لقد ضرب الإمام الحسين سلام الله عليه أروع الأمثلة في سيرته وتعامله مع أعدائه وقاتليه، ومنها: عندما كان سلام الله عليه في طريقه إلى كربلاء، اعترضته عصابة من ألف فارس، مدججين كلّهم بالسلاح، وعلى رأسهم الحر بن يزيد الرياحي، وكانت مهمتهم القبض على الإمام سلام الله عليه وتسليمه إلى ابن زياد لعنة الله عليه، وأعلنوا مهمتهم هذه للإمام. وكان الإمام سلام الله عليه يعلم علم اليقين أن هذه العصابة ـ عدا الحُر ـ سيشتركون في إراقة دمه الطاهر وقتله في يوم عاشوراء وقتل أهل بيته وأصحابه سلام الله عليهم أجمعين، وكان يعلم أن هؤلاء من أبغض الخلق إلى الله تعالى، لكنه سلام الله عليه رآهم عطاشا فسقاهم الماء، ولم يمنعه من ذلك كونهم أعداء له وسيشتركون في جريمة قتله.
تقول الروايات: فقال الحسين سلام الله عليه لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشّفوا الخيل ترشيفاً. ففعلوا وأقبلوا يملئون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه، وسقى آخر حتى سقوها عن آخرها. فقال علي بن الطعان المحاربي: كنت مع الحر يومئذ فجئت في آخر من جاء من أصحابه فلما رأى الحسين ما بي وبفرسي من العطش قال: أنخ الراوية ـ والراوية عندي السقاء ـ ، ثم قال: يا ابن الأخ أنخ الجمل، فأنخته، فقال: اشرب، فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسين: اخنث السقاء ـ أي اعطفه ـ، فلم أدر كيف أفعل، فقام فخنثه فشربت وسقيت فرسي. (1)
ففي جبهة أي حرب تجدون تعاملاً كهذا؟!
هكذا كان الإمام الحسين سلام الله عليه وهكذا يجب علينا أن نكون ونتعلّم منه سلام الله عليه.
*/ من كلمة لسماحته ألقاها بعدد من العاملين في إذاعة وتلفزيون كربلاء المقدسة في الخامس من شهر رمضان المبارك 1424 للهجرة.
1) الإرشاد/ للشيخ المفيد قدّس سرّه/ الجزء 2/ ص78.
بعد استشهاد مولانا الإمام الباقر صلوات الله عليه قال سالم بن أبي حفصة لأصحابه: انتظروني حتى أدخل على أبي عبد الله جعفر بن محمد سلام الله عليهما فأُعزّيه، فدخلت عليه فعزّيته، ثم قلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ذهب والله مَن كان يقول (قال رسول الله صلى الله عليه وآله) فلا يسأل عمّن بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله، لا والله لا يُرى مثله أبداً.
قال: فسكت أبو عبد الله سلام الله عليه ساعة، ثم قال: قال الله عزّوجلّ إنّ من عبادي مَن يتصدّق بشق تمرة فأُربّيها له فيها كما يربّي أحدكم فُلوّه حتى أجعلها له مثل أُحد.
فخرجت إلى أصحابي فقلت: ما رأيت أعجب من هذا، كنّا نستعظم قول أبي جعفر سلام الله عليه (قال رسول الله صلى الله عليه وآله) بلا واسطة فقال لي أبو عبد الله سلام الله عليه: قال الله عزّ وجلّ بلا واسطة»(1).
*/ من حديث لسماحته بالعلماء والفضلاء في ليالي شهر رمضان المبارك لعام 1427 للهجرة (بين يدي المرجع لسنة 1427 للهجرة ـ الليلة الثامنة عشرة).
1) الأمالي للشيخ المفيد/ المجلس الثاني والأربعون يوم السبت 27 رمضان سنة 411 للهجرة/ ص354/ ح7.
نقل عن حسن سريرة المقدس الأردبيلي مرجع الشيعة في زمانه وسيرته ما يقف له الإنسان حائراً متعجباً؛ إذ قيل إنه كان ذات يوم يمشي في صحن مرقد الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، فسأله أحد الزائرين ـ دون علمه بمن يكون ـ عما إذا كان يعرف محلاً خاصاً بغسل الملابس، فقال له المقدس الأردبيلي:
أنا أغسلها لك بنفسي! ضارباً بذلك كل ما يمكن أن يكون عذراً قد يحول ما بين الإنسان وبين أداء الخدمة للمؤمنين والزائرين، الأمر الذي يكشف عن حقيقة السريرة الطاهرة لهذا الرجل النادر المثال، فقام بغسل ملابس الرجل الزائر، وعاد إليه بها في الوقت المحدّد لتسليمها، فشاهده بعض من يعرفه، فقال للزائر:
هل تعرف من غسل ملابسك؟ إنه المرجع الأعلى!
فأخذ الرجل يبدي كل الاعتذار، فردّه المقدس الأردبيلي قائلاً: إنما أنت صاحب الفضل عليّ، لأنك من زوّار أمير المؤمنين سلام الله عليه..
يُنقل أنّ الإمام سلام الله عليه، كان قد كافأه بأن كان يرحّب به في أيّ وقت أراد الزيارة حيث كانت الأبواب تفتح له دون مفتاح. وما أعظم ذلك من قدسية وفضل!
نسأل الله سبحانه وتعالى ببركة أهل البيت سلام الله عليهم أن يوفّقنا لحسن السيرة وسكون الريح.
*/ من محاضرة (حسن السيرة وقوة الشخصية) وهي من سلسلة (محاضرات في شرح دعاء مكارم الأخلاق). ألقاها سماحته في 24 ذي القعدة الحرام 1420 للهجرة.
عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (الصادق) سلام الله عليه قال: قال لي: «يا معاوية! لا تدع زيارة قبر الحسين سلام الله عليه فإنّ من تركه رأى من الحسرة ما يتمنّى أنّ قبره كان عنده، أما تُحبّ أن يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله صلى الله عليه وآله، وعليّ، وفاطمة، والأئمة سلام الله عليهم، أما تُحبّ أن تكون ممن ينقلب بالمغفرة لما مضى ويُغفر له ذنوب سبيعين سنة، أما تُحبّ أن تكون غداً ممن يخرج وليس عليه ذنب يُتبع به، أما تُحبّ أن تكون غداً ممّن يصافحه رسول الله صلى الله عليه وآله» (1) .
يرى العلماء، ومنهم شيخ الطائفة الطوسي رضوان الله عليه ـ وكذلك المرجع الراحل السيد الشيرازي قدّس سرّه ـ في معنى هذا الحديث أن الأشخاص الذين لم يزوروا الإمام الحسين سلام الله عليه سيتمنّون في يوم القيامة لو أنهم ذهبوا إلى زيارته واستشهدوا في ذلك السبيل ودفنوا عنده.
إن هذا الحديث يبيّن عظمة وأهمية زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه وأجرها العظيم من الله تعالى، لأن معنى الحديث أن الذين لم يزوروا الإمام سلام الله عليه في الحياة الدنيا سيعرفون عظمة الأجر الذي فاتهم فيندمون ويتحسّرون ويتمنّون لو أنهم كانوا قد ذهبوا للزيارة وإن استشهدوا في سبيلها.
* /من كلمة لسماحته ألقاها في شهر صفر المظفر عام 1426 للهجرة بجمع من الشباب المؤمنين من مدينتي أصفهان ويزد الذين عاشوا حالة الانتظار للسفر إلى كربلاء المقدّسة لزيارة الإمام الحسين سلام الله عليه.
1) الكامل في الزيارات/ الباب الخامس والأربعون ثواب من زار الحسين وعليه خوف/ ص126/ح3.
إن زيارة مولانا سيد الشهداء سلام الله عليه خصوصاً في الليالي والأيام والمناسبات الخاصة مهمة جداً وذات قدر عظيم، ولها آداب خاصّة ينبغي للزائر مراعاتها كما في الرواية التالية:
«عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله سلام الله عليه قال: قلت له: إذا خرجنا إلى أبيك أَفَكُنا [أفلَسنا] في حجّ؟
قال: بلى.
قلت: فيلزمنا ما يلزم الحاجّ؟
قال:من ماذا؟
قلت: من الأشياء التي يلزم الحاجّ.
قال: يلزمك حسن الصحابة لمن يصحبك، ويلزمك قلّة الكلام إلاّ بخير، ويلزمك كثرة ذكر الله، ويلزمك نظافة الثياب، ويلزمك الغسل قبل أن تأتي الحائر، ويلزمك الخشوع وكثرة الصلاة والصلاة على محمد وآل محمد، ويلزمك التوقير لأخذ ما ليس لك، ويلزمك أن تغضّ بصرك، ويلزمك أن تعود إلى أهل الحاجة من إخوانك إذا رأيت منقطعاً والمواساة، ويلزمك التقية التي قوام دينك بها والورع عمّا نهيت عنه والخصومة وكثرة الإيمان والجدال الذي فيه الإيمان. فإذا فعلت ذلك تم حجّك وعمرتك واستوجبت من الذي طلبت ما عنده بنفقتك واغترابك عن أهلك ورغبتك فيما رغبت أن تنصرف بالمغفرة والرحمة والرضوان»(1).
فعلى الزائر أن يعلم أن كل ما يصدر منه من قول حسن وفعل صالح وهو في طريقه إلى زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه سيكون أجره مضاعفاً، فعليه أن يكون دائم الذكر لله سبحانه، مواظباً على الصالحات، وأن لا يصرف فكره إلاّ بالتمعن في معرفة شأن الإمام وعظمته سلام الله عليه.
إن زوّار الإمام الحسين سلام الله عليه سواء كانوا شيبة أوشباباً، وفقراء أو أغنياء لا يتمايزون عن بعضهم إلاّ في شيء واحد وهو قدر معرفتهم بالإمام سلام الله عليه.
* /من كلمته لسماحته ألقاها بجمع من المؤمنين القاصدين لزيارة كربلاء في 7 شعبان المعظّم 1426 للهجرة.
1) وسائل الشيعة/ ج14/ باب 71 جملة مما يستحبّ للزائر من الآداب/ ص527/ح19750.
اعلموا أن كل ما تقومون به من خدمة في سبيل الإمام الحسين سلام الله عليه فهو يعلمه ويثبّته لكم ليجزيكم الله تعالى به. فقد نقلوا:
أن شخصاً كان يطعم المشاركين في مجالس عزاء الإمام أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه في العشرة الأولى من محرّم كل عام. وفي إحدى السنوات وبعد أن قام بمهمته حتى الليلة التاسعة أوْكَلَ إطعام اليوم العاشر لأبنائه لأنه كان عازماً على السفر للزيارة في اليوم العاشر.
وعندما حلّت ليلة الحادي عشر من المحرّم رأى في منامه الإمام الحسين سلام الله عليه جالساً على المنبر وإلى جانبه أخوه أبو الفضل العباس سلام الله عليه أو ابنه عليّ الأكبر وهو يجرد ما قدّمه محبّوه ويسجّله في كتاب.
وعندما وصل الدور إلى إنجازات هذا الشخص عدّ الإمام كلّ ما قدمه الرجل منذ اليوم الأول حتى العاشر من المحرّم، حتى إذا وصل إلى طعام اليوم العاشر ذكر أنه قدّم كذا من التمر وكذا من التمن وكذا من السمن وكذا من الحبوب وذكر أن اللحم كان لحم بعير. فتعجّب الشخص، وعندما عاد إلى وُلده سألهم عن اللحم الذي طبخوه في اليوم العاشر فقالوا لحم خروف. ولما أنكر عليهم ذلك اعترفوا وقالوا: أنهم رأوه أرخص ولا يعلم به أحد فاستسهلوا الأمر، ولكنهم سألوه مستغربين: من أين عرفت ذلك؟ فقصّ لهم رؤياه.
* /من كلمة لسماحته ألقاها بجمع من رؤساء المواكب الحسينية وشيوخ عشيرة الحميرات من كربلاء المقدسة في صفر المظفّر 1425 للهجرة.
كان الشيخ محمد طه نجف، أحد كبار فقهاء الشيعة ومراجع التقليد في أوائل القرن السابق (الرابع عشر الهجري)، وقد تلمّذ على الشيخ الأنصاري ومن بعده تلمّذ هو ومجموعة زملاء له - منهم الآخوند الخراساني- على المجدّد الشيرازي، وصاروا كلهم مراجع، وبقي الشيخ محمد طه نجف مرجعاً للتقليد حتى وفاته حيث انتقلت المرجعية بعد ذلك إلى الآخوند الخراساني.
فَقَد الشيخ نجف بصره أواخر عمره، وله قصّة أذكرها باختصار؛ لأن على طالب العلم الديني - بل الإنسان المؤمن عموماً - أن يستلهم الدروس من قصص هؤلاء الأعاظم، وينظر هل سيتخذ الموقف المشابه لمواقفهم إن عرضت له حالة مماثلة أم لا.
يقول الشيخ: بدر في ذهني يوماً تساؤل مفاده: كيف أضمن أن يكون كلّ ما أقوم به من أعمال مطابقاً للموازين الشرعية الواقعية؟ وكان الشيخ حينذاك مرجعاً للتقليد والفتوى والحلّ والفصل وقبض الأموال ودفعها ونصب المتولّين في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها.
ولاشكّ أن الشيخ كان يراعي في تلك الأعمال الموازين الشرعية وكان محتاطاً فيها، وكانت صحيحة حسب ما تقوده الأدلّة، ولكنه كان يخشى أن تنكشف له بعد الموت أنّ بعضها كان باطلاً بسبب قصوره، وإن كان معذوراً لأنه لم يكن مقصّراً في استفراغ الجهد للوصول إلى وظيفته الشرعية وتكليفه.
يقول الشيخ: كنت أخشى مثلاً أني أعطيت ما لزيد لعمرو، أو حكمت بوقفية ملك وحرمت أصحابها منه - ولم يكن كذلك مثلاً - أو العكس، فستطول حسرتي، فماذا ينبغي لي أن أعمل لكي أتخلّص من هذه المشكلة؟ وفكّرت مع من أطرح هذه القضية؟ هل أطرحها على بعض العلماء الأتقياء الزهّاد الموجودين في النجف الأشرف؟ ولكني أجبت نفسي بالقول إن أيّاً منهم لا يشفي غليلي لأنه مثلي يعرف نفس الأدلّة المتداولة التي أعرفها وهي الكتاب والسنّة والعقل والإجماع، ولو طرحت إشكالي على أيّ منهم لأجابني بالجواب الذي أعرفه أيضاً: وهو أن الواجب استفراغ الجهد وأن أحكامنا ظنّية و... .
فقرّرت التوسّل بالإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، ومرّت مدة طويلة لم تنقطع توسّلاتي بالإمام سلام الله عليه ولكني لم أحصل على نتيجة وجواب، حتى بصورة غير مباشرة كأن يحصل في داخلي نور أو التفت إلى شيء، أو أحدٍ فأفهم أن أعمالي صحيحة فأطمئنّ، أم ليست بصحيحة فأتوقّف. ولكني لم أقطع الأمل من الإمام فتوسّلت للمرة الثانية والثالثة والعاشرة والعشرين والخمسين والمئة... ولا نتيجة؟
وقلت مع نفسي: لعلّ هناك مصلحة في التأخير فلا ينبغي أن أيأس بل اللازم أن أواصل الدعاء والإلحاح في الطلب، وبقيت على ذلك زماناً حتى أصِبت بلوعة في أحد الأيام وكنت في روضة الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه عند ضريحه المقدّس، فخاطبته عاتباً: سيدي لقد طال توسّلي بكم ولم تجيبوني، وأنا لم أطلب منكم المال لأني تعلّمت من رواياتكم أن من يريد شيئاً فعليه أن يطلبه من مظانّه وعلى طالب المال أن يتاجر ويكتسب.
ولم أطلب العلم الظاهري فإني أعرف أن جوابكم لمسألتي حسب العلم الظاهري هو أن عليك أن تذهب وتتعلّم حتى تزداد علماً. ولم أطلب منكم شفاء مرض في بدني لترشدوني إلى طبيب يعالجني أو تمنّوا علي بالشفاء، إن لي حاجة لا يستطيع قضاءها إلاّ أنتم أهل البيت، فلقد أفنيت عمري على أعتابكم، أدرس أحاديثكم، واليوم تمرّ عليّ ثلاث سنوات أطلب منكم جواباً لسؤالي وأريد أن أعرف أنّي مرضيٌ عندكم أم لا، فلماذا لا أحصل على جواب منكم.
يقول الشيخ: وانفعلت كثيراً حتى لقد أصابتني حمى شديدة وعدت إلى البيت ولم أستطع تناول العشاء، وكنت ما زلت ـ رغم إحساسي بالمرض والإعياء ـ أعيش حالة التضرع والتوسل إلى الله تعالى وكان دعائي يخرج من القلب وليس من اللسان، حتى غلبني النوم، فرأيت في عالم الرؤيا الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه وقال لي: أطلب حاجتك من ابني المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
يقول الشيخ: فاستيقظت وتذكّرت أنه كان ينبغي لي من البداية أن أتوجّه بحاجتي إلى الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف لأنه إمام عصرنا، فتوجّهت إليه بالزيارة والدعاء، ولم تمرّ عليّ ثلاثة أيام حتى حضر عندي شخص أدركت بعد ذهابه أنه إمامي الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف، سألني أسئلة فأجبته عليها، ثم التفت إليّ وقال: أنت «مرضيّ عندنا».
صحيح إن الشيخ كان معذوراً لأنه لم يكن مقصّراً، ولكن هل يُعطى المعذور ما يُعطى البصير العارف المطيع الممتثل من الدرجات؟!
فإذا كان الشيخ محمد طه نجف قد بلغ درجة بحيث تشرّف بلقاء الإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف وسمع منه هذا الكلام، فعلينا أن نراجع أنفسنا لئلا نكون مبتلين بخصال نعاب عليها فتحول بيننا وبين درجة القرب من الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
فربّ خصال معيبة فينا ولا نعلم بها أو نعلم بوجودها ولكن لا نعلم أنها معيبة، نسأل الله تعالى أن يخلّصنا منها، وأن نكون - قبل ذلك - أهلاً لإجابة الدعاء؛ لأن هناك شروطاً كثيرة لابدّ أن تتوفّر في الداعي حتى يكون أهلاً لأن تستجاب دعوته، وقد عدّ السيد ابن طاووس ستة عشر شرطاً لاستجابة الدعاء؛ فربّ شخص لا توجد مصلحة في إجابة دعوته.
* /من محاضرة (إصلاح كل أنواع العيوب) وهي من (محاضرات في شرح دعاء مكارم الأخلاق)، ألقاها سماحته بتاريخ 11 شعبان عام 1421للهجرة.
كُتب في حاشية كتاب (وسائل الشيعة) للحرّ العاملي رضوان الله تعالى عليه:
ألّف أحد الشباب كتاباً عن أمير المؤمنين سلام الله عليه... وحيث كان من أهل الكوفة ذات الطابع الشيعي المطلق، فقد التقى عدداً من شخصيات المدينة، وعرض عليهم كتابه، فوقع منهم جميعاً موقع القبول، ثم كشف لهم عن نيّته في نشر هذا الكتاب... ولم تكن في ذلك الزمان مطابع كما هي الآن لتكون عملية النشر عملية يسيرة، وإنما كان الاستنساخ باليد أو القراءة على أسماع الناس هو الطريقة لنشر الكتب.
فاقترح عدد من الشخصيات على المؤلّف الشاب أن لا يخرج به من العراق، وأن يكتفي بنشره في مدنه، نظراً لوجود النواصب وأعداء الشيعة خارج العراق.
ولكنه سألهم عن شرّ الأماكن وأخطرها عداءً للشيعة، فقيل له بأن أسوأ المناطق مدينة أصفهان المعروفة آنذاك بعدائها الكبير لمذهب أهل البيت صلوات الله عليهم.
...فحزم هذا الشاب عدّة سفره واتّجه إلى مدينة أصفهان، وحينما دخلها ذهب إلى أحد مساجدها وأقام فيه مدّة، وبدأ منذ يومه الأول بدعوته الناس إلى أهل البيت سلام الله عليهم... إذ كان يتحيّن الفرصة بعد انتهاء الصلاة في المسجد ليتوجّه إلى القلّة القليلة الباقية في المسجد، فيبدأ حديثه معهم، واستمر في هذه المهمة أياماً وأياماً حتى أقنع مجموعة من المصلّين باعتناق مذهب التشيّع، ولكن خبره أُبلغ إلى حاكم المدينة، الذي اعتقله وقتله... ومنذ ذاك الحين انتشر التشيّع في أصفهان وتحوّلت هذه المدينة إلى مركز مهم لأتباع آل النبي صلوات الله عليهم أجمعين.
نعم؛ لقد كانت همّة هذا الشاب المؤمن المجاهد سبباً مباشراً في هداية أفواج من الناس، ورغم أن أمره انتهى إلى الشهادة، ولكن إنجازه ذاك كان إنجازاً مهمّاً جدّاً في تاريخ التشيّع...
* / من حديث لسماحته بالعلماء والفضلاء في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك لعام 1425 للهجرة (بين يدي المرجع لسنة 1425 للهجرة ـ رقم16).
قال مولانا الإمام محمد الجواد صلوات الله عليه: إن أبا عبد الله [الصادق] سلام الله عليه كان عنده غلام يمسك بغلته إذا هو دخل المسجد [النبوي الشريف]، فبينما هو جالس ومعه بغلة إذ أقبلت رفقة من خراسان، فقال له رجل من الرفقة:
هل لك يا غلام أن تسأله أن يجعلني مكانك وأكون له مملوكاً وأجعل لك مالي كله؟ فإني كثير المال من جميع الصنوف، اذهب فاقبضه وأنا أقيم معه مكانك.
فقال: أسأله ذلك، فدخل على أبي عبد الله، فقال:
جعلت فداك تعرف خدمتي وطول صحبتي، فإن ساق الله إليّ خيراً تمنعنيه؟
قال: أعطيك من عندي وأمنعك من غيري. فحكى له قول الرجل، فقال الإمام:
إن زهدت في خدمتنا ورغب الرجل فينا قبلناه وأرسلناك. فلما ولّى عنه دعاه ـ الإمام ـ فقال له: أنصحك لطول الصحبة ولك الخيار، فإذا كان يوم القيام كان رسول الله صلى الله عليه وآله متعلّقاً بنور الله، وكان أمير المؤمنين عليه السلام متعلّقاً برسول الله، وكان الأئمة متعلّقين بأمير المؤمنين، وكان شيعتنا متعلّقين بنا، يدخلون مدخلنا ويردون موردنا.
فقال الغلام: بل أقيم في خدمتك وأؤثر الآخرة على الدنيا. وخرج الغلام إلى الرجل فقال له الرجل: خرجت إليّ بغير الوجه الذي دخلت به! فحكى له قوله (أي قول الإمام سلام الله عليه).
إنّنا لم نعرف ذلك التاجر كما لا نعرف من كان ذلك الخادم، ولكن هذه القصّة تدلّ على عظمة شخصيّة التاجر والخادم معاً، حيث كان الأوّل على استعداد للتخلّي عن كلّ أمواله في مقابل خدمة الإمام عليه السلام، فيما وعى الخادم من رحلة قصيرة عميقة الأثر وأعرض عن المال الكثير لأجل الله سبحانه والدار الآخرة.
* من محاضرة (الابتعاد عن هوى النفس) من سلسلة محاضرات سماحته دام ظله للطلاب.
/ الخرائج والجرائح/ ج1/ الباب العاشر في معجزات الإمام محمد بن علي التقي عليهما السلام/ ص 390.
روى الكليني رحمة الله تعالى عليه في الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه قال:
«كُنتُ عِندَ أَبِي جَعفَرٍ الثَّانِي سلام الله عليه إِذ دَخَلَ عَلَيهِ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَهْلٍ وَكَانَ يَتَوَلَّى لَهُ الوَقفَ بِقُمَّ فَقَالَ:
يَا سَيِّدِي اجعَلنِي مِن عَشَرَةِ آلافٍ فِي حِلٍّ فَإِنِّي أَنفَقتُهَا.
فَقَالَ لَهُ: أَنتَ فِي حِلٍّ.
فَلَمَّا خَرَجَ صَالِحٌ قَالَ أَبُو جَعفَرٍ سلام الله عليه: أَحَدُهُم يَثِبُ عَلَى أَموَالِ حَقِّ آلِ مُحَمَّدٍ وَأَيتَامِهِمْ وَمَسَاكِينِهِم وَفُقَرَائِهِمْ وَأَبنَاءِ سَبِيلِهِم فَيَأخُذُهُ ثُمَّ يَجِيءُ فَيَقُولُ اجعَلنِي فِي حِلٍّ، أَتَرَاهُ ظَنَّ أَنِّي أَقُولُ لا أَفعَلُ، وَاللَّهِ لَيَسأَلَنَّهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ عَن ذَلِكَ سُؤَالاً حَثِيثاً»(1) .
* من حديث لسماحته بالعلماء والفضلاء في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك لعام 1427 للهجرة (بين يدي المرجع لسنة 1427 للهجرة ـ الليلة السابعة).
1) أصول الكافي/ ج1/ باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس و.../ ص 548/ ح27.