السيد محسن الغريفي
يمثل تشكيل لجنة مكوّنة من رواديد، وشعراء، ومهندسي صوت، وعلماء دين كما ورد في توصيات مؤتمر عاشوراء الثالث؛ لتقوم بعمليّة الرّقابة ومتابعة ما يُطرح في الساحة من إصدارات نقطة جوهريّة ومهمّة، وتعتبر من التوصيات العمليّة جدًّا للمؤتمر والتي إنْ تمّ التحرك عليها بشكل جادٍّ، فإنّه ستكون لها من النتائج الكبيرة، والآثار المهمة الشيئ الكثير.
لقد تعرّض مؤتمر عاشوراء الثالث من خلال بعض جلساته التحضيريّة، وورش العمل التخصصية التي أقيمت قبل المؤتمر إلى موضوع مهمّ وخطير في آنٍ واحد، ويشغل الساحة حاليًّا وهو موضوع الإصدارات الحسينيّة خصوصًا والدينيّة عمومًا حيث يثور لغط كبير حول مشروعيّة بعض هذه الإصدارات (خصوصًا الجديدة منها)، ومدى مطابقتها للضوابط الشرعيّة، وبالتالي مدى ما يمكن لعامّة النّاس وخصوصًا فئة الشباب التي تهوى وتعشق هذه الإصدارات للاستفادة منها، ولماذا (على فرض وجود هذه الإشكالات) استشرت هذه الظاهرة؟ وأين هو موقف العلماء؟
ولماذا هذا السكوت من قبلهم عنها؟
لا شك أنّ المتابع لحركة الإصدارات الدينيّة عمومًا والحسينيّة خصوصًا يلحظ التطوير الذي طرأ عليها من مختلف النواحي سواء من جهة المضمون أم من جهة الأداء وأشكاله وآلياته، والأمور المرتبطة بالإخراج والإعلان والتوزيع والتسويق وغيرها من الجهات، وهو تطور مهم ولا شكّ أنّه يسهم في تقوية وانتشار حركة الإصدارات الحسينيّة بشكل عام، وهي حركة إلى الأمام تُحسب لكلّ المشاركين في هذه النقلة النوعيّة من شعراء، ومنشدين، ومخرجين، ومهندسي صوت، ومصمّمين، وفنّيين، وغيرهم، ونحن بدورنا لا نملك إلا الشدّ على أيديهم في ذلك، وتشجيعهم، ودعمهم، ودفعهم إلى تحقيق المزيد في هذا الطريق الذي يحقِّق انتشارًا لرسالة الإسلام، وقِيمه، وتعاليمه، وأهدافه، ومبادئه من خلال ثورة أبي الاحرار الإمام الحسين (عليه السلام)، ويتعاطى مع قضايا الأمّة وهمومها، وكلّ ما يهمّ من شؤونها في حركة وعي مدروس، وناضج تتفاعل معه شرائح الأمّة على اختلافها بكلّ فهم، وتدبر، وعناية، والتزام.
ولكنّنا ونحن نعيش هذه النقلة النوعيّة، وهذه الانطلاقة الجادّة والمباركة - إنْ شاء الله - لا بدّ من أنْ نتوقّف قليلاً؛ لنقيّم ونحلل آفاق هذا التطوير، والأهداف، والغايات التي حقّقها، ونسلط الضوء على مسيرة هذا العطاء؛ لنتلمّس جوانبه الإيجابيّة، فنؤكّد عليها، ونعمل على تثبيتها، وتركيزها، ونستخرج مواقع الضعف والخلل؛ لنعمل على سدّها ومعالجتها، كي لا تؤثِّر سلبًا على هذه المسيرة المتقدمة والمتحركة للأمام.
والتأكيد على ضرورة المراجعة لا يمثّل حالة ترفيّة كماليّة بقدر ما يحمل من الأهمية الشيئ الكبير، ويمثّل موقع الضرورة القصوى في كلّ ما يرتبط بحركة الإنسان المؤمن وخطواته ومشاريعه، وهو أيضًا لا يحمل تقليلاً من شأن أحد، ولا يمثل انتقاصًا لأيّ عامل ومتحرك في هذا المجال الذي نفخر ونعتز بكلّ الفاعلين المخلصين والملتزمين فيه في كلّ المجالات.
ونحن حينما نعيش المراجعة والتقييم لمجموعة من هذه الإصدارات، ونلحظ ما يُطرح من ملاحظات وإشكالات يمكن أنْ نحدّد ذلك في إطار محاور معيّنة ترتبط باللّحن المستخدم، والإيقاعات والمؤثرات المستعملة في هذه الإصدارات، بالإضافة الى مسألة إدخال واستعمال أدوات الموسيقى والعزف بأنواعها المختلفة، هذا مع قصر النّظر على جانب الأداء والألحان فقط، وإلا فمن الضروري أيضًا التوقّف عند مضامين الكلمات التي تشكّل جوهر هذه الإصدارات.
إنّنا حينما نتأمّل الهدف الأساسيّ من الإصدارات الحسينيّة بالخصوص، والغاية التي تسعى للوصول إليها نتصوّر أنّ ذلك يتمثّل في حفظ التراث الحسينيّ، وتقديم الرؤية الدينيّة الأصيلة للأمّة، ومعالجة قضاياها المختلفة (فكريّة، وثقافيّة، واجتماعيّة، وسياسيّة)، والشعر، والقصيد طريق مهمّ لتحقيق ذلك، ولا شكّ أنّ الهدف الأكبر هو التقرب الى الله سبحانه وتعالى، ونيل رضوانه.
هذا كله من ناحية المضمون، ولا كلام لنا هنا فعلاً مع ذلك.
أمّا من ناحية الشكل والأداء، فلا شكّ أنّ الأداء الحسن يلقى قبولاً في النّفس مع سهولة الاستقبال والتّعاطي مع الفكرة، من خلال الأداء الرّاقي والمحبّب، ومن هنا كانت قراءة القرآن بالصوت الجميل طريقًا لدخول قلوب الكفار والمشركين، وكان لقراءة الأدعية والزيارات دور مؤثِّر في هذا الإطار، ومن هنا فإنّ التطوير في الأداء، والشكل، والقالب بما يساهم في تحقيق الأهداف الأصليّة والرئيسيّة أمر لا غبار عليه، ويمثِّل حاجة مهمة ويلعب دورًا أساسيًّا ومطلوبًا.
أين تكمن المشكلة؟ .......................................... (يتبع) قريبا
