المهدي هو ما اتصل بها من كلام أمير المؤمنين عليه السلام . وهذا نصه : «يا كميل بن زياد ، ان هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، فاحفظ عني ما أقول لك : الناس ثلاثة: فعالم ربانيّ ، ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ـ إلى ان قال عليه السلام ـ اللّهم بلى ! لاتخلو الارض من قائم لله بحجة ، إمّا ظاهراً مشهوراً ، واما خائفاً مغموراً ؛ لئلا تبطل حجج الله وبيناته»(2).
ومن هنا جاء في الحديث الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء الخفاف قال : «قلت لابي عبدالله عليه السلام : تكون الارض ليس فيها امام ؟ قال : لا... الحديث»(3).
واذا ما أضيف هذا إلى حديث الثقلين ، وحديث من مات ، وحديث (الخلفاء اثنا عشر) الآتي ، علم ان الاِمام المهدي لو لم يكن مولوداً حقاً لوجب ان يكون من سبقه حيا إلى قيام الساعة، ولكن لا أحد يقول من المسلمين بحياة امام غير المهدي عليه السلام ثاني عشر أهل البيت وهم من عينت الصحاح عددهم ، وبينت كتب المناقب اسماءهم .
أحاديث : (الخلفاء اثنا عشر) :
أخرج البخاري بسنده عن جابر بن سمرة قال : «سمعت النبي
____________
(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري 6 : 385.
(2) شرح نهج البلاغة | الشيخ محمد عبده 4 : 691 | 85 ، وشرح ابن أبي الحديد 18 : 351.
(3) أُصول الكافي 1 : 136 | 1 باب ان الارض لاتخلو من حجة وسند الحديث هو : «عدة من اصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن الحسين بن أبي العلاء عن الاِمام الصادق عليه السلام».
صلى الله عليه وسلم يقول : « يكون اثنا عشر أميراً » ، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي : إنّه قال: « كلّهم من قريش»(1).
وفي صحيح مسلم : «ولا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»(2).
وفي مسند أحمد بسنده عن مسروق قال : « كنا جلوساً عند عبدالله بن مسعود وهو يقرأ القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن ! هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم يملك هذه الاَُمّة من خليفة ؟ فقال عبدالله : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ، ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اثني عشر كعدة نقباء بني إسرائيل »(3).
ويستفاد من هذه الاَحاديث أُمور ، وهي :
1 ـ إن عدد الاَُمراء أو الخلفاء لايتجاوز الاثني عشر وكلّهم من قريش بلا خلاف . وهذا العدد ينطبق تماماً مع ماتعتقده الشيعة بعدد الاَئمة وهم كلّهم من قريش.
قد يقال : ان التعبير بـ (الامراء أو الخلفاء) لاينطبق مع واقع الاَئمة عليهم السلام ، والجواب واضح جداً ؛ لاَنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أراد بذلك الاِمرة والاستخلاف باستحقاق ، وحاشاه أن يقصد بذلك معاوية ويزيد ومروان وأمثالهم الذين لعبوا ما شاؤوا بمقدرات الاَُمّة .
بل المراد بالخليفة هو من يستمد سلطته من الشارع المقدس،
____________
(1) صحيح البخاري 4 : 164 كتاب الاحكام باب الاستخلاف ، وأخرجه الصدوق عن جابر بن سمرة أيضاً في كمال الدين 1 : 272 | 19 ، والخصال 2 : 469 و 475 .
(2) صحيح مسلم 2 : 119 كتاب الامارة، باب الناس تبع لقريش، أخرجه من تسعة طرق.
(3) مسند أحمد 5 : 90 و93 و97 و100 و106 و107، وأخرجه الصدوق عن ابن مسعود في كمال الدين 1 : 270 | 16.
ولاينافي ذلك ذهاب السلطنة منهم في واقعها الخارجي لتسلط الآخرين عليهم.
ولهذا جاء في (عون المعبود في شرح سنن أبي داود) ما نصه : «قال التوربشتي : السبيل في هذا الحديث ومايتعقبه في هذا المعنى أنه يحمل على المقسطين منهم، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة ولايلزم أن يكونوا على الولاء ، وان قدّر أنّهم على الولاء ، فإنّ المراد منه المسمّون بها على المجاز ، كذا في المرقاة»(1).
2 ـ إنّ هؤلاء الاثني عشر معنيّون بالنص كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل ، قال تعالى : ( ولقد أخذ اللهُ ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا )(2).
3 ـ إن هذه الاَحاديث تفترض عدم خلو الزمان من الاثني عشر جميعاً، وأنه لابدّ من وجود أحدهم ما بقي الدين إلى أن تقوم الساعة.
وقد أخرج مسلم في صحيحه وبنفس الباب ما هو صريح جداً بهذا، إذ ورد فيه : «لايزال هذا الاَمر في قريش ما بقي من الناس اثنان» .(3).
وهو كما ترى ينطبق تمام الانطباق على ما تقوله الشيعة بأنّ الاِمام الثاني عشر (المهدي) حيّ كسائر الاَحياء ، وأنه لابدّ من ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً على وفق ما بشر به جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم .
وغير خاف على أحد أن أهل السنة لم يتّفقوا قطّ على تسمية الاثني عشر حتى إنّ بعضهم اضطر إلى إدخال يزيد بن معاوية ومروان وعبد الملك ونحوهم وصولاً إلى عمر بن عبد العزيز لاَجل اكتمال نصاب الاثني
____________
(1) عون المعبود 11 : 262 شرح الحديث 4259.
(2) المائدة : 5 | 12.
(3) صحيح مسلم 2 : 121.
عشر(1)!!
وهو بلا أدنى شكّ تفسير خاطئ غير منسجم مع نصّ الحديث . إذ يلزم منه خلو جميع العصور بعد عصر عمر بن عبد العزيز من الخليفة بينما المفروض أنّ الدين لايزال قائماً بوجودهم إلى قيام الساعة .
إنّ أحاديث الخلفاء اثنا عشر تبقى بلا تفسير لو تخلّينا عن حملها على هذا المعنى ، لبداهة ان السلطنة الظاهرية قد تولاّها من قريش أضعاف العدد المنصوص عليه في هذه الاَحاديث فضلاً عن انقراضهم أجمع وعدم النصّ على أحد منهم ـ أُمويين أو عباسيين ـ باتفاق المسلمين .
وبهذا الصدد يقول القندوزي الحنفي : (قال بعض المحققين : إنَّ الاَحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان علم أنّ مراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديثه هذا ، الاَئمة اثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لايمكن ان يُحْمَل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عشر ، ولايمكن أن نحمله على الملوك الاُمويّة لزيادتهم على اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم؛ لاَن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : « كلّهم من بني هاشم » ، في رواية عبد الملك ، عن جابر ، وإخفاء صوته صلى الله عليه وآله وسلم في هذا القول يرجّح هذه الرواية : لاَنهم لايُحسنون خلافة بني هاشم . ولايمكن أن يحمل على الملوك العباسية ؛ لزيادتهم على العدد المذكور ، ولقلة رعايتهم...
ويؤيد هذا المعنى ـ أي : أن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاَئمة الاثنا عشر من أهل
____________
(1) أُنظر اقوالهم في كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي 1 : 13 ـ 15 من القسم الاَول ، وتفسير ابن كثير 2 : 34 عند تفسير الآية 12 من سورة المائدة، وشرح العقيدة الطحاوية 2 : 736، وشرح الحافظ ابن القيم على سنن أبي داود 11 : 263 شرح الحديث 4259، والحاوي للفتاوى 2 : 85 .
بيته ـ ويرجّحه حديث الثقلين »(1).
ولايخفى أنّ حديث : (الخلفاء اثنا عشر) قد سبق التسلسل التاريخي للاَئمة الاثني عشر وضبط في كتب الصحاح وغيرها قبل تكامل الواقع الاِمامي ، فهو ليس انعكاساً لواقع وإنّما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لاينطق عن الهوى ، فقال : «الخلفاء بعدي اثنا عشر» ليكون ذلك شاهداً ومصدقاً لهذا الواقع المبتدئ بأمير المؤمنين علي والمنتهي بالامام المهدي عليهم السلام وهو التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث(2).
فالصحيح إذن أن يعتبر الحديث من دلائل النبوّة في صدقها عن الاِخبار بالمغيّبات، أمّا محاولات تطبيقه على من عرفوا بنفاقهم وجرائمهم وسفكهم للدماء من الاُمويين والعباسيين وغيرهم فهو يخالف الحديث مفهوماً ومنطوقاً على الرغم مما في ذلك من إساءة بالغة إلى مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ يعني ذلك انه أخبر ببقاء الدين إلى زمان عمر بن عبد العزيز مثلاً ، لا إلى ان تقوم الساعة !!
____________
(1) البيان في أخبار صاحب الزمان | الكنجي الشافعي : 482.
(2) المهدية في الاِسلام | الاستاذ الازهري سعد محمد حسن : 69.
وأُخرى عند أهل السنة مصرحة بعدد الاَئمة تارة كما في الصحاح ، ومشخصة لاَسمائهم كما في كتب المناقب وغيرها وإلى جانب هذا توجد جملة من الاَحاديث المتّفق على صحّتها تدلّ على حياة المهدي ما بقي في الناس اثنان ، وهذا لايتمّ إلاّ بتقدير كونه التاسع من ولد الاِمام الحسين عليه السلام . وسوف لن نذكر من تلك الاحاديث إلاّ ما احتُجَّ به في كتب الفريقين.
حديث الثقلين :
مما لا شكّ فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد انتقل إلى الرفيق الاَعلى والسنة لم تدوّن بكل تفاصيلها في عهده ، وهو منزّه عن التفريط برسالته المحكوم ببقائها إلى يوم القيامة ، ومنزّه أيضاً عن إهمال أُمته مع نهاية رأفته بهم وشفقته عليهم ، فكيف يوكلهم إلى القرآن الكريم وحده مع ما فيه من محكم ومتشابه ، ومجمل ومفصّل ، وناسخ ومنسوخ ، فضلاً عمّا في آياته من وجوه ومحامل استخدمت للتدليل على صحة الآراء المتباينة كما نحسّ ونلمس عند أرباب المذاهب والفرق الاسلامية .
هذا ، مع علمه صلى الله عليه وآله وسلم بأنه قد كُذِب عليه في حياته فكيف الحال إذن بعد وفاته ، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي اتخذ بكتب الدراية مثالاً على التواتر اللفظي : «من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» .
فمن غير المعقول إذن أن يدع النبي شريعته مسرحاً لاجتهادات الآخرين من دون أن يحدد لهم مرجعاً يعلم ما في القرآن حق علمه، وتكون السنة معلومة بكل تفاصيلها عنده .
وهذا هو القدر المنسجم مع طبيعة صيانة الرسالة ، وحفظها ، ومراعاة استمرارها منهجا وتطبيقاً في الحياة .
ومن هنا تتضح أهمية حديث الثقلين (القرآن والعترة) ، وقيمة إرجاع الاَمّة فيه إلى العترة لاَخذ الدين الحق عنهم ، كما تتضح أسباب التأكيد عليه في مناسبات مختلفة ونُوَب متفرقة، منها في يوم الغدير ، وآخرها في مرضه الاَخير .
فعن زيد بن أسلم ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : «كأنني قد دُعِيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله، وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، إنّ الله مولاي ، وأنا ولي كل مؤمن . من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه»(1).
وعن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : «إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2)، هذا فضلاً عن تأكيده صلى الله عليه وآله وسلم المستمر على الاقتداء بعترته أهل بيته ، والاهتداء بهديهم، والتحذير من مخالفتهم ، وذلك بجعلهم تارة كسفن للنجاة ، وأُخرى أماناً للاَُمّة ، وثالثة كباب حطّة .
وفي الواقع لم يكن الصحابة بحاجة إلى سؤال واستفسار من النبي لتشخيص المراد بأهل البيت ، وهم يرونه وقد خرج للمباهلة وليس معه غير أصحاب الكساء وهو يقول : «اللّهم هؤلاء أهلي» وهم من أكبر الناس معرفة بخصائص هذا الكلام ، وإدراكاً لما ينطوي عليه من قصر
____________
(1) مستدرك الحاكم 3 : 109.
(2) سنن الترمذي 5 : 662 | 3786، وحديث الثقلين قد روي عن أكثر من ثلاثين صحابياً، وبلغ عدد رواته عبر القرون المئات. راجع حديث الثقلين تواتره، فقهه، للسيد علي الحسيني الميلاني : 47 ـ 51. فقد ذكر فيه بعض الرواة وفيه الكفاية.
واختصاص . وإلا فتسعة أشهر وهي المدّة التي أخبر عنها ابن عباس في وقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على باب فاطمة صباح كل يوم وهو يقرأ : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )(1)كافية لاَن يعرف الجميع من هم أهل البيت عليهم السلام .
ومع هذا فلا معنى لسؤالهم واستفسارهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمّن يعصموا الاَُمّة بعده من الضلالة إلى يوم القيامة فيما لو تمسكت بهم مع القرآن.
فحاجة الاَُمّة ـ والصحابة أيضاً ـ ليس أكثر من تشخيص أولهم ليكون المرجع للقيام بمهمته بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يأخذ دوره في عصمة الاَُمّة من الضلالة ، وهو بدوره مسؤول عن تعيين من يليه في هذه المهمة، وهكذا حتى يرد آخر عاصم من الضلالة مع القرآن على النبي الحوض.
وإذا علمت أن علياً عليه السلام قد تعيّن بنصوص لاتحصى ، ومنها في حديث الثقلين نفسه ، فليس من الضروري إذن أن يتولّى النبي بنفسه تعيين من يلي أمر الاَُمّة باسمه في كل عصر وجيل ، إن لم نقل إنه غير طبيعي لولا أن تقتضيه بعض الاعتبارات .
فالقياس إذن في معرفة إمام كل عصر وجيل : إمّا أن يكون بتعيينهم دفعة واحدة ، أو بنص السابق على إمامة اللاحق وهو المقياس الطبيعي المألوف الذي دأبت عليه الاَنبياء والاَوصياء عليهم السلام ، وعرفته البشرية في سياساتها منذ أقدم العصور وإلى يوم الناس هذا.
وإذا ما عدنا إلى واقع أهل البيت عليهم السلام نجد النصّ قد توفر على إمامتهم بكلا طريقيه، ومن سَبَر الواقع التاريخي لسلوكهم علم يقيناً بأنهم ادعوا لانفسهم الاِمامة في عرض السلطة الزمنية ، واتخذوا من أنفسهم كما
____________
(1) الاحزاب : 33 | 33 . وانظر روايات وقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على باب فاطمة وهو يقرأ الآية في تفسير الطبري : 22 | 6 .
اتخذهم الملايين من أتباعهم أئمة وقادة للمعارضة السلمية للحكم القائم في زمانهم، مع إرشاد كل إمام أتباعه على من يقوم بأمر الاِمامة من بعده، وعلى هذا جرت سيرتهم ، فكانوا عرضة للمراقبة والسجون والاستشهاد بالسم تارة ، وفي سوح الجهاد تارة أُخرى وعلى أيدي القائمين بالحكم أنفسهم.
ثم لو فرض أنّ أحدهم لم يعيّن لاَتباعه من يقوم بأمر الاِمامة من بعده، مع فرض توقف النص عليه ، فإنّ معنى ذلك بقاء ذلك الاِمام خالداً مع القرآن في كل عصر وجيل ؛ لاَنّ دلالة «لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» على استمرار وجود إمام من العترة في كل عصر كاستمرار وجود القرآن الكريم ظاهرة واضحة ، ولهذا ذهب ابن حجر إلى القول : «وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة ، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أمانا لاَهل الاَرض ، ويشهد لذلك الخبر :«في كلِّ خَلَفٍ من أُمتي عدول من أهل بيتي»(1).
حديث : (من مات ولم يعرف إمام زمانه) :
سُجّل هذا الحديث ـ بألفاظٍ مختلفةٍ وكلّها ترجع إلى معنىً واحدٍ ومقصدٍ فارد ـ : في أُمهات كتب الحديث السنية والشيعية ، ويكفي على ذلك اتفاق البخاري ومسلم ـ من أهل السنة ـ على روايته(2)، والكليني، والصدوق، ووالده، والحميري، والصفار ـ من الشيعة الاِمامية ـ على
(1) الصواعق المحرقة : 149.
2) صحيح البخاري 5 : 13 باب الفتن ، صحيح مسلم 6 : 21 ـ 22 | 1849 .
روايته أيضاً(1)، وقد أخرجه كثيرون بطرق لا طاقة على استقصائها(2).
اذن الحديث مما لامجال لاحد ان يناقش في سنده ، وان توهم الشيخ أبو زهرة فعدّه من روايات الكافي فحسب !(3).
والحديث كما ترى في تخريجه لايبعد القول بتواتره ، وهو لايحتمل التأويل ولاصرف دلالته الواضحة على وجوب معرفة الاِمام الحق على كل مسلم ومسلمة ، وإلاّ فإنّ مصيره ينذر بنهاية مهولة .
ومن ادعى ان المراد بالامام الذي من لايعرفه سيموت ميتة جاهلية هو السلطان أو الحاكم، أو الملك، ونحو ذلك وان كان فاسقاً ظالماً !! فعليه ان يثبت بالدليل ان معرفة الظالم الفاسق من الدين أولاً ، وان يبين للعقلاء الثمرة المترتبة على وجوب معرفة الظالم الفاسق بحيث يكون من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية .
وعلى أية حال ، فالحديث يدل على وجود امام حق في كل عصر وجيل، وهذا لايتم إلاّ مع القول بوجود الاِمام المهدي الذي هو حق ومن ولد فاطمة عليها السلام كما تقدم . ومما يؤيده :
____________
(1) أُصول الكافي 1 : 303 | 5 و 1 : 308 | 1 ـ 3 و 1 : 378 | 2 ، وروضة الكافي 8 : 129 | 123 ، كمال الدين 2 : 412 ـ 413 | 10 و 11 و 12 و 15 باب 39 ، الاِمامة والتبصرة : 219 | 69 و 70 و 71 ، قرب الاسناد : 351 | 1260 ، بصائر الدرجات : 259 و 509 و 510.
(2) انظر: مسند احمد 2 : 83 و 3 : 446 و 4 : 96 ، مسند أبي داود الطيالسي : 259 ، المعجم الكبير للطبراني 10 : 350 | 10687 ، مستدرك الحاكم 1 : 77 ، حلية الاولياء 3 : 224 ، الكنى والاسماء 2 : 3 ، سنن البيهقي 8 : 156 ، 157 ، جامع الاصول 4 : 70 ، شرح صحيح مسلم للنووي 12 : 440 ، تلخيص المستدرك للذهبي 1 : 77 و 177 ، مجمع الزوائد للهيثمي 5 : 218 و 219 و 223 و 225 و312 ، تفسير ابن كثير 1 : 517 . كما أخرجه الكشي في رجاله : 235 | 428 في ترجمة سالم بن أبي حفصة .
(3) الاِمام الصادق | أبو زهرة : 194.
حديث : (إنَّ الارض لاتخلو من قائم لله بحجة) :
وهذا الحديث قد احتج به الطرفان أيضاً وأوردوه من طرق عدّة(1).
وقد رواه كميل بن زياد النخعي الجليل الثقة عن أمير المؤمنين عليه السلام كما في نهج البلاغة ، قال عليه السلام ـ بعد كلام طويل ـ : «اللّهم بلى ! لا تخلو الارض من قائم لله بحجة» .
وعدم خلو الارض من قائم لله بحجة لايتم مع فرض عدم ولادة الاِمام المهدي عليه السلام ، وقد تنبه لهذا ابن أبي الحديد حتى قال في شرح هذه العبارة : (كي لايخلو الزمان ممن هو مهيمن لله تعالى على عباده ، ومسيطر عليهم. وهذا يكاد يكون تصريحاً بمذهب الامامية ، إلاّ أن اصحابنا يحملونه على ان المراد به الابدال)(2).
وقد فهم ابن حجر العسقلاني منه انه اشارة إلى مهدي أهل البيت عليهم السلام فقال ما نصه : « وفي صلاة عيسى عليه السلام خلف رجل من هذه الاَُمّة مع كونه في آخر الزمان ، وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الاقوال : ان الاَرض
____________
(1) أورد هذا الحديث الاسكافي المعتزلي في المعيار والموازنة : 81 ، وابن قتيبة في عيون الاخبار : 7 ، واليعقوبي في تاريخه 2 : 400 ، وابن عبد ربه في العقد الفريد 1 : 265 ، وأبو طالب المكي في قوت القلوب في معاملة المحبوب 1 : 227 ، والبيهقي في المحاسن والمساوئ : 40 ، والخطيب في تاريخه 6 : 479 في ترجمة اسحاق النخعي ، والخوارزمي الحنفي في المناقب : 13 ، والرازي في مفاتيح الغيب 2 : 192 وابن أبي الحديد في شرح النهج كما سيأتي ، وابن عبد البر في المختصر : 12 والتفتازاني في شرح المقاصد 5 : 241 وابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري 6 : 385.
وقد أخرجه الكليني من طرق عن أمير المؤمنين عليه السلام في أُصول الكافي 1 : 136 | 7 و 1 : 270 | 3 و 1 : 274 | 3 ، والصدوق في كمال الدين 1 : 287 | 4 ب 25 و 1 : 289 ـ 294 | 2 ب 26 من طرق كثيرة و 1 : 10302 ب 26 .
(2) شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد 18 : 351.
لاتخلو من قائم لله بحجة)(1).
أقول : ومما يقرب دلالة العبارة في النهج على الاِمام المهدي هو ما اتصل بها من كلام أمير المؤمنين عليه السلام . وهذا نصه : «يا كميل بن زياد ، ان هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، فاحفظ عني ما أقول لك : الناس ثلاثة: فعالم ربانيّ ، ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ـ إلى ان قال عليه السلام ـ اللّهم بلى ! لاتخلو الارض من قائم لله بحجة ، إمّا ظاهراً مشهوراً ، واما خائفاً مغموراً ؛ لئلا تبطل حجج الله وبيناته»(2).
ومن هنا جاء في الحديث الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء الخفاف قال : «قلت لابي عبدالله عليه السلام : تكون الارض ليس فيها امام ؟ قال : لا... الحديث»(3).
واذا ما أضيف هذا إلى حديث الثقلين ، وحديث من مات ، وحديث (الخلفاء اثنا عشر) الآتي ، علم ان الاِمام المهدي لو لم يكن مولوداً حقاً لوجب ان يكون من سبقه حيا إلى قيام الساعة، ولكن لا أحد يقول من المسلمين بحياة امام غير المهدي عليه السلام ثاني عشر أهل البيت وهم من عينت الصحاح عددهم ، وبينت كتب المناقب اسماءهم .
أحاديث : (الخلفاء اثنا عشر) :
أخرج البخاري بسنده عن جابر بن سمرة قال : «سمعت النبي
____________
(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري 6 : 385.
(2) شرح نهج البلاغة | الشيخ محمد عبده 4 : 691 | 85 ، وشرح ابن أبي الحديد 18 : 351.
(3) أُصول الكافي 1 : 136 | 1 باب ان الارض لاتخلو من حجة وسند الحديث هو : «عدة من اصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن الحسين بن أبي العلاء عن الاِمام الصادق عليه السلام».
صلى الله عليه وسلم يقول : « يكون اثنا عشر أميراً » ، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي : إنّه قال: « كلّهم من قريش»(1).
وفي صحيح مسلم : «ولا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»(2).
وفي مسند أحمد بسنده عن مسروق قال : « كنا جلوساً عند عبدالله بن مسعود وهو يقرأ القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن ! هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم يملك هذه الاَُمّة من خليفة ؟ فقال عبدالله : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ، ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اثني عشر كعدة نقباء بني إسرائيل »(3).
ويستفاد من هذه الاَحاديث أُمور ، وهي :
1 ـ إن عدد الاَُمراء أو الخلفاء لايتجاوز الاثني عشر وكلّهم من قريش بلا خلاف . وهذا العدد ينطبق تماماً مع ماتعتقده الشيعة بعدد الاَئمة وهم كلّهم من قريش.
قد يقال : ان التعبير بـ (الامراء أو الخلفاء) لاينطبق مع واقع الاَئمة عليهم السلام ، والجواب واضح جداً ؛ لاَنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أراد بذلك الاِمرة والاستخلاف باستحقاق ، وحاشاه أن يقصد بذلك معاوية ويزيد ومروان وأمثالهم الذين لعبوا ما شاؤوا بمقدرات الاَُمّة .
بل المراد بالخليفة هو من يستمد سلطته من الشارع المقدس،
____________
(1) صحيح البخاري 4 : 164 كتاب الاحكام باب الاستخلاف ، وأخرجه الصدوق عن جابر بن سمرة أيضاً في كمال الدين 1 : 272 | 19 ، والخصال 2 : 469 و 475 .
(2) صحيح مسلم 2 : 119 كتاب الامارة، باب الناس تبع لقريش، أخرجه من تسعة طرق.
(3) مسند أحمد 5 : 90 و93 و97 و100 و106 و107، وأخرجه الصدوق عن ابن مسعود في كمال الدين 1 : 270 | 16.
ولاينافي ذلك ذهاب السلطنة منهم في واقعها الخارجي لتسلط الآخرين عليهم.
ولهذا جاء في (عون المعبود في شرح سنن أبي داود) ما نصه : «قال التوربشتي : السبيل في هذا الحديث ومايتعقبه في هذا المعنى أنه يحمل على المقسطين منهم، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة ولايلزم أن يكونوا على الولاء ، وان قدّر أنّهم على الولاء ، فإنّ المراد منه المسمّون بها على المجاز ، كذا في المرقاة»(1).
2 ـ إنّ هؤلاء الاثني عشر معنيّون بالنص كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل ، قال تعالى : ( ولقد أخذ اللهُ ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا )(2).
3 ـ إن هذه الاَحاديث تفترض عدم خلو الزمان من الاثني عشر جميعاً، وأنه لابدّ من وجود أحدهم ما بقي الدين إلى أن تقوم الساعة.
وقد أخرج مسلم في صحيحه وبنفس الباب ما هو صريح جداً بهذا، إذ ورد فيه : «لايزال هذا الاَمر في قريش ما بقي من الناس اثنان» .(3).
وهو كما ترى ينطبق تمام الانطباق على ما تقوله الشيعة بأنّ الاِمام الثاني عشر (المهدي) حيّ كسائر الاَحياء ، وأنه لابدّ من ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً على وفق ما بشر به جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم .
وغير خاف على أحد أن أهل السنة لم يتّفقوا قطّ على تسمية الاثني عشر حتى إنّ بعضهم اضطر إلى إدخال يزيد بن معاوية ومروان وعبد الملك ونحوهم وصولاً إلى عمر بن عبد العزيز لاَجل اكتمال نصاب الاثني
____________
(1) عون المعبود 11 : 262 شرح الحديث 4259.
(2) المائدة : 5 | 12.
(3) صحيح مسلم 2 : 121.
عشر(1)!!
وهو بلا أدنى شكّ تفسير خاطئ غير منسجم مع نصّ الحديث . إذ يلزم منه خلو جميع العصور بعد عصر عمر بن عبد العزيز من الخليفة بينما المفروض أنّ الدين لايزال قائماً بوجودهم إلى قيام الساعة .
إنّ أحاديث الخلفاء اثنا عشر تبقى بلا تفسير لو تخلّينا عن حملها على هذا المعنى ، لبداهة ان السلطنة الظاهرية قد تولاّها من قريش أضعاف العدد المنصوص عليه في هذه الاَحاديث فضلاً عن انقراضهم أجمع وعدم النصّ على أحد منهم ـ أُمويين أو عباسيين ـ باتفاق المسلمين .
وبهذا الصدد يقول القندوزي الحنفي : (قال بعض المحققين : إنَّ الاَحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان علم أنّ مراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديثه هذا ، الاَئمة اثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لايمكن ان يُحْمَل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عشر ، ولايمكن أن نحمله على الملوك الاُمويّة لزيادتهم على اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم؛ لاَن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : « كلّهم من بني هاشم » ، في رواية عبد الملك ، عن جابر ، وإخفاء صوته صلى الله عليه وآله وسلم في هذا القول يرجّح هذه الرواية : لاَنهم لايُحسنون خلافة بني هاشم . ولايمكن أن يحمل على الملوك العباسية ؛ لزيادتهم على العدد المذكور ، ولقلة رعايتهم...
ويؤيد هذا المعنى ـ أي : أن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاَئمة الاثنا عشر من أهل
____________
(1) أُنظر اقوالهم في كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي 1 : 13 ـ 15 من القسم الاَول ، وتفسير ابن كثير 2 : 34 عند تفسير الآية 12 من سورة المائدة، وشرح العقيدة الطحاوية 2 : 736، وشرح الحافظ ابن القيم على سنن أبي داود 11 : 263 شرح الحديث 4259، والحاوي للفتاوى 2 : 85 .
بيته ـ ويرجّحه حديث الثقلين »(1).
ولايخفى أنّ حديث : (الخلفاء اثنا عشر) قد سبق التسلسل التاريخي للاَئمة الاثني عشر وضبط في كتب الصحاح وغيرها قبل تكامل الواقع الاِمامي ، فهو ليس انعكاساً لواقع وإنّما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لاينطق عن الهوى ، فقال : «الخلفاء بعدي اثنا عشر» ليكون ذلك شاهداً ومصدقاً لهذا الواقع المبتدئ بأمير المؤمنين علي والمنتهي بالامام المهدي عليهم السلام وهو التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث(2).
فالصحيح إذن أن يعتبر الحديث من دلائل النبوّة في صدقها عن الاِخبار بالمغيّبات، أمّا محاولات تطبيقه على من عرفوا بنفاقهم وجرائمهم وسفكهم للدماء من الاُمويين والعباسيين وغيرهم فهو يخالف الحديث مفهوماً ومنطوقاً على الرغم مما في ذلك من إساءة بالغة إلى مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ يعني ذلك انه أخبر ببقاء الدين إلى زمان عمر بن عبد العزيز مثلاً ، لا إلى ان تقوم الساعة !!